الشيعة الاثنا
عشرية وتكفيرهم لعموم المسلمين
تأليف عبدالله بن محمد السلفي
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين أجمعين
إهـداء
إلى دعاة التقريب
إلى كل مسلم ومسلمة
إلى الباحثين عن حقيقة التشيع الاثني عشري
|
مقدمة فضيلة الشيخ عبدالعزيز
الراجحي |
|
www.dd-sunnah.net |
مقدمة فضيلة الشيخ عبدالعزيز الراجحي
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد اطلعت على البحث الموسوم بـ (الشيعة الاثنا عشرية وتكفيرهم لعموم المسلمين)
تأليف: عبدالله بن محمد السلفي.
فألفيته بحثاً علمياً نقل فيه المؤلف عقيدة الشيعة الاثني عشرية في عموم المسلمين،
وفي الصحابة وفي أهل البيت وفي زوجات النبي (ص)، وفي الخلفاء والقضاة وفي الحكومات
وفي الأمصار الإسلامية، نقل ذلك عن علمائهم ومن مصادرهم التي يعتمدون عليها، فهي
حقائق ثابتة.
فأسأل الله أن ينفع بهذا البحث وأن يثيب المؤلف على جهده وعمله، وأن يوفق من شاء
الله هدايته من الشيعة وغيرهم إلى الحق والصواب.
كما أسأله سبحانه أن يرزق الجميع الإخلاص في العمل والصدق في القول، وأن يثبت
الجميع على الهدى ودين الحق، إنه وليّ ذلك والقادر عليه.
وصلَّى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبيّنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.
كتبه عبدالعزيز بن عبد الله الراجحي
|
مقدمة فضيلة الشيخ عبدالعزيز
الطريفي |
|
www.dd-sunnah.net |
مقدمة فضيلة الشيخ عبدالعزيز الطريفي
الحمد لله حقّ حمده، وصلّى الله وسلّم على نبيّه وعبده . أما بعد..
فإن من أجلّ وأهمّ وجوه الإصلاح، وبيان الحق، معرفة حقيقة مخالفه، وقدر مخالفته،
خاصة إذا جهل ذلك العامة، ووجد من يلبِّس الحق بالباطل، فإن من أعظم وجوه التلبيس،
أن تغيب حقيقة الشر، وعظم خطره . ومن الأمور التي يجب الوقوف عندها، والتعريف بها
عند من يجهلها: تبيان موقف التشيع الغالي ممن يخالفهم من أهل السنة والجماعة
وغيرهم، وبيان عقيدتهم في مخالفيهم، وحكمهم عليهم، من مصنفاتهم وبطون مصادرهم،
وكلام أئمتهم المعتبرين عندهم، الذين تؤخذ عنهم الفتيا في أمور الديانة. وهذه
الرسالة هي إحدى المحاولات في بيان اعتقاد الشيعة في مخالفيهم. وهذا الاعتقاد هو
اعتقاد السواد الأعظم منهم في أقطار العالم الإسلامي كافة، يجب بيانه ومعرفته على
أهل العلم والفكر والسياسة .
بارك الله في الكاتب ونفع به، وسدَّده وأعانه .
قيده عبدالعزيز الطريفي 2/2/1429هـ
مقدمة
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
فابتداءً: يجب أن يعلم المسلم أن عقيدة أهل القبلة على اختلاف مشاربهم يجمعون على
أن شهادة: أن لا إلـه إلا الله وأن محمداً رسول الله شرط لقبول العمل ودخول العبد
تحت مظلة الإسلام.
أما الشيعة الإمامية (الاثنا عشرية) فإنهم يخالفون ذلك، ويقولون إن الله أخذ ميثاق
الخلائق ومواثيق الأنبياء والرسل بالإقرار له سبحانه بالوحدانية ولمحمد بالنبوة
ولعلي بالولاية، ففي الحديث القدسي «أن الله جل جلاله قال: لا أقبل عمل عامل منهم
إلا بالإقرار بولايته مع نبوة أحمد رسولي... فبعزتي حلفت وبجلالي أقسمت أنه لا
يتولى علياً عبدٌ من عبادي إلا زحزحته عن النار وأدخلته الجنة، ولا يبغضه عبدٌ من
عبادي ويعدل عن ولايته إلا أبغضته وأدخلته النار وبئس المصير »(1).
وإنني أستغرب وأتعجب من قوم يتهمون أهل السنة عامةً ودعوة الإمام المجدد محمد بن
عبدالوهّاب خاصةً أنها دعوة تقوم على تكفير المسلمين، بينما نجد أن عقيدة الشيعة
الاثني عشرية وكتبهم القديمة والحديثة تشهد عليهم بأنهم يكفِّرون كل من خالفهم أو
أنكر إمامة أحد أئمتهم المعصومين (الأئمة الاثني عشر). كما سترى النصوص المستفيضة
في تكفيرهم لجميع طوائف المسلمين بل حتى الداخلين معهم تحت مظلة التشيع (كالنصيرية،
والإسماعيلية، والزيدية) لم يسلموا من تكفير الإمامية لهم.
فلا غرابة في ذلك فقد قالوا: إنه لم يناد بشيءٍ كما نودي بالولاية، فالولاية عند
الشيعة هي الركن الركين والشرط الأساسي لقبول العمل.
فقد جاء في أصول الكافي للكليني(2) عن أبي جعفر قال: «ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه
وباب الأشياء ورضا الرحمن تبارك وتعالى الطاعة للإمام بعد معرفته» وذلك الامتثال لا
ينفع إلا بالولاية، إذ هي شرط من شروط قبوله.. بل قالوا عن الصادق كما في أصول
الكافي للكليني(3) أنه قال: «أثافي الإسلام ثلاثة: الصلاة والزكاة والولاية، ولا
تصح واحدة منهن إلا بصاحبتيها».
فالشيعة الإمامية يعتقدون أن المسلم إذا أجهد كل أعضائه بالعبادات والطاعات ولم
يؤمن بالولاية لأهل البيت فستذهب كل أفعاله جفاء كالزبد.
ولهذا عقد المجلسي في كتابه «بحار الأنوار» باباً بعنوان (لا تقبل الأعمال إلا
بالولاية)(4) أي: ولاية علي وتقديمه على الشيخين أبي بكر وعمر والبراءة منهما، وقال
المجلسي أيضاً في الكتاب نفسه: (قد وردت أخبار متواترة أنه لا يقبل عمل من الأعمال
إلا بالولاية)(5).
وهذه الرسالة التي قمت بكتابتها أثبت فيها بالدليل حقيقة من حقائق الشيعة الاثني
عشرية التي يحاولون إخفاءها وهي «تكفيرهم لكل من لم يكن شيعياً اثني عشرياً».
ونحن نعلم يقيناً أن الروافض لا يظهرون هذه العقيدة أمام المسلمين من باب التقية،
لأن دينهم باطني، فيظهرون لنا المودة ويبطنون لنا البغض والكراهية، ونحن لا نكفِّر
أحداً من أهل القبلة إلا إذا أتى بناقض من نواقض الإسلام ثم أقيمت عليه الحجة ثم
أصرَّ على فعله.
وسوف أقوم بإذن الله بذكر تلك المصادر وأسماء قائليها، ورغم هذه النصوص الواضحة في
تكفيرهم لجميع الطوائف الإسلامية إلا أنهم لا يزالون يتظاهرون بالوحدة مع بقية
المذاهب الإسلامية، ويعقدون مؤتمرات التقريب في عواصم المسلمين لتخديرهم، مع أنهم
يؤمنون بأن من خالف عقيدتهم فعمله مردود عليه وهو في الآخرة من الخاسرين والعياذ
بالله.
نسأل الله أن ينصر دينه وأن يعلي كلمته وأن يوحد كلمة المسلمين وأن يخذل المنافقين
والمندسِّين بين الصفوف، وأن يجعل كيدهم في نحورهم..
وصلَّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم
قاله وكتبه عبدالله بن محمد السلفي
غفر الله له ولوالديه ولمشائخه وللمسلمين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر كتاب (بشارة المصطفى لشيعة المرتضى) ص 61.
(2) (1/185)
(3) (2/18)
(4) (27/616)
(5) (8/369)
|
منهج التكفير عند أهل السنة |
|
www.dd-sunnah.net |
منهج التكفير عند أهل السنة
إن التكفير منهج منضبط عند أهل السنة والجماعة، فإن له شروطاً لا بد أن تتحقق
وموانع لا بد أن تنتفي حتى يقع الكفر على الأعيان، وقد يحكم الإنسان بأن الفعل كفر،
ويدرأ عن صاحبه الكفر لجهل أو تأول أو إكراه أو خطأ، فلا يلزم من وصف الفعل بأنه
كفر تكفير الفاعل، ولذا فإن التكفير للأعيان أمر قضائي بمعنى أنه يحتاج إلى استفصال
وتحقيق وسؤال للفاعل حتى يتأكد القاضي أو العالم بأن كل الشروط تحققت، أو كل
الموانع قد انتفت، ويقيم عليه الحجة الرسالية، ثم بعد ذلك يكفَّر؛ لأن التكفير حد
والحدود لا تطبق بالظن، بل لا بد من يقين لا يتطرق إليه الشك، فأي شبهة عارضة تعرض
أمام العالم أو القاضي أو المجتهد فإنها تدرأ عن الإنسان الكفر كما تدرأ عن المسلم
الحد، فإذا كان الإنسان يتورع عن وصف أخيه بأنه زانٍ أو فاسق أو سارق لأنه لم يتيقن
الأمر، فكيف يحل له أن يصفه بالكفر وهو إخراج له من دائرة الإسلام بأمر مظنون؟!
ولذا فإن من دخل في الإسلام بيقين لا يزول عنه إلا بيقين مثله، أو أعلى منه.
قال الشيخ عبدالله بن جبرين حفظه الله تعالى تحت شرحه لقول شيخ الإسلام ابن تيمية
في العقيدة الواسطية [ولا يسلبون الفاسق الملي الإسلام بالكلية، ولا يخلدونه في
النار]: (المذهب الثالث مذهب أهل السنة:
وهو أنه لا يخرج صاحب الكبيرة من الإسلام ولا يدخل في الكفر، ولكن لا يعامل كمعاملة
المسلمين بالمحبة والمودة، ولا يستباح دمه وماله كالكفار، وإنما هو عاصٍ وليس بخارج
من الإيمان.
هذا حكمه في الدنيا، وأما حكمه في الآخرة فتحت مشيئة الله، فإن شاء عفا عنه وغفر له
وأدخله الجنة، وإن شاء عذَّبه في النار بقدر ذنوبه ومآله إلى الإخراج، وذلك لتواتر
الأحاديث عن النبيrأنه لا يبقى في النار أحد من
أهل التوحيد وأهل لا إله إلا الله، وأنه يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله
وكان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، وكذلك الأحاديث التي في شفاعته صلى الله عليه
وسلموأنها نائلة من مات لا يشرك بالله شيئاً، وأشباه ذلك من الأحاديث) (6).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه منهاج السنة النبوية (6/421): والرافضة يزعمون
أنهم يعملون بهذه الآية قوله تعالى: لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ
أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ
اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ
اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) [آل عِمرَان: 28]
ويزعمون أنهم هم المؤمنون، وسائر أهل القبلة كفار مع أن لهم في تكفير الجمهور
قولين، لكن قد رأيت غير واحد من أئمتهم يصرح في كتبه وفتاويه بكفر الجمهور، وأنهم
مرتدون ودارهم دار ردة، يحكم بنجاسة مائها
ويقول الدكتور عبدالله القرني: (فإن التكفير حكم شرعي، لا يطلق على معين إلا بشروطه
الشرعية، ومن ثبت في حقه تلك الشروط، أطلق عليه حكم الردة بلا تردد.
وكما أنه ليس لأحد أن يحكم على قول أو فعل أنه شرك إلا بدليل شرعي، فكذلك ليس لأحد
أن يطلق حكم الردة على معين إلا بضوابط شرعية.
والمسلم إذا تلبس بشيء من مظاهر الشرك لا يلزم أن نحكم عليه بالشرك، بل قد يكون
معذوراً، فلا يحكم بردَّته حتى تتحقق فيه شروط التكفير وتنتفي موانعه، فلا تلازم
بين تلبُّسه بذلك الفعل وبين الحكم عليه بالردة).
ثم قال: (وأما أهل السنة والجماعة فقد هداهم الله لما اختلف فيه من الحق بإذنه،
لالتزامهم بالدليل الشرعي في وصف الفعل وفي حكم الفاعل، فالتزموا بالنصوص الشرعية
في تحديد حكم الفاعل، وتحديد ما هو كفر وما ليس بكفر. والتزموا بها في تحديد شروط
وموانع تكفير المعين. فلم يقولوا بالتكفير
بالعموم دون النظر في تحقيق شروط التكفير وانتفاء موانعه في حق المعين، ولم يتوقفوا
عن إثبات وصف الإسلام لمن ظهر منه إرادة الدخول في الإسلام، أو كان الظاهر منه
التزامه به، بل التزموا بالحق في ذلك كله، ولم يضربوا النصوص بعضها ببعض كما هو شأن
مخالفيهم)(7).
ويقول الشيخ ابن عثيمين: فالواجب قبل الحكم بالتكفير أن ينظر في أمرين:
الأمرالأول: دلالة الكتاب والسنة على أن هذا كفر لئلا يفتري على الله الكذب.
الأمرالثاني:انطباق الحكم على الشخص المعين بحيث تتحقق شروط التكفير في حقه وتنتفي
الموانع.
ومن أهم الشروط أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت كفره لقوله تعالى: وَمَنْ
يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ
سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ
مَصِيراً (115) [النساء: 115 ] . فاشترط للعقوبة بالنار أن تكون المشاقة للرسول من
بعدما تبين الهدى له....
ومن الموانع أن يكره على الكفر لقوله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ
إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ
مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)ِ [النّحل: 106 ]
ومن الموانع أن يغلق عليه فكره وقصده بحيث لا يدري ما يقول لشدة فرح، أو حزن أو
غضب، أو خوف ونحو ذلك لقوله تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا
أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً
رَحِيماً (5)[الأحزَاب: 5 ]
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك أن النبيrقال:
«لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة،
فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من
راحلته، فبينما هو كذلك إذا بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح:
اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح».
ومن الموانع أيضاً أن يكون له شبهة تأويل في المكفر بحيث يظن أنه على حق، لأن هذا
لم يتعمد الإثم والمخالفة فيكون داخلاً في قوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ
فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ
غَفُوراً رَحِيماً (5) [الأحزَاب: 5 ] ولأن هذا غاية جهده فيكون داخلاً في قوله
تعالى : (( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا (([البَقَرَة: 286
] (8).
وسئل أيضاً عن الجهل بالتوحيد فأجاب: (العذر بالجهل ثابت في كل ما يدين به العبد
ربه، لأن الله سبحانه وتعالى قالِ: ((إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا
أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ )) [النِّساء: 163 ] حتى
قال عز وجل : [النِّساء: 165 ] {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ
يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} ولقوله تعالى1 ِ {وَمَا
كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}[الإسرَاء: 15 ] ولقوله تعالى:
{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ
لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ}.[التّوبَة: 115 ]
ولقول النبيr: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي
واحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني لم يؤمن بما جئت به إلا كان من أصحاب النار».
والنصوص في هذا كثيرة، فمن كان جاهلاً فإنه لا يؤاخذ بجهله في أي شيء كان من أمور
الدنيا) (9).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية (2/186، 187).
(7) ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة 15،16.
(8) مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (2/134 ـ 136).
(9) مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (2/127، 128).
|
مقارنة بين الخوارج والشيعة |
|
www.dd-sunnah.net |
مقارنة بين الخوارج والشيعة
أجرى الدكتور الفاضل ناصر العقل حفظه الله مقارنة بين الخوارج والرافضة في كتابه
(الخوارج أول الفرق في تاريخ الإسلام)، وها نحن ننقلها بطولها وذلك لنفاسة مباحثها
ولقرب موضوعها مما نحن بصدده.
قال حفظه الله:
(الخوارج والشيعة ـ كما أسلفت ـ كانت نشأتهما في وقت واحد، ومن منبت واحد، لكن
كثيراً من أصولهما وغاياتهما تختلف. لذلك اتفقت الفرقتان في أمور، وتباينتا في أمور
أخرى.
فقد اتفقت (الخوارج والشيعة) فيما يلي:
1 ـ الغلو:
فقد اتفقتا في أصل الغلو واختلفتا في صوره، فكان غلو الخوارج في تشددهم في الدين
والأحكام، والبراءة وشدة الموقف من المخالفين، وما استلزمه ذلك من التكفير والخروج
والقتال، وكان غلو الشيعة في الأشخاص، حيث غلوا في علي وآل البيت، وغيرهم.
2 ـ الجهل والحمق وقصر النظر:
فكل من الخوارج والشيعة فيهم حمق وجهل وقصر نظر غالباً، ولا أدل على جهل الخوارج من
مواقفهم من الصحابة، وخروجهم على الإمام والجماعة، ولا على جهل الشيعة من غلوهم في
علي مع براءته من فعلهم وتأديبه لطوائف منهم.
3 ـ قلة العلم الشرعي وضعف الفقه في الدين:
أما الخوارج فكانت السمة الغالبة فيهم الاغترار بالعلم القليل، وليس لهم جلد على
طلب العلم والرسوخ فيه.
وأما الشيعة فلا يطلبون العلم على أهله، ولا يأخذونه على أئمة السنة، وأغلب مصادر
علمهم عن أهل الكذب والوضع، وكلا الفرقتين لا يهتم غالباً بالحديث والسنن إلا ما
يوافق أهواءهم.
4 ـ مجانبة السنة والخروج على جماعة المسلمين وأئمتهم:
أما الخوارج فإنها فارقت الجماعة في الاعتقاد والعمل، وخرجت على أئمة المسلمين
بالسيف.
وأما الشيعة فإنها فارقت الجماعة في الاعتقاد والعمل، وترى الخروج بالسيف لكنه
مشروط عندهم بخروج مهديهم الموهوم.
ومع ذلك كانوا يسارعون في الإسهام في كل فتنة تضر بالمسلمين.
5 ـ ترك العمل بالحديث وآثار السلف:
كل من الخوارج والشيعة لا يعتمدون على السنة الصحيحة أو أكثرها إلا فيما يرون أنه
يعضد أهواءهم، ويجانبون آثار السلف.
6 ـ فساد الاعتقاد في الصحابة:
أما الخوارج فيكفِّرون بعض الصحابة، كعلي وعثمان ومعاوية وأبي موسى، وعمرو بن العاص
وأصحاب الجمل وصفين أو أكثرهم، ويسبون بعض السلف ويلمزونهم.
وأما الشيعة (الرافضة) فيكفرون سائر الصحابة ولا يستثنون إلا نفراً قليلاً، ويسبون
كل السلف أئمة الدين فضلاً عن سائر أهل السنة.
7 ـ تكفير المخالف لهم من المسلمين:
الخوارج والشيعة كلهم يكفرون المسلمين الذين يخالفونهم وإن اختلفت أصول التكفير
وأسبابها عند كل فرقة.
فالخوارج كفَّروا بعض الصحابة بسبب التحكيم، عمله أو إقراره، وكفَّروا مرتكب
الكبيرة من المسلمين، وكفروا كل من خالفهم ولم ينضم لمعسكرهم، على اختلاف بينهم في
درجة الكفر (كفر شرك أو كفر نعمة).
أما الرافضة فكما كفَّروا سائر الصحابة وزعموا أنهم مرتدون (إلا نفراً قليلاً لا
يتجاوز السبعة عند بعضهم) فقد كفَّروا سائر أئمة المسلمين وعامتهم.
واختلفت الفرقتان في أمور كثيرة، منها:
1 ـ الشيعة غلت في آل البيت وقدستهم، في حين أن الخوارج الأولين أبغضوهم وناصبوهم
العداء لذلك سموا (ناصبة).
2 ـ الشيعة تعتمد على الكذب في الرواية والتلقي لمصادر الدين، ويكذبون على الخصوم
وعلى أنفسهم، والخوارج لا يكذبون في الدين ولا في الرواية ولا على خصومهم، لأنهم
يرون الكذب من كبائر الذنوب التي توجب التكفير، لكن جهلهم أودى بهم إلى اتباع
أهوائهم.
3 ـ الخوارج يعلنون أقوالهم وعقائدهم ومواقفهم، والشيعة يدينون بالتقية (النفاق) ما
داموا بين ظهراني المسلمين ولم تكن لهم دولة ولا ولاية.
4 ـ الخوارج يلزمون أنفسهم بقتال المخالفين في أكثر الأحوال، أما الشيعة فإنهم
غالباً لا يقاتلون إلا مع إمام من أئمتهم الذين يزعمون أنهم معصومون، ويصفونهم بما
لا يجوز إلا لله تعالى، من علم الغيب، والتصرف في مقاليد الكون ومصادر العباد
وقلوبهم، والتشريع من دون الله، لكنهم مع ذلك يسارعون في كل فتنة تضرُّ بالمسلمين.
5 ـ أكثر الخوارج من الأعراب وأهل الجفاء والغلظة في الطباع. وأكثر الشيعة من العجم
والهمج والرعاع.
6 ـ من طباع الشيعة الخيانة والغدر والكيد الخفي لخصومهم (أهل السنة)، أما الخوارج
فهم بعكس ذلك فإن فيهم صراحة ومعالنة، ويصدعون بالبراء من خصومهم ويعلنون مبادئهم
ومواقفهم من الآخرين لكن بقسوة وعنف.
7 ـ الخوارج صعب قيادهم ولا يسلمون لأحد.
أما الشيعة فهم أهل طاعة عمياء، يتبعون كل ناعق وكل من رفع شعاراتهم وادعى محبة آل
البيت وتقديسهم والانتصار لهم تبعوه، وقد يكون زنديقاً أو فاجراً، ولذلك يكثر فيهم
الدجالون ومدَّعو النبوة، وأهل الفجور والفحش.
8 ـ الخوارج يأخذون بظواهر النصوص دون فقه، ولا اعتبار لدلالة المفهوم، ولا قواعد
الاستدلال، ولا الجمع بين الأدلة، ولا اعتبار عندهم لفهم العلماء، لذا غلبوا نصوص
الوعيد والخوف وأهملوا نصوص الوعد والرجاء.
والشيعة بعكسهم فهم أهل تأويل وتعطيل للنصوص، ولا يأخذون بدلالة النصوص اللغوية ولا
الشرعية، ويفسرونها على هواهم، على النهج الباطني والرمزي والإشاري، ويتبعون
زعماءهم بلا بصيرة، ويزعمون لهم العصمة.
9 ـ الخوارج ليس منهم زنادقة وليس فيهم نفاق.
أما الرافضة فيكثر فيهم وبينهم الزنادقة والمنافقون. لذا تفرعت عنهم المذاهب
الباطنية والإلحادية وكثرت بينهم دعاوي النبوة ودعاوي المهدية، والمتأمل للتاريخ
يجد أكثر المذاهب والنحل الخبيثة والهدامة تنتحل الرفض والتشيع.
10 ـ مصادر التلقي عند الخوارج أسلم من مصادر التلقي عند الرافضة، فالخوارج يتبعون
القرآن بمقتضى فهمهم وإن أخطؤوا في ذلك. أما الرافضة فيتلقون عمن يسمونه المعصوم من
أئمتهم، ويكذبون على الأئمة وغيرهم وعلى الرسول صلى الله عليه وسلمثم هم يصدقون
كذبهم بعد ذلك.
11 ـ الرافضة تقوم أصولهم على البدع والمحدثات والشركيات في الاعتقادات والعبادات
وكثير من الأحكام، أما الخوارج فالبدع الشركية وبدع العبادات والقبورية والصوفية
فيهم قليلة.
12 ـ وبالجملة فإن الرافضة كانوا عبر تاريخ الإسلام أضر على الأمة وأعظم كيداً
للمسلمين، وأكثر محادة لله تعالى ودينه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلموعباده
المؤمنين لأنهم كانوا خوارج من حيث اعتقاد الخروج والعمل عليه وتكفير المسلمين
ويزيدون على الخوارج في ذلك وفي أصولهم الباطلة التي تخصهم، كالإمامة والعصمة
والتقية والرفض والنفاق.
هذا... وقد عقد شيخ الإسلام ابن تيمية مقارنة بين الشيعة (الرافضة) والخوارج في
أكثر من موضع من مصنفاته رأيت من المفيد هنا ذكر طائفة منها، ومن ذلك قوله رحمه
الله تعالى:
«وحال الجهمية والرافضة شر من حال الخوارج، فإن الخوارج كانوا يقاتلون المسلمين
ويدعون قتال الكفار، وهؤلاء أعانوا الكفار على قتال المسلمين وذلوا للكفار، فصاروا
معاونين للكفار أذلاء لهم معادين للمؤمنين أعزاء عليهم، كما قد وجد مثل ذلك في
طوائف القرامطة والرافضة والجهمية النفاة الحلولية، ومن استقرأ أحوال العالم رأى من
ذلك عبراً، وصار في هؤلاء شبه من الذين قال الله فيهم: }أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ
وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا
سَبِيلاً (51 {[النِّساء: 51 ] (10).
وقال:
«وهؤلاء الرافضة إن لم يكونوا شراً من الخوارج المنصوصين فليسوا دونهم، فإن أولئك
إنما كفروا عثمان وعلياً، وأتباع عثمان وعلي فقط، دون من قعد عن القتال، أو مات قبل
ذلك.
والرافضة كفَّرت أبا بكر وعمر وعثمان وعامة المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم
بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكفروا جماهير أمة محمد صلى الله عليه وسلممن
المتقدمين والمتأخرين، فيكفِّرون كل من اعتقد في أبي بكر وعمر والمهاجرين والأنصار
العدالة أو ترضى عنهم كما رضي الله عنهم أو يستغفر لهم كما أمر الله بالاستغفار
لهم، ولهذا يكفِّرون أعلام الملة مثل: سعيد بن المسيب وأبي مسلم الخولاني وأويس
القرني وعطاء بن أبي رباح وإبراهيم النخعي ومثل مالك والأوزاعي وأبي حنيفة وحماد بن
زيد وحماد بن سلمة، والثوري والشافعي وأحمد بن حنبل وفضيل بن عياض وأبي سليمان
الداراني ومعروف الكرخي والجنيد بن محمد وسهل بن عبدالله التستري وغير هؤلاء،
ويستحلُّون دماء من خرج عنهم ويسمون مذهبهم مذهب الجمهور، كما يسميه المتفلسفة
ونحوهم بذلك» (11).
وقال:«ويرون أن حج هذه المشاهد المكذوبة وغير المكذوبة من أعظم العبادات، حتى إن من
مشايخهم من يفضلها على حج البيت الذي أمر الله به ورسوله، ووصف حالهم يطول.
فبهذا يتبين أنهم شر من عامة أهل الأهواء، وأحق بالقتال من الخوارج، وهذا هو السبب
فيما شاع في العرف العام أن أهل البدع هم الرافضة، فالعامة شاع عندها أن ضد السني
هو الرافضي فقط لأنهم أظهر معاندة لسنة رسول اللهrوشرائع
دينه من سائر أهل الأهواء» (12).
وقال: «وأيضاً فالخوارج كانوا يتبعون القرآن بمقتضى فهمهم، وهؤلاء إنما يتبعون
الإمام المعصوم عندهم الذي لا وجود له، فمستند الخوارج خير من مستندهم، وأيضاً
فالخوارج لم يكن منهم زنديق ولا غال وهؤلاء فيهم من الزنادقة والغالية من لا يحصيه
إلا الله، وقد ذكر أهل العلم أن مبدأ الرفض إنما كان من الزنديق عبدالله بن سبأ
فإنه أظهر الإسلام وأبطن اليهودية وطلب أن يفسد الإسلام كما فعل بولص النصراني الذي
كان يهودياً في إفساد دين النصارى» (13).
وقال: «وإنما كان هؤلاء شراً من الخوارج الحرورية وغيرهم من أهل الأهواء لاشتمال
مذاهبهم على شرمما اشتملت عليه مذاهب الخوارج، وذلك لأن الخوارج الحرورية كانواأول
أهل الأهواء خروجاً عن أهل السنة والجماعة»(14).
وقال:
«وأيضاً فإن الخوارج الحرورية كانوا ينتحلون اتباع القرآن بآرائهم ويدَّعون اتباع
السنن التي يزعمون أنها تخالف القرآن، والرافضة تنتحل اتباع أهل البيت وتزعم أن
فيهم المعصوم الذي لا يخفى عليه شيء من العلم ولا يخطئ لا عمداً ولا سهواً ولا
رشداً»(15).
وقال:
«والرافضة أشد بدعة من الخوارج وهم يكفِّرون من لم تكن الخوارج تكفره كأبي بكر
وعمر، ويكذبون على النبيrوالصحابة كذباً ما كذب
أحد مثله، والخوارج لا يكذبون عليهم لكن الخوارج كانوا أصدق وأشجع منهم وأوفى
بالعهد منهم فكانوا أكثر قتالاً منهم وهؤلاء أكذب وأجبن وأغدر وأذل»(16).
أما بعض الشيعة الأوائل (المفضلة) فهم خير من الخوارج:
هناك طائفة نسبت إلى التشيع وقد اندثرت وليست على نهج الشيعة الرافضة ولا
الشيعة الزيدية، وكان تشيعها ينحصر في تفضيل علي على سائر الصحابة وعلى أبي بكر
وعمر مع إقرارها بإمامتهما، وقد قال شيخ الإسلام في هذه الفئة: «ولهذا كان الشيعة
المتقدمون خيراً من الخوارج الذين قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بأمر النبي
r ، وأما كثير من متأخري الرافضة فقد صاروا شراً من الخوارج بكثير بل فيهم
من هو أعظم الناس نفاقاً بمنزلة المنافقين الذين كانوا على عهد رسول اللهrأو
فوقهم أو دونهم، ولهذا قال البخاري صاحب الصحيح في كتاب (خلق أفعال العباد): لا
أبالي أصليت خلف الجهمي أو الرافضي أو صليت خلف اليهودي والنصراني ولا يسلم عليهم
ولا يعادون ولا يناكحون ولا يشهدون ولا تؤكل ذبائحهم» (17)(18).
لنبدأ مع باقر علوم الشيعة شيخهم ـ المجلسي (19) ـ حيث ذكر في كتابه «بحار
الأنوار»27/166 (20) روايات كثيرة جداً في تكفير من خالفهم لأن الشيعة الاثني عشرية
يعتقدون بعدم قبول العمل إلا بالإيمان بولاية علي حيث قال ما نصه (21):
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) درء التعارض (7/138، 139).
(11) الفتاوى (28/477).
(12) الفتاوى (28/482).
(13) الفتاوى 28/483.
(14) الفتاوى 28/489.
(15) الفتاوى 28/491.
(16) منهاج السنة (5/154).
(17) بيان تلبيس الجهمية (حقي) (2/539) وانظر: خلق أفعال العباد للبخاري ص12.
(18) الخوارج (18 ـ 21).
(19) المجلسي: قال عنه الأردبيلي: محمد باقر بن محمد تقي بن المقصود علي الملقب
بالمجلسي، أستاذنا وشيخنا وشيخ الإسلام والمسلمين،
خاتم المجتهدين الإمام العلامة المحقق المدقق جليل القدر، عظيم الشأن، رفيع
المنزلة، وحيد عصره، فريد دهره ثقة ثبت، عين كثير العلم، جيد التصانيف. توفي سنـة
1110هـ.
(20) كتاب بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار قال عنه أغابزرك
الطهراني (3/16): لم يكتب قبله ولا بعده جامع مثله لاشتماله مع جمع الأخبار على
تحقيقات دقيقة. انتهى، وهذا الكتاب يعتبر أحد المصادر الثمانية المعتمدة عند الشيعة
الاثني عشرية.
(21) من هنا إلى الصفحة (55) هو من كلام شيخهم المجلسي، وما كان من كلامي فجعلته
بخطٍّ عريضٍ . فتنبّه.
|
باب أنه لا تقبل الأعمال إلا
بالولاية |
|
www.dd-sunnah.net |
باب أنه لا تقبل الأعمال إلا بالولاية
الولاية:
جاء في تفسير الصافي (1/128) : {وَاتَّقُوا يَوْمًا} وقت النزاع ُ {لاَ تَجْزِي
نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} لا يدفع عنها عذاباً قد استحقته ُِ {وَلاَ يُقْبَلُ}
وقرئ بالتاء ُ {مِنْهَا شَفَاعَةٌ} بتأخير الموت عنها ُِ {وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا
عَدْلٌ} أي فداء مكانها تمات وتترك هي {وَلاَ هُمْ ُنْصَرُونَ}.[البَقَرَة: 48 ]
وهذا يوم الموت، فإن الشفاعة والفداء لا يغني فيه، فأما في يوم القيامة فإنا
وأهلنا نجزي عن شيعتنا كل جزاء، ليكونن على الأعراف بين الجنة والنار محمد وعلي
وفاطمة والحسن والحسين، والطيبون من آلهم، فنرى بعض شيعتنا في تلك العرصات، فمن كان
منهم مقصراً في بعض شدائدها فنبعث عليهم خيار شيعتنا كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار
ونظائرهم في العصر الذي يليهم، ثم في كل عصر إلى يوم القيامة، فينقضون عليهم
كالبزاة والصقور يتناولونهم، كما يتناول البزة والصقور صيدها، فيزفونهم إلى الجنة
زفاً.
وإنا لنبعث على آخرين محبينا من خيار شيعتنا كالحمام فيلتقطونهم من العرصات، كما
يلتقط الطير الحب، وينقلونهم إلى الجنان بحضرتنا، وسيؤتى بالواحد من مقصري شيعتنا
في أعماله بعد أن قد حاز الولاية والتقية وحقوق إخوانه ويوقف بإزائه ما بين مائة
وأكثر من ذلك إلى مائة ألف من النصاب ـ أي أهل السنة ـ فيقال له: هؤلاء فداؤك من
النار، فيدخل هؤلاء المؤمنون الجنة، وأولئك النصاب النار، وذلك ما قال الله تعالى:
ُ ِ {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ
كَفَرُوا} [الحِجر: 2 ] يعني بالولاية لو كانوا مسلمين في الدنيا منقادين للإمامة
ليجعل مخالفوهم من النار فداءهم.
الآيات: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ
اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيْحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا
عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ *}.[إبراهيم: 18 ]
{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى *}.
[طه: 82 ]
وقال تعالى:{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ
ظُلْمًا وَلاَ هَضْمًا}.
[طه: 112 ]
تفسير: حكم الله تعالى في الآية الأولى بكون أعمال الكفار باطلة، والأخبار
المستفيضة وردت بإطلاق الكافر على المخالفين لإنكارهم النصوص على الأئمة .
وروى علي بن إبراهيم في تفسير تلك الآية أنه قال: من لم يقر بولاية أمير المؤمنين
بطل عمله، مثل الرماد الذي تجيء الريح فتحمله.
وفسر الاهتداء في الآية الثانية في كثير من الأخبار بالاهتداء إلى الولاية، وأما
الإيمان في الآية الثالثة فلا ريب في أن الولاية داخلة فيه، فشرط الله تعالى
الإيمان في كون الأعمال الصالحة أسباباً لعدم خوف الظلم بمنع ثواب يستحقه. والهضم
أي: الكسر منه بنقصان.
وقال ابن عباس: لا يخاف أن يزاد على سيئاته ولا ينقص من حسناته، واعلم أن الإمامية
أجمعوا على اشتراط صحة الأعمال وقبولها بالإيمان الذي من جملته الإقرار بولاية جميع
الأئمة وإمامتهم والأخبار الدالة عليه متواترة بين الخاصة والعامة.
في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر في قوله تعالى: [ ِ{فَلاَ يَخَافُ ظُلْمًا وَلاَ
هَضْمًا} [طه: 112 ] أي: لا ينقص من عمله شيئاً، وأما ظلماً يقول: لن يذهب به.
وعن الساباطي عن أبي عبدالله قال: إن أول ما يسأل عنه العبد إذا وقف بين يدي الله
جل جلاله عن الصلوات المفروضات والزكاة المفروضة وعن الصيام المفروض وعن الحج
المفروض وعن ولايتنا أهل البيت، فإن أقر بولايتنا ثم مات عليها قبلت منه صلاته
وصومه وزكاته وحجه، وإن لم يقر بولايتنا بين يدي الله جل جلاله لم يقبل الله منه
شيئاً من أعماله.
مع أن الله يقول في كتابه العزيز: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنْسَابَ
بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ *فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ
الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ }.[المؤمنون: 101 ـ 103
]
وعن محمد بن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه قال: نزل جبرائيل على النبيrفقال:
يا محمد السلام يقرئك السلام ويقول: خلقت السماوات السبع وما فيهن والأرضين السبع
ومن عليهن، وما خلقت موضعاً أعظم من الركن والمقام، ولو أن عبداً دعاني هناك منذ
خلقت السماوات والأرضين ثم لقيني جاحداً لولاية علي لأكببته في سقر.
وعن حفص عن الصادق قال: إن علياً كان يقول: لا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين: رجل
يزداد كل يوم إحساناً، ورجل يتدارك سيئته بالتوبة، وأنى له بالتوبة؟ والله لو سجد
حتى ينقطع عنقه ما قبل الله منه إلا بولايتنا أهل البيت.
وعن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة قال: سمعت أبا عبدالله يقول: من خالفكم وإن تعبد
واجتهد منسوب إلى هذه الآية: ُ {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ *عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ
*تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً *}.[الغَاشِيَة: 2 ـ 4 ]
وعن محمد بن جعفر بن يحيى بن زكريا بن علي بن حسان بن عبد الرحمان بن كثير عن أبي
عبدالله في قوله: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ
أَمْثَالِهَا}،[الأنعَام: 160 ] قال: هي للمسلمين عامة، والحسنة الولاية، فمن عمل
من حسنة كتبت له عشراً، فإن لم يكن ولاية دفع عنه بما عمل من حسنته في الدنيا وما
له في الآخرة من خلاق.
وعن أبـان عن الحـارث بن يحيى عن أبي جعفر في قول الله: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ
لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى *} [طه: 82 ]
قال: ألا ترى كيف اشترط ولم تنفعه التوبة أو الإيمان والعمل الصالح حتى اهتدى،
والله لو جهد أن يعمل ما قبل منه حتى يهتدي، قال: قلت: إلى من؟ جعلني الله فداك،
قال: إلينا.
بيان: لعل المراد بالإيمان على هذا التفسير الإسلام، وقد مر مثله بأسانيد.
قال شيخهم المجلسي بعد هذه الروايات (22) معلقاً على تلك الروايات ما نصه: قد مرت
الأخبار الدالة على المقصود من هذا الباب في أبواب النصوص على الأئمة كقوله في خبر
المفضل: يا محمد لو أن عبداً يعبدني حتى ينقطع ويصير كالشن البالي ثم أتاني جاحداً
لولايتهم ما أسكنته جنتي ولا أظللته تحت عرشي.
وسيأتي في باب النص على أمير المؤمنين الأخبار الكثيرة في ذلك، كقوله في خبر محمد
بن يعقوب النهشلي عن الرضا عن آبائه : قال الله تعالى: لا أقبل عمل عامل منهم إلا
بالإقرار بولايته مع نبوة أحمد رسولي، وقد مضى كثير منها في أبواب تأويل الآيات من
هذا المجلد.
وعن هشام بن سالم عن الساباطي قال: قلت لأبي عبدالله إلى قوله في آخر الرواية..
فقال له عبدالله بن أبي يعفور: أليس الله تعالى قال: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ
فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89 )[النمل: 89 ]
فكيف لا ينفع العمل الصالح ممن تولى أئمة الجور؟
فقال له أبو عبدالله : وهل تدري ما الحسنة التي عناها الله تعالى في هذه الآية؟ هي
معرفة الإمام وطاعته، وقد قال الله : {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ
وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ *}
[النَّمل: 90 ]
وإنما أراد بالسيئة إنكار الإمام الذي هو من الله تعالى، ثم قال أبو عبدالله : من
جاء يوم القيامة بولاية إمام جائر ليس من الله وجاءه منكراً لحقنا جاحداً لولايتنا
أكبه الله تعالى يوم القيامة في النار.
وعن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: رجعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلمقلقين
من تبوك فقال لي في بعض الطريق: ألقوا لي الأحلاس والأقتاب، ففعلوا فصعد رسول
r فخطب فحمد الله
وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: معاشر الناس ما لي إذا ذكر آل إبراهيم تهللت
وجوهكم وإذا ذكر آل محمد كأنما يفقأ في وجوهكم حب الرمان؟ فوالذي بعثني بالحق نبياً
لو جاء أحدكم يوم القيامة بأعمال كأمثال الجبال ولم يجئ بولاية علي بن أبي طالب
لأكبه الله في النار.
بيان: الفقأ: الشق، وهو كناية عن شدة احمرار الوجه للغضب.
وعن سالم بن عبدالله أنه ذكر عن ابن عباس أن رسول اللهr قال:
يا بني عبدالمطلب إني سألت الله ثلاثاً: أن يثبت قائلكم، وأن يهدي ضالكم وأن يعلم
جاهلكم، وسألت الله تعالى أن يجعلكم جوداء، نجباء، رحماء، فلو أن امرأً صف بين
الركن والمقام فصلى وقام ثم لقي الله وهو لأهل بيت محمد
r مبغض دخل النار.
كشف: من كتاب (الأربعين) للحافظ أبي بكر محمد بن أبي نصر عن ابن عباس مثله.
وفي هذا رد لقول الله :} وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (39) وَأَنَّ
سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى (41){ [النّجْم:
39 ـ 41 ] .
وعن معاذ بن كثير قال: نظرت إلى الموقف والناس فيه كثير فدنوت إلى أبي عبدالله
فقلت: إن أهل الموقف كثير، قال: فضرب ببصره فأداره فيهم ثم قال: ادن مني يا أبا
عبدالله، فدنوت منه فقال: غثاء يأتي به الموج من كل مكان، والله ما الحج إلا لكم،
لا والله ما يتقبل إلا منكم.
بيان: الغثاء بالضم والمد ما يجيء فوق السيل مما يحمله من الزبد والوسخ وغيره،
ذكره في النهاية.
وعن يونس بن عبدالجبار عن علي بن الحسين قال: قال رسول اللهr:
ما بال أقوام إذا ذكر عندهم آل إبراهيم فرحوا واستبشروا، وإذا ذكر عندهم آل محمد
اشمأزت قلوبهم، والذي نفس محمد بيده لو أن عبداً جاء يوم القيامة بعمل سبعين نبياً
ما قبل الله ذلك منه حتى يلقاه بولايتي وولاية أهل بيتي.
بيان: قال الفيروز آبادي: اشمأز: انقبض واقشعر أو ذعر، واشمأز الشيء: كرهه.
وعن علي بن عاصم عن أبي حمزة الثمالي قال: قال لنا علي بن الحسين بن زين العابدين :
أي البقاع أفضل؟ فقلنا: الله ورسوله وابن رسوله أعلم، فقال: إن أفضل البقاع ما بين
الركن والمقام، ولو أن رجلاً عمِّر ما عمِّر نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً،
يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك الموضع ثم لقي الله بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك
شيئاً.
وعن يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبدالله عن قول الله تبارك وتعالى: {وَإِنِّي
لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى *} [طه: 82 ]
قال: ومن تاب من ظلم وآمن من كفر وعمل صالحاً ثم اهتدى إلى ولايتنا، وأومأ بيده إلى
صدره.
وعن المعلى بن خنيس قال: قال أبو عبدالله : يا معلى لو أن عبداً عبد الله مائة عام
ما بين الركن والمقام يصوم النهار ويقوم الليل حتى يسقط حاجباه على عينيه وتلتقي
تراقيه هرماً، جاهلاً لحقنا لم يكن له ثواب.
بيان: التراقي: العظام المتصلة بالحلق من الصدر، والتقاؤها كناية عن نهاية الذبول
والدقة والتجفف.
وعن ابن تغلب قال: قال أبو عبدالله : كل ناصب وإن تعبد واجتهد يصير إلى هذه الآية:
ُ {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ *تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً *}.[الغَاشِيَة: 3،4 ]
وعن ميسر بياع الزطي قال: دخلت على أبي عبدالله فقلت له: جعلت فداك إن لي جاراً
لست أنتبه إلا بصوته إما تالياً كتاباً يكرره ويبكي ويتضرع، وإما داعياً، فسألت عنه
في السر والعلانية فقيل لي: إنه مجتنب لجميع المحارم، قال: فقال: يا ميسر عرف شيئاً
مما أنت عليه؟ قال: قلت: الله أعلم. قال: فحججت من قابل فسألت عن الرجل لا يعرف
شيئاً من هذا الأمر فدخلت على أبي عبدالله فأخبرته بخبر الرجل، فقال لي مثل ما قال
في العام الماضي: يعرف شيئاً مما أنت عليه؟ قلت: لا.
قال: يا ميسر أي البقاع أعظم حرمة؟ قال: قلت: الله ورسوله وابن رسوله أعلم، قال: يا
ميسر ما بين الركن والمقام روضة من رياض الجنة، وما بين القبر والمنبر روضة من رياض
الجنة، ولو أن عبداً عمره الله فيما بين الركن والمقام وفيما بين القبر والمنبر
يعبده ألف عام ثم ذبح على فراشه مظلوماً كما يذبح الكبش الأملح ثم لقي الله بغير
ولايتنا لكان حقيقاً على الله أن يكبه على منخريه في نار جهنم.
بيان: الأملح: الذي بياضه أكثر من سواده، وقيل: هو النقي البياض، ولعل التقييد به
لكونه ألطف، والذبح فيه أسرع، وقال الفيروز آبادي: كبه: قلبه وصرعه كأكبه.
وعن عبدالرحمـن يعني ابن كثير قال: حججت مع أبي عبدالله فلما صرنا في بعض الطريق
صعد على جبل فأشرف فنظر إلى الناس فقال: ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج! فقال له داود
الرقي: يابن رسول الله هل يستجيب الله دعاء هذا الجمع الذي أرى؟ قال: ويحك يا أبا
سليمان إن الله لا يغفر أن يشرك به، الجاحد لولاية علي كعابد وثن.
قال: قلت: جعلت فداك هل تعرفون محبكم ومبغضكم؟ قال: ويحك يا أبا سليمان: إنه ليس من
عبد يولد إلا كتب بين عينيه: مؤمن أو كافر، وإن الرجل ليدخل إلينا بولايتنا
وبالبراءة من أعدائنا فنرى مكتوباً بين عينيه: مؤمن أو كافر، قال الله :ِ {إِنَّ
فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ *}.[الحِجر: 75 ]
وعن ابن مسكان عن الثمالي قال: خطب أمير المؤمنين فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن
الله اصطفى محمداً بالرسالة وأنبأه بالوحي فأنال في الناس وأنال، وفينا أهل البيت
معاقل العلم وأبواب الحكمة وضياء الأمر، فمن يحبنا منكم نفعه إيمانه ويقبل منه
عمله، ومن لم يحبنا منكم لم ينفعه إيمانه ولا يقبل منه عمله.
بيان: أي وإن كان النبي صلى الله عليه وسلمأنال، أي: أعطى وجاد بالعلم وبثه في
الناس ولكن فينا أهل البيت ما يعقل به العلم وأبواب الحكمة ولا يوصل إلى صحيح العلم
إلا بالرجوع إلينا.
وعن يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبدالله عن قول اللهِ :{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ
لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى *} [طه: 82 ] قال: إلى
ولايتنا والله، أما ترى كيف اشترط الله ؟!
عن عبيدالله بن علي الحلبي قال: قال أبو عبدالله : ما أردت أن أحدثكم ولأحدثنكم
ولأنصحن لكم، وكيف لا أنصح لكم وأنتم والله جند الله، والله ما يعبد الله أهل دين
غيركم، فخذوه ولا تذيعوه ولا تحبسوه عن أهله، فلو حبست عنكم، يحبس عني.
وعن عمر الكلبي قال: كنت أطوف مع أبي عبدالله وهو متكئ علي إذ قال: يا عمر ما أكثر
السواد! يعني الناس، فقلت: أجل جعلت فداك، فقال: أما والله ما يحج لله غيركم ولا
يؤتى أجره مرتين غيركم، أنتم والله رعاة الشمس والقمر، وأنتم والله أهل دين الله،
منكم يقبل ولكم يغفر.
وعن بعض أصحابه رفعه إلى أبي عبدالله قال: قلت له: إني خرجت بأهلي فلم أدع أحداً
إلا خرجت به إلا جارية لي نسيت فقال: ترجع وتذكر إن شاء الله، قال: فخرجت لتسد بهم
الفجاج؟ قلت: نعم، قال: والله ما يحج غيركم ولا يقبل إلا منكم.
بيان: قوله : لتسد بهم الفجاج، أي: تملأ بهم ما بين الجبال من عرفات ومشعر ومنى.
وعن عمر بن أبان الكلبي قال: قال لي أبو عبدالله : ما أكثر السواد! قلت: أجل يابن
رسول الله، قال: أما والله ما يحج لله غيركم ولا يصلي الصلاتين غيركم، ولا يؤتى
أجره مرتين غيركم، وإنكم لرعاة الشمس والقمر والنجوم وأهل الدين، ولكم يغفر ومنكم
يقبل.
قال الفيروز آبادي: راعى النجوم: راقبها وانتظر مغيبها، كرعاها.
وعن الحارث بن المغيرة قال: كنت عند أبي عبدالله جالساً فدخل عليه داخل فقال: يابن
رسول الله ما أكثر الحاج العام! فقال: إن شاؤوا فليكثروا، وإن شاؤوا فليقلوا، والله
ما يقبل الله إلا منكم ولا يغفر إلا لكم.
وعن عمر بن حنظلة قال: قلت لأبي عبدالله : إن آية في القرآن تشككني، قال: وما هي؟
قلت: قول الله: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المَائدة: 27
]، قال أي شيء شككت فيها؟ قلت: من صلَّى وصام وعبد الله قبل منه، قال: إنما يتقبل
الله من المتقين والعارفين، ثم قال: أنت أزهد في الدنيا أم الضحاك بن قيس؟ قلت: لا،
بل الضحاك بن قيس، قال: فذلك لا يتقبل منه شيء مما ذكرت.
قال الصادق : أعظم الناس حسرة رجل جمع مالاً عظيماً بكد شديد، ومباشرة الأهوال
وتعرض الأخطار، ثم أفنى ماله في صدقات ومبرات، وأفنى شبابه وقوته في عبادات وصلوات،
وهو مع ذلك لا يرى لعلي بن أبي طالب حقه ولا يعرف له في الإسلام محله، ويرى أن من
لا بعشره ولا بعشر عشير معشاره أفضل منه ، يوافق على الحجج فلا يتأملها ويحتج عليه
بالآيات وبالأخبار فيأبى إلا تمادياً في غيه، فذاك أعظم حسرة من كل من يأتي يوم
القيامة وصدقاته ممثلة له في مثال الأفاعي تنهشه، وصلواته وعباداته ممثلة له في
مثال الزبانية تتبعه حتى تدعه إلى جهنم دعاً، يقول: يا ويلي ألم أك من المصلين؟ ألم
أك من المزكين؟ ألم أك عن أموال الناس ونسائهم من المتعففين؟ فلماذا دُهيت بما
دهيت؟! فيقال له: يا شقي ما نفعك ما عملت وقد ضيعت أعظم الفروض بعد توحيد الله
والإيمان بنبوة محمد رسول اللهr، ضيعت ما لزمك
من معرفة حق علي ولي الله ، والتزمت ما حرم الله عليك من الائتمام بعدو الله، فلو
كان بدل أعمالك هذه عبادة الدهر من أوله إلى آخره وبدل صدقاتك الصدقة بكل أموال
الدنيا بل بملء الأرض ذهباً لما زادك ذلك من رحمة الله إلا بعداً ومن سخط الله إلا
قرباً.
قال رسول اللهr: من أدى الزكاة إلى مستحقيها
وقضى الصلاة على حدودها ولم يلحق بهما من الموبقات ما يبطلهما جاء يوم القيامة
يغبطه كل من في تلك العرصات حتى يرفعه نسيم الجنة إلى أعلى غرفها وعلاليها بحضرة من
كان يواليه من محمد وآله الطيبين، ومن يخلُّ بزكاته وأدى صلاته فصلواته محبوسة دوين
السماء إلى أن يجيء حين زكاته، فإن أداها جعلت كأحسن الأفراس مطية لصلاته فحملتها
إلى ساق العرش فيقول الله : سر إلى الجنان فاركض فيها إلى يوم القيامة فما انتهى
إليه ركضك فهو كله بسائر ما تمسه لباعثك. فيركض فيها ـ على أن كل ركضة مسيرة سنة في
قدر لمحة بصره من يومه إلى يوم القيامة ـ حتى ينتهي به يوم القيامة إلى حيث ما شاء
الله تعالى، فيكون ذلك كله له ومثله عن يمينه وشماله وأمامه وخلفه وفوقه وتحته، فإن
بخل بزكاته ولم يؤدها أمر بالصلاة فردت إليه ولفت كما يلف الثوب الخلق ثم يضرب بها
وجهه ويقال له: يا عبدالله ما تصنع بهذا دون هذا؟
قال: فقال له أصحاب رسول اللهr: ما أسوأ حال هذا
والله، قال رسول الله : أولا أنبئكم بأسوأ حالاً من هذا؟ قالوا: بلى يا رسول الله،
قال: رجل حضر الجهاد في سبيل الله فقتل مقبلاً غير مدبر والحور العين يطلعن إليه
وخزائن الجنان يتطلعون ورود روحه عليهم، وأملاك الأرض يتطلعون نزول حور العين إليه،
والملائكة وخزان الجنان فلا يأتونه، فتقول ملائكة الأرض حوالي ذلك المقتول: ما بال
الحور العين لا ينزلن إليه؟ وما بال خزان الجنان لا يردون إليه؟ فينادون من فوق
السماء السابعة: يا أيتها الملائكة انظروا إلى آفاق السماء ودوينها، فينظرون فإذا
توحيد هذا العبد وإيمانه برسول الله صلى الله عليه وسلموصلاته وزكاته وصدقته وأعمال
بره كلها محبوسات دوين السماء قد طبقت آفاق السماء كلها كالقافلة العظيمة قد ملأت
ما بين أقصى المشارق والمغارب ومهاب الشمال والجنوب، تنادي أملاك تلك الأثقال
الحاملين لها الواردين بها: ما بالنا لا تفتح لنا أبواب السماء لندخل إليها بأعمال
هذا الشهيد؟!
فيأمر الله بفتح أبواب السماء فتفتح، ثم ينادى: يا هؤلاء الملائكة ادخلوها إن
قدرتم، فلا تقلهم أجنحتهم ولا يقدرون على الارتفاع بتلك الأعمال، فيقولون: يا ربنا
لا نقدر على الارتفاع بهذه الأعمال، فيناديهم منادي ربنا : يا أيها الملائكة لستم
حمال هذه الأثقال الصاعدين بها، إن حملتها الصاعدين بها مطاياها التي ترفعها إلى
دوين العرش، ثم تقرها في درجات الجنان.
فيقول الملائكة: يا ربنا ما مطاياها؟ فيقول الله تعالى: وما الذي حملتم من عنده؟
فيقولون: توحيده لك، وإيمانه بنبيك، فيقول الله تعالى: فمطاياها موالاة علي أُخي
نبيي، وموالاة الأئمة الطاهرين، فإن أتت فهي الحاملة الرافعة الواضعة لها في
الجنان، فينظرون فإذا الرجل مع ما له من هذه الأشياء ليس له موالاة علي والطيبين من
آله ومعاداة أعدائهم، فيقول الله تبارك وتعالى للأملاك الذين كانوا حامليها:
اعتزلوها والحقوا بمراكزكم من ملكوتي ليأتيها من هو أحق بحملها ووضعها في موضع
استحقاقها، فتلحق تلك الأملاك بمراكزها المجعولة لها.
ثم ينادي منادي ربنا : يا أيتها الزبانية تناوليها وحطيها إلى سواء الجحيم لأن
صاحبها لم يجعل لها مطايا من موالاة علي والطيبين من آله، قال: فتنادي تلك الأملاك
ويقلب الله تلك الأثقال أوزاراً وبلايا على باعثها لما فارقها عن مطاياها من موالاة
أمير المؤمنين ونادت تلك الملائكة إلى مخالفته لعلي وموالاته لأعدائه فيسلطها الله
وهي في صورة الأسود على تلك الأعمال وهي كالغربان والقرقس، فيخرج من أفواه تلك
الأسود نيران تحرقها ولا يبقى له عمل إلا أحبط، ويبقى عليه موالاته لأعداء علي
وجحده ولايته فيقر ذلك في سواء الجحيم فإذا هو قد حبطت أعماله وعظمت أوزاره
وأثقاله، فهذا أسوأ حالاً من مانع الزكاة الذي يحفظ الصلاة.
أقول: كيف يوصف الله بالظلم ـ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ـ في هذه الرواية
الظالمة الجائرة!! والله تعالى يقول: }وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ
مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا
يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا
حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49){ [الكهف: 49 ] وهو القائل سبحانه في
الحديث القدسي الذي أخرجه الإمام مسلم : «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته
بينكم محرماً فلا تظالموا».
وعن يوسف بن ثابت عن أبي عبدالله قال: قيل له لما دخلنا عليه: إنا أحببناكم
لقرابتكم من رسل اللهrولما أوجب الله من حقكم،
ما أحببناكم لدنيا نصيبها منكم إلا لوجه الله والدار الآخرة وليصلح لامرئ منّا
دينه، فقال أبو عبدالله : صدقتم صدقتم، من أحبنا جاء معنا يوم القيامة هكذا، ثم جمع
بين السبابتين، وقال: والله لو أن رجلاً صام النهار وقام الليل ثم لقي الله بغير
ولايتنا للقيه وهو غير راض أو ساخط عليه.
ثم قال: وذلك قول الله : {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ
إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التّوبَة: 54 ] {وَهُمْ
كَافِرُونَ} [التّوبَة: 55 ] ثم قال: وكذلك الإيمان لا يضر معه عمل كما أن الكفر لا
ينفع معه عمل.
وعن العلا عن محمد عن أحدهما قال: قلت له: إنا نرى الرجل من المخالفين عليكم له
عبادة واجتهاد وخشوع، فهل ينفعه ذلك شيئاً؟ فقال: يا محمد إنما مثلنا أهل البيت مثل
أهل بيت كانوا في بني إسرائيل وكان لا يجتهد أحد منهم أربعين ليلة إلا دعا فأجيب
وإن رجلاً منهم اجتهد أربعين ليلة ثم دعا فلم يستجب له، فأتى عيسى ابن مريم يشكو
إليه ما هو فيه، ويسأله الدعاء له، فتطهر عيسى وصلَّى ثم دعا فأوحى الله إليه: يا
عيسى إن عبدي أتاني من غير الباب الذي أوتى منه، إنه دعاني وفي قلبه شك منك، فلو
دعاني حتى ينقطع عنقه وتنتشر أنامله ما استجيب له.
فالتفت عيسى فقال: تدعو ربك وفي قلبك شك من نبيه؟ فقال: يا روح الله وكلمته قد كان
والله ما قلت، فاسأل الله أن يذهبه عني، فدعا له عيسى فتقبل الله منه وصار في حد
أهل بيته، كذلك نحن أهل البيت لا يقبل الله عمل عبد وهو يشك فينا.
بيان: إنما مثلنا، أي: مثل أصحابنا وأهل زماننا، أو المراد بمثل أهل البيت مثل
صاحب أهل بيت.
وعن مرازم عن الصادق قال: قال رسول الله r: ما
بال أقوام من أمتي إذا ذكر عندهم إبراهيم وآل إبراهيم استبشرت قلوبهم وتهللت
وجوههم، وإذا ذكرت وأهل بيتي اشمأزت قلوبهم وكلحت وجوههم؟! والذي بعثني بالحق نبياً
لو أن رجلاً لقي الله بعمل سبعين نبياً ثم لم يلقه بولاية أولي الأمر منا أهل البيت
ما قبل الله منه صرفاً ولا عدلاً.
وعن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول اللهr: أيها
الناس الزموا مودتنا أهل البيت فإنه من لقي الله بودنا دخل الجنة بشفاعتنا، فوالذي
نفس محمد بيده لا ينفع عبداً عمله إلا بمعرفتنا وولايتنا.
ومن مناقب الخوارزمي عن علي عن النبيrقال: يا
علي لو أن عبداً عبد الله مثل ما قام نوح في قومه وكان له مثل أُحد ذهباً فأنفقه في
سبيل الله ومد في عمره حتى حج ألف عام على قدميه ثم قتل بين الصفا والمروة مظلوماً
ثم لم يوالك يا علي لم يشم رائحة الجنة ولم يدخلها.
وعن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر : يا أبا الجارود ما ترضون أن تصلوا فيقبل منكم
وتصوموا فيقبل منكم وتحجوا فيقبل منكم؟ والله إنه ليصلِّي غيركم فما يقبل منه،
ويصوم غيركم فما يقبل منه، ويحج غيركم فما يقبل منه.
وعن أبي الجارود عن أبي جعفر قال: قلت له بمكة أو بمنى: يابن رسول الله ما أكثر
الحاج! قال: ما أقل الحاج! ما يغفر إلا لك ولأصحابك ولا يتقبل إلا منك ومن أصحابك.
أقول: أليست هذه الروايات تخالف قول الله : {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ
الْمُتَّقِينَ}.[المَائدة: 27 ]
وبالإسناد يرفعه إلى أبي هريرة قال: مر علي بن أبي طالب بنفر من قريش في المسجد
فتغامزوا عليه فدخل على رسول اللهrفشكاهم إليه
فخرج وهو مغضب فقال لهم: أيها الناس ما لكم إذا ذكر إبراهيم وآل إبراهيم أشرقت
وجوهكم، وإذا ذكر محمد وآل محمد قست قلوبكم وعبست وجوهكم؟ والذي نفسي بيده لو عمل
أحدكم عمل سبعين نبياً لم يدخل الجنة حتى يحب هذا أخي علياً وولده، ثم قال : إن لله
حقاً لا يعلمه إلا أنا وعلي، وإن لي حقاً لا يعلمه إلا الله وعلي، وله حق لا يعلمه
إلا الله وأنا.
وروي عن الصادق عن أبيه عن جده قال: مر أمير المؤمنين في مسجد الكوفة وقنبر معه
فرأى رجلاً قائماً يصلِّي فقال: يا أمير المؤمنين ما رأيت أحسن صلاة من هذا، فقال
له أمير المؤمنين: يا قنبر فوالله لرجل على يقين من ولايتنا أهل البيت خير ممن له
عبادة ألف سنة، ولو أن عبداً عبد الله ألف سنة لا يقبل الله منه حتى يعرف ولايتنا
أهل البيت، ولو أن عبداً عبد الله ألف سنة وجاء بعمل اثنين وسبعين نبياً ما يقبل
الله منه حتى يعرف ولايتنا أهل البيت وإلا أكبه الله على منخريه في نار جهنم.
وعن أبي جعفر قال في قول الله تعالى : {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ
وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى *} [طه: 82 ] قال: إلى ولايتنا.
وعن عبيد بن كثير معنعناً عن أبي جعفر محمد بن علي قال: قال الله تعالى في كتابه:
{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى
*}[طه: 82 ] قال: والله لو أنه تاب وآمن وعمل صالحاً ولم يهتد إلى ولايتنا ومودتنا
ويعرف فضلنا ما أغنى عنه ذلك شيئاً.
وعن أبي ذر الغفاري في قول الله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ
وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى *} [طه: 82 ] قال : آمن بما جاء به محمدr،
وعمل صالحاً قال: أداء الفرائض، ثم اهتدى إلى حب آل محمد.
وسمعت رسول الله r
يقول: والذي بعثني بالحق نبياً لا ينفع أحدكم الثلاثة حتى يأتي الرابعة، فمن شاء
حققها ومن شاء كفر بها، فإنا منازل الهدى، وأئمة التقى، وبنا يستجاب الدعاء، ويدفع
البلاء، وبنا ينزل الغيث من السماء، ودون علمنا تكلُّ ألسن العلماء، ونحن باب حطة
وسفينة نوح، ونحن جنب الله الذي ينادي من فرط فينا يوم القيامة بالحسرة والندامة،
ونحن حبل الله المتين الذي من اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم، ولا يزال محبنا منفياً
مؤذياً منفرداً مضروباً مطروداً مكذوباً باكي العين حزين القلب حتى يموت وذلك في
الله قليل.
وعن داود الرقي قال: دخلت على أبي عبدالله فقلت له: جعلت فداك قوله تعالى:
{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى
*}[طه: 82 ] فما هذا الهدى بعد التوبة والإيمان والعمل الصالح؟ فقال: معرفة الأئمة
والله إمام بعد إمام.
وبإسناده عن منصور الصيقل قال: كنت عند أبي عبدالله في فسطاطه بمنى فنظر إلى الناس
فقال: يأكلون الحرام، ويلبسون الحرام، وينكحون الحرام، وتأكلون الحلال، وتلبسون
الحلال، وتنكحون الحلال، لا والله ما يحج غيركم ولا يتقبل إلا منكم.
أقول: كيف يكون ذلك والله تعالى يقول: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ
أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}
[آل عِمرَان: 195 ] .
وعن سليمان الأعمش عن جعفر بن محمد عن آبائه قال: قال رسول اللهr:
يا علي أنت أمير المؤمنين وإمام المتقين، يا علي أنت سيد الوصيين ووارث علم
النبيين، وخير الصديقين، وأفضل السابقين، يا علي أنت زوج سيدة نساء العالمين وخليفة
المرسلين، يا علي أنت مولى المؤمنين، يا علي أنت الحجة بعدي على الناس أجمعين،
استوجب الجنة من تولاك، واستحق النار من عاداك، يا علي والذي بعثني بالنبوة
واصطفاني على جميع البرية لو أن عبداً عبد الله ألف عام ما قبل الله ذلك منه إلا
بولايتك وولاية الأئمة من ولدك، وإن ولايتك لا تقبل إلا بالبراءة من أعدائك وأعداء
الأئمة من ولدك، بذلك أخبرني جبرائيل ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
روى ابن شاذان بإسناده قال: قال رسول الله r:
ليلة أسري بي إلى الجليل جل جلاله أوحى إليِ : }آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ
إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ{ [البقرة: 285 ] قلت: والمؤمنون؟ قال: صدقت يا محمد من خلفت
في أمتك؟ قلت: خيرها، قال: علي بن أبي طالب؟ قلت: نعم يا رب، قال: يا محمد إني
اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها فشققت لك اسماً من أسمائي فلا أذكر في موضع
إلا ذكرت معي فأنا المحمود وأنت محمد r، ثم
اطلعت على الثانية فيها فاخترت منها علياً وشققت له اسماً من أسمائي فأنا الأعلى
وهو علي.
يا محمد إني خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولده من سنخ.. نور
من نوري، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات وأهل الأرضين فمن قبلها كان عندي من
المؤمنين، ومن جحدها كان عندي من الكافرين، يا محمد لو أن عبداً من عبيدي عبدني حتى
ينقطع ويصير كالشن البالي ثم أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتى يقر بولايتكم،
يا محمد تحب أن تراهم؟ قلت: نعم يا رب، فقال لي: التفت عن يمين العرش، فالتفتُّ
فإذا أنا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي بن الحسين وجعفر
بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والمهدي في ضحضاح من
نور قيام يصلُّون وفي وسطهم المهدي يضيء كأنه كوكب دري، فقال: يا محمد هؤلاء الحجج
والقائم من عترتك، وعزتي وجلالي لهو الحجة الواجبة لأوليائي وهو المنتقم من أعدائي،
بهم يمسك السماوات أن تقع على الأرض إلا بإذنه.
وفي أعلام الدين للديلمي عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله
r جالساً وعنده نفر من أصحابه وفيهم علي
بن أبي طالب فقال رسول الله
r: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة،
فقال رجلان: فنحن نقول: لا إله إلا الله، فقال رسول الله r
: إنما تقبل شهادة لا إله إلا الله من هذا وشيعته، ووضع رسول الله r
على رأس علي وقال لهما: من علامة ذلك أن لا تجلسا مجلسه ولا تكذبا بقوله.
وقال رسول الله r :
من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً، ولو أن عبداً عبد الله بين الركن والمقام
ألف سنة ثم لقي الله بغير ولايتنا أكبه الله على منخريه في النار ، ومن مات لا يعرف
إمام زمانه مات ميتةً جاهلية، والله ما ترك الله الأرض منذ قبض آدم إلا وفيها إمام
يهتدى به، حجة على العباد، ومن تركه هلك ومن لزمه نجا.
وقال الله تعالى في بعض كتبه: لأعذّبن الفرق بأنَّ كل رعية أطاعت إماماً جائراً وإن
كانت برة تقية ولأعفون عن كل رعية أطاعت إماماً هادياً وإن كانت ظالمة مسيئة، ومن
ادعى الإمامة وليس بإمام فقد افترى على الله وعلى رسوله.وبسنده عن زريق عن أبي
عبدالله قال: قلت له: أي الأعمال أفضل بعد المعرفة؟ قال: ما من شيء بعد المعرفة
يعدل هذه الصلاة ولا بعد المعرفة، والصلاة شيء يعدل الزكاة، ولا بعد ذلك شيء يعدل
الصوم، ولا بعد ذلك شيء يعدل الحج، وفاتحة ذلك كله معرفتنا ، وخاتمته معرفتنا.
انتهى كلام المجلسي (23).
أقول وبالله التوفيق: رأيت أخي المسلم عشرات النصوص نقلتها لك بالنص كما هي من
كتاب «بحار الأنوار»، وأنه كيف يكفر الشيعةُ الاثنا عشرية كلَّ من لم يقل ويقبل
بولاية علي بن أبي طالب (المزعومة)، حتى إن المجلسي أفرد لهذه العقيـدة باباً في
كتابه «بحار الأنوار» (24)، بعنوان (باب أنه لا تقبل الأعمال إلا بالولاية) وذكر
أقوال علماء الشيعة في ذلك كالصدوق والمفيد والعياشي والصفار والإربلي وغيرهم من
علماء الاثني عشرية.
وهنا سؤال: لماذا يكفر الشيعة الاثنا عشرية منكر ولاية علي بن أبي طالب ؟
الجواب: لأن الشيعة الاثنا عشرية يعتقدون أن الإسلام بني على خمسة أركان وأهم تلك
الأركان (الولاية)، فقد ذكر شيخهم الكليني (25) عن أبي حمزة عن أبي جعفر قال: بني
الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم يناد بشيء كما
نودي بالولاية.
وذكر المازندراني هذا الحديث (26) عن زرارة عن أبي جعفر قال: بني الإسلام على خمسة
أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية، فقال زرارة: فقلت : أي شيء من
ذلك أفضل؟ فقال: الولاية أفضل لأنها مفتاحهنَّ.
ثم قال المازندراني في الصفحة نفسها في شرحه عن سبب تفضيل الولاية فقال: ( الولاية
أفضل ) ، الولاية أفضل من المذكورات لأنها مفتاحهن بها تنفتح أبواب معرفة تلك
المذكورات.
أقول: إذا كانت الولاية بهذه الأهمية والمنزلة وبسببها يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل
النار النار، فلمَ لم يذكرها الله في القرآن الكريم بآيات صريحة كما ذكر غيرها؟،
كيف يذكر الله الصلاة والزكاة والصوم والحج في آيات كثيرة ولم يذكر الولاية حتى في
آية واحدة وهي التي عليها مناط الأعمال وقبولها كما يزعم الشيعة الاثنا عشرية؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(22) بحار الأنوار (27/169).
(23) بحار الأنوار (27/202).
(24) (27/166).
(25) أصول الكافي (2/18).
(26) شرح أصول الكافي (8/63).
|
اعتقاد الشيعة الاثني عشرية أن بعض
الأنبياء رفض ولاية أهل البيت فأصابهم ما أصابهم بسبب ذلك |
|
www.dd-sunnah.net |
اعتقاد الشيعة الاثني عشرية أن بعض الأنبياء رفض ولاية أهل
البيت فأصابهم ما أصابهم بسبب ذلك
ذكر نعمة الله الجزائري في كتابه «الأنوار النعمانية»(27): روى حمزة الثمالي قال:
(دخل عبدالله بن عمر على زين العابدين وقال له: يابن الحسين أنت الذي تقول إن يونس
بن متى إنما لقي من الحوت ما لقي لأنه عرضت عليه ولاية جدي فتوقف عندها!! قال : بلى
ثكلتك أمك، قال: فأرني آية ذلك إن كنت من الصادقين، فأمر بشد عينه بعصابة وعيني
بعصابة، ثم أمر بعد ساعة بفتح أعيننا فإذا نحن على شاطئ بحر تضطرب أمواجه، فقال ابن
عمر: يا سيدي دمي في رقبتك الله الله في نفسي، ثم قال: أيتها الحوت، قال: فأطلع
الحوت رأسه من البحر مثل الجبل العظيم وهو يقول: لبيك لبيك يا ولي الله، فقال: من
أنت؟ فقال: أنا حوت يونس، يا سيدي: إن الله لم يبعث نبياً من آدم إلى أن صار جدكr
إلا وقد عرض عليه ولايتكم أهل البيت، فمن قبلها من الأنبياء سلم وتخلص ومن توقف
عنها وتتعتع في حملها لقي ما لقي آدم من المصيبة، وما لقي نوح من الغرق، وما لقي
إبراهيم من النار، وما لقي يوسف من الجب، وما لقي أيوب من البلاء، وما لقي داود من
الخطيئة إلى أن بعث الله يونسَ فأوحى الله إليه أن يا يونس تولَّ أمير المؤمنين
علياً والأئمة الراشدين من صلبه، فقال: كيف أتولى من لم أره ولم أعرفه؟! فذهب
مغاضباً فأوحى الله تعالى إليّ أن التقمي يونس ولا توهني له عظماً، فمكث في بطني
أربعين صباحاً يطوف معي في البحار في ظلمات ثلاث ينادي: أن لا إله إلا أنت سبحانك
إني كنت من الظالمين، قد قبلت ولاية علي بن أبي طالب والأئمة الراشدين من ولده ،
فلما آمن بولايتكم أمرني ربي فقذفته على ساحل البحر، فقال زين العابدين : ارجعي
أيتها الحوت إلى وكرك، فرجع الحوت واستوى الماء).
أقول: كيف يعاقب الله الأنبياء والرسل من أجل ولاية علي بن أبي طالب المزعومة والله
تعالى يقول: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ
أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ *}[الأنبيَاء: 25 ] ولقوله تعالى:
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ
وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النّحل: 36 ] و قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ
وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ *}،[الذّاريَات: 56 ] ثم كيف يعرض الله على
أنبيائه ورسله ولاية علي وهو لم يخلق بعد؟! أوليس الأولى أن يعرض عليهم نبوة محمد
صلى الله عليه وسلمعوضاً عن ولاية علي؟ أليس الإيمان بنبوة محمد
r الركن الثاني في الشهادتين؟
ذكر المجلسي في كتابه «بحار الأنوار»(28) قال: روى ابن شاذان بإسناده قال: قال رسول
الله r: ليلة أسري بي إلى الجليل جل جلاله أوحى
إلي: }آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ{ [البقرة: 285 ] قلت:
والمؤمنون؟ قال: صدقت يا محمد من خلفت في أمتك؟ قلت: خيرها، قال: علي بن أبي طالب؟
إلى قوله.. يا محمد إني خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولده
من سنخ.. نور من نوري، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات وأهل الأرضين، فمن قبلها كان
عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان عندي من الكافرين ، يا محمد لو أن عبداً من عبيدي
عبدني حتى ينقطع ويصير كالشن البالي ثم أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتى يقر
بولايتكم، يا محمد تحب أن تراهم؟ قلت: نعم يا رب، فقال لي: التفت عن يمين
العرش...إلخ الرواية.
أقول: وهذا الحديث المذكور يؤكد تكفير الشيعة الاثني عشرية للأنبياء الذين أنكروا
ولاية علي بن أبي طالب المزعومة فأصابهم من البلاء ما أصابهم نعوذ بالله من معتقدات
الروافض.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(27) (1/24).
(28) (27/199).