الباب السابع

في الأحكام الفقهية

اعلم أن المؤلف (1) قدم بعض بدعهم وأحكامهم الشنيعة قبل أن يشرع في أحكامهم الفقهية على قبح حالهم فقال :

أول أحكامهم إحداثهم عيد غديرخم في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة وتفضيله على عيدي الفطر والأضحي وتسميته بالعيد الأكبر ، كل ذلك صريح المخالفة للشريعة .

الثاني إحداثهم عيد ابيهم ( بابا شجاع الدين ) الذى لقبوا به ( أبا لؤلؤة المجوسي ) القاتل لعمر بن الخطاب t في اليوم التاسع من ربيع الأول بزعمهم . روى علي بن مظاهر الواسطي عن أحمد بن إسحاق ( 1 ) أنه قال : هذا اليوم ( 2 ) يوم العيد الأكبر ويوم المفخرة ، ويوم التبجيل ، ويوك الزكاة العظمى ، ويوم البركة ، ويوم التسلية . وهذا أحمد ( 3 ) أول من أحدث في الإسلام هذا العيد ( 4 ) وتبعه اخوانه ، ثم نسبوا هذا العيد للأئمة كذباً وأفتراء كما هو دأبهم في كل المذهب ، مع أن هذا العيد في الأصل من اعيد المجوس ، وهم فرحوا فيه حين أستمعوا خبر شهادة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t على يد أخيهم المجوسي المذكور ( 5 ) . مع أن شهادته كانت في اليوم الثامن والعشرين من ذي الحجة بلا اختلاف ، ودفنه غرة المحرم ، فلو كان الأئمة يتعبدون بهذا العيد لمن يبدلوا اليوم . والشيعة معترفون بأن هذا العيد لم يكن في زمن الأئمة وإنما أحدثه أحمد المذكور .

الثالث تعظيمهم ( يوم النيروز ) الذى هو من أعياد المجوس ، قال ابن فهد في ( المهذب ) أنه أعظم الأيام ، وقد صح عن أمير المؤمنين أن أحداً قد جاءه يوم النيروز بالحلوى والفالوذج فسأله : لم أتيت به ؟ فقال : اليوم يوم النيروز ، قال t : نيروزنا كل يوم ومهرجاتنا كل يوم . وهذه إشارة إلى نكتة لطيفة أن حسن النيروز إنما هو الشمس تتوجه من معدل النهار بحركتها الخاصة على سكان العروض الشمالية وتقربهم ، وبهذا تظهر الحرارة في الأبدان والأجسام ، وتثور النامية ، وتحصل للنفس النباتية نضارة . وهذا المعني متحقق في طلوعها كل يوم لأن

------------------

( 1 ) أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد القمي الأحوص شيح الشيعة القميين ووافدهم زعموا أنه لقى من الأئمة أبا جعفر الثاني وأبا الحسن وكان خاصة أبي محمد ، وزعموا أنه حصل على الشرف الأعظم برؤية صاحب الزمان الذى يدعون له بان يعجل الله فرجه . فهو موضع الثقة من الشيعة بل فوق ذلك .

( 2 ) أي يوم قتل أبي لؤلؤة لأمير المؤمنين عمر رضوان الله وسلامه عليه .

( 3 ) أي احمد بن إسحاق القمي .

( 4 ) أي عيد أبي لؤلؤة الذى يسمونه ( بابا شجاع الدين ) .

( 5 ) وأختار أحمد بن إسحاق القمي وأتباعه ان يكونوا هم أيضاً إخوة للمجوس وأتخذوا أبا لؤلؤة آبا لهم وسموه بابا شجاع الدين .

الشمس إذا تمر بالحركة الأولى – التى هي اسرع الحركات وأظهرها – من دائرة الأفق وتنفض على سكان الأرض نورها وتجلى قوة البصر وتجعل الروح منتعشاً وتقع الارتفاقات الخاصة بالإنسان من الزراعة والتجارة والصناعة والحرفة بسببها أحسن وأكثر وتبدو الحياة بعد الموت كقوله تعالى ] وجعل لكم الليل لباساً والنوم سباتاً وجعل النهار نشوراً [ وقوله تعالى ] وجعلنا نومكم سباتاً وجعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً [ فهذا الوقت أحق وأولى بالتعبد ، بل إن تأمل العاقل يمكن أن يدرى أن الفصول الأربعة تتحقق في مدة دورة ليلة ونهار ، فمن وقت الصباح إلى نصف النهار فصل الربيع فحينئذ تكون الخضروات في الطراوة والأزهار وتكون الورود والأزهار منكشفة ناضرة ضاحكة ومزاج الحيوانات في النشاط ، وإذا بلغت الشمس قريب دائرة نصف النهار فكأنما وصلت بالحركة الخاصة رأس السرطان فيبرز الصيف حيث يظهر اليبس والعطش في الأجسام ويذبلها حرها ، وإذا قربت إلى الغروب صار حكمها كحكم الخريف ، وإذا مضى نصف الليل وأنتقلت الشمس من الانحطاط إلى الارتفاع فكأنما وصلت رأس الجدى فيبدو حكم الشتاء ويتقاطر الطل كالبرد .

           الرابع تجوز علمائهم السجود للسلاطين الظلمة ، فإن باقراً المجلسي وعلماءهم الآخرين قرروها لهم ، وهو صريح المخالفة للقواعد الشرعية ، لأن السجدة لغير الله تعالى على وجه العبادة أو التعظيم كفر وشرك بدليل قوله تعالى ] لا تسجدوا للشمس ولا للقمر وأسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون [ وقوله تعالى ] ألا يسجدوا لله الذى يخرج الحب في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون [ وغيرها من الآيات الدالة على أنحصار السجدة في حق الخالق العليم بالغيب والشهادة خصوصاً في الشريعة المحمدية ، والتمسك بسجدة الملائكة لآدم ههنا في غاية الفساد ، إذ لا يمكن أن تقاس أحكام البشر على أحكام الملك ، وبسجود إخوة يوسف فإنه لم يكن أولاً سجوداً مصطلحاً ، وثانياً إنما يصلح التمسك بشرائع من قبلنا إذا لم يأت في شريعتنا نسخها وهذا الحكم منسوخ في شريعتنا قطعاً ( 1 ) وإلا لكان الحق بذلك رسول الله r 

ولنشرع الآن في المسائل الفقهية :

منها أنهم يقولون بطهارة الذى أستنجى به ولم يطهر المحل وأختلطت أجزاء النجاسة بالماء حتى زاد وزن الماء بذلك ، قال ابن المطهر الحلى في ( المنتهى ) : إن طهارة ماء الاستنجاء وجواز أستعماله مرة أخرى من إجماعيات الفرقة .

------------------------------

( 1 ) بدليل قول النبي r (( لو كنت آمراً أحداً بالسجود لأحد لآمرت المرأة أن تسجد لزوجها )) ، وقد أجمع أعلام الملة الإسلامية على أن السجود لغير الله كفر يخرج فاعله من ملة الإسلام بع العلم بتحريمه .

وهذا الحكم مخالف لقواعد الشريعة لقوله تعالى ] ويحرم عليهم الخبائث [ أي أكلها وأخذها واستعمالها . ولا شك في كون هذا الماء بخساً خبيثاً . ولروايات الأئمة ، فقد روى صاحب ( قرب الإسناد ) وصاحب كتاب ( المسائل ) عن علي بن جعفر أنه قال سألت أخى موسى بن جعفر عن جرة فيها ألف رطل من ماء وقع فيه أوقية بول هل يصح شربه أو الوضوء منه ؟ قال : لا النجس لا يجوز أستعماله . والعجب أن مذهب الأثني عشرية في الماء إذا كان أقل من كر ينجس بوقوع النجاسة فيه ، فيتنجس مثل هذا الماء القليل جداً بطريق الأولى .

ومنها حكمهم بطهارة الخمر كما نص عليه ابن بابويه والجعفي وابن عقيل .

وهذا الحكم مخالف لصريح الآية ] إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان [ والرجس في اللغة اشد النجاسة وأغلظها ، كما ورد في حق الخنزير فإنه رجس . ولروايات الأئمة الموجودة في كتب الشيعة . فقد روى صاحب ( قرب الإسناد ) وصاحب كتاب
( المسائل ) وأبو جعفر الطوسي عن ابي عبد الله
u أنه قال : لا تصل في الثوب قد أصابه الخمر ( 1 ) .

ومنها الحكم بطهارة المذى . وهو مخالف للحديث الصحيح المتفق عليه . روى الراوندي عن موسى بن جعفر عن آبائه علي أنه قال : سألت النبي r عن المذي فقال (( يغسل طرف ذكره )) وفي الصحيحين روى عن علي قال : كنت رجلاً مذاء فكنت أستحي أن أسأل النبي r لمكان أبنته ، فأمرت المقداد فسأله فقال (( يغسل ذكره ويتوضأ )) وكذا روى الترمذي عنه قال : سألت النبي r 0 أي بواسطة المقداد – عن المذي فقال (( من المذي الوضوء ، ومن المني الغسل )) وقد أورد أبو جعفر الطوسي ايضاً روايات صريحة في نجاسة المذي ، ولكن ليس له العمل والفتوى على ذلك .

ومنا القول بعدم أنتقاض الوضوء بخروج المذي ، مع أنهم يروون عن الأئمة خلاف ذلك . روى الطوسي عن يعقوب بن يقطين عن أبي الحسن أنه قال : المذي منه الوضوء . روى الراوندي عن علي قال لأبي ذر أسأل النبي r عن المذي فسأل فقال : (( يتوضأ وضوءه للصلاة))

ومنها قولهم الودى ، وهو بول غليظ جزماً . والبول نجس بإجماع الشرائع .

ومنها حكمهم بعد انتقاض الوضوء من خروج الودى مع أنه مخالف لرواية الأئمة روى الراوندي عن علي مرفوعاً : الودي فيه الوضوء . روى غيره عن ابي عبد الله مثل ذلك .

----------------------

( 1 ) نبه الشيخ محمد نصيف في هامش نسخته على أن القول بطهارة الخمر ذهب إليه الظاهرية وبعض الشافعية . أنظر شرح المهذب .

ومنها حكمهم بأن للذكر الاستبراء بعد ثلاث مرات بالتحريك فما خرج بعد ذلك فطاهر وغير ناقض للوضوء أيضاً . وهذا الحكم مخالف لصريح الشرع إذ الخارج من السبيلين نجس وناقض للوضوء ، والاستبراء لا دخل له في الطهارة اللاحقة وعدم انتقاض الوضوء ولا تأثير له في ذلك . وأيضاً مخالف لروايات الأئمة . روى ابن عيسى عن أبي جعفر أنه كتب إليه : هل يجب الوضوء إذا خرج من ذكر بعد الاستبراء ؟ قال : نعم .

ومنها أن زرق الديك والدجاج طاهر عندهم ، مع أن نجاسته ثبتت بنصوص الأئمة في كتبهم المعتبرة . روى محمد بن الحسن الطوسي عن فارس أنه كتب رجل إلى صاحب العسكر يسأله عن زرق الدجاج يجوز الصلاة فيه ؟ فكتب : لا . وأيضاً مخالف لقاعدتهم الكلية أن زرق الحلال من الحيوان نجس نص عليه ابن المطهر ( المنتهي ) .

صفة الوضوء والغسل والتيمم – ليس عندهم غسل كل الوجه فرضاً ، مع أن نص الكتاب يدل على غسله كله ، قال تعالى ] فأغسلوا وجوهكم [ والوجه ما يواجه به ، وهو من منبت قصاص الجبهة غالباً إلى آخر الذقن ، ومن إحدى شحمتي الأذن إلى الأخرى . وقد قدروا حد الفرض في غسل الوجه ما يدخل بين الإبهام والوسطي إذا أنجرت اليد من الجبهة إلى الأسفل ، وليس لهذا التقدير اصل في الشرع اصلاً ، ولم تجئ فيه رواية عن الأئمة . والدليل على بطلانه أن الإبهام والوسطى لو جررناهما ممتدتين من الأعلى إلى الأسفل فإذا أتصلنا إلى الذقن لابد أن تحيطا من الحلق ببعضه من الطرفين ، فيلزم أن يكون غسل ذلك القدر من الحلق فرضاً أيضاً من أن الحلق لم يعده أحد داخلاً في الوجه ، ولو بسطنا الإصبعين المذكورتين بمحاذاة الجبهة وقبضناهما بالتدريج فحد القبض لا يعلم أصلاً ، والتقديرات الشرعية تكون لإعلام المكلفين لا لتجهيلهم . وايضاً يقولون : إن الوضوء مع غسل الجنابة حرام ! وهذا الحكم مخالف لصريح السنة النبوية فإنه r كان يتوضأ في غسل الجنابة ابتداء دائماً ، ثم كان يصب الماء على البدن كما ثبت . ولروايات الأئمة : روى الكليني عن محمد بن مبشر عن أبي عبد الله u والحسن بن سعد عن الخضرمي عن ابي جعفر أنهما قالا : توضأ ثم تغتسل ، حين سئلا عن كيفية غسل الجنابة .

وايضاً يقولون غسل النيروز سنة ! كما قاله ابن فهد . وهذا الحكم محض ابتداع في الدين إذ لم ينقل في كتبهم أيضاً عن النبي r والأمير والأئمة أنهم اغتسلوا يوم النيروز ، بل لم يكن العرب يعلمون يوم النيروز لأنه من الأعياد الخاصة بالمجوس .

وأيضاً يقولون : يجزي غسل الميت الذى كان واجب القتل حداً أو قصاصاً إذا غسل نفسه قبل قتله ولايعاد عليه الغسل بعد القتل كما نص عليه بهاء الدين العالمي في جامعه . وأنت خبير بأن علة الحكم قبل القتل غير متحققة البتة فكيف يترتب الحكم ؟ وإذا وجدت كيف لا يترتب ؟ فحينئذ لزم الانفكاك بينهما . والحال أن العلل الشرعية كالعقلية في ترتب ما يتوقف عليها ويحتاج إليها وجوداً وعدماً .

وأيضاً قرروا للتيمم ضربة واحدة ، وروايات الأئمة فيه ناطقة بخلافه . روى العلاء عن محمد بن مسلم عن أحدهم قال سألته عن التيمم فقال : (( مرتين : مرة للوجه ، ومرة لليدين )) وروى ليث المرادى عن أبي عبدالله ونحوه . وإسماعيل بن همام الكندي عن الرضا نحوه وزادوا في التيمم مسح الجبهة ولا أصل له في الشرع .

وأيضاً يقولون : إن الخف والقلنسوة والجوارب والنطاق والعمامة والتكة وكل ما يكون على بدن المصلي إن تلطخ بالنجاسة – سواء كانت مخففة أو مغلظة كبراز الإنسان – يجوز معها الصلاة ولا فساد لها . وهذا الحكم صريح المخالفة للكتاب أعني قوله تعالى ] وثيابك فطهر [ ولا شك أن هذه الأشياء يطلق عليها لفظ الثياب شرعاً وعرفاً ، ولهذا تدخل هي في يمين ينعقد بلفظ الثياب نفياً وإثباتاً .

وأيضاً يقولون : إن ثياب بدن المصلي كالإزار والقميص والسراويل إن تلطخت بدم الجرح والقروح يجوز بها الصلاة ولا ضير ، مع أن الدم والصديد ونحوهما سواء كانت من جرحه أو من جرح غيره نجس بلا شبهة . وأنت تعلم أن هذا في حق غير من أبتلي بهما ، وأما في حقه فمعفو . وكل من الدم والصديد والقيح ونحوهما مما يتعسر الاحتراز عنه ويشق عليه معفو لعموم البلوى وعدم الحرج في الشرع .

وأيضاُ يقولون : يجوز في صلاة النافلة قائماً كان المصلي أو قاعداً وكذا في سجدة التلاوة استقبال غير جهة القبلة ، وهذا إحداث صريح في الدين ، وأمر لم يؤذن به . وأما حالة الركوب والسفر فمخصوصة ( 1 ) البتة من عموم وجوب الاستقبال إلى القبلة بروايات الرسول r والأئمة ، وبدون هذا العذر ( 2 ) لم يثبت ترك الاستقبال قط ، قال تعالى : ] ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام ، وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره [ وكل ما خصصه الشارع من هذا العموم فهو على الرأس والعين ، وليس لغيره جواز التخصيص بأن يستثنى بعقله ما ورد في
--------------------------

( 1 ) أي مسنثناه .

( 2 ) أي عذر الصلاة على الراحلة في السفر .

الشرع عاماً . ولقد انصف في هذه المسألة شيخهم المقداد في ( كنز العرفان ) وحكم بمخالفة هذا الحكم للقرآن واعترف به .

وايضاً يقولون : إن المصلي لو قام في مكان وكانت فيه نجاسة يابسة من براز الإنسان لا تلتصق ليبسها ببدنه وثوبه في السجود والقعود إن لاقته جازت الصلاة ، مع أن وجوب طهارة مكان الصلاة ضروري الثبوت في جميع الشرائع .

           وايضاً يقولون : لو أن أحداً غمس قدميه إلى الركبة ويديه إلى المرفقين في صهاؤيج بيت الخلاء الممتلئة بعذرة الإنسان وبوله ثم أزال عين ما ألتصق عن بدنه المذكور بالفرك والدلك بعد اليبس بلا غسل وصلى تصح صلاته . وكذلك إن غمس جميع بدنه في بالوعة مملوءة بالبول والعذرة وليس على بدنه جرم النجاسة يجوز الصلاة بلا غسل ، مع ان التطهير في هذه الحالات من غير غسل وبزوال العين لا يتحقق به روال الآثر .

           وأيضاً يقولون : لو وجد المصلي بعد الفراغ من الصلاة في ثوبه براز الإنسان أو الكلب أو الهرة اليابس أو المني أو الدم صحت صلاته ولا يجب عليه أعادتها كما ذكره الطوسي في
( التهذيب ) وغيره مع أن طهارة الثوب من شرائط الصلاة والجهل والنسيان في الحكم الوضعي ليس بعذر .

وايضاً يقولون : إن كان رجلاً عارياً وطين ذكره وخصيتيه بطين قليل من غير ضرورة وصلى صحت صلاته ، مع ان ستر العورة واجب على القادر شرعاً ولا سيما في حال الصلاة . ولهذا خالف جماعة من الإمامية جمهورهم في هذه المسألة مستدلين بالآثار المروية عن أهل البيت على بطلانه .

وايضاً يقولون : إن لطخ رجل لحيته وشاربه وبدنه وثوبه بزرق الدجاج أو أصاب لحيته وشاربه أو وجهه أو خده قطرات من بوله بعد ما استبرأ ثلاث مرات تصح صلاته بلا غسل .

( مسائل تتعلق بالصلاة ) : يقولون يجوز للمصلي المشي في صلاته لوضع عجينه في محل لا يصل إليه كلب أو هرة ولو كان ذلك المحل بعيداً عن مصلاه مسافة عشرة أذؤع شرعية مع ان العمل الكثير ولا سيما إذا لم يكن مما لا يتعلق بالصلاة مبطل لها لقوله تعالى ] وقوموا لله قانتين ، فإن خفتم فرجالا أو ركباناً ، فإذا أمنتم فأذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون [ .

وايضاً يقولون : من قرأ في الصلاة (( وتعالى جدك )) تفسد صلاته ، مع أن قوله تعالى
] وإنه تعالى جد ربنا [ في سورة الجن تصح قراءتها في الصلاة .

وايضاً يقولون : تفسد الصلاة بقراءة بعض السور من القرآن كسورة حم تنزيل السجدة وثلاث سور أخرى ، مع أن قوله تعالى ] فاقرأوا ما تيسر من القرآن [ يدل بمنطوقه على العموم . وهؤلاء الفرقة هم يررون عن الأئمة أن الصلاة تصح بقراءة كل سورة من القرآن . والعجب أنهم يحكمون بجواز الصلاة بقراءة ما يعلمه المصلي أنه ليس من القرآن المنزل بل هو بزعمهم محرف عثمان وأصحابه ، مثل ] أن تكون أمة هي أربى من امة [ .

وأيضاً يجوز بعضهم الأكل والشرب في عين الصلاة كما صرح به فقيههم المعتبر صاحب ( شرائع الأحكام ) في كتابه هذا ، مع أن الأخبار المتفق عليها مروية في المنع من الأكل والشرب في الصلاة ، وهذا المقدر هو مجمع عليه بين هذه الفرقة أن شرب الماء في صلاة الوتر جائز لمن يريد أن يصوم غداً وعطش في تلك الصلاة .

وايضاً يقولون : لو باشر المصلي مباشرة فاحشة بامرأة حسناء وضمها إلى نفسه وألصق رأس ذكره بما يحاذى قبلها وسال المذي الكثير ولو ألى الساق جازت صلاته . وكذا ذكره الطوسي أبو جعفر وغيره من مجتهديهم . ولا يخفى أن هذه الحركات صريحة المخالفة لمقاصد الشرع ومنافية لحالة المناجاة بالبداهة . وأيضاً قالوا : إن لعب وعبث المصلي في عين الصلاة بذكره وأنثييه بحيث سال منه المذى فلا ضرر بذلك في الصلاة اصلاً .

وبعضهم جوزوا الصلاة إلى جهة قبور الأئمة بنية مزيد الثواب ، مع أن النبي r قال (( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )) .

وايضاً يجوزون الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من غير عذر وسفر ، وذلك مخالف لقوله تعالى ] حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى [ ، ] إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً [ .

وايضاً عندهم أداء الصلوات الأربع – يعني الظهر والعصر والمغرب والعشاء – متصلة بينها لانتظار خروج المهدي ( 1 ) .

 

 

------------------------

( 1 ) المتوارى في سرداب مدينة سامراء في العراق من القرن الرابع الهجري وينتظر منذ ألف سنة الإذن الإلهي له بالخروج ليذبح بسيفه أهل السنة وكل من لم يكن من شيعته أو يشك في خروجه أو يضن عليه بالدعاء أن يجعل الله فرجه . وفي القرن التاسع الهجري شاع حديث مكذوب على لسان النبي r ولفظه (( تؤلف ولا تؤلفان )) وطن الجلال السيوطي وغيره من العلماء أن المراد منه أن القيامة تتأخر عن سنة ألف للهجرة ولكنها لا تبلغ الألفين ، فألف رحمه الله رسالة في تكذيب صحة هذا الحديث وأنه من أختراع الوضاعين . والذى يغلب علي طني أن الذين أخترعوا جملة (( تؤلف ولا تؤلفان )) أرادوا بها غيبة المهدي التى ملت جماهير الشيعة أنتظار نهاية لها حتى كادوا يرتابون بذلك ، لإارادوا كهنتهم أن يثبتوا عقيدتمه فزعموا ان الغيبة تؤلف ولا تؤلفان .

وايضاً يحكمون بعدم جواز قصر الصلاة في سفر التجارة دون إفطار الصوم ، مع أنه ليس فرق بين الصلاة والصوم في الشرع ، ودق نص على الفرق ابن ادريس وابن المعلم الطوسي وغيرهم ، مع أن روايات عدم الفرق بين الأئمة موجودة في كتبهم الصحيحة . روى معاوية بن وهب عن أبي عبد الله انه قال (( وإذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت )) .

وايضاً يقولون : من كان سفره أكثر من الإقامة كالمكاري والملاح والتاجر الذى يتردد بفحص الأسواق فليقصروا صلاة النهار وليتمموا صلاة الليل ولو أقام خمسة ايام في اثناء سفره أيضاً ، نص عليه القاضي ابن سراج وابن زهره وأبو جعفر الطوسي في ( النهاية ) و( المبسوط ) مع ان روايات الأئمة وردت عندهم بخلاف هذا الحكم ولم تفرق بين الليل والنهار . روى محمد بن بابويه في الصحيح عن أحدهما أنه قال (( المكارى والملاح إذا جد بهما سفر فليقصروا )) . وروى عبد الملك بن مسلم عن الصادق نحوه .

وأيضاً يخصصون القصر في صلاة السفر بالأسفار الأربعة : السفر إلى المسجد الحرام ، وإلى طيبة المنورة ، وإلى الكوفة ( 1 ) ، وإلى كربلاء ( 2 ) . وهذا عند الجمهور . واما المختار – لجمع منهم المرتضى – فإن جميع ( مشاهد الأئمة ) لها هذا الحكم ، مع ان نص الكتاب ] وإذا ضربتم في الأرض [ الآية وقع مطلقاً ، وكان الأمير أيضاً يقصر صلاته في جميع أسفاره . والرواية المذكورة عن ابن بابويه دالة ايضاً على الإطلاق .

وايضاً يحكمون بترك الجمعة في غيبة الإمام ( 3 ) بل بزعمهم أهل أخبارهم انها ( 4 ) حرام وقد قال الله تعالى ] يأيها الذين أمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله [ الآية من غير تقييد فيها بحضور الإمام.

وأيضاً يجوزون للمرء أن يشق جيبه وثوبه في عزاء الأب والابن والأخ ، وللمرأة مطلقاً على كل ميت ، مع ان الصبر في جميع الشرائع واجب في المصائب والجزع حرام . وقد وقع في الأخبار الصحيحة (( ليس منا من حلق وسلق وخرق )) وايضاً ورد (( ليس منا من شق الجيوب ولطم الخدود )) وورد (( من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا )) .

-------------------------

( 1 ) إي إلى المشهد المنسوب لعلي .

( 2 ) وكربلاء أفضل هذه الأربعة عندهم . وفي ذلك بقول شاعرهم :

هي الطفوف ، فطف سبعـاً لمغنـاهـا                     فمـا لمكـة معنـى مثل معناهـا

أرض ، ولكنما السبـع الشـداد لها                     دانت ، وطأطأ أعلاها لأدنـاها

أي طأطأ وذل أعلى السماوات السبع الشداد أرض في كربلاء .

( 3 ) أي في السرداب ، فليست عليهم جمعة منذ الف سنة وإلى يوم القيامة .

( 4 ) أي الجمعة .

           ( مسائل الصوم والاعتكاف ) : يحكمون بفساد الصوم بانغماس الصائم في الماء ، مع أن مفسداته إنما هي الأكل والشرب والجماع بالإجماع . ولهذا قد رجع عن هذه المسألة جمع منهم وأختاروا عدم الفساد لصحة الأثار بخلافها .

والعجب أن الصوم لا بفسد عند هم بالإيلاج في دبر الغلام على مذهب اكثرهم ، وقد روى عن الأئمة خلافة ، أجمع الأمة كلهم على أن كل ما يوجب الإنزال مفسد للصوم سوء كان الوطء في القبل أو الدبر .

وايضاً يجوز عند بعضهم أكل جلد الحيوان للصائم ولا ضرر لصومه ، وقال بعضهم أكل أوراق الأشجار لا يفسد الصوم ، وقال بعضهم لا يضر الصوم أكل مالا يعتاد أكله ، ومع هذا لو أنغمس في الماء يجب عليه القضاء والكفارة معاً وإن لم يدخل شئ من الماء في حلقه وأنفه . سبحان الله أى إفراط وتفريظ هذا ؟ .

وايضاً يقولون : يستحب صوم عاشوراء من الصبح إلى العصر دون الغروب ، مع ان الصوم ليس متجزئاً في شريعة أصلاً بل يفسد جزء منه لقوله تعالى ] ثم أتموا الصيام إلى الليل[ .

وايضاً يقولون : صوم اليوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة مؤكدة مع أن كلا من النبي r والأئمة لم يصوموا في هذا اليوم بالخصوص ولم يبينوا ثوابه ( 1 ) .

وأيضاً يقولون : لا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد أقام الجمعة فيه النبي r أو الوصي ، وهذا مخالف لقوله تعالى ] وأنتم عاكفون في المساجد [ ويحرمون استعمال الطيب للمعتكف ، مع أنه مسنون بالإجماع لمن يدخل المسجد .

( مسائل الزكاة ) يقولون : لا تجب الزكاة في التبر من الذهب والفضة .

وأيضاً يقولون : لو كان عند رجل في ملكه نقود كثيرة مسكوكة وأتخذ منها الحلى او آلات اللهو عنه زكاتها ، وإن أحتال بهذا قبل من حولان الحول .

وكذلك تسقط زكاة تلك النقود إذا كسد رواجها في هذه المدة وراجت نقود أخر مكانها . فليتأمل في مخالفة هذه المسائل لقوله تعالى ] والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في

 

 

--------------------------

( 1 ) اليوم الثامن عشر من ذي الحجة هو الذى يزعمون أنه يوم غديرخم ، وقد تقدم في ص 208 . وكيف يكون صومه سنة والسنة لا تكون إلا عن فعل النبي r ، والنبي r لم يفعله ولا أحد من الأئمة الذين يزعمون الشيعة أنهم شيعة لهم ، والأئمة رضوان الله عليهم برآء من هؤلاء المبتدعين الوضاعين .

سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم [ وحيثما ذكر وجوب الزكاة في كلام النبي r والأئمة جاء بلفظ الدراهم والدنانير الرائجة في الوقت .

وايضاً يقولون لا تجب الزكاة في أموال التجارة مالم تصر نقدين بعد التبدل والتجول .

وأيضاً يحكمون بعدم وجوب الزكاة في مال رجل أو امرأة ملكه وجعله اثاثاُ لنفسه أو أشترى به متعاً بنية الاكتساب أو الزينة وجعلها اثاثاً أو بالعكس ، وقد قال الشارع (( أدوا زكاة أموالكم )) ولا شبهة في كون هذه الأشياء مالاً .

وأيضاً يحكمون باسترداد المزكي مال الزكاة من المستحق إذا زال فقره بعد ما تملكه وتصرف فيه ، مع أن الصدقات لا تسترد ولا يصح الرجوع عنها بعد القبض ، وأخذ مال الغير بدون إجازته ولا يجوز في الشريعة اصلاً ، والاستحقاق لأخذ الزكاة شرط في وقت الأخذ لا في تمام عمره .

( مسائل الحج ) يقولون : لو ملك رجل مالاً يحصل به الزاد والرحلة ونفقة العيال مدة الذهاب والإياب ولكن يظن أنه إذا رجع من الحج إلى البيت لا يكفيه نفقته أكثر من شهر واحد يحب عليه الحج ، نص ليه أبو القاسم في ( الشرائع ) وغيره . وقد اوجب الشارع الحج على من يستطيع إليه سبيلاً ، وهو الاستطاعة بالزاد والرحلة ونفقة العيال في مدة الذهاب والرجوع وصحة البدن وأمن الطريق فقط ، فانصرام النفقة بعد المجئ لا يوجب نقصاً في معنى الاستطاعة إذ ظاهر أن كلا من العقلاء المستطيعين يقوم بوجه معاشه ولا يضيع عمره في البطالة ، وعلى هذا يمكن أن يكتسب معاشه بعد قدومه إلى بيته ولا يكون متعطلاً ، والهدايا والتحف والإنعام والأحسان من الناس في حقه بعنوان كونه حاجاً فتوح زائدة عليه ( 1 ) .

وأيضاً يقول بعضهم : لا يجب ستر العورة في الحج ّ وقد قال الله تعالى ] خذوا زينتكم عند كل مسجد [ والروايات الصريحة عن الأئمة ناصة على خلاف ذلك ، ويجوزون الطواف عراة كرسم اتلجاهلية ، ولكن يشترطون أن المرء يطين سوأتيه بطين بحيث يغطي لون البشرة ولو كانت تلك الأعضاء محكيه ، ولا مناسبة لذلك بالملة الحنيفية أصلاً .

والعجب أن الزنا عند طائفة منهم لو وقع بعد الإحرام في الحج لا يفسده ! وهذا القبح ثمرة تجويزهم كشف العورة فيه ، وكيف يكون ذلك والله تالى يقول ] فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج [ ولا رفث فوق الزنا في العالم .

----------------------------

( 1 ) يظهر أنه كان من عادات ذلك العصر التقدم بالهدايا والتحف إلى من يعود من الحج ، لبعد الشقة وصعوبة المواصلات يومئذ ، ولا سيما في مثل الأقاليم الهندية التى منها المؤلف عبد العزيز الدهلوي رحمه الله .

وايضاً يقولون : لو أصطاد في الإحرام متعمداً مرة يجب عليه الكفارة ، ثم إذا فعل مرة أخرى فلا تجب ، مع أن الجناية في المرة الأخرى تكون أزيد من المرة الأولى ، ونص الكتاب قاض بالكفارة على العامد مطلقاً قال تعالى ] ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم[ .

( مسائل الجهاد يخصون الجهاد بمن كان في عهد النبي r أو في زمن خلافة الأمير ( 1 ) ، أو الإمام الحسن قبل صلحه مع معاوية ، أو مع الإمام الحسين ، أو من سيكون مع الإمام المهدي ( 2 ) ولا يجوز الجهاد عندهم في غير هذه الأوقات الخمسة ، مع أن الجهاد ماض إلى يوم القيامة ، والآيات النازلة في تأكيد الجهاد غير مقيدة بزمان ، بل تدل على أن الجهاد في جميع الأوقات عبادة ومستوجب للأجر العظيم ، مثل ] يا أيها الذين أمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله واسع عليم [ ، فإنها نزلت في حق رفقاء الخليفة الأول و ] قل للمخلفين من الأعراب ستدعو ن إلى قوم أولى بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون [ إذ هي نازلة في حق عساكر الخليفة الثاني ( 3 ) ، وما وقع من الجهاد في غير الأوقات المذكورة فهو فاسد عندهم ، وليس تقسيم الغنائم في الجهاد الفاسد بوجه مشروع ، فلا بد أن تكون الجواري المأسورة مملوكة لأحد ولا يصح التمتع بهن ( 4 ) وقد استخرجوا فتوى عجيبة لتسهيل هذا العسير ، ونسبها صاحب الرقاع المزورة ابن بابويه إلى صاحب الزمان ( 5 ) أن تلك الجواري كلها مملوكة للإمام  . وقد حلل الأئمة جواريهم لشيعتهم ، فبهذه الحيلة يجوز التسرى بالجوارى المأسورة في الجهاد الفاسد للشيعة . سبحان الله ، أية كلمات خبيثة ثقيلة في السوء يكتبونها في كتبهم الفقهية التى هي محل تنقيح الدين ، وإذا قال أهل السنة بإزائهم : إن الأمير t تسرى خولة بنت جعفر اليمامية الحنفية التى جاء بها
----------------------

( 1 ) ورعو به أشياع الأمير ممن صاروا روافض أو خوارج قطعت جهاده مع غير المسلمين .

( 2 ) عند خروجه من السرداب ليقتل المسلمين وسائر البشر غير شيعته .

( 3 ) ولكن عسكر الخليفة لثاني لهم ذنب عظيم  ، وهو أنهم اطفأوا نار المجوسية وأدخلوا إيران في ملة الإسلام ، وقد أستحق الخليفة الثاني القتال على ذلك في حياته ، والسب واللعن من ذلك اليوم إلى الآن ، فكيف يعتبر عندهم جهاد عسكره في سبيل الله ؟ إن ذنبهم وذنب خليفتهم لا يغتفره بعض الناس ، والله المنتقم الجبار سيحكم بينهم وبينه .

( 4 ) ولكن (( الحنفية )) التى تسرى بها الإمام على وولدت له محمد بن الحنفية رضوان الله عليه هي من بني حنيفة في اليمامة اسرت أيام خلافة رسول الله r أبي بكر الصديق . أنظر المناقشة في هذه المسألة بين السيد عبد الله السويدي وملا باشي كبير مجتهدي الشيعة في زمان نادرة شاه سنة 1156 في رسالة ( مؤتمر النجف ) ص 31 .

( 5 ) أنظر الرقاع المزورة هامش ص 48 ، ومجلة ( الفتح ) العدد 844 الصادر في جمادي الأخرة سنة 1366 .

خالد بن الوليد مأسورة في عهد الخليفة الأول وولد للأمير منها محمد بن الحنفية ، فلو كان جهاد ذلك الوقت فاسداً ولم يكن تقسيم غنائمه للخليفة صحيحاً فلماذا تصرف الأمير بالتسرى في الغنائم ؟ يجيبون بأنه قد صح عندنا رواية أن الأمير أعتقها ولا ثم تزوجها ، أو لا يفهمون أن الإعتاق لا يتصور بدون الملك ، فلزم أنه ملكاً أولاً ثم أعتقها ، مع أن الإعتاق أيضاً نوع من التصرف وبه يثبت المدعى .

( مسائل النكاح والبيع ) : لا يجوزون النكاح والبيع إلا بلغة العرب ، مع أن أعتبار اللغات في المعاملات الدنيوية لم يأت في شريعة قط ، ولا أن الأمير كلف أهل خراسان وفارس في عهد خلافته بان يعتقدوا معاملاتهم بلسان العرب ، بل نفذ أنكحتهم وبيوعهم المنعقدة بلغتهم ، أى دخل للسان العرب في صحة العقود والمعاملات كالنكاح والبيع والإجازة والطلاق ، إذ المقصود فيها إظهار ما في الضمير وهو معين لكل قوم بلغتهم .

وايضاً يقولون : إن الجد مختار في بيع مال الصغير وله الولاية عليه ، مع وجوب الأب وقد تقرر في الشرع عدم دخول الولى الأبعد عند وجود الأقرب في كل باب ، وسقوط المدلى عن المدلى به في الولاية والميراث .

( مسائل التجارة ) : يقولون إن أخذ الربح من المؤمن في التجارة مكروه ، وقد قال الله تعالى ] وأحل الله البيع [ وقال ] إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم [ والمؤمن وغيره سيان في هذا الباب ، إذ مبني التجارة والبيع على تحصيل النفع ، وما توارث جميع الأمة في كل الأعصار والأمصار على خلاف هذه المسألة ، فلو أتجر مؤمن في دار الإسلام تجارة مع المؤمنين لا تجوز له عندهم فتصير ديار كثيرة كإيران وخراسان والعراق واليمن محرومة من هذه الفائدة ، وقد اقر الأنبياء والأئمة المؤمنين على تجارتهم فيما بينهم مع اخذ الربح .

( مسائل الرهن والدين ) : يقولون بجواز الرهن من غير قبض المرتهن المرهون ، وقد جعل القبض في الشرع من لوازم الرهن ، قال تعالى ] فرهان مقبوضة [ ولا تتحقق الفائدة المقصودة من الرهن بدون القبض لأن المرتهن لا حق له في رقبة المرهون ولا يجوز له الانتفاع بمنافعه بلا إذن الراهن وليس له إلا القبض حتى يحصل دينه من المرهون عند الحاجة فإذا لم يكن هذا أيضاً فاية فائدة فيه للمرتهن ، ومع هذا قد خالفوا في هذه المسألة الروايات الصحيحة عن الأئمة : روى محمد بن قيس عن الباقر والصادق أنهما قالا (( لا رهن إلا مقبوض )) .

وأيضاً يقولون : يجوز للمرتهن الانتفاع بالمرهون ، وهو ربا محض .

وأيضاً يقولون : إن أرتهن أحد أمة آخر يجوز له وطؤها ، وهو محض الزنا .

وايضاً إن رهن أم ولده جاز ، ومع هذا إن أجاز للمرتهن الوطء منها قبلاً أو دبراًَ جاز ايضاً ، ولا تخفى شناعة هذه المسألة ومخالفتها لقواعد الشرع .

وأيضاً يقولون : لو أحال دينه على آخر وهو لا يقبل لزمت الحوالة ، نص عليه أبو جعفر الطوسي وشيخه ابن النعمان . وفي هذا الحكم غاية الغرابة ، ولم يأت في باب من ابواب الشريعة ان يلزم دين أحد أحداً بلا التزامه ، ولو جرى العمل على هذه المسألة لترتب عليه فساد عجيب ، إذ يمكن لكل فقير أن يحيل دينه على الأغنياء والتجار في كل بلدة ويبرئ ذمته ويكون من ذلك أمر عجاب .

( مسائل الغصب والوديعة ) يقولون : لو غصب رجل مال غيره أو اودعه عند احد يجب على المودع إنكار تلك الوديعة بعد موت المودع . مع أن الله تعالى شدد في إنكار الأمانة ، وإن كان ذلك المودع غاصباً فعليه ذنب عصبه ، ولكن كيف يجوز لهذا الأمين إنكار امانته والحلف بالكذب ؟ ! .

وايضاً يقولون : إن لم يظهر مالك ذلك المغصوب بعد التفحص سنة واحدة يتصدق به على الفقراء ، مع أن التصدق من مال الغير بلا إذنه لا يجوز في الشرع قال تعالى ] إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها [ وقال النبي r (( اد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تحن من خانك )) وهو خبر صحيح نص عليه أبن المطهر الحلي .

وايضاً يقولون : إن غصب أحد مال غيره وخلطه بماله بحيث لا يمكن التمييز بينهما كاللبن المخلوط باللبن والسمن بالسمن والبر بالبر ونحوها يرد الحاكم ذلك المال كله إلى المغصوب منه ، وهذا ظلم صريح ، لأن المغصوب منه لا حق له في مال الغاصب ، ولا يعالج الظلم بالظلم .

وأيضاً إن أودع رجل أمته عند آخر وأجاز له وطئها متى شاء ، جاز للأمين أن يطأها متى شاء .

( مسائل العارية ) : لو قال رجل لآخر حللت لك جميع منافع هذه الأمة يكون وطئها له حلالً طيباً ، وإعارة فروج النساء بالخصوص – أو عموماً في ضمن جميع المنافع جائزة عندهم.

وايضاً يجوز إعارة أم ولده للوطء . وهذه الأحكام كلها مخالفة لقوله تعالى ] والذين هم لفروجهم حافظون ، إلا على أزواجهم او ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فاولئك هم العادون [ .

( مسائل اللقيط ) : يقولون إن وجد رجل طفلاً مميزاً ضل عن ورثته لا يجوز له التقاطه ولا حفظه في بيته . ولا شبهة في ان ترك ألتقاطه موجب لهلاكه ، لأنه لصغره عاجز عن دفع المؤذين عن نفسه ، وغير قادر على كسب نفقته ، فالتقاطه أوكد من ألتقاط الحيوانات .

( مسائل الإجارة والهبة والصدقة والوقف ) : يقولون لا تنعقد الإجارة بغير لسان العرب . وايضاًُ يقولون من أستؤجر لجهاد الكفار ، ولحراسة الطريق والشوارع من قطاع الطريق في زمن غيبة الإمام المهدي ، لا يكون الأجير مستحقاً للأجرة ، لأن الجهاد في زمن غيبة الإمام فاسد فلا تصح إجارته .

وأيضاً يقولون : إن جعل شيعى أم ولده اجيراً لخدمة رجل ولتدبير البيت ، وأحل فرجها لأخر ، تكون خدمتها للأول ووطؤها للثاني .

وايضاً يقولون : لا تصح الهبة بغير لسان عربي ، فلو قال رجل ألف مرة باللسان الفارسي مثلاً (( بخشيدم ، بخشيدم )) لا تكون هبة .

ويقولون : إن هبة وطء مملوكته فقط صحيحة ويكون الفرج عارية .

وأيضاً يقول أكثرهم : يجوز الرجوع عن الصدقة . وقد قال تعالى ] لا تبطلوا صدقاتكم [ وقال النبي r (( العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه )) .

وقالوا : وقف الهرة يجوز . اللهم أية فائدة في وقفها ، وأى أنتفاع بها كي يجوز وقفها ؟.

وايضاً يقولون إجماعاً : إن وقف فرج الأمة صحيح ، فتلك الأمة تخرج إلى الناس ليستمتعوا بها ، وأجرة هذه المتعة حلال طيب لمن وقفت له ، فلم يبق فرق بين الشريعة بين أسلوب الكفار الذين لا دين لهم .

( مسائل النكاح ) : يقولون يستحب ترك النكاح مع التوقان وخوف الفتنة ، مع انه خلاف سنة الأنبياء والأوصياء . نعم لم يكن الأنبياء والأوصياء يعلمون أن شبق الجماع يمكن أن يدفع بالمتعة ، وبالفروج المعارة .

وأيضاً يقولون : النكاح مكروه إذا كان القمر في العقرب أو تحت الشعاع وفي المحلق وهذا مخالف لمقاصد الشرع الذي جاء لإبطال النجوم .

وأيضاً يقولون : إن وطء جارية لم يكمل لها تسع سنين حرام ، وإن كانت ضخمة تطيق الجماع . ولا اصل لهذا الحكم في الشرع .

وايضاً يقولون : يجوز في النكاح المباح ان يشترط الناكح مرات الجماع في زمان معين ويكون لكل منهما مطالبة الآخر على وفق الشرط ، وقد قال تعالى ] ولا تواعدوهن سراً أن تقولوا قولاً معروفاً [ . وأيضاً يجوزون الوطء في دبر المنكوحة أو المملوكة أو الأمة المعارة او الموقوفة أو المودعة أو المستمتع منها ، وقد قال الله تعالى ] قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض [ وإذا حرم الله تعالى الفرج لنجاسة الحيض ، فكيف لا يكون الدبر الذى هو معدن النجاسة حراماً لتلك العلة ؟ وقد قال r (( ملعون من اتى امرأة في دبرها )) وقال (( أتقوا محاش النساء )) أى ادبارهن ، وهو خبر صحيح متفق عليه نص عليه المقداد ( 1 ) .

وقد تعرض ههنا شبهة لبعض الجهلة بفن التشريح أن الفرج أيضاً محل البول والنجاسة فلم أحل دون الدبر ؟ وتدفع هذه الشبهة بأن المقرر في فن التشريح أن الفرج مشتمل على ثلاث تجويفات : تجويف فوق الكل يتصل بالمثانة وهو ميراب البول ، وتجويف دونه أضيق متصل المعاء تخرج منه الريح أحياناً ، وتجويف تحت الكل يدخل الذكر فيه وقت الجماع وهو متصل بفم الرحم يخرج منه الحيض والنفاس والولد ، فلا تكون في هذا التجويف نجاسة أصلاً إلا في أيام احيض والنفاس ، وحينئذ يكون الجماع حراماً ، بخلاف الدبر فإن له تجويفاً واحداً متصلاً ببعض الأمعاء التى هي معدن البراز والنجاسة الغليظة .

( مسائل المتعة ) إنهم يحسبون متعة النساء خير العبادات وأفضل القربات ، ويوردون في فضائلها أخباراً كثيرة موضوعة ومفتراه ، وعندهم متعة الخلية جائزة الأجماع ، ومتعة المشركة والمجوسية سواء كانت خلية أو محصنة جائزة إذا تحركت ألسنتهن بقول لا إله إلا الله ، وأن لم يكن في قلوبهن من معناها شئ . وكذلك يجوزون المتعة الدورية ( 2 ) ، وإن كان الأثنا عشرية ينكرون هذا التجويز ، ولكن يقول محققوهم إنها ثابتة في كتبنا لا يجوز إنكارها ، وصورتها أن يستمتع جماعة من أمرأة واحدة ويقرروا الدور والنوبة لكل منهم ، فيجامعها من له النوبة من تلك الجماعة في نوبته من أن خلط الماءين في الرحم لا يجوز في شريعة من الشرائع إذ لا يثبت حينئذ نسب العلوق إلى أحد منهم . والحال حفظ النسب مما به الامتياز بين الإنسان والحيوان . وإذا تأمل العاقل في أصل المتعة يجد فيها مفاسد مكنونة كلها تعارض الشرع ، منها تضييع الأولاد ، فإن الرجل إذا كانوا منتشرين في كل بلدة ولا يكونون عنده فلا يمكنه أن يقوم بترتيبهم فينشأون من غير تربية كأولاد الزنا ، ولو فرضنا أولئك الأولاد إناثاً يكون الخزي أزيد ، لأن نكاحهن لا يمكن بالأكفاء اصلاً ، ومنها أحتمال وطء الأب بالمتعة أو النكاح أو بالعكس بل وطء
-----------------------

( 1 ) ابن عبد الله السيورى الذى تقدم ذكره والنقل عن كتابه ( كنز العرفان ) في ص 81 و 119 . وسيأتى في ص 230 .

( 2 ) أنظر للمتعة الدورية العدد 845 من صحيفة الفتح الصادر في رجب سنة 1366 ، وفيه بيان كيفية هذه المتعة كما ذكر ذلك الشيخ أحمد سرحان الشيعي للشيخ محمد نصيف ، وكما ذكره الشيخ حسن الحلي للسيد إبراهيم الراوي .

البنت وبنت البنت وبنت الأبن ، والأخت وبنت الأخت وغيرهن من المحارم في بعض الصور خصوصاً في مدة طويلة ، وهو أشد المحظورات ، لأن العلم بحبل امرأة المتعة في مدة شهر واحد أو أزيد لا يكون حاصلاً لا سيما إن وقعت المتعة في السفر ويكون السفر أيضاً طويلاً ويتفق في كل منزل الشغل بالمتعة الجديدة ويتعلق الولد في كل منها وتولد جارية من بعد العلوقات ويرجع هذا الرجل إلى ذلك الطريق بعد خمسة عشر عاماً مثلاً أو يمر إخوته أو بنوه في تلك المنازل فيفعلون بتلك البنات متعة أو ينكحونهن . ومنها دم تقسيم ميراث مرتكب المتعة مرات كثيرة إذ لا يكون ورثته معلومين ولا عددهم ولا أسماؤهم وأمكنتهم فلزم تعطيل أمر الميراث . وكذلك لزم تعطيل ميراث من ولد بالمتعة فإن آباءهم وإخواتهم مجهولون ، ولا يمكن تقسيم الميراث ما لم يعلم حصر الورثة في العدد ، ويمتنع تعيين سهم من الأسهم مالم تعلم صفات الورثة من الذكورة والأنوثة والحجب والحرمان . وبالجملة فالمفاسد المترتبة على المتعة مضرة جداً ولا سيما في الأمور الشرعية كالنكاح والميراث ، فلهذا حصر الله سبحانه أسباب حل الوطء في شيئين : النكاح الصحيح ، وملك اليمين ، لأن الاختصاص التام الحاصل بين المرء وزوجته بسبب هذين العقدين ليحفظ الولد ويعلم الإرث ، قال تعالى ] إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم [ وعقب هذا في الموضعين بقوله ] فمن أبتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون [ وظاهر أن أمرأة المتعة ليست بزوجة ، وإلا تحققت لوازم الزوجية فيها من الإرث والعدة والطلاق والنفقة والكسوة وغيرها ، وليست هي ايضاً بملك يمين وإلا لجاز بيعها وهبتها وإعناقها . وقد أعترف فقهاء الشيعة بأن الزوجية بين المرء وامرأة المتعة لا تكون متحققة ، وقال ابن بابويه في كتاب ( الاعتقادات ) إن أسباب حل المرأة عندنا أربعة : النكاح وملك اليمين ، والمتعة ، والتحليل . وقال تعالى ] وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله [ فلو كانت المتعة والتحليل جائزين لم يأمر بالاستعفاف وقال تعالى ] ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فما ملكت أيمانكم – إلى قوله – ذلك لمن خشى العنت منكم ، وأن تصبروا خير لكم [ فلو جازت المتعة والتحليل لما كان خوف العنت والحاجة إلى نكاح الإماء وإلى الصبر في ترك نكاحهن متحققاً . وما قالت الشيعة إن قوله تعالى ] فما أستمعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة [ نزل في حل المتعة فغلط محض ، ونسبة روايته إلى أبن مسعود وغيره من الصحابة محض أفتراء ، وإن نقل في تفاسير أهل السنة غير المعتبرة ايضاً فإنه خلاف نظم القرآن وكل تفسير كذلك ليس بمسموع ولا مقبول ولو كان من رواية صحابي ، لأنه سبحانه بين أولاً المحرمات بقوله تعالى ] حرمت عليكم أمهاتكم – إلى قوله – والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم [ ثم قال ] وأحل لكم ما وراء ذلكم [ أى غير المحرمات المذكورة ، ولكن بشرط أن تبتغوا بأموالكم من المهور والنفقات ، فبطل بهذا الشرط تحليل الفروج وإعارتها ، فإنها منفعة محضة بلا حرج ، ثم قال ] محصنين غير مسافحين [ يعني في حال كونكم مخصصين أزواجكم بأنفسكم ومحافظين لهن لكي لا يرتبطن بالأجانب ولا تقصدوا بهن محض قضاء شهوتكم وصب مائكم وأستبراء أوعية المني ، فبطلت المتعة بهذا القيد أصلاً ، لأن امرأة المتعة كل شهر تحت صاحب ، بل كل يوم في حجر ملاعب . ثم فرع على النكاح قوله ] فما أستطعتم به منهن [ الآية ، يعني إذا قررتم الصداق في النكاح فإن تمتعتم به منهن بالدخول والوطء يلزمكم تمام المهر وإلا فنصفه ، فقطع هذه الآية عما قبلها وحملها على الاستئناف باطل صريح باعتبار العربية ، لأن الفاء تأبي القطع والابتداء ، بل تجعل ما بعدها مربوطاً بما قبلها . وما يروون أن عبدالله بن مسعود كان يقرأ هذه الآية مع ضم (( إلى أجل )) بعد ] منهن [ فغير صحيح لأن هذه الرواية لم توجد في كتاب من كتب أهل السنة المعتبرة ، ولو سلمنا ثبوتها في قراءة منسوخة فهي لا تستعمل في إثبات الأحكام مع كون القراءة المشهورة المتواترة تخالفها ، ولو سلمنا ذلك لا نسلم دلالتها على المتعة أيضاً لأن لفظ (( إلى أجل مسمى )) متعلق بالاستمتاع لا بنفس العقد ، والمدة المتعينه في المتعة إنما تكون متعلقة بنفس العقد لا بالاستمتاع ، فصار معنى الآية هكذا : فإن تمتعتم بالمنكوحات إلى مدة معينة فأدوا مهورهن تماماً . وفائدة زيادة هذه العبارة دفع ما عسى أن يتوهم أن وجوب تمام المهر معلق بمضى تمام مدة النكاح كما أشتهر في العرف أن ثلث المهر يعجل والثلثين يجعلان مؤجلين إلى بقاء النكاح ، فهذا التأجيل يحصل بتصرف المرأة واختيارها ، وإلا فلها المطالبة بعد الوطء مرة تمام المهر في الشرع ، ولو كان (( إلى أجل مسمى )) قيد العقد لم تصح المتعة إلى مدة العمر وأبداً ، مع انها صحيحة كذلك بإجماع الشيعة وسياق قوله تعالى ، ومن لم يستطع منكم طولاً … الآية أيضاً في باب النكاح ، يعني إن لم يستطع منكم أحد أن يؤدي مهر الحرائر ونفقتهن فلينكح الإماء المسلمات ، فحمل العبارة المتوسطة على المتعة بقطع الكلام من السياق والسباق تحريف صريح لكلام الله تعالى ، بل إن تأمل عاقل في سياق هذه الآية يجد حرمة المتعة صريحة ، لأن الله أمر فيها بالإكتفاء بنكاح الإماء في عدم الاستطاعة بطول الحرائر ، فلو كان أجل المتعة في الكلام السابق لما قال بعده ] ومن لم يستطع منكم طولاً [ لأن المتعة في صورة عدم الإستطاعة بنكاح الحرة ليست قاصرة على قضاء حاجة الجماع ، بل كانت بحكم (( لكل جديد لذة اطيب واحسن )) ، وآية ضرورة كانت داعية إلى تحليل نكاح الإماء بهذا التقييد والتشديد وإلزام الشروط والقيود ] أنظر كيف نبين لهم الآيات ، ثم أنظر أنى يؤفكون [ وبالجملة إن هذه الآيات صريحة الدلالة على تحريم المتعة ، وقد تبين عدم دلالة الآية التى أستدل بها الشيعة على مدعاهم بل على خلافه .

( مسائل الرضاع والطلاق ) : يقولون إن شرب الطفل اللبن خمس عشرة مرة متوالية يشبع الطفل بكل منها يثبت الحرمة ، وإن لم تكن متوالية لا يثبت الحرمة ، وإن شبع الطفل بكل . مع ان الحكم كان في الابتداء ان عشر رضعات يحرمن ، ثم نسخ وثبت ذلك بإجماع الأمة . وأما قيد التوالي وزيادة الخمس على العشر فلم يكن في كلام الله تعالى اصلاً ، وإنما هذه الزيادة والقيد المذكور من مخترعاتهم ، وإبقاء الحكم المنسوخ تشريع من عند انفسهم ومخالفة لحكم الله تعالى . وهم يروون عن الأئمة أن شرب اللبن مطلقاً سواء كان عشر رضعات أو أقل موجب للحرمة ، لأن المقام مقام الاحتياط ، فإنه باب حرمة النكاح حتى يثبت براءة الذمة يقيناً . وصرح شيخهم المقداد في ( كنز العرفان ) في بحث كفارة اليمين بوجوب العمل بالأحوط في أمثال هذه المواضع

ويقولون ايضاً : لا يقع الطلاق إلا بلسان عربي . وبطلان هذا القول أظهر من الشمس .

وإن الرجل إذا قال لأمرأته (( أنت طالق )) أو (( طلاق )) ولو ألف مرة لا يقع الطلاق عندهم أبداً ما لم يقل (( طلقتك )) . وقد عد الشارع هاتين الصيغتين من الطلاق الصريح ايضاً ، وإن كان أصل وضعها للإخبار بالطلاق ، كما أن (( طلقتك )) كذلك . وهذه الألفاظ كلها مستعارة من الإخبار للإنشاء مثل (( أنت حر )) أو (( عتيق )) مع أنهم قائلون بوقوع الطلاق فيما إذا سأل رجل آخر : هل طلقت فلانة ؟ فقال : نعم . مع ان الصريح فيه كون معنى الإخبار مراداً به الإنشاء ، وغلا فكيف يقع في جواب الإستفهام ؟

ويقولون أيضاً : لا يصح الطلاق إلا بحضور شاهدين كالنكاح ، مع ان المعلوم قطعاً من الشرع ان الإشهاد في الرجعة والطلاق مستحب لمحض قطع النزاع المتوقع ، لا أن حضور الشاهدين شرط في الطلاق أو الرجعة كما في النكاح . وكان توارث جميع الأمة في حضور النبي r إلى زمان الأئمة على هذا ، وهو أنهم لم يطلبوا حضور الشهود عند الطلاق قط . والفرق بين النكاح والطلاق بين ، إذ الإعلان في النكاح ضروري حتى يميز عن الزنا زلا يتهم بها ، فأقل حد الإعلان يثبت شاهدين كما تقرر في الشرع ، بخلاف الطلاق إذ لا حاجة فيه إلى الإعلان لعدم التباسه بشئ حتى يميز ، ولعدم التهمة في ترك الصحبة والجماع ، فالطلاق كالبيع والإجارة وسائر العقود في إحضار الشهود لمخافة الإنكار .

ويقولون أيضاً : لا يقع الطلاق بالكنايات إن كان الزوج حاضراً ، مع أنه لا خلاف بين حضوره وغيبته ، بل هو خلاف قاعدة الشرع ، فإن الشارع لم يعتبر في إيقاع الطلاق حضور الزوج وغيبته قط ، بل في كل باب . فالفرق تشريع جديد من قبلهم .

ويقولون ايضاً : إذا نكح المحبوب – وهو مقطوع الذكر فقط – امرأة ثم طلقها بعد الخلوة الصحيحة لا تجب العدة عليها ، مع أنهم قائلون بثبوت نسب الولد بهذا الرجل إن ولد منها ، فاحتمال العلوق من هذا الرجل ثبت ايضاً عندهم ، فكيف لا تجب عليها العدة ؟ فإن وجوبها إنما هو لمعرفة العلوق ، ويمكن حصوله من هذا الرجل بناء على القواعد الطبية ، لأن محل المني ووعاءه الأنثيان لا الذكر فيحتمل أن يخرج منيه من منفذ الذكر عند المساحقة ويدخل في الفرج فيجذبه الرحم بسرعة فيتعلق الولد منه ، لأن الرحم اشد اشتياقاً للمني لعدم النضج التام بسبب أنتفاء المحل .

ويقولون أيضاً : لا يقع الظهار إذا أراد الزوج بأيقاعه إضرار زوجته بترك الوطء ، مع أن الشارع قصد باب الإضرار بإيجاب الكفارة على المظاهر ، فلو لم يقع الظهار ولم يجب شئ في للإضرار المناقضة في مقصود الشارع . ومع ذلك فقولهم مخالف لنص الكتاب والآحاديث وآثار الأئمة ، فإنها واقعة بلا تقييد ومروية بروايات مصححة في كتبهم.

ويقولون ايضاً : إن عجز المظاهر عن أداء خصال الكفارة – من تحرير رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكيناً – فليصم ثمانية عشر يوماً ، وهذا القدر من الصوم يكفيه . ولا يخفى أن هذا الحكم تشريع جديد من قبلهم بخلاف ما أنزل الله .

ويقولون ايضاً : يشترط في اللعان كون المرأة مدخولاً بها ، مع أن لحوق العار بتهمة الزنا أكثر من غير الدخول بها ، وقد تقرر أن اللعان لمحض دفع عار التهمة ، وانه ايضاً مخالف لقوله تعالى ] والذين يرمون المحصنات ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم [ الآية فقد ورد بغير تقييد الدخول .

( مسائل الإعتاق والإيمان ) : يقولون لا يقع العتق بلفظ العتق ، سبحان الله ما أغرب هذا الحكم حتى إنه ليضحك الثكلى ويسخر منه الصبيان .

ويقولون ايضاً : لا يقع العتق بلفظ فك الرقبة أيضاً ، مع أنه قد وقع في عدة مواضع من القرىن التعبير بهذا اللفظ عن العتق وصار حقيقة شرعية فيه كقوله تعالى ] فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة [ الآية .

ويقولون أيضاً : لا يصح عتق عبد أو امة ذاهب بمذهب أهل الحق أو غيرهم مما هو مخالف لمذهب الثني عشرية ، مع أنه لا دليل لهم على هذا لا من الكتاب ولا من السنة ، وما ذاك إلا محض عناد وجهل بالمراد . ألا ترى أن عتق العبد الكافر صحيح فضلاً عن أن يكون له مذهب ، وقد ثبت إيمان أهل السنة في كتبهم ( 1 ) .

ويقولون أيضاً : لو صار العبد مجذوماً أو أعمى أو زمناً يعتق بنفسه من غير عتاق مالكه . وهذا العتق بخلاف قواعد الشرع ، إذ لا يخرج مال أحد عن ملكه بنفسه بمعيوبيته ، ولأن سبب تشريع العتق هو نفع العبد وقد صار ههنا لمحض ضرورة وهلاكه لأنه حينئذ لا اقتدار له على الكسب ولا نفقة له على سيده . فإن قالوا قد يحصل للعبد نفع بذلك بسبب استراحته عن الخدمة ، قلنا لا يجوز على المالك تكليف مثل هؤلاء .

ويقولون ايضاً : إن خرجت نطفة السيد من بطن الأمة صارت أم ولد ، فعلى هذا يلزم صيرورة كل جارية موزطوءة ام ولد ، لأ، عادة النساء ذلك . ومما علم بالتجربة أنه يبقى في الرحم من النطفة قدر الانعلاق ويخرج مازاد عليه ، فحينئذ لو كان خروج النطفة دليلاً لكان يوجب كونها فكيف تصير الأمة أم ولد بخروجها .

ويقولون ايضاً : لو رهن رجل أمته ووطئها المرتهن مطلقاً وجاءت بولد من المرتهن صارت أو ولد له ، مع أن وطء المرتهن محض الزنا إذ لا ملك له ولا تحليل ، مع أن التحليل أيضاً لا يوجب كونها أو ولد عند الفرقة ايضاً .

ويقولون أيضاً : لا ينعقد يمين الولد بغير إذن الوالد في غير فعل الواجب وترك القبيح ، وكذلك يمين المرأة بغير إذن الزوج فيهما ، مع أن ذلك مخالف لصريح قوله تعالى ] لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم [ وقوله سبحانه ] ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان [ .

ويقولون أيضاً : إن نذر أحد أن يمشى إلى الكعبة راجلاً وحج يسقط عنه هذا النذر نص عليه أبو جعفر الطوسي ، مع انه مخالف لقوله تعالى ] وليوفوا نذورهم [ وقوله تعالى ] يوفون بالنذر [ .

ويقولون أيضاً : يلزم النذر بقصد القلب من غير ان يتلفظ بلفظ انذر سراً وجهراً ويسمونه نذر الضمير . مع أنه لايلزم في الشرع شئ بقصد القلب من جنس مالا بد فيه من القول كاليمين والنذر والنكاح والطلاق والعتاق والرجعة والبيع الإجارة والهبة والصداقة وغيرها .

-----------------------

( 1 ) لكنهم إذا أرادوا أن يماروا في ذلك قالوا اثبتناه تقية .

( مسائل القضاء ) : يقولون لا ينفذ قضاء القاضي في الحدود ، بل لابد فيها من الإمام المعصوم ، فيلزم تعطيل الحدود في زمن غيبة الإمام أو عدم تسلط الئمة كما كانت في الزمنة الماضية كذلك . ولو كان موجوداً في محل فمن يقيم الحدود في محل آخر ، مع أن جميع العبادات والمعاملات والكفارات ليست موقوفة على حضور الإمام ، فلتكن إقامة الحدود أيضاً من ذلك .

ويقولون ايضاً : يشترط في القضاء علم الكتابة . مع أنه لا دليل عليه ، بل إن الدليل قائم على خلافه ، فإن خاتم النبيين r كان له منصب القضاء بلا ريب لقوله تعالى ] إنا أنزلنا اكتاب بالحق بين الناس بما اراك الله [ ولم يتصف بالكتابة لقوله تعالى ] وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك [ مع أنه لم يلحقه قصور من ذلك .

( مسائل الدعوى ) : يقولون تقبل دعوى امرأة ماتت أبنتها بانها تركت عند ابنتها المتوفاة متاعاً أو خادماً بالأمانة وذلك من غير بينة ولا شهود نص عليه أبن بابويه . مع أنه مخالف لقوله تعالى ] لولا جاءوا عليه باربعة شهداء ، فإذا لم ياتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون [ ولقوله r (( البينة على المدعى واليمين على من انكر )) .

وايضاً لو قبلت الدعاوي من غير بينة لفسد الدين وأختل نظام المسلمين .

ويقولون أيضاً : لو أدعى أحد على عدوه بالزنا وليس عنده شهود على إثبات هذه الدعوى يحلف ولا يحد بالقذف نص عليه شيخهم المقتول في ( المبسوط ) ، مع أن الحلف لا اعتبار له في الحدود ، ويجب حد القذف على مدعيه إذا عجز عن إقامة البينة ، وكيف لا ينظر إلى العداوة التى هي سبب ظاهر للاتهام والكذب ؟

( مسائل الشهادة والصيد والطعام ) : ويقولون : تقبل شهادة الصبي غير البالغ في القصاص مع ان الطفل ليس له أهلية الشهادة ، لقوله تعالى ] وأستشهدوا شهيدين من رجالكم [ ولا سيما باب القصاص الذى فيه اتلاف النفس .

ويقولون ايضاً : صيد أهل الكتاب حرام ، وذبيحة أهل السنة ميتة ، وكذا ذبيحة من لم يستقبل القبلة عند الذبح ، وكل ذلك مخالف لقوله تعالى ] فكلوا مما ذكر أسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين [ .

ويقولون أيضاً : لو أصطاد أحد بغير المعتاد من الآلة لا يصير الصيد مملوكاً . مع أنه لا فرق بين الآلة المعتادة وغيرها .

ويقولون ايضاً : إن لبن الميتة وما لا يؤكل من الحيوان حلال .

ويقولون أيضاً : إن الخبز الذى عجن دقيقه بماء بحس طاهر كما ذكر الحلي في ( التذكرة)

وأيضاً يقولون : إن الطعام الذى وقع فيه زرق الدجاج واضمحل فيه طاهر جائزاً أكله ، وكذا لو طبخ المرق أو نحوه بماء الاستنجاء أو وقع شئ من زرق الدجاج ، وكذا ماء الغدير الذى استنجى  فيه كثير من الناس ووقع فيه دم حيض أو نفاس أو مذى وودى وبال فيه الكلب فإنه طاهر يجوز أستعماله للشرب وطبخ شئ به ، وكذا إذا طبخ شئ بماء وكان قدر نصفه دم مسفوح او بول حمار أو فرس ، مع أن كل ذلك مخالف لقوله تعالى ] ويحرم عليهم الخبائث [ .

ويقولون ايضاً : إن من كان جائعاً ولو غنياً فنهب طعاماً من مالكه الذى يطلب عليه أزيد من الثمن المتعارف فاكله جائز .

( مسائل الفرائض والوصايا ) يقولون : إن ابن الابن لا يرث مع وجود الأبوين ، مع أن هذا مخالف لقوله تعالى ] يوصيكم الله في اولادكم [ وولد الابن داخل في الأولاد بلا شبهة لقوله تعالى ] وابناءنا وأبناؤكم [ وقوله تعالى ] يا بني إسرائيل أذكروا نعمتى التى انعمت عليكم [ وقوله تعالى ] يا بنى آدم لا يفتننكم الشيطان كم أخرج أبويكم من الجنة [ الآية ، ومخالف أيضاً لما ثبت عندهم من الأخبار الصحيحة .

ويقولون ايضاً : لا يرث أولاد الأم من دية المقتول ، وكذا لا ترث الزوجة من العقار مع ان النصوص عامة .

ويقولون ايضاً : أن اكبر أولاد الميت يخصص من تركة ابيه بالسيف والمصحف والخاتم ولباسه عوض ، مع ان ذلك أيضاً مخالف لنص الكتاب . وبعضهم يجعل الجدات والأعمام وأبناءهم محرومين من الأرث . ويقولون في مسائل الوصايا : إن المظروف تابع للظرف ، فلو أوصى لآخر بصندوق يدخل في الوصية ما فيه من النقود والمتاع .

ويقولون أيضاً : تصح الوصية فرج الأمة لرجل إلى سنة أو سنتين .

ويقولون في ( مسائل الحدود والجنابات ) : يجب الحد على المجنون لو زنى بامرأة غافلة . وهو مخالف لما ثبت عندهم من قوله r (( رفع القلم عن ثلاثة : عن المجنون حتى يفيق )) الحديث .

ويقولون ايضاً : يجب الرجم على امرأة جامعها زوجها ثم ساحقت تلك المرأة بكراً وحملت تلك البكر ، تحد البكر مائة جلدة ، مع أن السحاق لم يقل أحد إنه زنا .

ويقولون أيضاً : يجب حد القذف على مسلم قال لآخر با ابن الزانية ومانت أم المقذوف كافرة ، مع أن نص القرآن يخصص حد القذف بالمحصنات والكافرة ليست بمحصنة ، بل يجب تعزيره لحرمة ولدها المسلم .

ويقولون ايضاً : لو قتل الأعمى مسلماً معصوماً لا يقتص منه ، مع أن آية القصاص عامة للأعمى وغيره .

ويقولون أيضاً : لو جاع شخص وعند آخر طعام لا يعطيه لجائع يجوز للجائع أن يقتله ويأخذ طعامه ولا يجب عليه شئ من القصاص والدية ، مع أن عدم الإطعام للجائع ليس مجوزاً للقتل في شريعة من الشرائع .

ويقولون أيضاً : لو قتل ذمي مسلماً يعطي ورثة المقتول مال القاتل كله ، والورثة في جعل الذمى عبداً لهم وفي قتله .

وكذا إن كان للذمى أولاد صغار يجوز لورثة المقتول ان يتخذوهم عبيداً ، وإماء مع ان الآية تدل على القصاص فقط ولا يجوز الجمع بين القصاص والدية فضلاً عن أن يصير القاتل عبداً أو ورثته ، وقد قال تعالى ] ولا تزر وازرة وزر أخرى [ .

ولنكتف بهذا المقدار لأن هذياناتهم في مسائل الدين لا تسعا أسفار ، فنسبتها إلى العترة المطهرة محض بهتان ، ولا يخفى على ذوى العرفان .

 

 

الباب الثامن

مطاعنهم في الخلفاء الراشدين وسائر الصحابة المكرمين

وحضرة الصديقة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهم أجمعين

أعلم أولاً انه لم يسلم أحد من الكلام  عليه وإلقاء التهمة بين يديه ، ولله در من قال ممن وقف على حنفية الحال :

قيل إن الرسول قد كهنا
من لسان الورى فكيف انا ؟

 

قيل إن الإله ذو ولد
ما نجا الله والرسول معاً

ومع هذا لا يخفى على دوى الألباب أن مطاعن هؤلاء لفرقة الضالة أشبه شئ ينبح الطلاب ، بل لعمرى إنه لصرير ، أو طنين ذباب .

وإذا أتتك نقيصتى من نـاقص                 فهي الشهادة لي أنى كامـل

فدونك فانظر فيها ، وتأمل بظواهرها وخافيها .

المطاعن الأولى في حق الصديق الأجل :

فمنها أنه صعد يوماً على منبر رسول الله r ، فقال له السبطان (( أنزل منبر جدنا )) فعلم ان ليس له لياقة الإمامة . والجواب – على فرض التسليم ( 1 ) – ان السبطين كانا إذ ذاك صغيرين ، فإن الحسن ولد في الثالثة من الهجرة في رمضان والحسين في الرابعة منها في شعبان ، والخلافة في أول الحادية عشرة ، فأفعالهما إن أعتبرت بحيث تترتب عليها الأحكام لزم ترك التقية الواجبة ، وإلا فلا نقص ولا عيب ، فمن دأب الأطفال أنهم إذا رأوا أحداً في مقام محبوبهم ولو برضائه يزاحمونه ويقولون له قم عن هذا المقام ، فلا يعتبر العقلاء هذا الكلام ، وهم وإن ميزوا عن غيرهم لكن للصبي أحكاماً ، ولهذا أشترط في الإقتداء البلوغ إلى حد كمال العقل . ألا ترى أن الأنبياء لم يبعثوا إلا على راس الأربعين إلا نادراً كعيسى ، والنادر كالمعدوم .

ومنها انه درأ الحد عن خالد بن الوليد أمير الأمراء عنده ولم يقتص منه ايضاً ، ولهذا أنكر عليه عمر لأنه قتل مالك بن نويرة مع اسلامه ونكح امرأته في تلك الليلة ولم تمض عدة الوفاة . وجوابه أن في قتله شبهة ، إذ قد شهد عنده ان مالكاً وأهله أظهروا السرور فضربوا

--------------------------------

( 1 ) وهذا الفرض لضيق المقام عن المناقشة في صحته ، ولأنه لا يستحق المناقشة إذ المقرر عند جميع عقلاء المذاهب والأمم أن الأصل في مثل هذه الأخبار الكذب في جميع كتب الشيعة حتى المحترمة منها . فكل خبر مصدره شيعي يحتاج الشيعي أن يثبت صحته بصدق رواته قبل أن يحتاج غير الشيعي إلى أن يثبت عكس ذلك ، لأن الأصل هو العكس دائماً بلا استثناء .

بالدفوف وشتموا أهل الإسلام عند وفاة النبي r ( 1 ) ، بل وقد قال في حضور خالد في حق النبي r قال رجلكم أو صاحبكم كذا ، ، وهذا التعبير إذ ذاك من شعار الكفار والمرتدين . وثبت ايضاً أنه لما سمع بالوفاة رد صدقات قومه عليهم وقال : قد نجوت من مؤنة هذا الرجل ، فلما حكى هذا للصديق لم يوجب على خالد القصاص ولا الحد إذ لا موجب لهما ( 2 ) . فتدبر . وعدم الاستبراء بحيضة لا يضر ابا بكر ، وخالد غير معصوم ، على أنه لم يثبت أنه جامعها في تلك الليلة في كتاب معتبر ( 3 ) . وقد أجيب عنه بان مالكاً كان قد طلقها وحبسها عن الزواج على عادة الجاهلية مدة مضى العدة ، فالنكاح حلال . ثم أن الصديق قد حكم في درء القصاص حكم رسول الله r إذ قد ثبت في التواريخ أن خالداً هذا أغار على قوم مسلمين ( 4 ) فجزى على لسانهم (( صبأنا صبأنا )) أى صرنا بلا دين ، وكان مرادهم انا تبنا عن ديننا القديم ودخلنا الصراط المستقيم فقتلهم خالد ، حتى غضب عبد الله بن عمر فاخبر النبي r فاسف وقال : اللهم إنى أبرأ إليك مما صنع خالد ، ولم يقتص منه ( 5 ) ، فالفعل هو الفعل . على أن الصديق أداهم الدية . ويجاب أيضاً أنه لو توقف الصديق في القصاص طعناً لكان توقف الأمير في قتلة عثمان أطعن . وليس ، فليس . وأيضاً أستيفاء القصاص إنما يكون واجباً لو طلبه الورثة . وليس ، فليس . بل ثبت أن أخاه متمم بن نويره أعترف بارتداده في حضور عمر مع عشقه له ومحبته فيه محبة تضرب بها الأمثال ، وفيه قال :

من الدهر حتى قيل لن يتصعدها
لطول اجتماع لم نبت ليلة معاً

 

وكنا كندمانى جذيمة حقبة
فلما تفرقنا كأنى ومالكاً

           ثم إن عمر ندم كا كان من إنكاره زمن الصديق ( 6 ) والله ولي التوفيق .

            

 

-------------------------

( 1 ) وزاد مالك بن نويرة على ذلك انه التحق بسجاح المتنبئة . ويقول البلاذرى في فتوح البلدان إن مالكاً وقومه قاتلوا سرايا خالد في البطاح فنصر الله سرايا خالد عليهم وأسروا مالكاً وأصحابه .

( 2 ) وفي شرح الحماسة للخطيب التبريزي أن أبا بكر هو الذى امر خالداً بقتل مالك ولم يفعل هذا إلا بما عنده من العلم عن ردة مالك وفساد سريرته وما ترتب على ذلك من فساد علانيته .

( 3 ) بل المقرر في الروايات المعتبرة عند أبن جرير وفي البداية والنهاية لابن كثير أن خالداً لم يدخل بهذه السبية إلا بعد انقضاء عدتها . وللأستاذ الشيخ أحم شاكر تحقيق نفيس في امر مالك بجزء شعبان سنة 1364 من مجلة الهدي النبوي لسنتها التاسعة فارجع إليه .

( 4 ) هم بنو جذيمة .

( 5 ) لأن خالداً كان معذوراص فيما فعل بعد أن سمعهم ردتهم بقولهم (( صبأنا صبأنا )) أما براءته r مما فعل خالد فلا علان أنه لم يامره بذلك . ولولا أنه r رأى خالداً معذوراً فيما فعل لعزله وأقتص منه .

( 6 ) لأن عمر تاثر أولا بمبالغات ابي قتادة ثم استوعب الحقيقة فندم على ما كان من تعجله .

ومنها أنه تخلف عن جيش اسامة المجهز للروم مع انه r أكد غاية التأكيد عليه حتى قال : جهزوا جيش اسامة ، لعن الله من تخلف . وجوابه : إن كان الطعن من جهة عدم التجهيز فهذا أفتراء صريح لأنه جهز وهيأ . وإن كان من جهة التخلف فله عدة أجوبة :

الأول أن الرئيس إذا ندب رجلاً مع جيش ثم أمره بخدمة من خدمات حضوره فقد أستثناه وعزله ، والصديق لأمره بالصلاة كذلك ، فالذهاب إما ترك الأمر الأهم ومحافظة المدينة المنورة من الأعراب .

الثاني أن الصديق قد أنقلب له المنصب بعد وفاة النبي r لأنه كان من آحاد المؤمنين فصار خليفة النبي r فأنقلبت في حقه الأحكام ، ألا ترى كيف أنقلبت أحكام الصبي إذا بلغ ، والمجنون إذا افاق ، والمسافر إذا اقام ، والمقيم إذا سافر إلى غير ذلك . والنبي r لو عاش لما ذهب في جيش أسامة ، فالخليفة لكونه قائماً مقامه يكون كذلك .

الثالث أن الأمر عند الشيعة ليس مختصاً بالوجوب كما نص عليه المرتضى في ( الدرر والغرر ) فلا ضرر في المخالفة وجملة لعن الله من تخلف مكذوبة لم تثبت في كتب السنة . الرابع أن مخالفة آدم ويونس لحكم الله تعالى بلا واسطة عند الشيعة ( 1 ) فالإمام لو خالف أمراً واحداً لاضير فتدبر .

ومنها أن النبي r لم يأمر أبا بكر قط أمراً مما يتعلق بالدين فلم يكن حرياً بالإمامة . الجواب أن هذا كذب محض تشهد على ذلك السير والتورايخ فقد ثبت تأميره لمقاتلة أبي سفيان بعد أحد وتأميره أيضاً في غزوة بني فزارة كما رواه الحاكم عن سلمة ابن الأكوع وتأميره في العام التاسع ليحج بالناس أيضاً ويعلمهم الأحكام من الحلال والحرام وتأميره أيضاً بالصلاة قبيل الوفاة إلى غير ذلك من مما يطول . ويجاب أيضاً – على تقدير التسليم – بأن عدم ذلك ليس لعدم اللياقة بل لكونه وزيراً ومشيراً على ما هي العادة . روى الحاكم عن حذيفة بن اليمان أنه قال : سمعت رسول الله r يقول : إني أريد أن أرسل الناس إلى الأقطار البعيدة لتعليم الدين والفرائض كما كان عيسى أرسل الحواريين . فقال بعض الحضار : يا رسول الله مثل هؤلاء الناس موجودون فينا كأبي بكر وعمر ، قال : إنه لا غنى لي عنهما ، إنهما من الدين كالسمع والبصر ، وأيضاً قال r : أعطاني الله اربعة وزراء وزيرين من أهل السماء ووزيرين من أهل الأرض ، فأما وزيراي من أهل السماء فجبريل وميكائيل ، وأما وزيراي من أهل الأرض فأبو بكر وعمر .

 

---------------------

( 1 ) انظر العقيدة الخامسة والسادسة من الباب الرابع في النبوة ص 106 – 110 .

وأيضاً لو كان عدم الإرسال موجباً لسلب اللياقة يلزم عدم لياقة الحسين معاذ الله تعالى من ذلك .

ومنها أن أبا بكر ولى عمر أمور المسلمين ، مع أن النبي r ولاه على أخذ الصدقات سنة ثم عزله ، فالتولية مخالفة . ويجاب بأن محض الجهالة أن يقال لا نقطاع العمل عزل . وعلى تقدير العزل فأين النهي عن توليته كي تلزم المخالفة بالتولية ؟ فأفهم .

ومنها أن النبي r جعله عمر وتابعين لعمر بن العاص وأسامة ايضاً ، ولو كانا لائقين لأمرهما . ويجاب بأن ذلك لا يدل على الأفضلية ونفي اللياقة ، إذ المصلحة ربما أقتصت ذلك ، فإن عمراً كان ذا خديعة في الحرب ودهاء وحيلة عارفاً بمكايد الأعداء ، ولم يكن غيره فيها كذلك ، كما يولى لقمع السارقين وعسس الليل ونحوهما من لا يولى لذلك من الأكابر  وأسامة استشهد أبوه على أيدى كفار الشام والروم فكان ذلك تسلية له وتشفية . وأيضاً مقصود النبي r من ذلك إطلاع أبي بكر وعمر على حال التابع والمتبوع كما هو شأن تربية الحكيم خادمه ، فلا تغفل .

ومنها ان ابو بكر أستخلف والنبي r لم يستخلف ، فقد خالف . ويجاب بأن النبي r أشار بالإستخلاف ، والإشارة إذ ذاك كالعبارة . وفي زمن الصديق كثر المسلمون من العرب ، وهم حديثو عهد بالإسلام وأهله فلا معرفة لهم بالرموز والإشارات ، فلابد من التنصيص والعبارات ، حتى لا تقع المنازعات والمشاجرات . وفي كل زمان رجال ، ولكل مقام مقال . وأيضاً عدم أستخلاف النبي r إنما كان لعلمه بالوحي بخلافة الصديق كما ثبت في صحيح مسلم ، ولا كذلك الصديق إذ لا يوحى إليه ولم تساعده قرائن فعمل بالأصلح للأمة ، ونعم ما عمل ، فقد فتح الفاروق البلاد ، ورفع قدر ذوى الرشاد ، وإباد الكفار وأعان الأبرار .

ومنها أن أبا بكر كان يقول إن لي شيطاناً يعتريني ، فإن أستقمت فأعينوني ، وغن زغت فقوموني . ومن هذا حاله لا يليق للإمامة . ويجاب بأن هذا غير ثابت عندنا ، فلا إلزام . بل الثابت أنه اوصى عمر قبل الوفاة فقال : (( والله ما نمت فحلمت ، وما شبهت فتوهمت ، وإنى لعلى السبيل ما زغت ، ولم آل جهداً . وإني أوصيك بتقوى الله تعالى )) ألخ . نعم قال في أول خطبة خطبها على ما في مسند الإمام أحمد : يا أصحاب الرسول أنا خليفة الرسول فلا تطلبوا مني الأمرين الخاصين بالنبي r : الوحي ، والعصمة من الشيطان . وفي آخرها : إني لست معصوماً فإطاعتي فرض عليكم فيما وافق الرسول وشريعة الله تعالى من أمور الدين ، ولو أمرتكم بخلافها فلا تقبلوه مني ونبهوني عليه . وهذا عين الإنصاف . ولما كان الناس معتادين عند المشكلات الرجوع إلى وحي إلهي وإطاعة النبي r كان لازماً على الخليفة التنبيه على الإختصاص بالجناب الكريم . وأيضاً روى في ( الكافى ) للكليني في رواية صحيحة عن جعفر الصادق أن لكل مؤمن شيطاناً يقصد إغواءه ، وفي الحديث المشهور ما يؤيد هذا ايضاً فقد قال r (( ما منكم من احد إلا وقد وكل به قرينه من الجن )) فقالت الصحابة : حتى أنت يا رسول الله ؟ قال (( نعم ، ولكن الله غلبني عليه لأسلم وآمن من شره )) فأي طعن فيما ذكروه ؟ والمؤمن يعتريه الشيطان بالوسوسة فينتبه ، قال تعالى ] إن الذين أتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون [ . نعم إن النقصان في أتباع الشيطان ، وهو بمعزل عنه .

ومنها أنه روى عن عمر بن الخطاب أنه قال ألا إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقي الله المؤمنين شرها ، فمن عاد بمثلها فاقتلوه قالوا : ويؤيد هذه الرواية رواية البخاري في صحيحه فقد دلت صراحة على بيعة أبي بكر قد وقعت بغتة بلا تأمل ولا مشورة ، وإنها غير تمسك بدليل ، فلم يكن إماماً بحق . والجواب أن هذا الكلام صدر من عمر في زجر رجل كان يقول : إن مات عمر أبايع فلاناً وحدي أو مع آخر كما كان في مبايعة أبي بكر ثم أستقر الأمر عليها ، فمعنى كلام الفاروق في ردة لهذا القول أن بيعة رجل أو رجلين شخصياً من غير تأمل سابق ومراجعة أهل الحل والعقد ليست بصحيحة ، وبيعة ابي بكر وإن كانت فجأة بسبب مناقشة الأنصار وعدم وجود فرصة للمشورة فقد حلت محلها وصادفت أهلها للدلائل على ذلك والقرائن على ما هنالك كإمامة الصلاة ونحوها وهذا معنى (( وقي الله المؤمنين شرها )) فلا يقاس غيره به . وفي آخر هذه الرواية التى رواها الشيعة (( وأيكم مثل أبي بكر )) أي في الأفضلية والخبرية وعدم الاحتياج إلى المشورة . على أنه قد يثبت عند أهل السنة وصح أن سعد بن عبادة وأمير المؤمنين علياً والزبير قد بايعوه بعد تلك المناقشة واعتذروا له عن التخلف أول الأمر .

ومنها أن أبا بكر كان يقول للصحابة : إني لست بخير منكم ، وعلى فيكم . فإن كان صادقاً في هذا القول لم يكن لائقاً للإمامة البتة ، إذ المفضول لا يليق مع وجود الفاضل . وإن كان كاذباً فكذلك غذ الكاذب فاسق والفاسق لا يصلح للإمامة . والجواب على فرض التسليم بما يجاب من قبلهم عما يثبت في الصحيفة الكاملة وهي من الكتب الصحيحة عندهم من قول الإمام السجاد t (( انا الذى أفنت الذنوب عمره الخ )) فإن كان صادقاً بهذا الكلام لم يكن لائقاً للإمامة أن الفاسق المرتكب للذنوب لا يصلح للإمامة ، وكذا إن كان كاذباً ، لما مر . فما هو جوابهم فهو جوابنا . وزاد بعض الشيعة على قول (( إني لست بخير منكم )) لفظ (( اقيلوني أقيلوني )) فأعترض على هذا البهتان بأن أبا بكر قد أستعفى عن الإمامة فلا يكون قابلاً لها . والجواب – على فرض تسليمه – بما يجاب عما صح في كتب الشيعة من أن الأمير لم يكن يقبل الخلافة بعد شهادة عثمان إلا بعد أن كثر إلحاح المهاجرين والأنصار ، على أنه لو صح ذلك عن أبي بكر لكان دليلاً على عدم طمعه وحبه للرياسة والإمام بل إن الناس قد أجبروه على قبولها .

ومنها أن أبا بكر لم يعط فاطمة رضي الله عنها من تركة ابيها r حتى قالت : يا ابن قحافة أنت ترث أباك وأنا لا أرث أبي ؟ وأحتج أبو بكر على عدم توريثها بما رواه هو فقط من قوله r (( نحن معاشر الأنبياء لا نورث )) من ان هذا الخبر مخالف لصريح قوله تعالى ] يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين [ فإنه عام للنبي وغيره ، ومخالف أيضاً لقوله تعالى ] وورث سليمان داود [ وقوله تعالى ] فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب [ وجوابه أن أبا بكر لم يمنع فاطمة من الآرث لعداوة وبغض ، بدليل عدم توريثه الأزواج المطهرات حتى أبنته الصديقة ، بل السبب في ذلك سماعه للحديث بأذنه منه r ، وقد روى علماء السنة هذا الحديث عن حذيفة ابن اليمان والزبير بن العوام وأبي الدرداء ، وابي هريرة والعباس وعلي وعثمان وعبد الرحمن ابن عوف وسعد بن أبي وقاص ، فقولهم إن هذا الحديث رواه ابو بكر فقط غير مسلم عند أهل السنة . وروى الكليني في ( الكافي ) عن ابي البخترى عن أبي عبد الله جعفر الصادق u قال (( عن العلماء ورثة الأنبياء لم يرثوا ولم يورثوا درهماً ولا ديناراً ، وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم ، فمن أخذ بشئ منها فقد أخذ بحظ وافر )) وكلمة
(( إنما )) تفيد الحصر ، لما هو مسلم عندهم ، فثبت المدعى برواية المعصوم عندهم .أما كون هذا الحديث مخالفاً للآيات فجهل عظيم ، لن الخطاب في
] يوصيكم [ لما عدا النبي r ، فهذا الخبر مبين لتعيين الخطاب لا مخصص ، بل لو كان مخصصاً للآية فأي ضرر فيه ، فقد خصص من الآية الولد الكافر والرقيق والقاتل . ومما يدل على صحة هذا الخبر لدى أهل البيت أن تركة النبي r لما وقعت في أيديهم أخرجوا العباس وأولاده ولم يورثوهم مما ترك r ، وكذا لم يورثوا أمهات المؤمنين . وأما قوله تعالى ] ورث سليمان داود [ فالمراد النبوة . فقد روى الكليني عن ابي عبدالله أن سليمان ورث داود وان محمداً ورث سليمان ، فقد علم أن هذه وراثة العلم والنبوة ، وإلا فوراثة نبياً مال سليمان لا يتصور لا شرعاً ولا عقلاً ، ولو كان المراد وراثة سليمان مال داود فما وجه تخصيصه بالذكر مع أنه كان لداود u ابناً بإجماع المؤرخين ، وعلى ما ذكرنا يحمل قوله تعالى ر يرثني ويرث من آل يعقوب [ إذ لا يتصور أن يكون يحيى وراثاً لجميع بني إسرائيل بل هو وارث زكريا فقط فما فائدة ذكر ويرث الخ . هذا وما إبقاء الحجرات في ايدى الأزواج المطهرات فلأجل كونها مملوكة لهن لا لكونها ميراثاً ، فإن النبي r بني كل حجرة لزوجة من أزواجه ووهبها لهن فتحققت الهبة بالقبض وهي موجبة للملك كحجرة فاطمة وأسامة ، ولذا أضاف الله تعالى البيوت لهن في حياة النبي r في قوله عز اسمه
 
] وقرن في بيوتكن [ .

ومنها قولهم أن أبا بكر لم يعط فاطمة رضي الله تعالى عنها فد كاً وقد كان النبي r وهبها لها ولم يسمع دعواها الهبة ولم يقبل شهادة علي وأم أيمن لها فغضبت فاطمة t وهجرته ، وقد قال النبي r في حقها : من أغضبها أغضبني . الجواب أن ليس له اصل عند أهل السنة ، بل ذكر في البخارى برواية عروة عن أبن الزبير عن عائشة رضي الله عنها : طلبت فاطمة رضي الله عنها فدكاً من أبي بكر لا بطريق دعوى الهبة بل بطريق الميراث ، وعلى تقدير تسليم روايتهم فإن الهبة لا تتحقق إلا بالقبض ، ولا يصح الرجوع عنها بعد تصرف الملتهب في الموهوب ، ولم تكن فدك في عهده r في تصرف فاطمة رضي الله عنها ، بل كانت في يده r يتصرف فيها تصرف المالك فلم يكذبها أبو بكر في دعوى الهبة ولكن بين لها أن الهبة لا يكون سبباً للملك ما لم يتحقق القبض  فلا حاجة حينئذ إلى شهود ، وما زعموا أنه صدر من علي كرم الله تعالى وجهه وأم أيمن محض إخبار ، وأبو بكر لم يقض ، لا أنه لم يقبل شهادتهما . لى انه لو لم يقبلها وردها لكان له وجه ، فإن نصاب الشهادة في غير الحدود والقصاص رجلان أو رجل وأمرأتان . وأما إغضابه إياها فلم يتحقق منه ، إذ الإغضاب إنما هو جعل أحد غضباناً بالفعل أو القول قصداً ، وكيف يقصد الصديق إغضاب تلك البضعة الطاهرة وقد كان يقول لها مرارا (( والله با أبنة رسول الله إن قرابة رسول الله أحب إلي أن اصل من قرابتي )) وليس الوعيد على غضبها ، كيف لا وقد غضبت على الأمير زوجها مراراً كغضبها يوم سمعت بخطبة الأمير بنت أبي جهل لنفسه حتى أتت اباها r باكية فخطب إذ ذاك رسول الله r وقال (( الا إن فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويربيني ما رأبها ، فمن أغضبها  أغضبني )) وكغضبها يوم ذهب الأمير إلى المسجد ونام على التراب ولذلك لقب بابي تراب ، فقد أتاها النبي r وقال لها : أين ابن عمك ؟ قالت : غاضبني فخرج ولم يقل عندي . ومع ذلك فقد ثبت عند الفريقين أن غضب فاطمة قد شق على الصديق حتى رضيت عنه ، فقد روى صاحب ( محجاج السالكين ) وغيره من الإمامية أن أبا بكر لما رأى أن فاطمة أنقبضت عنه وهجرته ولم يتكلم بعد ذلك في أمر فدك كبر ذلك عنده فأراد أسترضاءها فأتاها فقال لها صدقت با أبنة رسول الله فيما أدعيت ، ولكني رأيت رسول الله r يقسمها فيعطي الفقراء والمساكين وابن السبيل بعد ان يؤتي منها قوتكم والصانعين بها . فقالت : أفعل فيها كما كان أبي رسول الله r يفعل فيها . فقال : ولك الله على أن افعل ما كان يفعل ابوك . فقالت : والله لتفعلن ؟ فقال : والله لفعلن ذلك . فقال : اللهم اشده . فرضيت بذلك وأخذت العهد عليه . وكان أبو بكر يعطيهم منها قوتهم ويقسم الباقي على من ذكر . أنتهى والله الهادى للصواب .

ومنها أن أبا بكر ما كان يعلم بعض المسائل الشرعية ، فقد أمر بقطع يد السارق اليسرى ، واحرق لوطياً ، لم يعلم مسألة الجدة والكلالة ، فلا يكون لائقاً للإمامة غذ العلم بالأحكام الشرعية من شروط الإمامة بإجماع الفريقين . الجواب عن الأمر الأول أن قطع يد السارق اليسرى في السرقة الثالثة موافق للحكم الشرعي . فقد روى الإمام محيى السنة البغوى في ( شرح السنة ) عن ابي هريرة قال : قال رسول الله r في حق السارق (( إن سرق فأقطعوا يده ، ثم إن سرق فاقطعوا رجله ، ثم إن سرق فاقطعوا يده ، ثم إن سرق فأقطعوا رجله )) . قال البغوي : أتفق أهل العلم على أن السارق أول مرة تقطع يده اليمنى ، ثم إذا سرق ثانياً تقطع رجله اليسرى ، ثم إذا سرق ثالثاً تقطع يده اليسرى بناء على قول الأكثر ، ثم إذا سرق رابعاً تقطع رجله اليمنى ثم إذا سرق بعده يعزر ويحبس . والذى قطع أبو بكر يده اليسر كان في المرة الثالثة فحكمه موافق لحكمة r . والجواب عن الثاني أن الصديق لم يحرق أحداً في حال الحياة ، لأن الرواية الصحيحة إنما جاءت عن سويد عن أبي ذر أنه امر بلوطي فضربت عنقه ثم أمر به فأحرق ( 1 ) ، وإحراق الميت لعبرة الناس جائز كالصلب ، ولذلك فإن الميت لا تعذيب له بمثل هذه الأمور لعدم الحياة . وعلى فرض تسليم روايتهم فالذى يجيبون به عن إحراق علي بعض الزنادقة فهو جوابنا ، وقد ثبت ذلك في كتبهم ، فقد روى المرتضى الملقب عندهم بعلم الهدي في كتاب ( تنزيه الأنبياء والأئمة ) أن علياً أحرق رجلاً أتى غلاماً في دبره . والجواب عن الثالث أن هذا الطعن لا يوجب إلزام أهل السنة ، إذ العلم بجميع الأحكام بالفعل ليس شرطاً في الإمامة عندهم ، بل الإجتهاد . ولما لم تكن النصوص مدونه في زمنه ولا روايات الأحاديث مشهورة في ايام خلافته استفسر من الصحابة . قال في ( شرح التجريد ) أما مسألة الجدة والكلالة فليست بدعاً من المجتهدين ، إذ يبحثون عن مدارك الأحكام ويسألون من أحاط بها علماً ، ولهذا رجع علي في بيع أمهات الأولاد إلى قول عمر ، وذلك لا يدل على عدم علمه ، بل هذا التفحص والتحقيق يدل على أن أبا بكر الصديق كان يراعي في أحكام الدين كمال الاحتياط ويعمل في قواعد الشريعة بشرائط الاهتمام التام . ولهذا لما أظهر المغيرة مسألة الجدة سأله : هل معك غيرك ؟ وإلا فليس التعدد شرطاً في
----------------------

( 1 ) أى وهو ميت بعد ان ضربت عنقه .

الرواية ، فهذا الأمر في الحقيقة منقبه عظمى له . وقد روى عبدالله بن بشر أن علياً سئل عن مسألة فقال (( لا علم لي بها )) . جازى الله تعالى هذه الفرقة الضالة بعدله حيث يجعلون المنقبة منقصة .

فرصاص من احببته ذهب كمـا                 ذهب الذى لم ترض عنه رصـاص

المطاعن الثانية في حق الفروق رضي الله عنه  .

فمنها وهو عمدة مطاعنهم ما روى البخاري ( 1 ) ومسلم ( 2 ) عن ابن عباس أنه r قال في مرض موته يوم الخميس قبل الوفاة بأربعة أيام للصحابة الحاضرين في حجرته المباركة : (( أئتوني بكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبدا )) فتنازعوا ، ولا ينبغي عند نبي تنازع . فقالوا : ماله ؟ أهجر ؟ أستفهموه . فقال : (( ذرونى ، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه )) فأمرهم بثلاث قال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم .

والثالثة إما أن سكت عنها ، وإما أن قالها فنسيتها ( 3 ) . وهذه رواية أهل السنة الصحيحة وزعموا أنه يستفاد منها الطعن على عمر بوجوه : الأول أنه رد قول النبي r وأقواله كلها وحي لقوله تعالى ] وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى [ ورد الوحي كفر لقوله تعالى
] ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون [ والجواب على فرض تسليم أن هذا القول صدر من الفاروق فقط أنه لم يرد قوله r بل قصد راحته ورفع الحرج عنه r في حال شدة المرض ، إذ كل محب لا يرضى أن يتعب محبوبه ولا سيما في المرض ، مع عدم كون ذلك الآمر ضرورياً ، لم يخاطب بذلك الرسول r بل خاطب الحاضرين تأدباً وأثبت الاستغناء عن ذلك بقوله تعالى ] اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام ديناً [ وقد نزلت الآية قبل هذه الواقعة بثلاثة أشهر ، وقد أنسد باب النسخ والتبديل والزيادة والنقصان في الدين ، فيتمنع إحداث شئ ، وتأكيد المتقدم مستغني عنه لا سيما في تلك الحالة . ولو كان بيان المصلحة رد الوحي وقول الرسول للزم ذلك على الأمير أيضاً ، فقد روى البخاري الذى هو أصح الكتب عند أهل السنة بعد القرآن بطرق متعددة أن الرسول r ذهب إلى بيت الأمير والبتول ليلة وايقظها من مضجعها وأمرهما بصلاة التهجد مؤكداً ، فقال الأمير : والله ما نصلى إلا ما كتب الله علينا أي
---------------------------

( 1 ) في كتاب العلم الباب 39 ، وفي كتاب الجزية والموادعة الباب 6 ، وفي كتاب المغازى الباب 83 ، وفي كتاب المرضى والطب الباب 17 ، وفي كتاب الاعتصام الكتاب والسنة الباب 26 .

( 2 ) في كتاب الوصية ، الحديث 22 .

( 3 ) قال سفيان بن عينيه : هذا ( أى قوله فنسيتها ) من قول سليمان ( أى الأحوال ، هو راوى الحديث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ) .

الصلاة المفروضة ، وإنما أنفسنا بيد الله ، يعني لو وقفنا الله لصلاة التهجد لصلينا . فرجع النبي r وهو يضرب على فخذيه ويقول ] وكان الإنسان أكثر شئ جدلاً [ فقد رد الأمير قول الرسول ، ولكن لما كانت القرائن الحالية دالة على صدق الأمير وأستقامته لم يلمه النبي r . وروى البخاري أيضاً أن النبي r لما تصالح مع قريش في الحديبية كتب الأمير كتاب الصلح وزاد لفظ (( رسول الله )) فأمتنع الكفار عن قبوله وقالوا : لو سلمنا بهذا اللقب لما حار بناه وصددناه عن طوائف البيت ، فأمر النبي r علياً أن يمحو هذا اللفظ وأكد ذلك ، فلم يمحه الأمير لكمال الإيمان وخالف الرسول في ذلك حتى محاه النبي r بيده الشريفة . وقد ثبتت مخالفة الأمير أيضاً في كتبهم ، فقد روى محمد بن بابويه في ( الأمالى ) والديلمي في ( إرشاد القلوب ) أن رسول الله r أعطى فاطمة سبعة دراهم وقال : أعطيها علياً ومريه أن يشترى لأهل بيته طعاماً فقد غلب عليهم الجوع ، فأعطتها علياً وقالت : إن رسول الله r أمرك أن تبتاع لنا طعاماً . فأخذها علي وخرج من بيته ليبتاع طعاماً لأهل بيته فسمع رجلاً يقول : من يقرض الملى الوفي ؟ فأعطاه الدراهم . فقد خالف قول الرسول ، وتصرف في مال الغير ، ومع ذلك فأهل السنة لا يطعنون على الأمير بمثل هذه المخالفات ، بل لا يعدون ذلك مخالفة . فكيف يطعنون على عمر بما هو اخف منها ( 1 ) . وأما قولهم إن أقوال الرسول كلها وحي فمردود ، لأن أقواله r لو كانت كلها وحياً فلم قال الله تعالى ] عفا الله عنك لم أذنت لهم [ وقال تعالى ] ولاتكن للخائنين خصيماً [ وقال تعالى ] ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم [ وقال تعالى في المعاتبة عن أخذ الفدية من أسارى بدر ] لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم [ وأيضاً يلزمهم أن الأمير ايضاً قد رد لوحي حين أمره النبي r ، ومحو اللفظ ، وأبتياع الطعام مع انهم لا يقولون بذلك .

الثاني من وجوه الطعن أنه قال (( أهجر )) مع أن الأنبياء معصومون من هذه الأمور فاقوالهم وأفعالهم في جميع الأحوال والأوقات كلها معتبرة وحيقية بالاتباع ، والجواب عن هذا أنه من أين يثبت أن قائل هذا القول عمر ؟ مع أنه قد وقع في أكثر الروايات (( قالوا )) بصيغة الجمع (( استفهموه )) على طريق الإنكار ، فإن النبي لا يتكلم بالهذيان البتة وكانوا يعلمون انه r ما خط قط بل كان يمتنع صدور هذه الصنعة منه r لقوله تعالى ] وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخط بيمينك [ ولذا قالوا فاسئلوه . وتحقيق ذلك أن الهجر في اللغة هو أختلاط الكلام بوجه غير مفهم ، وهو على قسمين : قسم لا نزاع لحد في عروضه للأنبياء عليهم السلام وهو عدم
-------------------------

( 1 ) وهو التخفيف عن النبي r في شدة مرضه .

تبيين الكلام لبحة الصوت وغلبة اليبس بالحرارة على اللسان كما في الحميات الحارة ، وقد ثبت بإجماع أهل السير أن نبينا r كانت بحة الصوت عارضة له في مرض موته r .

           والقسم الآخر جريان الكلام غير المنتظم أو المخالف للمقصود على اللسان بسبب الغشى العارض بسبب الحميات المحرقة في الأكثر . وهذا القسم وإن كان ناشئاً من العوارض البدنية ولكن قد أختلف العلماء في جواز عروضه للأنبياء ، فجوزه بعضهم قياساً على النوم ، ومنعه آخرون ، فلعل القائل بذلك القول أراد القسم الأول يعنى ان هذا الكلام خلاف عادته r فلعنا لم نفهم كلامه بسبب وجود الضعف في ناطقته فلا إشكال .

الثالث من وجوه الطعن أنه رفع الصوت وتنازع في حضرة النبي r وقد قال تعالى
] يأيها الذين أمنوا لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي [ . والجواب أنه من أين يثبت أن عمر أول من رفع الصوت ؟ وعلى تقديره فرفع صوته إنما كان على صوت غيره من الحاضرين لا على صوت النبي r المنهي عنه في الآية ، والأول جائز والآية تدل عليه حيث قال كجهر بعضكم لبعض ، وقوله r في إحدى الروايات (( قوما عني )) من قبيل قلة الصبر العارضة للمريض ، فإنه يضيق صدره إذا وقعت منازعة في حضوره ، وما يصدر من المريض في حق أحد لا يكون محلاً للطعن عليه ، مع أن الخطاب كان لجميع الحاضرين المجوزين والمانعين .

الرابع من أوجه الطعن أنه أتلف حق الأمة أنه أتلف حق الأمة ، إذ لو كتب الكتاب المذكور لحفظت الأمة من الضلالة ولم ترهم في كل واد يهيمون ، ووبال جميع ذلك على عمر . والجواب أنه إنما يتحقق الإتلاف لو حدث حكم من الله تعالى نافع للأمة ومنعه عمر . وقوله تعالى ] اليوم أكملت لكم دينكم [ الاية تدل على عدم الحدوث ، بل لم يكن الكتاب إلا لمصالح الملك وتأكيد ما بلغه ، وإلا فلا يتصور منه r أن يقول أو يكتب في هذا الوقت الضيق ما لم يكن قاله قط ، مع أن زمن نبوته أمتد ثلاثاً وعشرين سنة ، وكيف يمتنع عن ذلك بمجرد منع عمر ، ولم يقله لأحد بعد ذلك مع عدم وجود عمر ، فإنه r قد عاش بعد ذلك خمسة أيام باتفاق الفريقين . فإن قيل : لو لم يكن ما يكتب أمراً دينياً فلم قال (( لن تضلوا بعدي )) ؟ قلنا : للضلال معان ( 1 ) ، والمراد ههنا عدم الخطأ في تدبير الملك وهو إخراج المشركين من جزيرة العرب ، وإجازة الوفد بنحو ما كان يجيزهم ، وتجهيز جيش أسامة منه ، لا الضلالة والغواية عن الدين . فقد تبين لك بطلان ما

 

-----------------------

( 1 ) منها قوله عز وجل للهادي الأعظم r ] ووجدك ضالاً فهدى [ .

طعنوا به ، وأظهر لك فساده وقبيح كذبه . والحمد لله رب العالمين ( 1 ) .

ومنها أن عمر قصد إحراق بيت سيدة النساء ، وضربها على جنبها الشريف بقبضة سيفه حتى وضعت حملها بسبب ذلك ! والجواب أن هذه القصة محض هذيان ، وزور من القول وبهتان . ولذا قد انكر صحتها أكثر الإمامية ، أن روايتها عندهم غير صحيحة ولا مرضية ، مع أن فعل عمر هذا لو فرض وقوعه فهو أقل مما فعله الأمير كرم الله تعالى وجهه مع أم المؤمنين عائشة الصديقة ، مع أنه لم يلحقه طعن من ذلك عند الفريقين بناء على حفظ الأنتظام في أمور الدنيا والدين :

وعين الرضـا عن كل عيـب كليلة         ولكن عين السخط تبدي المسـاويا

ومنها أن عمر أنكر موت الرسول r وحلف أنه لم يمت ، حتى قرأ أبو بكر قوله تعالى ] إنك ميت وإنهم ميتون [ . والجواب أن ذلك من شدة دهشته بموت الرسول وكمال محبته له r حتى لم يبق له في ذلك الحين شعور بشئ ، وكثيراً ما يحصل الذهول بسبب تفاقم المصائب وتراكم الشدائد ، لأن النسيان والذهول من اللوازم البشرية ألا ترى أن يوشع – مع كونه نبياً معصوماً – نسى أن يخبر موسى بفقد الحوت مع المكتل ، بل إن موسى u - مع كونه من أولى العزم – قد نسى معاهدته مع الخضر على عدم السؤال ثلاث مرات ، وقال تعالى في حق آدم ] فنسى ولم نجد له عزماً [ يسهو في صلاته ويقول في سجدتي السهو (( بسم الله وبالله ، وصلى الله على محمد وآله وسلم )) فأى ذنب لابن الخطاب بدهشته من هذا الامر العظيم ، وأى طعن عليه بسبب ما حصل له من فقد محبوبه r ؟ فتباً لكم أيها الفرقة الضالة فقد نال الشيطان من عقولكم حتى صرتم شياطين أمثاله .

ومنها أن عمر كان لا يعلم بعض المسائل الشرعية التى هي شرط في الإمامة والخلافة كأمره برجم الحامل من الزنا ، فرده الأمير وقال له : إن كان لك عليها سبيل فليس لك على ما في بطنها ، فندم حينئذ وقال : لولا علي لهلك عمر . وكما أراد رجم أمرأة مجنونة فرده الأمير بقوله r (( رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون
--------------------------

( 1 ) وقد نبه السيد الحاج عمر نائب القضاء للدولة العثمانية في مدينة بغداد عند طبع هذا المختصر في الهند سنة 1315 على أن جميع روايات هذا الحديث مروية عن ابن عباس ، وأنه كان عند وفاة النبي r صغير السن ، ولذلك نقلت عنه الواقعة بألفاظ مختلفة . وأن عمر كان يعلم أن العباس كان له هوى في أن يؤثر عن النبي r قول في أستخلافه أو أستخلاف يصرح النبي r باسم أبي بكر فيدخل من ذلك في أبي بكر دل عليه تقديمه للصلاة بالناس . فخشى عمر أن يصرح النبي r باسم ابي بكر فيدخل من ذلك شئ من الحزن على نفس العباس ، فأراد أن يبقى هذا الآمر لتقدير الله عز وجل ، والذى يريده الله لهذه الأمة فلن يكون غيره . وهذا ما وقع بالفعل والحمد لله على ما كان ، وقد كان به الخير كله لهذا الدين وأهله . ورضي الله عن الخلفاء الراشدين كلهم وعن صحابة رسول الله أجمعين .

حتى يفيق )) ، وكإتمامة عدد الضربات في حد أبنه أبي شحمة بعد ان مات في اثناء الحد ، مع أن الميت غير معقول ، وكعدم علمه بحد شرب الخمر حتى قرره بمشورة الصحابة ورأيهم . والجواب عن الأول أن عمر t لم يكن على علم بحمل المرأة لأن هذا أمر لا يدرك بالبصر إلا بعد تمام مدة الحمل وما يقاربه ، والأمير كان مطلعاً على ذلك وأخبر بحملها فنبه عمر إلى ذلك فشكره ، والقضاء على ظاهر الحال لا يوجب النقص في الإمامة ، بل ولا في النبوة . ألا ترى أن موسى u أخذ برأس أخيه الكبير ولحيته مع انه نبي وأهانه حين لم يطلع على حقيقة الآمر ، وقال النبي r (( إنما أن بشر ، وإنكم تختصمون إلى ، وإن بعضكم ألحن بحجته من بعض ، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من نار )) ، وقد روى عند الفريقين أن النبي r أمر علياً بإقامة الحد على أمرآة حديثة بنفاس فلم يقم عليها الحد خشية أن تموت ، فذكر ذلك للنبي r فقال (( أحسنت ، دعها حتى ينقطع دمها )) فقد تبين أن عدم الاطلاع على حقيقة الحال غير الجهل بالمسائل الشرعية . وعن الثاني أن عمر t لم يكن واقفاً على جنونها أيضاً ، فقد روى الإمام أحمد عن عطاء بن السايب عن أبي ظبيان الحصين بن جندب الجنبي أن امرأة أتوابها مأخوذة إلى عمر بجريمة الزنا فحكم برجمها بعدما ثبت ، فقادوها للرجم ، فإذا على لا قاهم في الطريق فسألهم : أين تذهبون بهذه المرأة ؟ فقالوا : إن الخليفة أمر برجمها لثبوت الزنا عنده ، فأخذها الأمير من ايديهم وجاء بها إلى عمر وقال : هذه المرأة مجنونة من بني فلان أنا أعلمها كما هي ، وقال (( رفع القلم عن المجنون حتى يفيق )) فمنع عمر من رجمها . فقد علم أن عمر كان يعلم أن المجنونة لا ترجم ، ولكن لم يكن له علم بجنونها . وعن المحدود بقى حياً بعد الحد ، نعم قد غشى عليه أثناء الحد ، ولذا توهم الناس موته . وعن الرابع أن عدم العلم بشئ لم يحدث من قبل ولم يعين في الشرع حكمه ليس محلاً للطعن ، لأن العلم تابع المعلوم ، وحد شارب الخمر لم يكن في عهده r معيناً ومقرراً ، بل كانوا يضربون الشارب بالنعال والجرائد والأسواط ، وقد خمن الصحابة ذلك من زمن أبي بكر بأربعين ضربة ، وقد تعدد شرب الخمر في خلافة عمر فجمع الصحابة كلهم وشاورهم في ذلك فقال الأمير وعبد الرحمن بن عوف : ينبغي أن يكون كحد القذف ثمانين جلدة ، لأن السكران يزول عقله بالسكر فربما يسب أحداً ويشتمه ، فأرتضى جميع الصحابة ذلك الاستنباط وأجمعوا عليه ، وقد ذكر هذه القصة ابن المطهر الحلي أيضاً في ( منهاج الكرامة ( 1 ) ) وبما ذكرنا من أن عمر زاد حد الخمر بقول الأمير أندفع الخامس ، هذا مع أن معرفة جميع الأحكام الشرعية بالفعل ليست شرطاً للإمامة ، بل ولا النبوة ، فقد كانت توحي إلى
--------------------------

( 1 ) الذى رد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية بكتاب ( منهاج السنة ) .

النبي r الأحكام الشرعية على حسب الوقائع . والإمام يعلم بعض الأحكام بالاجتهاد ، وربما يخطئ فيه كما روى الترمذي عن عكرمة أن علياً أحرق قوماً أرتدوا عن الإسلام ، فبلغ ذلك ابن عباس فقال (( لو كنت أنا لقتلتهم )) فبلغ ذلك علياً فقال (( صدق ابن عباس )) والله تعالى الهادي .

ومنها أن عمر درأ حد الزنا عن المغيرة بن شعبة مع ثبوته بالبينة وهي اربعة رجال ، ولقن الرابع كلمة تدرأ الحد فقد قال له لما جاء للشهادة : أرى وجه رجل لا يفضح الله به رجلاً من المسلمين . والجواب أن درء الحد إنما يكون بعد ثبوته ، ولم يثبت لعدم شهادة الرابع كما ينبغي ، وتلقينه الشاهد كذب وبهتان من أهل العدوان ، إذ قد يثبت في التواريخ المعتبرة كتاريخ البخاري وابن الأثير وغيرهما أنه لما جاء الرابع وهو زياد ابن ابيه قالوا له : أتشهد كأصحابك ؟ قال : أعلم هذا القدر ، إني رأيت مجلساً ونفساً حثيثاً وأنتهازاً ورأيته مستبطنها 0 أى مخفيها تحت بطنه – ورجلين كأنهما أذنا حمار ، فقال عمر : هل رأيت كالمليل في المكحلة ؟ قال : لا . وقد وقع ذلك بمحضر الأمير وغيره من الصحابة . فأين التلقين يا أرباب الزور المفترين ؟ ولفظ (( أرى وجه رجل لا يفضح الله به رجلاً من المسلمين )) إنما قاله المغيرة في ذلك الحين كما هو حال الخصم مع الشهود ، ولا سيما إذا كان يترتب عليه حكم موجب لهلاكه . على ان عمر لو درأ الحد لكان فعله لفعل المعصوم ( 1 ) ، فقد روى ابن بابويه في ( الفقيه ) أن ردلاً جاء إلى أمير المؤمنين u وأقر بالسرقة إقراراً موجباً للقطع ، فلم يقطع يده ، والله تعالى الهادي .

ومنها أن عمر لم يعط أهل البيت سهمهم من الخمس الثابت بقوله تعالى ] وأعلموا إنما غنمتم من شئ ، فإن لله خمسه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل [ فقد خالف حكم الله تعالى . والجواب أن فعل عمر موافق لفعل النبي r . وتحقيقه أن أبا بكر وعمر كانا يخرجان سهم ذوى القربى من الخمس ويعطيانه لفقرائهم ومساكينهم كما كان ذلك في زمن النبي r وعليه الحنفية وجمع كثير من الإمامية ، وذهب الشافعية إلى أن لهم خمس الخمس يستوى فيه غنيهم وفقيرهم ، ويقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ، ويكون بين بني هاشم والمطلب دون غيرهم ، والأمير أيضاً عمل كعمل عمر فقد روى الطحاوى والدارقطني عن محمد بن إسحق أنه قال : سألت أبا جعفر محمد بن الحسين : إن أمير المؤمنين على بن أبي طالب لما ولى أمر الناس كيف كان يصنع في سهم ذوى القربى ؟ فقال : سلك به والله مسلك أبي بكر وعمر . إلى غير ذلك من رواياتهم ، فإذا كان فعل عمر موافقاً لفعل النبي r والأمير يكون محلاً للطعن ؟ ومن يضلل الله فلا هادي له ، نسأله تعالى السلامة من الغباوة والوله .

--------------------------

( 1 ) أي في إدعاء الخصوم .

ومنها أن عمر أحدث في الدين ما لم يكن منه كصلاة التراويح وإقامتها بالجماعة ، فإنها بدعة كما أعترف هو بذلك ، وكل بدعة ضلالة . وقد روى عن النبي r (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد عليه ))  . والجواب أنه قد ثبت عند أهل السنة بأحاديث مشهورة متواترة أنه r صلة التراويح بالجماعة مع الصحابة ثلاث ليالي من رمضان جماعة ولم يخرج في الليلة الرابعة وقال (( إني خشيت أن تفرض عليكم )) فلما زال هذا المحذور بعد وفاته r أحيى عمر هذه السنة السنية ، وقد ثبت في أصول الفريقين أن (( الحكم إذا كان معللاً بعلة نص الشارع يرتفع ذلك الحكم إذا زالت العلة )) وأعترف عمر بكونها بدعة حيث قال (( نعمت البدعة هي )) فمراده أن المواظبة عليها بالجماعة شئ حديث لم يكن في عهد النبي r ، وما ثبت في زمن الخلفاء الراشدين والأئمة المطهرين مما لم يكن في زمنه r لا يسمى بدعة ، ولو سميت بدعة فهي حسنة ، والحديث مخصوص بإحداث ما لم يكن له اصل في الشرع . ومعلوم أن الشيعة لم يعتقدوا بدعية صلاة الشكر يوم قتل عمر t ( 1 ) ، وهو اليوم التاسع من ربيع الأول ، وتعظيم النيروز ( 2 ) ، وتحليل فروج الجوارى ( 3 ) ، وحرمان بعض الأولاد من بعض التركه ( 4 ) ، إلى غير ذلك من الأمور التى لم تكن في زمنه r بناء على زعمهم أن الأئمة أحدثوها . أما أن لا يعتقد أهل السنة بدعية ما أحدثه عمر فلانه عندهم كالأئمة عند الشيعة لقوله r (( ومن يعش منكم بعدي فسيرى أختلافاً كثيراً ، فعليك بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ )) والله سبحانه الهادي .

ومنها ان عمر منع من متعة النساء ومتعة الحج ، مع أن كلتا المتعتين كانتا في زمنه r ، فنسخ حكم الله تعالى وحرم ما أحله سبحانه ، بدليل ما ثبت عند أهل السنة من قوله (( متعتان كانتا على عهد رسول الله r وانا أنهي عنهما )) . والجواب أن أصح الكتب عند أهل السنة الصحاح الست ، وأصحها البخاري ومسلم ، وقد روى مسلم في صحيحه عن سلمة بن الأكوع ( 5)

 

---------------------------

( 1 ) أنظر ص 208 – 209 .

( 2 ) أنظر ص 209 – 210 .

( 3 ) أنظر ص 224 ( في الرهن والوديعة ) وص 225 ( في العارية والإجازة والهبة ) وص 226 ( في الوقف ) إلخ .

( 4 ) أنظر بحث المتعة وما يترتب عليها في ص 227 – 320 .

( 5 ) في باب المتعة من كتاب النكاح في صحيح مسلم ( ك 16 ح 18 ) عن إياس بن سلمه ابن الأكوع عن أبيه قال : رخص رسول الله r عام أو طاس في المتعة ثلاثاً ، ثم نهى عنها .

وسبرة بن معبد الجهني ( 1 ) أنه r قد حرم هو المتعة بعد ما كان أحلها ورخصها لهم ثلاثة أيام ، وجعل تحريمها إذ حرمها مؤبداً إلى يوم القيامة . ومثل هذه الرواية في الصحاح الآخر ، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من كتب أهل السنة رواية الأئمة عن الأمير بتحريمها ، فإن ادعت الشيعة ان ذلك كان في غزوة خيبر ثم أحلت في غزوة الأوطاس فمردود ، لأن غزوة جيبر كانت مبدأ تحريم لحوم الحمر الأهلية لا متعة النساء ، فقد روى جمع من أهل السنة عن عبد الله والحسن ابني محمد ابن الحنفية عن أبيهما عن الأمير كرم الله تعالى وجهه أنه قال : (( امرني رسول الله r أن أنادي بتحريم المتعة )) فقد علم ان تحريم المتعة كان في عهد رسول الله r مرة أو مرتين ، فالذى بلغه النهي أمتنع عنها ومن لا فلا ، ولما شاع في عهد عمر أرتكابها أظهر حرمتها واشاعها وهدد من كان يرتكبها . وآيات الكتاب شاهدة على حرمتها وقد سبق ذلك في المسائل الفقيه ( 2 ) فنذكر فما في العهد من قدم .

والجواب عن متعة الحج – اعنى تادية أركان العمرة مع الحج في سفر واحد في أشهر الحج قبل الرجوع إلى بيته – ان عمر لم يمنعها قط ، ورواية التحريم عنه افتراء صريح . نعم إنه كان برى إفراد الحج والعمرة أولى من جمعها في إحرام واحد وهو القران ، أو في سفر واحد وهو التمتع ، وعليه الإمام الشافعي وسفيان الثوري وإسحاق بن راهويه ، وغيرهم لقوله تعالى ] وأتموا الحج والعمرة لله – إلى قوله – فمن تمتع بالعمرة إلى الحج [ الآية ، فأوجب سبحانه الهدى على المتمتع لا على المفرد جبراً لما فيه من النقصان ، كما أوجبه تعالى في الحج إذا حصل فيه قصور ونقص ، لأنه r حج في حجة الوداع منفرداً واعتمر في عمرة القضاء وعمرة جعرانة كذلك ولم يحج فيها بل رجع إلى المدينة مع وجود المهلة . وأما ما رووا من قول عمر
(( وأنا أنهي عنهما )) فمعناه أن الفسقة وعوام الناس لا يبالون بنهي الكتاب وهو قوله تعالى ( 3 )

 

 

-----------------------------

( 1 ) في ذلك الباب من صحيح مسلم ( ح 19 ) عن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه ابن معبد أنه قال : أذن لنا رسول الله r بالمتعة .. ثم إن رسول الله r قال : (( من كان عنده شئ من هذه النساء التى يتمتع فليخل سبيلها )) . وبعده ( ح 21 ) عن الربيع ابن سبره الجهني أن  كان مع رسول الله r فقال : (( يا أيها الناس ، إني قد اذنت لكم في الاستمتاع من النساء ، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة ، فمن كان عنده منهن شئ فليخل سبيله ، ولا تأخذوا مما أتيتموهن شيئاً )) . والآحاديث في تحريم المتعة متعددة ، وهي من أصح الأحاديث عن رسول الله r .

( 2 ) ص 227 – 230 .

( 3 ) أى في النهي عن المتعة بالنساء .

] فمن أبتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون [ وقوله تعالى ( 1 ) ] وأتموا الحج والعمرة لله [ إلا أن يحكم عليهم الحاكم والسلطان ويجبرهم على مراعاة ما أمروا به وما نهوا عنه فلذلك أضاف النهي إلى نفسه ، فقد تبين لك ولله تعالى الحمد زيف أقوالهم وظهر لك مزيد ضلالهم ، والحق يعلو وكلمة الصدق تسمو .

المطاعن الثالثة في حق ذى النورين وثالث العمرين t .

فمنها ان عثمان ولى وأمر من صدر منه الظلم والخيانة وارتكاب الأمور الشنيعة كالوليد ابن عقبة( 2 ) الذي شرب الخمر وأم الناس في الصلاة وهو سكران وصلى الصبح أربع ركعات ثم قال : هل ازيدكم ( 3 ) ؟ وولي معاوية الشام التى هي عبارة عن أربع ممالك فتقوى حتى انه نازع الأمير وبغي عليه في ايام خلافته ( 4 ) . وولى عبد الله بن سعد مصر فظلم أهلها ظلماً شديداً حتى اضطرهم إلى الهجرة إلى المدينة وخرجوا عليه . وجعل مروان وزيره وكاتبه فمكر في حق محمد بن أبي بكر وكتب مكان اقبلوه أقتلوه ( 5 ) . ولم يعزلهم بعد الاطلاع على أحوالهم حتى تضجرت الناس منه فآل أمره إلى أن قتل ، ومن كان في هذا حاله فهو غير لائق بالإمامة . والجواب أن الإمام لابد له ان يفوض بعض الأمور إلى من يراه لائقاً لما هنالك بحسب الظاهر إذ ليس له علم الغيب ، فإنه ليس بشرط في الإمامة عند أهل الحق . وقد كان عماله ظاهراً مطيعين له منقادين لأوامره . وقد ثبت في التاريخ أنهم خدموا الإسلام وشيدوا الدين ، فقد فتحوا بلاداً كثيرة حتى وصلوا غرباً إلى الأندلس وشرقاً إلى بلخ وكابل وقاتلوا براً وبحراً ، وأستأصلوا أرباب الفتن والفساد من عراق العجم وخراسان ، وقد عزل بعض من تحقق لديه بعد ذلك سوء حاله كما عزل

 

----------------------------

( 1 ) أى في متعة الحج .

( 2 ) الوليد بن عقبة أخو أمير المؤمنين عثمان لأمه ، أمهما أروى بنت كريز ، وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم ، عمه النبي r وتوأمة ابيه . أدرك خلافة الصديق الأكبر في اول شبابه وكان محل ثقته ، وموضع السر في الرسائل الحربية التى دارت بين الخليفة وقائده خالد بن الوليد في وقعة المذار مع الفرس سنة 12 . ثم وجهه مدداً إلى قائده عياض بن غنم الفهرى ( الطبري 4 : 22 ) . وفي سنة 13 كان الوليد بلي لأبي بكر صدقات قضاعة ، ثم لما عزم الصديق على فتح الشام كان الوليد عنده بمنزلة عمرو بن العاص في الحرمة والثقة والكرامة فكتب إليه وإلى عمرو يدعوهما لقيادة فيالق الجهاد فسار عمرو بلواء الإسلام نحو فلسطين وسار الوليد إلى شرق الأردن ( الطبري 4 : 29 – 30 ) . ثم رأينا الوليد سنة 151 أميراً لعمر بن الخطاب على بلاد بني تغلب وعرب الجزيرة يحمى ظهور المجاهدين في شمال الشام لئلا يؤتوا من خلفهم . وكان الوليد أول ناشر لدعوة الإسلام بين نصارى تغلب وبقايا إياد بحماسة وغيرة لا مثيل لها . وبهذه الثقة الكبرى التى نالها الوليد من أبي بكر وعمر ولاه عثمان ولاية الكوفة ، وكان من خير ولاتها عدلاً ورفقاً وإحساناً ، وكانت جيوشه مدة ولايته على الكوفة تسير في آفاق الشرق فاتحة ظافرة موفقة . وأنظر في تاريخ الطبري ( 5 : 60 ) شهادة الإمام الشعبي له في إمارته وفي جهاده وجزيل إحسانه إلى الناس .

( 3 ) لاتهام الوليد بالشرب حكاية سنشير إليها فيا بعد .

( 4 ) قال ابن تيميه في منهاج السنة ( 2 : 219 ) لم يكن معاوية ممن يختار الحرب ابتداء .

( 5 ) هذا الكتاب زوره الأشتر وحكيم بن جبله . أنظر ( العواصم ) ص 109 – 110 .

الوليد ( 1 ) . ومعاوية لم يبلغ في زمنه حتى يستحق العزل ، بل قد أجرى خدمات كثيرة ، كما غزا الروم وفتح منها بلاداً متعددة ( 2 ) . وأما الشكايات التى وقعت على عبدالله بن سعد فمن تزوير عبدالله ابن سبأ وتسويلاته ( 3 ) . وبالجملة لم يكن لعثمان صقور مما هنالك ، وحالة مع عماله كحال الأمير مع عمله ، إلا أن عمال عثمان كانوا منقادين لأوامره ومطيعين له ، بخلاف عمال الأمير ومن راجع ما سلف منا من خطب الأمير في حق أتباعه وجنده وأشياعه تبين له صدق هذا الكلام ، وأن لا عتب على ذى النورين في ذلك ولا ملام . وقد كتب الأمير كرم الله تعالى وجهه إلى المنذر الجارود العبدى (( أما بعد فصلاح أبيك غرني وظننت انك تتبع هداه وتسلك سبيله ، فإذا أنت – فيما نما إلى عنك – لا تدع لهواك أنقياداً ، ولا تبقى لآخرتك عتاداً . تغمر دنياك بخراب آخرتك ، وتصل عشيرتك بقطيعة دينك )) إلى آخر ما قال . ومثل هذا كثير في ذلك الكتاب . فكما أن الأمير لا يلحقه طعن بسبب ما وقع من عماله ، كذلك عثمان . وإلا فما الفرق ؟ والله سبحانه الموفق للهداية وبه نستعيذ من الضلالة والغواية .

ومنها ان عثمان أدخل الحكم ( أبا مروان ) بن العاص المدينة وقد أخرجه رسول الله r . والجواب أن الرسول r إنما أخرجه لحبه المنافقين وتهيجه الفتن بين المسلمين ومعاونته الكفار ( 4 ) ، ولما زال الكفر والنفاق بعد وفاته r وقوى الإسلام في خلافة الشيخين لم يبق محذور من إرجاعه إليها . وقد سبق مما هو مقرر عند الفريقين أن (( الحكم إذا علل بعلو ثم زالت
-------------------------

( 1 ) مما لا ريب فيه أن الوليد بن عقبة كان في ولايته على الكوفة الحاكم العادل الرحيم المحسن إلى الناس جميعاً . وكانت الكوفة منزل جهاد للفيالق التى يسيرها الوليد ابن عقبة إلى سواحل بحر الخزر وبلاد روسيا الآن . وأتفق ذات ليلة أن سطا بعض الأشرار على منزل رجل في الكوفة اسمه ابن الحيسمان فقتلوه . وكان في جوار المنزل صحابي مجاهد هو أبو شريح الخزاعي حامل راية رسول الله r على جيش خزاعة يوم فتح مكة ، جاء إل الكوفة هو أبنه ليلحقا بكتائب الجهاد ، واتفق نزوله في جوار بيت ابن الجيسمان فلما سطا الأشرار على ابن الحيسمان ليلاً رآهم أبو شريح الخزاعي وابنه وشهدا عليهم أمام الوليد بن عقبة فحكم عليهم الوليد بن عقبة بإقامة الحد الشرعي . إن الشاهدين اللذين شهدا على الوليد بن عقبة بشرب الخمر ها ابوان لأثنين من الأشرار الذين سطوا على ابن الحيسمان ، وقد حنقا على الوليد لإقامة الجد الشرعي عليهما ، وشهدا عليه عند عثمان زوراً وكذباً ، فقال أمير المؤمنين عثمان لواليه الوليد عقبة (( تقيم الحدود ، ويبوء شاهد الزور بالنار )) . وفي تعليقات كتاب ( العواصم من القواصم ) ص 94 – 99 بيان لحقيقة هذه الشهادة نقلاً عن المصادر الإسلامية المحترمة . فارجع إليها لتعلم أن الوليد بن عقبة رضوان الله عليه من خيرة رجال الدولة الإسلامية الأولى ، أنه كان موضع ثقة أبي بكر وعمر فضلاً عن عثمان رضوان الله عليه ، وان أياديه على الإسلام جعلته في طليعة المجاهدين العادلين الناصحين .

( 2 ) أنظر في هامش ص 123 – 124 الكلمة المأثورة في زمن الدولة العباسية عن الإمام سليمان بن مهران الأعمش في تفضيله معاوية على عمر بن عبدالعزيز حتى في عدله ، وقول قتاده وهو من أعلام الإسلام (( لو أصبحتم في مثل عمل معاوية لقال أكثركم : هذا المهدي )) .

( 3 ) في حوادث سنة 27 من تاريخ الطبري ( 5 : 49 ) أن عثمان لما أمر عبدالله ابن سعد بن أبي سرح بالزحف من مصر على تونس لفتحها قال له (( إن فتح الله غداً عليك إفريقية فلك مما أفاء الله على المسلمين خمس الخمس من الغنيمة نفلا )) فخرج بجيشه حتى قطعوا أرض مصر وأوغلوا في أرض إفريقية وفتحوها سهلها وجبلها ، وقسم عبدالله بن سعد على الجند ما أفاء الله عليهم وأخذ الخمس الخمس وبعث بأربعة أخماسه إلى عثمان مع وثيمة النصري . فشكا وفد ممن كان مع وثيمة ما أخذه عبدالله بن سعد ، فقال لهم عثمان : أنا أمرت له بذلك ، فإن سخطتم فهو رد ، قالوا : إنا نسخطه ، فامر عثمان عبدالله بن سعد بأن يرده ، فرده ورجع عبدالله بن سعد إلى مصر وقد فتح وليس في يده شئ مما أفتروا عليه .

( 4 ) أى قبل الهجرة والفتح .

 

زال )) ( 1 ) وعدم إرجاع الشيخين إياه لما حصل عندهما من ظن بقائه على ما كان عليه في زمن الرسول r ، وقد أرتفع ذلك عن عثمان زمن خلافته لأن الحكم كان ابن أخيه ، على ان عثمان قال اعترضوا عليه بذلك : إني كنت أخذت الإذن من رسول الله r في مرض موته على دخول الحكم المدينة وعدم قبول ابي بكر ذلك منى لطلبه شاهداً آخر على إذنه r له بالدخول المدينة . وكذلك عمر . ولما ادت النوبة إلى عملت بما علمت . وأيضاً قد ثبت أن الحكم قد تاب في آخر عمره من النفاق ومما كان يفعله من التزوير والاختلاق ، والله تعالى الهادي إلى طريق السداد ، ومنه التوفيق والرشاد .

ومنها أن عثمان وهب لأهل بيته واقاربه كثيراً من المال ، وصرف من بيت المال مصارف كثيرة في غير محلها مما يدل على إسرافه ، كما اعطى الحكم مائة ألف درهم وأعطى كروان خمس إفريقية ( 2 ) وخالد بن اسيد بن العاص ثلاث مائة ألف درهم وذلك لما جاء من مكة ، إلى غير ذلك من الإسراف الوافر والبذل المتكاثر ، ومن كان بهذه الأحوال كيف يستحق الإمامة من بين الرجال . والجواب – على فرض التسليم – ان عثمان t بذل ذلك من كيسه لا من بيت المال ، فإنه كان من المتمولين قبل ان يكون خليفة ، ومن راجع كتب السير أقر بهذا الأمر ، فقد كان t يعتق في كل جمعة رقبة ، ويضيف المهاجرين والأنصار ، ويطعمهم في كل يوم ، قد روى عن الإمام الحسن البصري ( 3 ) أنه قال : إنى شهدت منادى عثمان ينادى (( يا أيها الناس اغدوا على أعطياتكم )) فيغدون فيأخذونها وافرة (( يا ايها الناس أغدوا على رزقكم )) فيغدون

-------------------------
( 1 ) قال شيخ الإسلام ابن تيميه في منهاج لسنة ( 3 : 196 ) : قصة نفي النبي
r للحكم ليست في الصحاح ، ولا لها في إسناد يعرف به أمرها . ثم قال (( لم تكن الطلقاء تسكن بالمدينة فإن كان r طرده فإنما طرده من مكة لا من المدينة ، ولو طرده من المدينة لكان يرسله إلى مكة . وقد طعن كثير من اهل العلم في نفيه وقالوا : هو ذهب باختياره . وإذا كان النبي r عزر رجلاً بالنفي لم يلزم أن يبقى منفياً طوال الزمان ، فإن هذا لا يعرف في شئ من الذنوب ، ولم تأت الشريعة بذنب يبقى صاحبه منفياً دائماً )) إلى أن قال : (( وقصة الحكم فإنما ذكرت مرسلة ، وقد ذكرها المؤرخون الذين يكثر الكذب فيما يروونه ، فلم يكن هناك نقل ثابت يوجب القدح فيمن هو دون عثمان ، والمعلوم من فضائل عثمان ، ومحبة النبي r له وثنائه عليه ، وتخصيصه بابنتيه وشهادته له بالجنة ، وإرساله إلى مكة ( أى في حادث الحديبية ) ومبايعته له عنه ( أى بيعة الرضوان ) ، وتقديم الصحابة له في الخلافة ، وشهادة عمر وغيره له بأن رسول الله r مات وهو عنه راض ، وأمثال ذلك مما يوجب العلم القطعي بأنه من كبار أولياء الله المتقين الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه . فلا يدفع هذا بنقل لا يثبت إسناده ولا يعرف كيف وقع ، ويجعل لعثمان ذنب لا تعرف حقيقته … إلخ )) وأنظر أيضاً ( 3 : 235 – 236 ) من منهاج السنة . وتحقيق الإمام ابن حزم في كتاب الفصل ( 4 : 154 ) ، وما نقله مجتهد اليمن محمد بن إبراهيم الوزير في كتابه ( الروض الباسم ، في الزب عن سنة ابي القاسم ) 1 : 141 – 142 عن الحاكم المحسن بن كرامة المعتزلي المتشيع ان رسول الله r أذن لعثمان في رد الحكم . وترى تفصيل ذلك في ( العواصم من القواصم ) ص 77 – 79 للقاضي أبي بكر بن العربي والتعليقات عليه .

( 2 ) هو خمس الخمس لا الخمس ، وقد أعطاه لعبد الله بن سعد فاتح إفريقية لا لمروان وقد علمت مما نفلناه آنفاً عن الطبري أنه استرجعه من عبد الله بن سعد .

( 3 ) أنظر التعليق على كتاب ( العواصم من القواصم ) ص 54 .

فيأخذونها وافية حتى واله لقد سمعته أذناى يقول (( أغدوا على كسوتكم )) فيأخذون الحلل . ومن راجع كتب التواريخ علم درجة t ، ولم يقل عن احد أن الإنقاق في سبيل الله تعالى موجب للطعن ( 1 ) والله تعالى الهادي .

ومنها ان عثمان قد عزل في خلافته جمعاً من الصحابة عن مناصبهم كما عزل ابا موسى الأشعري عن البصرة ( 2 ) ونصب مكانه عبدالله بن عامر ، وعزل عمرو بن العاص عن مصر ونصب مكانه عبدالله بن سعد ( 3 ) مع أنه قد أرتد في عهد الرسول r ولحق بمشركي مكة وأباح r دمه يوم الفتح حتى تكفله عثمان فأسلم ( 4 ) وعزل عمار بن ياسر عن الكوفة وعبدالله بن مسعود عن قضائها . والجواب أن عزل العمال ونصبهم من وظيفة الخلفاء والأئمة ، ولا يلزمهم إبقاء العمال السابقين على حالهم . نعم لا ينبغي العزل من غير سبب وعزل هؤلاء كان لسبب ، وقد فصل ذلك في كتب التواريخ فراجعها .

ومنها أن عثمان درأ القصاص عن عبيد الله بن عمر وقد قتل الهرمزان ملك الأهواز الذى اسلم في زمن عمر بعد ان اتهمه في مشاركة من قتل عمر ( 5 ) ، مع أن القاتل كان ابا لؤلؤة فقط

-------------------------

( 1 ) قال الطبري في تاريخه ( 5 : 103 ) : كان عثمان قد قسم ماله وأرضه في بني أمية ، وجعل ولده كبعض من يعطي ، فبدأ ببني أبى العاص فاعطي آل الحكم رجالهم عشرة آلاف عشرة آلاف ، فأخذوا مائة ألف ، وأعطى بني عثمان مثل ذلك ، وقسم في بني العاص وبني العيص وفي بني حرب . وقد أشار عثمان إلى ذلك في خطبته المشهورة على منبر رسول الله r رداً على زعماء الفتنة والبغاة عليه فقال : (( وقالوا إنى أحب أهل بيتي وأعطيهم ، فأما حبي لهم فإنه لم يمل معهم على جور ، بل أحمل الحقوق عليهم . وأما إعطاؤهم فإني إنما أعطيهم من مالي ، ولا أستحل أموال المسلمين لنفسي ولا لأحد من الناس . وقد كنت اعطي العطية الكبيرة الرغيبة من صلب مالي أزمان رسول الله r وأبي بكر وعمر ، وأنا يومئذ شحيح حريص ، أفحين أتت على اسنان أهل بيتي وفنى عمرى وودعت الذى لى في أهلي قال الملحدون ما قالوا ؟ )) . نعم إن عثمان يود ذوى قرابته ، ومودته لهم من فضائله ، وهم لذلك أهل ورسول الله r ما أستعان برجال من عشيرة ولا ولى عدداً من فريق بقدر ما أستعان برجال بني أمية وولى أموره لرجالهم . وحتى بلدة مكة ولاها لفتى من فتيانهم ، وكان هو وكان بقية هؤلاء الرجال الأماجد عند حسن ظنه بهم ، وكذلك كانوا مدة ابي بكر وعمر وعثمان وفي كل زمان ومكان إلا النادر منهم ، وما هم بمعصومين . وهذا الخلق الكريم في مودة عثمان لذوى رحمه أثني عليه به علي فقال (( إن عثمان أوصل الصحابة للرحم )) وعلي أعرف الناس بابن عمه عثمان وكان عثمان وعلي في زمن النبي r شديدي الصلة والمحبة فيما بينهما ، وكان الناس يحملون ذلك على أنهما من بني عبد مناف .

( 2 ) وفي اول مجئ على العراق في خلافته كان أبو موسى الأشعري والياً على الكوفة وكان على منبر الكوفة يخطب الناس في فضائل البعد عن الفتنة وما أوصى به النبي r عند وقوعها . فتركه الشتر يتكلم على المنبر بأحاديث رسول الله وذهب إلى دار الإمارة فأحتلها ومنع من دخولها ، وبذلك صار أبو موسى معزولاً يومئذ .

( 3 ) الآن صار الشيعة ينتصرون لعمر بن العاص ويتوجهون له ، فيا سبحان الله ! .

( 4 ) والإسلام يجب ما قبله . وصار مجاهداً فاتحاً وله مثل ثواب كل من أسلم على يده من سكان شمال إغريقية .

( 5 ) قال القاضي أبو بكر بن العربي في ( العواصم من القواصم ) ص 107 : كان ذلك والصحابة متوافرون والآمر في اوله وقد قيل : إن الهرمزان سعى في قتل عمر وحمل الخنجر وظهر تحت ثيابه . وفي تاريخ الطبري ( 5 : 42 ) شهادة عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق على الهرمزان مروية عن سعيد بن المسيب . وقال شيخ الإسلام ابن تيميه في منهاج السنة ( 3 : 200 ) : وقد قال عبدالله بن عباس لما طعن عمر – وقال له عمر : كنت أنت وابوك تحبان ان تكثر العلوج بالمدينة – فقال ابن عباس : إن شئت نقتلهم . قال ابن تيمية : فهذا ابن عباس وهو أفقه من عبيد الله بن عمر وأدين وأفضل بكثير يستأذن عمر في قتل علوج الفرس مطلقاً الذين كانوا في المدينة . لما أتهموهم بالفساد ، اعتقدوا جواز مثل هذا . وإذا كان الهرمزان ممن أعان على قتل عمر كان من المفسدين في الأرض المحاربين فيجب أنه يقتل عمر بن الخطاب ، فإنهم يعيدون لمقتل عمر ويسمون قاتله وهو أبو لؤلؤة ( بابا شجاع الدين ) ===

وقد قتل ايضاً حنيفة النصراني لأتهامه بذلك وقد أجتمع الصحابة عليه ليقتص من عبيد فلم يوافقوهم وأدى ديتهم عنه فخالف حكم الله فليس يليق للإمامة . والجواب أن القصاص لم يثبت في تلك الصور ، لأن ورثة الهرمزان لم يكونوا في المدينة بل كانوا في فارس ، ولما أرسل عليهم عثمان لم يحضروا المدينة خوفاً كما ذكر المرتضى في بعض كتبه ( 1 ) . وشرط حضور جميع ورثة المقتول كما ذهبت إليه الحنفية ، فلم يبق إلا الدية ، وقد أعطاها من بيت المال لا من القاتل ، ولأن بنت ابي لؤلؤة كانت مجوسية كان نصرانياً وقد قال r (( لا يقتل مسلم بكافر )) وهذا ثابت عندهم ، على أنه لو أقتص عثمان من عبيد الله لوقعت فتنة عظيمة لأن بني تيم وبني عدى كانوا مانعين من القتل ، وكانوا يقولون لو أقتص عثمان من عبيد الله لحاربناه ، ونادى عمرو بن العاص وهو رئيس بني سهم فقال : أيقتل أمير المؤمنين أمس ويقتل أبنه اليوم ؟ لا والله لا يكون هذا أبداً ، وهذا كما ثبت عندهم من ان الأمير لم يقتص من قتله عثمان خوفاً من الفتنة .

ومنها أن عثمان غير سنة رسول الله r لأنه صلى اربع ركعات في منى مع انه r كان يقصر الصلاة الرباعية في سفره دائماً و قد أنكر عليه الجماعة من الصحابة ذلك الفعل والجواب أن عثمان ما كان إذ ذك مسافراً لأنه تزوج في مكة وتبوأ منزلاً فيها وأقام في تلك البقعة المباركة ( 2 ) ، ولما طلع الأصحاب على حقيقة الحال زال عنهم الإنكار والإشكال .

ومنها أن عثمان قد وهب لصحابه ورفقائه كثيراً من أراضى بين المال وأتلف حقوق المسلمين . والجواب أنه كان يأذن لهم بإحياء أراضى الموات ، ومن يحيى الموات فهي له لقوله تعالى r (( موتان الأرض لله ولرسوله فمن أحيا منها شيئاً فهو له )) ولم يهب لأحد ارضاً معمورة مزروعة كا يعلم ذلك من التاريخ ( 3 ) .

ومنها أن الصحابة كلهم كانوا راضين بقتله ( 4 ) ويتبرأون منه ( 5 ) حتى تركوه بعد قتله
--------------------------

=== كما تقدم في ص 208 – 209 . اللهم أحشرهم معه ، وأحشرنا مع عمر ، فإن المرء يحشر مع من أحب .

( 1 ) في رواية للطبري في تاريخه ( 5 : 43 – 44 ) عن سيف بن عمر عن أشياخه أن القماذ بن الهرمزان دعاه عثمان وامكنه من عبيد الله فقال القماذ باذ (( تركته لله ولكم )) . وانظر تفاصيل ذلك في التعليقات على ( العواصم من القواصم ) ص 106 – 108 .

( 2 ) انظر تفاصيل ذلك في تعليقات ( العواصم من القواصم ) ص 78 – 80 .

( 3 ) قال الإمام أبو يوسف صاحب أبي حنيفة في متاب ( الخراج ) ص 61 صبع المطبعة السلفية : وقد اقطع رسول الله r وتألف على الإسلام أقواماً  وأقطع الخلفاء من بعده من رأوا أن في إقطاعه صلاحاً ( وضرب أبو يوسف الأمثلة على ذلك ) . وأنظر باب القطائع ص 77 – 78 من كتاب ( الخراج ) ليحيى بن آدم القرشي طبع السلفية أيضاً . وذكر الإمام الشعبي بعض الذين اقطعهم عثمان فقال : (( واقطع الزبير ،و خباباً ، وعبد الله اب نمسعود ، وعمار بن ياسر ، ابن هبار . فإن يكن عثمان أخطأ ، فالذين قبلوا منه الخطأ أخطأوا ، وهم الذين أخذنا عنهم ديننا )) ( أنظر الطبري 4 : 148 ) . وأقطع على ابن ابي طالب كردوس بن هاني ( الكردوسية ) ، وأقطع سويداً بن غفلة أرضاً لدا ذويه . فكيف ينكرون على عثمان و يسكتون عن عمر وعلى ؟ وللقاضي أبي يوسف كلام سديد في هذا الموضوع في كتاب ( الخراج ) ص 60 – 62 .

( 4 ) أي نقل سيدنا عثمان خليفة رسول الله r وضهره المشهود له منه بالجنة .

( 5 ) نقل البلاذرى في كتابه ( أنساب الأشراف ) ج 5 ص 103 عن المدائني عن سلمه ابن عثمان عن علي بن زيد عن الحسن قال : (( دخـل  ===

ثلاثة أيام بلا دفن . والجواب أن هذا كله كذب صريح وبهتان فضيح على الصبيان فضلاً عن ذوى العرفان ، ألا ترى أن طلحه والزبير وعائشة الصديقة ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم قد قاتلوا لأجل طلب القصاص لعثمان ، وقد ثبت في التواريخ عند الفريقين أن الصحابة كلهم لم يألوا جهداً في دفع البلوى عنه حتى أستأذنوا منه في قتال المحاصرين فلم يجوز لهم ( 1 ) وكانوا مهما تمكنوا يوصلون إليه الماء ويفرجون عنه . وجاء زيد بن ثابت الأنصار وقال شبابهم له : إن شئت كنا أنصار مرتين ، وجاء عبد الله بن عمر مع المهاجرين وقال : إن الذين خرجوا عليك آمنوا سيوفنا ، واستأذنه لقتالهم فلم يأذن له ، وكان السبطان وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عامر بن ربيعة وابو هريرة وغيرهم من الصحابة معه في دار وكانوا يدافعون عنه كلما هجم عليه أهل البغي والعدوان ولم يأذن لهم ولا لأحد بقتالهم ، وقد ثبت في نهج البلاغة من كلام الأمير أنه قال (( والله قد دفعت عنه )) إلى غير ذلك ، وقد شيع جنازته جماعة من الصحابة والتابعين ودفنوه بثيابه الملطخة بالدم ليلاً ولم يؤخروه ، وقد حضرت الملائكة جنازته لما روى الحافظ الدمشقي مرفوعاً عن النبي r أنه قال (( يوم موت عثمان تصلى عليه ملائكة السماء )) قال الراوى : قلت يا رسول الله عثمان خاصة أو الناس عامة ؟ قال : عثمان خاصة . ونسبة هجوه وبغضه إلى الصحابة كذب وزور ، وذلك في غاية الظهور . فقد روى الديلمي وهو من المعتبرين عند الشيعة في ( المنتقى ) عن الحسن بن علي قال (( ما كنت لأقاتل بعد رؤيا رايتها : رأيت رسول الله r واضعاً يده على العرش ، ورأيت ابا بكر واضعاً يده على منكب رسول الله r ، ورأيت عمر واضعاً يده على منكب أبي بكر ، ورأيت عثمان واضعاً يده على منكب عمر ، ورأيت دماً دونه ، فقلت : ما هذا ؟ فقالوا : دم عثمان يطلب الله به )) . وروى ابن السمان عن قيس بن عباد قال سمعت علياً يوم الجمل يقول (( اللهم إنى أبرأ إليك من دم عثمان ، ولقد طاش عقلى يوم قتل عثمان ، وأنكرت نفسي ، وجاءوني للبيعة فقلت : ألا أستحي من الله أن

------------------------

=== علي بن أبي طالب على بناته وهن يمسحن عيونهن فقال : مالكن تبكين ؟ قلن : نبكي علي عثمان . فبكى وقال : أبكين )) أبهذا يتبرأون منه ؟ .

( 1 ) نقل البلاذرى في انساب الأشراف ( 5 : 73 ) من حديث الإمام محمد بن سبرين أن زيد بن ثابت t دخل على عثمان وقال له : إن هؤلاء الأنصار بالباب يقولون (( إن شئت كنا أنصار الله مرتين )) فقال عثمان (( لا حاجة لي بذلك كفوا )) . قال القاضي أبو بكر بن العربي في ( العواصم من القواصم ) ص 136 : (( إن أحداً من الصحابة لم يسع عليه ولا قعد عنه . ولو أستنصر ما غلب الف أو أربعة آلاف غرباء عشرين ألفاً بلديين أو أكثر من ذلك ، ولكنه ألقى بيده إلى المصيبة )) . ( قلت : لأنه أختار بذلك أهون الشرين فآثر التضحية بنفسه على توسيع دائرة الفتنة وسفك دماء المسلمين . وعثمان أفتدى دماء أمته بدمه مختاراً فما أحسن الكثيرون منا جزاءه . وإن أوروبا تعبد بشراً بزعم الفداء ولم يكن فيه مختاراً ) . ثم القاضسي أبو بكر بن العربي ( ص 137 ) : (( وقد أختلف العلماء فيمن نزل به مثلها : هل يلقى بيده ، أو يستنصر ؟ واجاز بعضهم أن يستسلم ويلقى بيده أقتداء بفعل عثمان ، وبتوصية النبي r بذلك في الفتنة )) . والذى أعلمه أن سياسة الإسلام في ذلك أن يختار المسلم في كل حاله أقلها شراً وأخفها ضرراً ، فإذا كانت للخير قوة غالبة تقمع الشر وتضيق دائرته ، فالإسلام يهدي إلى قمع الشر بقوة الخير بلا تردد . وإن لم يكن للخير قوة غالبة – كما كانت الحال في موقف أمير المؤمنين عثمان من البغاة عليه – فمصلحة الإسلام في مثل ما جنح إليه عثمان . أعلى الله مقامه في دار الخلود .

أبايع قوماً قتلوا رجلاً قال له رسول الله r : ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة ، إنى لأستحي من الله أن ابايع وعثمان قتيل في الأرض لم يدفن بعد ، فأنصرفوا . فلما دفن رجع الناس يسألون البيعة فقلت : اللهم إني مشفق مما أقدم عليه . ثم جاءت عزيمة فبايعت . قال : فقالوا (( يا أمير المؤمنين )) فكأنما صدع قلبي )) وروى ابن السمان أيضاً عن محمد بن الحنفية أن علياً قال يوم الجمل (( لعن الله قتلة عثمان في السهل والجبل )) وعنه أن علياً بلغه أن عائشة تلعن قتلة عثمان فرفع يديه حتى بلغ بهما وجهه فقال (( وأنا ألعن قتلة عثمان ، لعنهم الله في السهل والجبل )) مرتين أو ثلاثاً . إلى غير ذلك من اقوال أهل البيت وسائر الصحابة مما يدل على مزيد حبهم له وتأسفهم على مصيبته . وهذا الكتاب لا يحتمل ذكر ذلك على سبيل التفصيل ، وتأخير دفنه إلى ثلاثة ايام زور وبهتان كما يعلم مما ذكرنا من البيان . كيف وقد اجمع المؤرخون على أن شهادته t بعد العصر يوم الجمعة لعشر خلون من ذي الحجة ، ودفن في البقيع ليلة السبت t وأرضاه ، وجعل الغرف العالية مستقرة ومثواه ، ونسأله تعالى ان يحشرنا في زمرتهم ، ويميتنا على محبتهم .

المطاعن الرابعة في حق أم المؤمنين وحبيبة حبيب رب العالمين عائشة الصديقة وزوج مفخر العوالم على الحقيقة .

منها أنها خرجت من المدينة إلى مكة ( 1 ) ومنها إلى البصرة ومعها ما يزيد عل ستة عشر ألف رجل من العسكر وقد قال تعالى في الأزواج المطهرات ] وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى [ فأمرهن بالسكون في البيوت ، ونهاهن عن الخروج من بيوتهن . والجواب أن الأمر باستقرارهن في البيوت والنهي عن الخروج منها ليس بمطلق ، ولو كان مطلقاً لما أخرجهن رسول الله r بعد نزول الآية إلى الحج والعمرة والغزوات ولا رخص لهن بزيارة الوالدين وعيادة المريض وتعزية اقاربهن . واللازم باطل فكذا الملزوم . والمراد من هذا الأمر والنهي تأكيد التستر والحجاب بان لا يدرن ولا يتسكعن في الطرق والأسواق كنساء العوام ، ولا منافاة بين السفر وبين التستر والحجاب ، ألا ترى أن المخدرات من نساء الأمراء والملوك يخرجن من بلد إلى بلد ومعهن جمع من الخدم والأتباع . ولا سيما إذا كان السفر متضمناً لمصلحة دينية ودنيوية كالجهاد والحج والعمرة . وسفر أم المؤمنين كان من هذا القبيل ، لأنها خرجت لإصلاح ذات البين وأخذ القصاص من قتلة عثمان t المقتول ظلماً وعدواناً ، وذلك لا -------------------------

( 1 ) لقد خرجت رضي الله عنها من المدينة إلى مكة حاجة بيت الله الحرام عند اشتداد فتنة البغاة على أمير المؤمنين وقبيل شهادته .

يعد تبرجاً ويجاب أيضاً بأن ما طعنوا به أم المؤمنين وجد في فاطمة t أيضاً لما ثبت في كتبهم بطريق التواتر أن الأمير قد أركب فاطمة على مطيه وطاف بها في محلات المدينة ومساكن الأنصار طالباً منهم الإعانة على ما غصب من حقها ( 1 ) زمن خلافة الصديق t . ويجاب أيضاً بأن جميع رجال المؤمنين أبناء لأزواج النبي r بالاتفاق ، وجميع من كان مع الصديقة في سفرهافهم أبناؤه . ولذا طلبت القصاص من القتلة ، فلا إشكال ، ولا قيل ولا قال . وسيأتى قريباً بيان هذه القصة مفصلاً إن شاء الله تعالى .

ومنها أن عسكر عائشة لما أتوا البصرة نهبوا بيت المال واخرجوا عامل الأمير عثمان ابن حنيف الأنصاري مهاناً ، مع أنه من صحابة رسول الله r . والجواب أن هذه الأمور لم تقع برضاء عائشة ولا علمت بذلك ، حتى أنها لنا علمت ما جرى في حق عثمان بن حنيف أعتذرت له وأسترضته . ومثل هذا وقع لعسكر الأمير مع ابي موسى الأشعري فقد أحرقوا بيته ونهبوا متاعه لما دخلوا الكوفة ومنهم مالك الأشتر .

ومنها أن عائشة أفشت سر النبي r ، قال تعالى ] وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض ، فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير [ . والجواب أن إفشاء السر وقع من حفصة لا غير بإجماع المفسرين ، وذلك أنها رات النبي r مع مارية في فراشها من ثقب الباب ، وقال لها إني حرمت مارية على نفسي فأكتميه ولا تفشيه ، فذهبت حفصة وبشرت عائشة بذلك . ومن مزيد فرحها اشتبه عليها الآمر فظنت أن الذى أمرت بكتمانه هو ما راته من الشق ، لا التحريم ، وقد عد ذلك الإفشاء من حفصة معصية وقد تابت عنها ، وقد ثبت ذلك في تفاسير الشيعة كمجمع البيان للطبرسي .

ومنها أن عائشة قالت : ما غرت على أحد من نساء النبي r ما غرت على خديجة وما رأيتها قط ولكن كان رسول الله r يكثر ذكرها . والجواب أن الغيرة محبوبة في النساء ، ولا مؤاخذة على الأمور الجبلية . نعم لو صدر قول أو فعل مخالف للشرع للغيرة في تتوجه الملامة ، وفي الحديث الصحيح ان بعض أمهات المؤمنين غارت على الأخرى حين ارسلت إلى رسول الله r طعاماً لذيذاً وكان النبي r إذ ذاك في بيت من تغار وأخذت الطبق من يد خادمها فضربت به على الأرض حتى أنكسر وأنصب الطعام فقام رسول الله r إلى ذلك الطعام بنفسه فاجتناه وجمعه
-------------------------
( 1 ) أي بزعم الشيعة في روايتهم هذه .

من الأرض وقال (( قد غارت امكم )) ولم يعاتبها ولم يوبخها ، فكيف يسوغ لأفراد الأمة أن يجعلوا امهات المؤمنين هدفاً لسهام مطاعنهم ؟ والله الموفق .

ومنها أن عائشة كانت تقول في آخر الحال : قاتلت علياً ووددت انى كنت نسياً منسياً . والجواب أن هذه الرواية ما صحت بهذا اللفظ ، والذى صح أنها تذكر يوم الجمل وتبكي بكاءاً شديداً حتى يبتل معجرها المبارك بالدموع لا ستعجالها وترك التأمل ولم تحقق من قبل أم ماء الحوأب واقع في أثناء السبيل أم لا ( 1 ) وعلى تقدير صدور ذلك منها فلا ضير، إذ قد صح عند أهل السنة صدور مثل هذا اللفظ عن الأمير كرم الله تعالى وجهه لما طاف على القتلى من الطرفين فقال (( يا ليتنى مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً )) وهو يضرب فخذيه .

ومنها أنها زينت يوماً جارية كانت عندها وقالت : لعلنا نصطاد بها شاباً من شباب قريش بأن يكون مشغوفاً بها . والجواب أن هذه الرواية وردت عن وكيع بن الجراح عن عمار بن عمران عن امرأة من غنم عن عائشة رضي الله عنها ، وعمار بن عمران والامرأة مجهولان فلا تقبل هذه الرواية . والحاصل أن هذا الخبر لا صحة له عند اهل السنة بل لا ورود له . وعلى تقدير وروده عند الشيعة فبمقتضى قواعد الأصول عند الفريقين أنه غير مقبول لما ذكر . ولا يخفى على من يعرف مالهم في هذا الباب من المصنفات أن جميع مطاعنهم واعتراضاتهم من قبيل هذه الهذيانات . نسأل الله تعالى التوفيق والهداية ، والعصمة من الضلالة والغواية .

 

------------------------

( 1 ) خبر الحوأب لم يذكر في كتاب من كتب السنة المعتبرة . ويرويه الطبري ( 5 : 170 ) عن إسماعيل بن موسى الفرازي ( قال ابن عدي : أنكروا منه الغلو في التشيع ) ويرويه هذا الشيعي عن علي بن عابس الأزرق ( قال عنه النسائي : مجهول ) وهذا الهجري المجهول عن أبي الخطاب الهجري ( قال الحافظ في تقريب التهذيب : مجهول ) وهذا الهجري المجهول يرويه عن صفوان بن قبيصة الأحمسي ( قال الذهبي في ميزان الاعتزال : مجهول ) . هذا هو خبر الحواب . ثم أنه بعد ذلك على أعرابي لا نعلم من هو زعموا أنهم لقوه في ريق الصحراء ومعه جمل أعجبهم فأرادوا أن يكون هو جمل عائشة فأشتروه منه وسار معهم حى وصلوا إلى الحوأب ، فزعموا أنه سمع الكلام الذى رواه عنه مجهول بعده مجهول بعده مجهول بعده ضعيف بعده شيعي من غلاة الشيعة لعله هو مخترع هذه الخرافة . مع أن جمل عائشة أسمه (( عسكر )) جاء به يعلى بن امية من اليمن وركبته عائشة من مكة إلى العراق . وفي خبر آخر تجده في مادة ( الحوأب ) من معجم البلدان لياقوت ان المنبوحة من كلاب الحوأب هي أم زمل سلمى بنت مالك الفزارية التى قادت المرتدين ما بين ظفر والحوأب فسباها المسلمون ووهبت لعائشة فأعتقتها ، وهي التى قيلت فيها هذه الكلمة إن صحت ، ولا نخالها صحيحة .

مطاعن الصحابة رضي الله تعالى عنهم على سبيل العموم

منها أن أكثر الصحابة انفضوا عن رسول الله r إلى العير التى جاءت من الشام وتركوه وحده في خطبة الجمعة وتوجهوا إلى اللهو وأشتغلوا بالتجارة ، وذلك دليل على عدم الديانة . والجواب أن هذه القصة إنما وقعت في بدء زمن الهجرة ( 1 ) ، ولم يكونوا إذ ذاك واقفين على الاداب الشريعة كما ينبغي ، وكان للناس مزيد رغبة في الغلة ، وظنوا أن لو ذهبت الإبل يزيد الغلاء ويعم البلاء ، ولم يخرجوا جميعهم بل كبار الصحابة كأبي بكر وعمر كانوا قائمين عنده r كما ثبت في الأحاديث الصحيحة ( 2 ) ، ولذا لم يشنع عليهم ( 3 ) ولم يوعهم سبحانه بعذاب ولم يعاتبهم الرسول r أيضاً .

ومنها ان اهل السنة رووا في صحاحهم عن ابن عباس أنه قال : قال رسول الله r (( سيجاء برجال من أمتى فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فاقول : أصحابي اصحابي ، فيقال : إنك لا تدرى ما أحدثوا بعدك . فأقول كما قال العبد الصالح : وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتنى كنت انت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد . فيقال : إنهم لن يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم )) . والجواب أنا لا نسلم أن المراد بالأصحاب ما هو المعلوم في عرفنا ، بل المراد بهم مطلق المؤمنين به r المتبعين له ، وهذا كما يقال لمقلدى ابي حنيفة أصحاب ابي حنيفة ولمقلدي الشافعي اصحاب الشافعي وهكذا وإن لم يكن هناك رؤية واجتماع ، وكذا يقول الرجل للماضين الموافقين له في مذهب أصحابنا ، مع ان بينه وبينهم عدة من السنين ، ومعرفته r لهم مع عدم رؤيتهم في الدنيا بسبب أمارات تلوح عليهم ، فقد جاء في الخبر أن عصاة هذه الأمة يمتازون يوم القيامة من عصاة غيرهم كما أن طائعيهم يمتازون عن طائعي غيرهم ، وجذبهم إلى ذات الشمال كان تاديباً لهم وعقاباً على معاصيهم ، ولو سلمنا أن المراد بهم ما هو معلوم في العرف فهم الذين ارتدوا من الأعراب على عهد الصديق t ، وقوله r (( أصحابي أصحابي )) لظن انهم لم يرتدوا كما يؤذن به ما قيل في جوابه من انك لا تدرى ما أحدثوا بعدك . فإن قلت : إن (( رجالاً )) في الحديث كما يحتمل أن يراد منه من ذكرت من مرتدي الأعراب يحتمل أن يراد ما زعمته الشيعة . أجيب : إن ما ورد في حقهم من الآيات والأحاديث وأقوال الئمة مانع من إرادة
---------------------------

( 1 ) وعند ما كانت خطبة الجمعة بعد الصلاة لا قبلها كما في تفسير سورة الجمعة للحافظ ابن كثير عن ابي داود في مراسيله .

( 2 ) في حديث جابر بن عبدالله ان الذين ثبتوا مع النبي أثنا عشر رجلاً فيهم أبو بكر وعمر .

( 3 ) أى على اللذين خرجوا عند وصول القافلة التجارية إلى المدينة ، وكان الذى جاء بالقافلة دحية بن خليفة . 

ما زعمته الشيعة . أما الآيات فكقوله تعالى ] إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرة ورزق كريم [ وقوله تعالى ] الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله واولئك هم الفائزون ، يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم ، خالدين فيها ابداً إن الله عنده أجر عظيم [ وقوله تعالى ] والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين أتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه [ وقال تعالى ] لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة [ إلى غير ذلك من الآيات التى لا تحصى . وأما الأحاديث فقوله r (( أصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم أهتديتم )) قوله r (( الله الله في أصحابي )) الحديث ، إلى غير ذلك من الأخبار التى يضيق عنها المقام ، وأما اقوال الأئمة فقد مر لك شئ منها ، ولا مساغ للتخصيص الذى يزعمه الشيعة بوجه من الوجوه .

ومنها ان كثيراً من الصحابة فر من الزحف في غزوتي أحد وحنين ، الفرار من الزحف من أكبر الكبائر . والجواب أن الفرار يوم أحد كان قبل النهي ، ولئن قلنا كان بعده فهو معفو عنه ، بدليل قوله تعالى ] ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور رحيم ( 1 ) [ واما الفرار يوم حنين فبعد تسليم أنه كان فراراً في الحقيقة معاتباً عليه ما يصر عليه اولئك المخلصون بل أنقلبوا وظفروا بدليل قوله تعالى ] لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين . ثم انزل الله سكينته على رسول الله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها وعذب الذين مفروا وذلك جزاء الكافرين [ . ومنها ما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو ابن العاص أن رسول الله r قال : (( إذا فتحت عليكم خزائن فارس والروم أى قوم أنتم ؟ فقال  عبد الرحمن بن عوف : كما أمرنا الله تعالى . فقال رسول الله r : كلا بل تتنافسون ثم تتدابرون ثم تتباغضون ثم تنطلقون إلى مساكن المهاجرين فتحملون بعضهم على رقاب بعض )) فإن هذا صريح في وقوع التنافس والتدابر والتباغض فيما بين الصحابة . والجواب ان الخطاب وإن كان للصحابة لكن باعتبار وقوع ذلك فيما بينهم ، وهو لا يستدعى ان يكون منهم ، ويدل على ذلك أن الصحابة إما مهاجرون او انصار ، والحديث صريح في ان أولئك الفرقة ليسوا مهاجرين ، والواقع ينفى كونهم من الأنصار لأنهم ما حملوا
--------------------------

( 1 ) سورة آل عمران الآية 155 .

المهاجرين على التحارب ، فتعين أنهم من التابعين ، وقد وقع ذلك منهم ، فإنهم حملوا المهاجرين على التحارب بينهم كمالك الأشتر وأضرابه ، ولا كلام لنا فيهم ( 1 ) . ومنها أن الصحابة قد آذوا علياً وحاربوه ، وقد قال r (( من آذى علياً فقد آذاني )) . والجواب أن تلك المحاربات كانت لأمور اجتهادية فلا يلحقهم طعن من ذلك . ولا بد ههنا من التفصيل ، ليتبين من هو على الحق ممن سلك التضليل فأقول : أعلم أن أعظم ما تداولت الألسن من الاختلاف الواقع بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم ما وقع في زمن الأمير كرم الله تعالى وجهه ، فنشأ منه وقعتان عظيمتان : وقعة الجمل ، ووقعة صفين . والأصل الأصيل لذلك قتل عثمان . t ، وأنكر الهشامية ( 2 ) تلك الوقعتين ، وإنكار ذلك مكابرة لا يلقى لها سمع ، لأن الخبر متواتر في جميع مراتبه .

           وتلخيص الأولى أنه لما قتل عثمان t عنه صبراً توجع المسلمون ، فسار طلحة والزبير وعائشة – وكان قد لقيها الخبر وهي مقبلة من عمرتها – نحو البصرة ، فلما علم علي كرم الله وجهه بمخرجهم اعترضهم من المدينة لئلا يحدث ما يشق عصا الإسلام ، ففاتوه ، وأرسل ابنه الحسن وعماراً يستنفران أهل المدينة واهل الكوفة ، ولما قدموا البصرة أستعانوا باهلها وبيت مالها ، حتى إذا جاءهم الإمام كرم الله تعالى وجهه حاول الصلح واجتماع الكلمة وسعى الساعون بذلك ( 3 ) ، فثار قتلة عثمان وكان ما كان ، وانتصر علي كرم الله تعالى وجهه ، وكان قتالهم من ارتفاع النهار يوم الخميس إلى صلاة العصر لعشر خلون من جمادى الآخرة . ولما ظهر علي t جاء إلى أم المؤمنين t فقال (( غفر الله لك )) قالت (( ولك . وما أردت إلا الإصلاح )) ثم انزلها دار عبدالله بن خلف ( 4 ) وهي أعظم دار في البصرة على سنيه بنت الحارث أم طلحة الطلحات ، وزارها بعد ثلاث ورحبت به وبايعته وجلس عندها فقال رجل : يا أمير المؤمنين إن بالباب رجلين ينالان من عائشة ( 5 ) فامر القعقاع بن عمر ان يجلد كل واحد منهما مائة جلدة وان

 

----------------------

( 1 ) أنظر البيان الوافى عن الأشتر في تعليقات ( العواصم من القواصم ) ص 109 ثم في ص 116 – 119 وص 122 وتقدم في هامش ص 259 أنه هو أحد اثنين زورا الكتاب على لسان عثمان إلى والى مصر . وفي تاريخ الطبري ( 5 : 194 ) أعتراف الأشتر بانه أحد قتلة عثمان ، وذلك عند ما سخط على علي كرم الله تعالى وجهه لأنه ولي عبدالله بن عباس البصرة فقال الأشتر (( ففيم قتلنا الشيخ إذن ؟ )) أما أضراب الأشتر ممن شاركه في قتل عثمان فتجد البيان عنهم في ( العواصم من القواصم ) .

( 2 ) اصحاب هشام بن الحكم ، ويسمون ( الحكمية ) أيضاً . ظهروا سنة 109 . وتقدم وصفهم في ص 15 .

( 3 ) وعلى راسهم القعقاع بن عمرو والتميمى t .

( 4 ) هو الد طلحة بن عبدالله بن خلف الخزاعي الذى يسمى طلحة الطلحات . أحد أجواد العرب وتولى إمارة سجستان . وكان في حرب الجمل مع عائشة رضي الله تعالى عنها .

( 5 ) روى الطبري ( 5 : 223 ) عن سيف بن عمر التميمى عن اشياخه أنهما من أزد الكوفة يقال لها عجل وسعد أبنا عبدالله . 

يجردهما من ثيابهما ففعل ( 1 ) . ولما ارادت الخروج من البصرة بعث إليها بكل ما ينبغى من مركب وزاد ومتاع واذن لمن نجا من الجيش ان يرجع إلا أن يحب المقام ، وأرسل معها أربعين امرأة وسير معها اخاها محمداً . ولما كان اليوم الذى ارتحلت فيه جاء علي كرم الله تعالى وجهه فوقف على الباب في الهودج فودعت الناس ودعت لهم وقالت : (( يا بني لا يغتب بعضكم بعضاً ، إنه ما كان بيني وبين علي بن أبي طالب t في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها ، وإنه لمن الأخيار )) فقال علي كرم الله تعالى وجهه (( صدقت ، والله ما كان بيني وبينها إلا ذلك ، وإنها زوجة نبيكم r في الدنيا والآخرة )) وسار معها مودعاً أميالاً ، وسرح نبيه معها بقية ذلك اليوم ، وكانت رضي الله تعالى عنها بعد ذلك إذا ذكرت ما وقع تبكي حتى تبل خمارها . ففي هذه المعاملة من الأمير كرم الله تعالى وجهه دليل على خلاف ما تزعمه الشيعة من كفرها – وحاشاها رضي الله عنها – وفي ندمها وبكائها على ما كان دليل على أنها لم تذهب إلى ربها إلا وهي نقية من غبار المعركة ، على أن في كلامها ما يدل على أنها كانت حسنة النية في ذلك . وقال غير واحد إنها أجتهدت ولكنها أخطات في الاجتهاد ولا إثم على المجتهد المخطئ بل أجر على أجتهاده ( 2 ) وكونها رضي الله تعالى عنها من أهل الاجتهاد مما لا ريب فيه . نعم قالت الشيعة إنه يبطل إجتهادها أنه r قال يوماً لأزواجه كأني بإحداكن تنبحها كلاب الحوأب ، فإياك أن تكون يا حميراء ( 3 ) والحوأب كجعفر منزل بين البصرة ومكة قيل نزلته عائشة ونبحتها كلابه فتذكرت الحديث وهو صريح في النهي ولم ترجع . والجواب عن ذلك أن الثابت عندنا أنها لما سمعت ذلك وتحقيقه من محمد بن طلحه همت بالرجوع إلا أنها لم توافق عليه ومع هذا شهد لها مروان بن الحكم مع ثمانين رجلاً من دهاقين تلك الناحية أن هذا المكان مكان آخر وليس الحوأب ، على أن (( إياك أن تكوني يا حميراء )) ليس موجوداً في الكتب المعول عليها عند أهل السنة ( 4 ) فليس في الخبر نهي صريح ينافي الاجتهاد ، على أنه لو كان فلا يرد محذوراً أيضاً لأنها أجتهدت فسارت
-------------------------

( 1 ) ولو مد الله في حياته لمر بجلد كل شيعي يسب عائشة وتجريده من ثيابه .

( 2 ) إنها أجتهدت واصابت ، لأنها أرادت الإصلاح والتعاون مع أمير المؤمنين علي على إقامة حدود الله في القتلة المجرمين . والدماء التى سفكت في وقعة الجمل كانت جريمة اخرى من جرائم قتلة عثمان لا يلحق منها شئ بعلي ولا بعائشة ومن معها ، ولو توفقوا إلى إقامة الحدود على قتلة عثمان ، لتغيرت الحوادث بعد ذلك ، ولما وجدت الخوارج ولا الروافض ، ولما قتل علي كرم الله تعالى وجهه . ولكن لله في كل شئ حكمه قد يطلعنا عليها وقد تخفى عنا .

( 3 ) تقدم في هامش ص 270 – 271 أن خبر الحوأب يرويه شيعي من غلاة الشيعة عن راو ضعيف والراوى الضعيف يرويه عن راو مجهول الحال وهذا الراوى مجهول الحال يرويه عن أعرابي مجهول الأسم لمناسبة غير معقوله . وروينا هناك أن التى قيل لها في خبر الحوأب ليست عائشة بل أمرأة أرتدت عن الإسلام وسباها المسلمون ووهبت لعائشة وأعنقتها عائشة ومع ذلك فالخبر عن هذه المرتدة ايضاً ليس له قيمة تاريخية . ولم يثبت أن عائشة في مجيئها إلى البصرة مرت بماء الحوأب . وكل هذه الأمور من صنع الشيعة ، وما أكثر ما صنعوا .

( 4 ) وهذا هو الواقع ، وقد تبين لك ذلك مما أوردناه في التعليق السابق .

حين لم تعلم أن في طريقها هذا المكان ، لو أنها علمت لم يمكنها الرجوع لعدم الموافقة عليه . وليس في الحديث بعد هذا النهي امر بشئ لتفعله ، فلا جرم مرت على ما قصدته من إصلاح ذات البين المأمورة به بلا شبهة . واما طلحة والزبير رضي الله عنهما فلم يموتا إلا على بيعة الإمام كرم الله تعالى وجهه . وأما طلحة فقد روى الحكم عن ثور بن مجزأة أنه قال : مررت بطلحة يوم الجمل في آخر رمق فقال لي : من أنت ؟ قلت : من اصحاب أمير المؤمنين علي t ، فقال : أبسط يدك أبايعك ، فبسطت يدى فبايعني وقال : هذه بيعة علي ، وفاضت نفسه . فأتيت علياً t فأخبرته فقال : الله أكبر صدق الله تعالى ورسوله r ابي الله سبحانه أن يدخل طلحة الجنة إلا وبيعتي في عنقه . وأما الزبير t فقد ناداه علي كرم الله تعالى وجهه وخلا به وذكره قول النبي r له : لتقاتلن علياً وأنت له ظالم ، فقال : لقد اذكرتني شيئاً أنسانيه الدهر ، لا جرم لا أقاتلك ابداً ، فخرج من العسكرين نادماً وقتل بوادي السباع مظلوماً قتله همرو بن جرموز . وقد ثبت عند الفريقين أنه ( 1 ) جاء بسيفه واستاذن على الأمير كرم الله تعالى وجهه فلم ياذن له ، فقال : أنا قاتل الزبير ، فقال : أبقتل أبن صفية تفتخر ؟ سمعت رسول الله r يقول (( بشر قاتل ابن صفية بالنار )) . واما عدم قتله فلقيام الشبهة على ما قيل ، ونظيره ما أخرجه ابن أبي حاتم والبيهقي عن الحسن أن أناساً من الصحابة t ذهبوا يتطرقون ، فقتل واحد منهم رجلاً قد فر وهو يقول : إني مسلم ، فغضب رسول الله r غضباً شديداً ولم يقتل القاتل . وكذا قتل أسامة t فيما أخرجه السدى رجلاً يقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فلامه رسول الله r جداً ولم يقبل عذره وقال له : كيف أنت ولا إله إلا الله ؟ ونزل قوله تعالى ] ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً [ الآية وأجاب آخرون بأن العلماء أختلفوا في أنه هل يجب على الحاكم القصاص إذا لم يطلبه الولي أم لا ؟ ولعل الأمير كرم الله تعالى وجهه ممن لا يرى الوجوب بدون طلب ولم يقع . وروى أيضاً أن الأمير t قال لما جاءه عمر بن طلحة بعد موت أبيه (( مرحباً بابن أخي ، إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى فيهم : ] ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين [ )) وهذا ونحوه يدل على أنهما رضي الله تعالى عنهما لم يذهبا إلا طاهرين متطهرين .

 

-----------------------------

( أي عمرو بن جرموز .

وأما تلخيص الواقعة الثانية فقد ذكر المؤرخون أن معاوية t كان قد أستنصر ابنا عثمان t ووكلاه في طلب حقهما من قتله أبيهما ، فلما بلغه فراغ علي كرم الله تعالى وجهه من وقعة الجمل ومسيرة إلى الشام خرج عن دمشق ( 1 ) حتى ورد صفين في نصف المحرم فسبق إلى سهولة المنزل وقرب من الفرات ، فلما ورد الأمير t دعاهم إلى البيعة فلم يفعلوا ، وطلبوا منه قتلة عثمان – وكانوا قد أنحازوا إلى عسكره ، ولهم عشائر وقبائل ومع هذا لم يمتازوا بأعيانهم – فمال t إلى التأخير حتى يمتازوا ويتحقق القاتل من غيره ، فأبي معاوية إلا تسليم من يزعمونه قاتلاً . وكثر القيل والقال حتى أتهم بنو أمية الأمير كرم الله تعالى وجهه بأنه الذى دلس على قتلة عثمان t ، وكان كرم الله تعالى وجهه قد تصرف بسلاح عثمان فقال لذلك قائلهم :

إذا غار نجم لاح نجم يراقبه
ولا تنهبوه لا تحل مناهبه
سواء علينا قاتلوه وسالبه
كصدع الصفا لا يرأب الصدع شاعبه
وعند علي سيفه وحرائبه
وهل ينسين الماء ما عاش شاربه
كما فعلت يوماً بكسرى مرازبه

 

ألا ما لليلى لا تغور كواكبه
بني هاشم ردوا سلاح ابن أختكم ( 2 )
بني هاشم لا تعجلونا فإنه
وإنا وإياكم وما كان منكم
بني هاشم كيف التعاقد بيننا
لعمرك لا أنسى ابن أروى وقتله ( 3 )
هم قتلوه كي يكونوا مكانه

وكان الأمير كرم الله تعالى وجهه يلعن القتلة ويقول (( يا معاوية ، لو نظرت بعين عقلك دون عين هواك لرأيتنى أبرأ الناس من قتلة عثمان )) . وتصرفه t بسلاحه لأنه كان من الأشياء الراجعة إلى بيت المال ، وحكمه إذ ذاك كحكم المدافع في زماننا في أن حق التصرف في ذلك للإمام . ثم إنه قد وقع الحرب بينهم مراراً وبقى كرم الله تعالى وجهه بصفين ثلاثة أشهر وقيل سبعة وقيل تسعة ، وجرى ما تشيب منه الرءوس وتهون معه حرب البسوس ، وليلة الهرير أمرها شهير ، وآل الأمر إلى التحكيم ، وحدث من ذلك ما أوجب ترك القتال مع معاوية والاستغال بأمر الخوارج ، وذلك تقدير العزيز العليم .

------------------------------

( 1 ) لما أنتهى على من حرب الجمل وسار من البصرة إلى الكوفة فدخلها يوم الأثنين 12 من رجب ، وأرسل جرير بن عبداله البجلي إلى معاوية في دمشق يدعوه إلى طاعته ، فجمع معاوية رءوس الصحابة وقادة الجيوش وأعيان أهل الشام وأستشارهم فيما يطلب علي . فقالوا : لا نبايعه حتى يقتل قتلة عثمان ، أو يسلمهم إلينا . فرجع جرير إلى علي بذلك . فأستخلف علي على الكوفة ابا مسعود عقبة بن عامر وخرج منها فعسكر بالنخيلة أول طريق الشام م العراق . وبلغ معاوية أن علياً تجهز وخرج بنفسه لقتاله فخرج هو ايضاً قاصداً صفين .

( 2 ) لأن عثمان كانت جدته لأمه البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم وكنيتها أم حكيم .

( 3 ) هي أروى بنت كريز أم عثمان ، وأمها البيضاء بنت عبد المطلب .

وأهل السنة إلا من شذ يقولون : إن علياً كرم الله تعالى وجهه في كل ذلك على الحق لم يفترق عنه قيد شبر ، وغن مقاتليه في الوقعتين مخطئون باغون وليسوا بكافرين خلافاً للشيعة ، ولا فاسقين خلافاً للعمرية أصحاب عمر بن عبيد من المعتزلة . وأما أن الحق مع علي كرم الله تعالى وجهه فغني عن البيان ، وأما كون المقاتل باغياً فلأن الخروج على الإمام الحق بغي ، وقد صح عنه r أنه قال : ويح عمار تقتله الفئة الباغية ( 1 ) وقد قتله عسكر معاوية . وقوله حين اخبر بذلك (( قتله من أخرجه )) ومما لا يلتفت إليه ( 2 ) وإلا لصح أن يقال إن رسول الله r قاتل حمزة وأضرابه ممن قاتل معه r ، وكذا قول من قال : المراد من الفئة الباغية الفئة الطالبة أى لدم عثمان ، فلا يدل الخبر على البغي بالمعنى المذموم ، وأما كونه ليس بكافر فلما في نهج البلاغة أن علياً كرم الله تعالى وجهه خطب يوماً فقال : (( أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزيغ والإعوجاج والشبهة )) ، وقوله تعالى ] وإن طائفتان من المؤمنين أقتتلوا فأصلحوا بينهما ، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفئ إلى أمر الله ، فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يجب المقسطين [ فسمى الله تعالى الطائفتين المقتتلين (( مؤمنين )) وامر بالإصلاح بينهما . واجاب بعض الشيعة عن الآية بأنها في قتال المؤمنين بعضهم مع بعض دون القتال مع الإمام والنعي عليه ، والخطاب فيها للأئمة أمروا أن يصلحوا بين طائفتين من المؤمنين أقتتلوا فيما بينهم ، وأن يقاتلوا إذا بلغت إحداهما حتى تفئ . ولا يخفى ما في هذا الجواب من الوهن وعدم نفعه للمجيب اصلاً ، لأن الأمر الثاني يستدعى أن يكون القتال مع الإمام ضرورة فافهم . ومما يدل على ؟أن المحارب غير كافر صلح الحسن t مع معاوية ، وهو مما لا محال لإنكاره ( 3 ) . وقد روى المرتضى وصاحب ( الفصول المهمة ) من الإمامية أنه لما أبرم الصلح بينه t وبين معاوية خطب فقال : إن معاوية نازعني حقاً لي دونه ، فنظرت الصلاح للأمة وقطع الفتنة ، وقد كتنم بايعتموني على أن تسالموا من سالمني وتحاربوا من حاربني ، ورأيت أن حقن دماء المسلمين خير من سفكها ولم ارد بذلك إلا صلاحكم أنتهى . وفي هذا دلالة ظاهرة على إسلام الفريق الصالح وأن المصالحة لم تقع إلا أختياراً ، ولو كان المصالح
--------------------------

( 1 ) قال النبي r ذلك لما كانوا يبنون المسجد . فكان الناس ينقلون لبنة لبنة وعمار ينقل لبنتين لبنتين ، فقال النبي r فيه هذه الكلمة . وقد قلنا في التعليق على العواصم ( ص 170 ) إن كل من قتل من المسلمين بأيدى المسلمين منذ قتل عثمان فإنما إثمه على قتله عثمان ، لأنهم فتحوا باب الفتنة ، وواصلوا تسعير نارها ، وأوغروا صدور المسلمين بعضهم على بعض ، فكما كانوا قتله عثمان فإنهم كانوا القاتلين لكل من قتل بعده . ومنهم عمار ومن هم افضل من عمار كطلحة والزبير ، ومنهم من قتل علياً ايضاً فيما بعد .

( 2 ) هذا إن كان المراد بالذى اخرجه أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه . اما إذا وسعنا نظرنا ، وأعتبرنا مسعرى الفتنة هم الذين أخرجوا علياً نفسه ، وأوقعوا المسلمين بعضهم ببعض ، فحينئذ يكون لهذه الكلمة وجه وجيه .

( 3 ) والحسن u معتبر في دين الشيعة معصوماً ، وكل ما يصدر عن المعصوم يجب عليهم أن يؤمنوا بأنه الحق ، فبيعة الحسن لمعاوية من عمل المعصوم في مذهبهم ومعاوية هو الإمام الحق ببيعت المعصوم له . وأنظر التعليق على العواصم ص 197 – 198 .

كافراً لما جاز ذلك ولما صح أن يقال (( فنظرت الصلاح للأمة وقطع الفتنة )) أهـ . فقد قال سبحانه وتعالى ] وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله [ . ويدل على وقوع ذلك أختياراً أيضاً ما رواه صاحب ( الفصول ) عن ابي مخنف ( 1 ) من أن الحسين t كان يبدى كراهة الصلح ويقول لو جز أنفى كان أحب إلى مما فعله أخى ، فإنه لا معنى لهذا الكلام لو لم يكن وقوع الصلح من اخيه رضي الله عنهما أختياراً فإن الضرورات تبيح المحظورات وهو ظاهر . وبعد هذا كله قد ثبت عند جمع أن معاوية t ندم على ما كان منه في المقاتلة والبغي على الأمير كرم الله تعالى وجهه واتفق أن بكى عليه كرم الله تعالى وجهه . فقد أخرج ابن الجوزى عن ابي صالح قال : قال معاوية لضرار : صف لي علياً . فقال : أو تعفيني . قال : بل تصفه . فقال : أوتعفيني . قال : لا أعفيك . قال : أما ولابد فإنه كان والله بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلاً ، ويحكم عدلاً ، يتفجر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستأنس بالليل وظلمته . كان والله غزير الدمعة ، طويل الفكرة ، يقلب كفه ويخاطب نفسه . يعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما خشن . كان والله كاحدنا يجيبنا إذا سألناه ، ويبتدئنا إذا أتيناه ، ويأتينا إذا دعوناه . إلى أن قال : لا تطمع القوى في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله ، فاشهد بالله لقد رايته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سجوفه ، وغارت نجومه ، وقد مثل في محرابه قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ، فكأنى اسمعه يقول : يا دنيا يا دنيا ألى تعرضت أم بي تشوقت ؟ هيهات هيهات ، غرى غيرى قد بتتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك ، فعمرك قصير ، وعيشك حقير ، وخطوك كبير ، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق . قال : فذرفت دموع معاوية ، فما يملكها وهو ينشفها بكمه ، وقد أختنق القوم بالبكاء . ثم قال معاوية : رحم الله تعالى أبا الحسن ، كان والله كذلك ، فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟ فقال : حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقأ عبرتها ولا يسكن حزنها . انتهى ، وما يذكره المؤرخون من ان معاوية t كان يقع في الأمير كرم الله تعالى وجهه بعد وفاته ويظهر ما يظهر في حقه ويتكلم بما يتكلم في شأنه مما لا ينبغي ان يعول عليه او يلتفت إليه ، لأن المؤرخين ينقلون ما خبث وطاب ، ولا يميزون بين الصحيح والموضوع والضعيف ، واكثرهم خاطب ليل لا يدرى ما يجمع ( 2 ) فالاعتماد على ذلك في مثل هذا المقام الخطر والطريق الوعر والمهمة القفر الذى تضل فيه القطا وتقصر دونه الخطا مما لا يليق بشان عاقل فضلاً عن فاضل ،

------------------------

( 1 ) هو مؤرخ الشيعة ، وصفه ابن عديس بانه (( شيعي محترق )) .

( 2 ) بل فيهم صاحب الهوى الذى يكذب توزلفاً لحاكم منحرف ، أو متعصباً لمذهب يبيح الكذب نكاية بالخصم ومن يخالف المذهب .

وما جاء من ذلك في بعض روايات صحيحة وكتب معتبرة رجيحة فينبغي ايضاً التوقف عن قبوله والعمل بموجبه ، لأن له معارضات مسلمة في الصحة والثبوت . على أن من سلم من داء التعصب بما يندفع به الطعن عن أولئك السادة الماثل ، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل .

 

الباب التـاسع

في ذكر ما أختص بهم ولم يوجد في غيرهم من فرق الإسـلام

فمن ذلك إنكارهم كرامات الأولياء ، وإقامتهم حفلات العزاء والنياحة والجزع ، وتصوير الصور ، وضرب الصدور وما أشبه ذلك مما يصدر في العشرة الأولى من المحرم ، ويعتقدون أن ذلك مما يقرب به إلى الله تعالى وتكفر به سيئاتهم وما يصدر عنهم من الذنوب في السنة كلها ، وما دروا أن ذلك موجب لطردهم من رحمة الله تعالى ، كيف لا وفيه هتك لبيت النبوة وأستهزاء بهم ، ولله تعالى در من قال :

وتمثلوا بعداوة وتصوروا
تطوى ، وفي أيدى الروافض تنشر

 

هتكوا الحسين بكل عام مرة
ويلاه من تلك الفضيحة إنها

ومن ذلك أنهم يجعلون من الدقيق شبح إنسان ، ويملآون جوفه دبساً أو عسلاً ، ويسمونه باسم عمر ، ثم يمثلون حادث قتله ويشربون ما فيه من عسل بزعم انه دم عمر . ويتشاءمون من يوم الأثنين ( 1 ) ، وكذا من عدد الأربعة لئلا يذهب الوهم إلى أن الخلفاء اربعة . ويتفاءلون بعدد الأثني عشر . ولكن خواصهم يظهرون عدم الإستحسان لمثل هذه الأمور فلا حاجة بنا إلى صرف المداد في ردها .

ومن ذلك مزيد أوهامهم وكثرة خطإهم باعتقاد أن كل مخالف عدو مع ان المخالف أعم من العدو مطلقاً ، فإنه إذا قصد شخصان مقصداً واحداً واختلفا في الطريق إليه كيف يحكم بكون أحدهما عدواً للآخر . وأيضاً قد ثبت في كتب الشيعة أن أبا مخنف يروى عن الإمام الحسين في باب صلح الإمام الحسن مع معاوية أنه كان ينكر على هذا الصلح ، وكان يقول لو جدع أنفى كان أحب إلى مما فعله أخي . فلو كانت المخالفة موجبة للعداوة يلزم أن يكون الإمام الحسين عدواً للإمام الحسن ، معاذ الله من ذلك الاعتقاد الفاسد والكفر الصريح .

وكأعتقادهم عدم وجود المتنافيين في شئ في وقتين ، ولذا قالوا إن الخلفاء الثلاثة ليسوا بمؤمنين ، بناء على انهم كانوا كافرين فلا يليقون للإمامة . وهذا غلط ظاهر ، إذ عدم اجتماع المتنافيين مشروط باتحاد الزمان وغير ذلك من الوحدات الثماني المذكورة في المنطق . وكاعتقادهم ان الفرع مشارك للأصل في الأحكام ، ولذا اعتقدوا العصمة في الأئمة بناء على أنهم خلفاء المعصوم ، واعتقدوا ان الأئمة أفضل من الأنبياء بناء على أنهم نواب افضل الأنبياء ، مع ان النبي مبلغ بالذات ، والعصمة من خواص المبلغ ، ولا يلزم أن يكون نائب شخص مثله في
-----------------------------

( 1 ) لأنه يذكرهم بقول الله عز وجل ( ثاني أثنين ) .

جميع صفاته ، وإلا لزم مساواة التابع للمتبوع .

           وكأعتقادهم أن من سمى بغيره فه مثله في الحكم ، ولذا تراهم يسمون شخصاً بيزيد أو شمر فيهينونه ويظهرون له العداوة ، قال تعالى ] إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلكان [ والنار حارة وليس لفظها كذلك ، وهو يتحاشون من التسمية بعبد الله وعبد الرحمن ، ويستحسنون التسمية بكلب علي وكلب حسين وما اشبه ذلك وقد قال النبي r (( إن أحسن الأسماء إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن )) .

وكتوهم بطلان مالا دليل عليه ، كما أنكروا فضائل الصحابة بناء على عدم ثبوتها في كتبهم ، مع ان نفس الأمر غير تابع للعلم والجهل ، ولو تليت عليهم آيات الله لولوا ] وقالوا قلوبنا غلف ، بل لعنهم الله بكفرهم فقليلاً ما يؤمنون [

ومن ذلك مزيد تعصبهم كترجيحهم الرواية لضعيفة على القوية التى توافق مخالفهم .

وكزعمهم أن من في قلبه حب علي يدخل الجنة ولو كان يهودياً او نصرانياً أو مشركاً ، وان من يحب الصحابة يدخل النار ولو كان صالحاً وفي قلبه محبة أهل البيت ولذا حكم رضي الدين اللغوى أحد كبار الشيعة بكون زنينا بن إسحاق النصراني من اهل الجنة بسبب مدحه الأمير وأهل البيت بقوله :

بسوء  ولكني محب لهاشم
إذا ذكروا في الله لومة لائم
وأهل البهي من عربهم الأعاجم
سرى في قلوب الخلق حتى البهائم

 

عدى وتيم لا أحاول ذكرهم
وما تعتريني في علي وأهله
يقولون ما بال النصارى تحبهم
فقلت لهم إنى لأحسب حبهم

وجميع فرق الشيعة على أبن فضلون اليهودي لقوله :

واعف عني بحق آل الرسول
سيد ( الأوصياء ) بعل البتول ( 1 )

 

رب هب لي من المعيشة سؤلى
واسقني شربة بكف علي

مع أن حب ىل البيت غاية الآمر أنه عبادة ، وقد اشترط لقبولها الإيمان لقوله تعالى
 
] ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو انثى – وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له لكاتبون [

-------------------------

( 1 ) وابن فضلون اليهودي يعلم أن شيخه الأول ابن سبا ه الذى اخترع عقيدة (( لكل نبي وصي ، وان علياً وصي محمد r )) ، ليبتدع في الإسلام ما ليس مننه توطئه لأدخال الفساد على هذا الدين ومحاولة تغييره . ولو صدق ابن فضلون في دعواه حب علي كرم الله وجهه لدخل في الإسلام ولما بقى يهودياً ، أما أن يمدح علياً ويبقى يهودياً فذلك لأنه تلميذ ابن سبأ وحامل رسالته .

وأيضاً إن نجاة الكفار ودخولهم الجنة عند الشيعة محال كما سبق في العقائد ولقوله تعالى
] ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره [ .

وكتعصبهم في تسمية أمة محمد r (( الأمة الملعونة )) ولم يلتفتوا إلى قوله تعالى ] كنتم خير أمة أخرجت للناس [ ويلزمهم من ذلك أنهم ليسوا من أمة محمد ، وإلا يلزمهم لعن أنفسهم وإخراج أهل البيت من الأمة .

وكترجيحهم لعن عمر وسائر الصحابة والعياذ بالله على ذكر الله وسائر العبادات ، وقد ثبت في كتبهم أن لعن الشيخين – في كل صباح ومساء – موجب لسبعين حسنة ( 1 ) ، وقد قال تعالى ] ولذكر الله أكبر [ .

وكإنكارهم كون رقية وأم كلثوم زوجتى عثمان بنتي النبي r ، وأن خديجة أمها مع انه مخالف لقوله تعالى ] يأيها قل لأزواجك وبناتك [ ولما ذكر في ( نهج البلاغة ) من معاتبة الأمير لعثمان على تغييره سيرة الشيخين بقوله (( قد بلغت من صهره ما لم ينالا )) أي الشيخين ، وروى أبو جعفر الطوسي في ( التهذيب ) عن الإمام جعفر الصادق أنه كان يقول في دعائه
(( اللهم
r على رقية بنت نبيك ، اللهم r على ام كلثوم بنت نبيك )) ، وروى الكليني ايضاً أن رسول الله r تزوج خديجة وهو ابن بضع وعشرين سنة فولد منها قبل مبعثه r القاسم ورقية وزينب وأم كلثوم ، وبعد المبعث الطيب والطاهر وفاطمة ، وأورد في رواية أخرى أنه لم يولد له بعد المبعث إلا فاطمة وان الطيب والطاهر ولدا قبل المبعث .

وكقولهم إن أبا بكر وعمر وعثمان منافقون ، مع أن الأمير أقتدى بهم في الأوقات الخمسة زمن خلافتهم ، وقال تعالى ] ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب [ .

وكقولهم إن الآيات المشعرة بمدح الصحابة من المهاجرين والأنصار وأم المؤمنين متشابهات لا يعلم تأويلها إلا الله .

وكقولهم إن أهل السنة شر من اليهود والنصارى ، ذكر ذلك ابن المعلم ( 2 ) وغيره
] وهو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين [ فياليت شعري أين ذهب إيمان أهل
--------------------------

( 1 ) وللشيعة كتاب اسمه ( مفتاح الجنان ) يشبه كتاب ( دلائل الخيرات ) عند أهل السنة ، فيه أدعية كثيرة لهم ومنها دعاء يسمونه (( دعاء صنمي قريش )) يريدون بهما خليفتى رسول الله r أبا بكر وعمر ، ويزعمون أن هذا الدعاء من كلام أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه ، واول الدعاء (( اللهم r على محمد وآل محمد ، والعن صنمي قريش وجبتيهما وظاغوتيهما وإفكيهما وابنتيهما ……… إلخ )) .

( 2 ) ويسمونه الشيخ المفيد ، وهو محمد بن محمد بن النعمان ( 336 – 413 ) ، شيخ مشايخهم ورئيس رؤساء ملتهم .

 السنة بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر ، ومحبتهم لأهل البيت الطاهرين والأئمة الزاكين وصلاتهم وزكاتهم حجهم وجهادهم ، وكيف يكون من اشرك بالله تعالى وكفر برسوله r أرجح من هؤلاء ؟ ! وما أشبه قولهم بقول اليهود في عهد النبي r إن الكافرين أهدى من المؤمنين قال تعالى ] ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً [ .

ومن تعصباتهم أن أهل السنة عندهم أنجس من اليهود والنصارى ، حتى لو اصاب البدن شئ منهم غسلوه ، مع أن المتلطخ بالغائط والعذرة عندهم ليس بنجس ( 1 ) .

ومن تعصباتهم أنهم يرون أن الإبتداء بلعن أبي بكر وعمر بدل التسمية في كل أمر ذي بال أحب وأولى ، ويقولون : كل طعام لعن عليه الشيخان سبعين مرة كان فيه زيادة البركة . ولا يخفى على من له بصيرة أن هؤلاء لا إيمان لهم ولا دين ، بل هم من زمرة الشياطين ، وكذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار .

ومن خصائصهم القول بالتقية بالمعنى الذى لا يريده أهل السنة من قوله تعالى ] لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة [ وتحقيق ذلك على وجه البسط أن التقية محافظة النفس أو العرض أو المال من شر الأعداء . والعدو قسمان : الأول من كانت مبنية على أغراض دنيوية كالمال والمتاع والملك والإمارة ، ومن هنا صارت ( التقية ) قسمين : أما القسم الأول في العداوة المبنية على إختلاف الدين فالحكم الشرعي فيه أن كل مؤمن وقع في محل لا يمكن له أن يظهر دينه لتعرض المخالفين وجب عليه الهجرة إلى محل يقدر فيه على إظهار دينه ، ولا يجوز له أصلاً أن يبقى هناك ويخفى دينه ويتشبث بعذر الاستضعاف ، فإن أرض الله واسعة . نعم إن كان ممن له عذر شرعي في ترك الهجرة كالصبيان والنساء والعميان والمحبوسين والذين يخوفهم المخالفون بالقتل أو قتل الأولاد أو الآباء أو الأمهات تخويفاً يظن معه غيقاع ما خوفوا غالباً ، سواء كان هذا القتل بضرب العنق أو بحبس القوت أو بنحو ذلك ، فإنه يجوز له المكث مع المخالف والموافقة بقدر الضرورة ، ويجب على أن يسعى في الحيلة للخروج والفرار بدينه . وإن كان التخويف بفوات المنفعة أو بلحوق المشقة التى يمكنه تحملها كالحبس مع القوت والضرب غير المهلك فإنه لا يجوز له موافقتهم ، وفي صورة الجواز أيضاً فإن موافقتهم رخصة ، وإظهار مذهبه عزيمة ، فلو تلفت
-----------------------------

( 1 ) أنظر المسائل الفقهية في ص 211 وما بعدها خصوصاً ص 215 .

بذلك فإنه شهيد قطعاً . ومما يدل على أنها رخصة ما روى عن الحسن أن مسيلمة الكذاب أخذ رجلين من اصحاب رسول الله r فقال لأحدهما : أتشهد أن محمداً رسول الله ؟ قال : نعم ، فقال : أتشهد أني رسول الله ؟ قال : نعم . ثم دعا الآخر فقال له أتشهد أن محمداً رسول الله ؟ قال : نعم . قال : أتشهد أنى رسول الله ؟ قال : إنى أصم ، قالها ثلاثاً وفي كل يجيبه باني أصم ، فضرب عنقه . فبلغ ذلك رسول الله r فقال : أما هذا المقتول فقد مضى على صدقه ويقينه ، وأخذ بفضله ، فهنيئاً له ، وأما الأخر فقد رحمه الله تعالى فلا تبعة عليه . وأما القسم الثاني في العداوة المبينة على الأغراض الدنيوية فقد أختلف العلماء في وجوب الهجرة وعدمه ، فقال بعضهم : تجب لقوله تعالى ] ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة [ وبدليل النهي عن إضاعة المال . وقال قوم : لا تجب إذ الهجرة عن ذلك المقام مصلحة من المصالح الدنيوية . ولا يعود من تركها نقصان في الدين لاتحاد الملة ، وعدوه القوى المؤمن لا يتعرض له بالسوء من حيث هو مؤمن . وقال بعضهم : الحق أن الهجرة هنا قد تجب أيضاً إذا خاف هلاك نفسه أو اقاربه أو هتك حرمته بالإفراط ، ولكن ليست عبادة وقربة حتى يترتب عليها الثواب ، فإن وجوبها محض مصلحة دنيوية لذلك المهاجر لا لإصلاح الدين فيترتب عليها الثواب ، وليس كل واجب يثاب عليه ان التحقيق أن كل واجب لا يكون عبادة، بل كثير من الواجبات لا يترتب عليه ثواب كالأكل عند شدة الجوع والاحتراز عن المضرات المعلومة أو المظنونة في المرض ، فهذه الهجرة في مصالح الدنيا ليست كالهجرة إلى الله تعالى ورسوله r فتكون مستوجبة لفضل الله تعالى وثواب الآخرة . وعد قوم من باب التقية مداره الكفار والفسقة والظلمة والإ نة الكلام والتبسم في وجوههم والانبساط معهم وإعطائهم لكف أذاهم وقطع لسانهم وصيانة العرض منهم ، ولا يعد ذل من باب الموالاة المنهي عنها ، بل هي سنة وأمر مشروع ، فقد روى الديلمي عن النبي r أنه قال (( إن الله أمرني بمداراة الناس ، كما امرني بإقامة الفرائض )) وفي رواية (( بعثت بالمداراة )) وفي الجامع (( سيأتيكم ركب مبغضون ، فإذا جاءوكم فرحبوا بهم )) وروى ابن أبي الدنيا (( راس العقل بعد الإيمان بالله تعالى مداراة الناس )) وفي رواية البيهقي (( رأس العقل المداراة )) وأخرج الطبراني (( مداراة الناس صدقة )) وفي رواية له (( ما وقي به المؤمن عرضه فهو صدقة )) وأخرج ابن عدي وابن عساكر (( من عاش مدارياً مات شهيداً ، قوا باموالكم أعراضكم ، وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه )) وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : أستأذن رجل على رسول الله r وأنا عنده ، فقال رسول الله r (( بئس ابن العشيرة – او أخو العشيرة )) ثم اذن له فألان له القول ، فلما خرج قلت : يا رسول الله قلت ما قلت ثم النت له القول ، فقال : (( يا عائشة إن من شر الناس من يتركه الناس – أو يدعه الناس – إتقاء فحشه )) وفي البخاري عن ابي الدراداء (( إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم )) وفي رواية الكشميهني (( وإن قلوبنا لتقليهم ))  وفي رواية أبن ابي الدنيا وإبراهيم الحرمي بزيادة (( ونضحك إليهم )) إلى غير ذلك من الأحاديث . ولكن لا ينبغي المداراة إلى حيث يخدش الدين ويرتكب المنكر ويسئ الظنون . هذا كله على مذهب أهل السنة ، وبقى قولان لفئتين متباينتين من الناس وهم الخوارج والشيعة : أما الخوارج فذهبوا إلى أنه لا تجوز التقية بحال ، ولا يراعى المال وحفظ النفس والعرض في مقابلة الدين اصلاً . ولهم تشديدات في هذا الباب عجيبة ، منها ان احداً لو كان يصلى وداء سارق أو غاصب ليسرق أو يغصب ماله الخطير لا يقطع الصلاة بل يحرم عليه قطعها ، وطعنوا على بريدة الأسلمي صاحب رسول الله r أنه كان يحافظ على فرسه في صلاته كيلا يهرب ، ولا يخفى أن هذا المذهب من التقريط بمكان . وأما الشيعة فكلامهم مضطرب في هذا المقام ، فقال بعضهم إنها جائزة في الأقوال كلها عند الضرورة ، وربما وجبت فيها لضرب من اللطف والاستصلاح ، ولا تجوز في الأفعال كقتل المؤمن ولا يكون فيما يعلم او يغلب على الظن أنه فساد في الدين . وقال المفيد : إنها قد تجب أحياناً ، وقد يكون فعلها في وقت افضل من تركها ، وقد يكون تركها افضل من فعلها . وقال أبو جعفر الطوسي : إن ظاهر الروايات يدل على انها واجبة عند الخوف على النفس . وقال غيره : إنها واجبة عند الخوف على المال أيضاً ، ومستحبة لصيانة العرض حتى يسن لمن أجتمع مع أهل السنة أن يوافقهم في صلاتهم وصيامهم وسائر ما يدينون به ، ورووا عن بعض ائمة أهل البيت (( من r وراء سني تقية فكأنما صلى وراء نبي )) ، وفي وجوب قضاء تلك الصلاة عندهم خلاف . وكذا في وجوب قضاء الصوم على من افطر تقية حيث لا يحل الإفطار قولان أيضاً ، وفي أفضلية التقية من سني واحد صيانة لمذهب الشيعة عن الطعن خلاف ايضاً ، وافتى كثير منهم بالأفضلية ، ومنهم من ذهب إلى جواز – بل وجوب – إظهار الكفر لأدنى مخافة أو طمع ، ولا يخفى انه من الإفراط بمكان  وحملوا اكثر أفعال الأئمة – مما يوافق مذهب اهل السنة ويقوم به الدليل على رد مذهب الشيعة – على التقية ، وجعلوا هذا أصلاً عنهم واستوى عليه دينهم وهو الشائع الآن فيما بينهم ( 1 ) حتى نسبوا ذلك للأنبياء عليهم السلام ، وجل غرضهم من ذلك إبطال خلافة الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم ، ويأبى الله تعالى ذلك ، ففى كتبهم ما يبطل كون امير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه ونبيه t ذوى تقية ، بل
----------------------------

( 1 ) ومن الأسماء الشائعة عندهم اسم ( تقى ) وهو مشتق من (( التقية )) لا من (( التقوى )) ، فكأن الأبوين توسما في مولودهما انه سيكون بارعاً في لإظهار غير ما يضمر فاختار له هذا الاسم .

ويبطل أيضاً فضلها الذى زعموه . ففي كتاب ( نهج البلاغة ) الذى هو في زعمهم أصح الكتب
بعد كتاب الله أن الأمير كرم الله تعالى وجهه قال (( علامة الإيمان إيثارك الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك )) وأين هذا من تفسيرهم قوله تعالى
] إن أكرمكم عند الله أتقاكم [ باكثركم تقية ! ؟ وفيه أيضاً أنه كرم الله تعالى وجهه قال (( غنى والله لو لقيتهم واحداً وهم طلاع الأرض كلها ما بليت ولا استوحشت ، وغنى من ضلالتهم التى هم فيها والهدي الذى أنا عليه لعلى بصيرة من نفسي ويقين من ربي ، وإلى لقاء الله وحسن ثوابه لمنتظر راج )) وفي هذا دلالة على ان الأمير لم يخف وهو منفرد من حرب الأعداء وهم جموع ومثله لا يتصور أن يتأتى منه ما فيه هدم الدين . وروى العياشى ( 1 ) عن زرارة ابن أعين ( 2 ) عن ابي بكر بن حزم انه قال توضا رجل ومسح على خفيه فدخل المسجد فجاء علي كرم الله تعالى وجهه فوجأه على رقبته فقال : ويلك تصلى وانت على غير وضوء ؟ فقال : امرني عمر ، فأخذ بيده فانتهى إليه ثم قال : أنظر ما يقول هذا عنك – ورفع صوته على عمر – فقال عمر : أنا امرته بذلك . فأنظر كيف رفع الصوت ولم يتاقه ( 3 ) وروى الراوندي ( 4 ) شارح نهج البلاغة ومعتقد الشيعة في كتاب خرائج الجرائح عن سلمان الفارسي أن علياً بلغه عن عمر أنه ذكر شيعته فاستقبله في بعض طرق بساتين المدينة وفي يد على قوس فقال يا عمر بلغني عنك ذكرك لشيعتى ، فقال : أربع على صلعتك . فقال علي : إنك ههنا ؟ ثم رمى بالقوس على الأرض فإذا هي ثعبان كالبعير فاغراً فاه وقد اقبل نحو عمر ليبتلعه ! فقال عمر : الله الله يا أبا الحسن ، لا عدت بعدها في شئ ، فجعل يتضرع ، ضرب بيده على الثعبان فعادت القوس كما كانت ، فمضى عمر إلى بيته . قال سلمان : فلما كان الليل دعاني علي فقال : سر إلى عمر ، فإنه حمل إليه مال من ناحية المشرق ، وقد عزم أن يخبئه فقل له : يقول لك علي : أخرج ما حمل إليك من المشرق ففرقه على من هو لهم ولا تخبئه فافضحك . قال سليمان : فمضيت إليه وأديت الرسالة ، فقال : أخبرني عن امر صاحبك من اين علم به ؟ فقلت : وهل يخفى عليه مثل هذا ؟ فقال : يا سليمان أقبل عني ما أقول لك ما علي إلا ساحر ، والصواب أن تفارقه وتصير من جملتنا . قلت : ليس كما قلت ، لكنه ورث من اسرار النبوة ما قد رايت منه ، وعنده أكثر من هذا . قال : أرجع إليه فقل : السمع والطاعة لأمرك .
-------------------------

( 1 ) هو محمد بن مسعود أحد أعلام الشيعة ، معاصر للكليني ، ومن تلاميذه محمد ابن عمر بن عبد العزيز الكشى سلف رجالهم في الحرج والتعديل .

( 2 ) من قدماء صناديد الشيعة ، وتنسب إليه فرقة منهم في القرن الثاني تسنى الزرارية تقدم ذكرها ص 16 ، وقد اشرنا في تعليقات ص 63 إلى أنه حفيد قسيس نصراني اسمه سنسن في بلاد الروم .

( 3 ) اى لم يستعمل التقية مع عمر . والخبر وغن كان رواته كذابين إلا انه يتضمن اعترافهم بان علياً لم يكن في ذلك العصر – المبارك بخليفته واهله – يحتاج إلى التقية في شئ .

( 4 ) هوقطبهم واسمه سعيد بن هبة الله الراوندي . وفاته سنة 573 .

فرجعت إلى علي ، فقال : أحدثك عما جرى بينكما ؟ فقلت : أنت أعلم مني . فتكلم بما جرى بيننا ثم قال : إن رعب الثعبان في قلبه إلى ان يموت . وفي هذه الرواية ضرب عنق التقية ايضاً ، إذ صاحب هذه القوس تغنيه قوسه عنها ولا تحوجه أن يزوج ابنته أم كلثوم من عمر خوفاُ منه وتقية ( 1 ) . وروى الكليني عن معاذ بن كثير ( 2 ) عن أبي عبد الله أنه قال : إن الله عز وجل انزل على نبيه r كتاباً ، فقال جبريل : يا محمد هذه وصيتك إلى النجباء فقال : ومن النجباء يا جبريل ؟ فقال : علي بن ابي طالب وولده . وكان على الكتاب خواتم من ذهب ، فدفعه رسول الله r إلى علي وأمره أن يفك خاتماً منه فيعمل بما فيه ، ثم دفعه إلى الحسن ففك منه خاتماً فعمل بما فيه ، ثم دفعه إلى الحسين ففك خاتماً فوجد فيه ان أخرج قومك إلى الشهادة فلا شهادة لهم إلا معك ( 3 ) واشتر نفسك من الله تعالى ، ففعل . ثم دفعه إلى علي بن الحسين ففك خاتماً فوجد فيه أن اطرق واصمت والزم منزلك واعبد ربك حتى ياتيك اليقين ، ففعل . ثم دفعه إلى أبنه محمد بن علي ففك خاتماً فوجد فيه : حدث الناس وافتهم وانشر علوم أهل بيتك وصدق ىباءك الصالحين ولا تخافن أحداً إلا الله تعالى فإنه لا سبيل لأحد عليك . ثم دفعه إلى جعفر الصادق ففك خاتماً فوجد فيه : حدث الناس وأفتهم ولا تخافن إلا الله تعالى وانشر علوم أهل بيتك وصدق آباءك الصالحين فإنك في حرز وامان ، ففعل . ثم دفعه إلى موسى وهكذا إلى المهدي . رواه من طريق آخر عن معاذ ايضاً عن أبي عبدالله وفي الخاتم الخامس : وقل الحق في الأمن والخوف ، ولا تخش إلا الله تعالى . وهذه الرواية ايضاً صريحة بأن أولئك ليس دينهم كما تزعمه الشيعة . وروى سليم بن قيس الهلالي الشيعي من خبر طويل أن أمير المؤمنين قال : لما قبض رسول الله r ومال الناس إلى أبي بكر فبايعوه حملت فاطمة وأخذت بيد الحسن والحسين ولم ندع أحداً من أهل بدر وأهل السابقة من المهاجرين والأنصار إلا ناشدتهم الله تعالى حقى ، ودعوتهم إلى نصرتي ، فلم يستجب لي من جميع الناس إلا أربعة : الزبير وسلمان وأبو ذر والمقداد . وهذه تدل على أن التقية لم تكن واجبة على الإمام ، لأن هذا الفعل عند من بايع أبا بكر t فيه ما فيه . وفي كتاب أبان بن عياش أن أبا بكر بعث قنفداً ( 4 ) إلى على حين بايعه الناس ولم يبايعه علي وقال : أنطلق إلى علي وقل له أجب خليفة رسول الله r . فأنطلق فبلغه ، فقال له : ما أسرع ما

------------------------------

( 1 ) بل زاد على ذلك فسمى احد أبنائه باسم عمر حباً بصاحب هذا الاسم واحتفاظاً بذكرى أخوتهما في الله عز وجل ، وأين عمر وعلي من هؤلاء الكذابين المفسدين ؟ ! .

( 2 ) تاجر شيعي معروف ببائع الكرابيس وبائع الأكسية .

( 3 ) ترى هل معنى ذلك أن الذين أستشهدوا من آل البيت بعد الحسين ليسوا شهداء ؟ هذا عجيب ! .

( 4 ) هو قنفد بن عمير بن جدعان التيمي .

كذبتم على رسول الله r وارتددتم والله ما أستخلف رسول الله r غيري ( 1 ) . وفيه أنه لما لم يجب علي غضب عمر النار بباب علي وأحرقه ودخل فاستقبلته فاطمة وصاحت : يا أبتاه ، يا رسول الله . فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها المبارك ورفع السوط فضرب به درعها فصاحت : يا أبتاه . فأخذ علي بتلابيب عمر وهزه ووجأ أنفه ورقبته . وفيه ايضاً أن عمر قال لعلي : بايع أبا بكر ، قال : إن لم أفعل ذلك ؟ قال : إذا لأضربن عنقك . قال : كذبت والله يا ابن صهاك ( 2 ) لا تقدر على ذلك ، أنت ألأم وأضعف من ذلك . فهذه الروايات تدل صريحاً أن التقية بمراحل من ذلك الإمام ، إذ لا معنى لهذه المناقشة والمسابة مع وجوب التقية . وروى محمد بن سنان أن أمير المؤمنين قال لعمر : يا مغرور ، إنى أراك في الدنيا قتيلاً بجراحه من عبد أم معمر ، تحكم عليه جوراً فيقتلك ، ويدخل بذلك الجنان على رغم منك ( 3 ) ورورى أيضاً أنه قال مرة لعمر : إن لك ولصاحبك الذى قمت مقامه هتكاً وصلباً ، وتخرجان من جوار رسول الله r فتصلبان على شجرة يابسة فتورق فيفتتن بذلك من ولا كما ( 4 ) ، ثم يؤتى بالنار التى أضرمت لإبراهيم ويأتى جرجيس ودانيال وكل نبي وصديق فتصلبان فيها فتحرقان وتصيران رماداً ، ثم تأتى ريح فتنسفكما في أليم نسفاً . فأنظر بالله عليك من يروى هذه الأكاذيب عن الإمام كرم الله تعالى وجهه ، هل ينبغي له أن يقول بنسبة التقية إليه ؟ سبحان الله ! إن هذا لهو العجب العجاب ، الداء العضال .

           ومما يرد قولهم أن زكريا ويحيى والحسين ليس لهم عند الله كرامة وفضل ، لأنهم لم يفعلوا التقية ، ويلزم أن يكون جميع المنافقين في عهده r في أعلى المراتب من الكرامة . سبحانك هذا بهتان عظيم . ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل ، قاتلهم الله
---------------------------

( 1 ) إن الشيعة الذين يروون هذه الأكذوبة يكذبون بها أنفسهم مرتين : الأولى في رواياتهم السخيفة عن علي في زمن الخلفاء الثلاثة بما يخالف عقائدهم أنه صدر عنه تقية ، والذى يقول لأصحاب رسول الله r كذبتم على رسول الله r وارتددتم ولا يخشى أى سوء منهم عليه لا حاجة به إلى التقية . والثانية أنهم نسوا كيف يجمعون بين هذا الموقف لعلى من ابي بكر والصحابة وبين بيعته له ولعمر وعثمان . إن الذين ذبوا على سليم بن قيس الهلالي ورووا عنه هذه الخرافة رووا عنه خرافة أخرى وهي ان أبا بكر سلامة الله عليه لما حضرته الوفاة جاءه ابنه محمد ووعظه بما يلائم سخافات ، والحكماء يقولون (( إذا كنت كذوباً فكن ذكوراً )) وهؤلاء الكذابون لما كذبوا هذه الكذبة على محمد بن أبي بكر الصديق نسوا أنه مولود في حجة الوداع وأنه كان عند وفاة أبيه طفلاً سنه دون الثلاث ! ولكن التشيع تعصب ، والتعصب يحمل على الكذب ، والكذب يهدي إلى النار .

( 2 ) في مستدرك تاج العروس : قال الصاغاني (( صهاك – كغراب – من أعلام النساء )) .

( 3 ) ولكن قاتل عمر مجوسي ، فهل كان عمر أعرق في الكفر من المجوسي حتى يكافأ هذا المجوسي بالجنة على إعدامه الحياة ؟ ! الآن علم الناس أن رواة هذا الخبر كافرون بما آمن به عمر ، ويؤمنون بما آمن به ابو لؤلؤة . وأنظر ص 208 – 209 .

( 4 ) خرافة أن أبا بكر وعمر سيصلبان على شجرة في الدنيا قبل يوم القيامة تقدم نقلها في ص 201 عن كتاب ( المسائل الناصرية ) للسيد المرتضى ، وهذه الخرافة السخيفة متفرعة عن عقيدة أساسية من أصول الدين للشيعة وهم يسمونها ( الرجعة ) وان ذلك يكون عند خروج الصبي من السرداب فيقطع رءوس المسلمين وسائر المخالفين لدين الشيعة ، ثم يخرج غاصبو الإمامة من قبورهم أحياء فيقتص منهم ثم يموتون . وبعد ذلك تقوم القيامة فيبعثون مرة أخرى .

أنى يؤفكون .

وايضاً أن التقية لا تكون إلا لخوف ، والخوف قسمان : الأول الخوف على النفس وهو منتف في حضرات الأئمة بوجهين : أحدهما أن موتهم الطبيعي باختيارهم كما أثبت هذه المسألة الكليني في ( الكافي ) وعقد لها باباً ( 1 ) وأجمع عليها سائر الإمامية . وثانيهما أن الأئمة يكون لهم علم بما كان ويكون ( 2 ) فهم يعلمون آجالهم وكيفيات موتهم وأوقاته بالتفصيل والتخصيص ، فقبل وقته لا يخافون على أنفسهم ، ولا حاجة بهو إلى أن ينافقوا في دينهم ويغروا عوام المؤمنين ! القسم الثاني خوف المشقة والإيذاء البدني والسب والشتم وهتك الحرمة ، ولا شك أن تحمل هذه الأمور والصبر عليها وظيفة الصلحاء ، فقد كانوا يتحملون البلاء دائماً في أمتثال أوامر الله تعالى ، وربما قابلوا السلاطين الجبابرة ، واهل البيت النبوي أولى بتحمل الشدائد في نصرة دين جدهم r . وأيضاً لو كانت التقية واجبة فلم توقف إمام الأئمة كرم الله تعالى وجهه عن بيعة خليفة رسول الله r ستة اشهر ؟ وماذا منعه من أداء الواجب أول وهلة ؟ .

ومما يرد قولهم في نسبة التقية إلى الأنبياء عليهم السلام بالمعني الذى أرادوه قوله تعالى في حقهم ] الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله ، وكفى بالله حسيباً [ وقوله سبحانه لنبيه r ] يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ، وغن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس [ وقوله تعالى ] وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما أستكانوا ، والله يجب الصابرين [ إلى غير ذلك من الآيات . نعم لو أرادوا بالتقية المداراة التى أشرنا إليها لكان لنسبتها إلى الأنبياء والأئمة وجه ، وهذا أحد محملين لما أخرجه عند بن حميد عن الحسن أنه قال : التقية جائزة إلى يوم القيامة . والثاني حمل التقية على ظاهرها وكونها جائزة إنما هو على التفصيل الذى ذكرناه . وإنما ذكرت لك ما ذكرت ، وحررت في هذا المقام ما حررت ، من الدلائل القطعية والبراهين الجلية ، لينقطع عرق التقية التى هي اساس مذهب الشيعة وعماد كل قبيحة وشنيعة .

ومن تعصباتهم انهم يقولون إن الله تعالى أرسل جميع الأنبياء والرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام لولاية علي ، وكان علي من جميع الأنبياء سراً ، ومع نبينا r جهراً ، كما رواه ابن طاوس وغيره ، وانه لولا علي لم تخلق الأنبياء كما رواه ابن المعلم عن محمد ابن الحنفية ( 3 ) ، وأن درجة على فوق درجة الأنبياء والرسل يوم القيامة وأنهم يحشرون مع شيعته ، وانهم
---------------------------

( 1 ) وهو في ص 62 من ( الكافي ) طبعة سنة 1278 وعنوانه ( باب أن الأئمة يعلمون متى يموتون ، وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم ) .

( 2 ) في ص 63 من ( الكافي ) للكليني ( باب في أن الأئمة يعلمون علم ما كان ، وما يكون ، وانه لا يخفى عليهم شئ ) .

( 3 ) كان ابن الحنفية أتقى لله وأعقل من ان يصدر عنه مثل هذا للسخف الذى لا يصدر إلا عن رواة شيخهم المفيد وأضرابه .

متدينون بمحبته كما رواه ابن طاوس أيضاً ، ومن اعتقد لاف ذلك فهو كافر بزعمهم ( 1 ) . وأنت تعلم أن هذا مخالف لجميع الشرائع ، وبداهة العقل ، وآيات الكتاب . نسأل الله تعالى السلامة من مثل هذه العقائد الباطلة لدى أولى الألباب .

ومن تعصباتهم أنهم يقولون : إن الله تعالى قد امر الكرام الكاتبين يوم قتل عمر أن يرفعوا الأقلام ثلاثة ايام عن جميع الخلائق فلا يكتبون ذنباً على أحد كما رواه علي ابن مظاهر الواسطي عن احمد بن إسحاق القمي ( 2 ) عن العسكرى عن النبي r فيما حكاه عن ربه جل جلاله . ولا يخفى كذب هذه الرواية وبطلانها ، إذ يلزم أن من زنى بأمه أو سب الأمير أو عبد الأوثان في تلك الأيام ومات فيها دخل الجنة بلا حساب وفاز بالنعيم  من غير عقاب وقد قال تعالى ] ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره [ وكثير من روايات الأئمة توافق هذه الآية ، ولكن من اضله الله تعالى لا تنفعه الهداية .

ومن تعصباتهم أنهم يقولون : إنما أخذ النبي r أبا بكر معه حين هاجر من مكة لئلا يعلم كفار قريش بخروجه وطريق ذهابه ( 3 ) . ويرده قوله تعالى ] إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا [ فقد حكى الله تعالى حزنه على الرسول وتسلية الرسول r له ( 4 ) وقال عبد الله المشهدي أحد روساء الشيعة ( 5 ) : الحق أن هذا الاحتمال ، أى إخراج الرسول له لئلا يعلم كفار قريش بخروج النبي r بعيد جداً ولعل النبي ألف صحبته لسبقه في الإسلام وملازمته للرسول r . وقال المفسر النيسابورى : ثم إننا لا ننسى أن أضطجاع علي على فراشه r طاعة وفضيلة ، إلا أن صحبة ابي بكر أعظم ، لأن الحاضر أعلى من الغائب ، ولأن علياً ما تحمل المحنة إلا ليلة واحدة وأبو بكر مكث في الغار أياماً ، وغنما أختار علياً للنوم في فراشه لأنه كان صغيراً لم تظهر منه دعوة بالدليل والحجة وجهاد بالسيف والسنان ، بخلاف أبي بكر فإنه دعا في جماعة إلى الدين ، وقد ذب عن الرسول r بالنفس والمال ، وكان غضب الكفار على أبي بكر أشد من غضبهم على علي ، ولهذا لم يقصدوا علياً بضرب وألم لما عرفوا أنه مضطجع . أنتهى .

-----------------------

( 1 ) إذا كان عمر بزعمهم كافراً وقاتله امجوسي يدخل الجنة جزاء قتله ، فمن من المسلمين غير كافر بما كفر به عمر ؟ .

( 2 ) هو الأحوص شيخ الشيعة القميين ووافدهم الذى تقدم ذكره في ص 209 وانه مبتدع ( عيد بابا شجاع الدين ) وهي كنية ابي لؤلؤة قاتل أمير المؤمنين عمر .

( 3 ) ولكن أسماء دات النطاقين بنت أبي بكر وأخاها وأهل بيتهم يعلمون ذلك وكانوا على صلة بأبي بكر ومجاورين لكفار قريش . فهل الشيعة ضعاف العقول إلى هذا الحد ، أم التشيع من طبيعته أن يسلب عقول أهله ؟ الحمد لله الذى عافانا من هذا البلاء والخزي .

( 4 ) ومن كرامة أبي بكر على النبي r أنه لما نزلت سورة التوبة وفيها هذه الآية كان أبو بكر نائباً عن النبي r في إمارة الحج ، فأسرع r بإرسال علي كرم الله تعالى وجهه إلى مكة وعرفات ومنى ليتلو على حجاج بيت الله الحرام في جميع المشاعر هذه السورة وآية ] ثاني أثنين إذ هما في الغار [ .

( 5 ) الذى تقدم النقل عنه في ص 126 و 130 و 144 .

        ومن هذيانتهم أنهم يقولون : المراد من دابة الأرض في القرآن أمير المؤمنين ، وقد فسر الكليني قوله تعالى ] وإذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون [ ، ويزعم أنه روى ذلك عن أبي جعفر عن امير المؤمنين أنه قال (( أنا الدابة التى تكلم الناس )) مع ان الدابة حسبما تدل عليه الآية ستخرج قبل قيام الساعة ، ورجعة الأمير التى يزعمونها في عهد الإمام المهدي ، وبينه وبين قيام الساعة أمد بعيد وزمان مديد ، وبالله تعالى العجب ، وما أجرأ هؤلاء الكفرة على سوء الأدب ! .

ولنذكر لك ههنا فائدة تتعلق بحالهم وتزيد بصيرة في ضلالهم .

إن مذهب الشيعة له مشابهة تامة ومناسبة عامة مع فرق الكفرة والفسقة الفجرة أعنى اليهود والنصارى والصابئين والمشركين والمجوس .

أما متشابهتهم لليهود فلأن اليهود قالت : لا تصلح الإمامة إلا لرجل من آل داود عليه السلام ، وقالت الرافضة : لا تصلح الإمامة إلا لردل من ولد علي بن أبي طالب t . وقالت اليهود : لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح الدجال وينزل بسبب من السماء ، وقالت الرافضة : لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المهدي وينادي مناد من السماء . واليهود تؤخر صلاة المغرب حتى تشتبك النجوم ، وكذلك الرافضة يؤخرونها . واليهود تنود في الصلاة ( 1 ) ، وكذلك الرافضة ( 2 ) . واليهود لا ترى على النساء عدة ، وكذلك الرافضة . واليهود حرفوا التوراة ، وكذلك الرافضة حرفوا القرآن ( 3 ) . واليهود يبغضون جبريل u ويقولون هو عدونا من الملائكة ، وكذلك صنف م الروافضة يقولون : غلط جبريل u بالوحي إلى محمد r ، وإنما بعث علي كرم الله تعالى وجهه . واليهود كانوا يبغضون الصحابة ، وكذلك الرافضة ( 4 ) إلى
------------------------------

( 1 ) أى تتحرك كما يتحرك الغصن . قال في لسان العرب : ونودان اليهود في مدراسهم ماخوذ من هذا .

( 2 ) قال في لسان العرب : وفي الحديث (( لا تكونوا مثل اليهود إذا نشروا التوراة نادوا . يقال ناد ينود ، إذا حرك راسه وأكتافه .

( 3 ) وزعموا في ذلك المزاعم التى جمعها عدو الله حسين بن محمد تقى النورى الطبرسي في كتابه ( فصل الخطاب ) الذى ألفه في المشهد المنسوب إلى أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه في النجف ، وهو مطبوع في إيران سنة 1298 وعندي نسخة منه ، ومن الشيعة من دفعه التقية إلى التظاهر بالبراءة من مؤلف هذا الكتاب ، ولكن ماذا يصنعون بما تضمنه كتابه من مئات النصوص المنقولة عن علمائهم ومجتهديهم في تحريف القرآن والزيادة فيه والنقص منه . وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في ص 30 – 32 وص 50 و 52 و 53 و 82 و 83 . هذا موقفهم من نظم القرآن ودعوى تحريفه بالكلم والزيادة والنقصان ، ومن اقرب الأمثلة عليه زعمهم أن المؤءودة محرفة عن (( المودة )) المذكورة في آية ] إلا المودة في القربى [ أما تحريفهم لمقاصده ومعانيه فمذهبهم كله مبني على هذا التحريف . ولو رجعوا عن ذلك إلى فهم القرآن كما كان يفهمه علي كرم الله تعالى وجهه لزال التشيع وأضمحل .

( 4 ) نقل المامقاني في ترجمة عبدالله بن سبأ من كتابه تنقسيح المقال في أحوال الرجال ( 2 : 184 ) وهو ابسط كتبهم وأهمها في الحرج والتعديل أن الكشى قال ما نصه (( وذكر أهل العلم أن عبدالله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالي علياً ، وكان يقول – وهو على يهوديته – في يوسع بن نون ( وصي موسى ) ، فقال في إسلامه – بعد وفاة رسول الله r - في علي مثل ذلك ( أى أن دعوى كون على وصى محمد r يهودي حدث بعد وفاة النبي r ) وكان ( أى عبد الله بن سبأ ) أول من شهر القول بإمامة علي وأظهر علي واظهر البراءة من اعدائه وكاشف مخالفيه وكفرهم ، فمن هنا قال من خالف الشيعة : إن أصل التشيع والروافض مأخوذ من اليهود )) انتهى بنصه عن إمامهم الكشى .

غير ذلك .

واما مشابهتهم للنصارى فلأن النصارى أحدثوا كثيراً من الأعياد ، وكذا الرافضة كثوم مقتل عمر وعثمان وما أشبه ذلك ( 1 ) . والنصارى يصورون صورة عيسى ومريم ويضعون ذلك في كنائسهم ويعظمونها ويسجدون لها ، فكذلك الرافضة فإنهم يصورون صور الأئمة ويعظمونها بل يسجدون لها ولقبورهم وما جرى مجرى ذلك .

وأما متشابهتهم للصابئين فلن الصابئين كانوا يحترزون عن ايام يكون القمر بها في العقرب أو الطرف أو المحاق ، وكذلك الرافضة . وكانت الصابئة يعتقدون ان جميع الكواكب فاعلة مختارة ، وانها هي المدبرة للعالم السفلي ، وكذلك الرافضة .

وأما متشابهتهم للمشركين فلأنهم يعظمون قبور الأئمة ويطوفون حولها ، بل ويصلون إليها مستدبرين القبلة ، إلى غير ذلك من الأمور التى يستقل تديها فعل المشركين مع أصنامهم وإن حصل لك ريب من ذلك فاذهب يوم السبت إلى مرقدي موسى الكاظم ومحمد الجواد t فأنظر ماذا ترى ، ومع ذلك فهذا معشار ما يصنعون عند قبر الأمير كرم الله تعالى وجهه ومرقد الإمام الحسين t ، ومما لا يشك ذو عقل في إشراكهم والعياذ بالله تعالى .

واما متشابهتهم للمجوس فلأن المجوس يزعمون ان خالق الخير يزدان وخالق الشر أهرمن وكذلك الروافض يزعمون الله تعالى خالق الخير فقط ، والإنسان والشيطان خلقان الشر . ولهذا قال الأئمة في حقهم (( إنهم مجوس هذه الأمة )) كما مر في الإلهيات ( 2 ) . وكذلك تعظيمهم للنيروز وغير ذلك ، اعاذنا الله تعالى من سلوك هاتيك المسالك .

زومن أستكشف عن عقائدهم الخبيثة ، وما أنطووا عليه ، علم أن ليس لهم في الإسلام نصيب ( 3 ) وتحقق كفرهم لديه ورأى منهم كل أمر عجيب ، واطلع على كل امر غريب ، وتيقن أنهم قد انكروا الحسى ، وخالفوا البديهى الأولى . ولا يخطر بالهم عتاب ولا يمر على أذهانهم عذاب أو عقاب . فإن جاءهم الباطل احبوه ورضوه ، وغذا جاءهم الحق كذبوه وردوه : ] مثلهم كمثل الذى استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ، صم بكم عمي فهم لا يرجعون [ ولقد غشى على قلوبهم الران فلا يعون ولا يسمعون ، فإنا لله
--------------------------

( 1 ) أنظر ص 208 – 210 .

( 2 ) والكلمة قول أبي عبدالله جعفر الصادق رواها عنه محمد بن بابويه القمي في كتاب التوحيد كما تقدم في ص 95 . وهذا البحث مبسوط في باب الإلهيات من هذا الكتاب ص 90 – 95 .

( 3 ) ولما كان ابن حزم يناظر قسس إسبانيا في صحة الإنجيل وأسفار التوراة ويفتخر بأن القرآن لا يتطرق أى شك إلى صحته ، وتواتر كل حرف من حروفه ، أحتجوا عليه بان الشيعة تعلن تحريف القرآن وان فيه زيادة ونقصاً ، فقال لهم ابن حزم (( إن الروافض ليسوا من المسلمين )) . وأنظر كتابه الفصل ( 2 : 78 ) و ( 4 : 181 و 182 ) .

وإنا إليه راجعون . ولقد تعنتوا بالفسق والعصيان في فروع الدين وأصوله ، فصدق ظن إبليس فاتبعوه من دون الله ورسوله . فياويلهم من تضييعهم الإسلام ويا خسارتهم مما وقعوا فيه من حيرة الشبه والأوهام . فلو التفت إلى ماهم عليه في هذا الزمان ، لوجدتهم في صريح من الضلال والخسران . لأنهم إلى الحق لا يلتفتون ، ولا بمثل ذلك يعبأون ، بل هم بالدين يستهزئون . ولو أنك ذكرت لهم شيئاً من مثالبهم ، وصرحت بشئ من عيوبهم ، أخذتهم العزة بالإثم ، وصار ذلك عندهم من أنكر المناكر ، حيث إنهم قد فرحوا بما عندهم من الجهل ، وما أنطووا عليه من خبث السرائر ، حتى كانهم للدنيا خلقوا فهم لها في جميع أحوالهم يعملون ، وعلى دقائق شئونها بأفكارهم يغوصون ، وبالمتاعب وتحمل المشاق فيها إلى الموت يترددون ، لبئس ما كانوا يصنعون . فالاشتغال بعلومهم ، ورد ما أدعوه في كتبهم من اصولهم وفروعهم ، أولى من خالف أهل الحق بإعداد العدد ، أحق من هؤلاء بما نستمده من كل برهان وسند . كيف لا وهم قد وافقونا في لباسنا ، وزاحمونا في أملاكنا ، ونفثوا بسحرهم في اسلاكنا ، بحيث ما ألقوه من الدسائس في عباراتهم ، ويذهب على كثير من الناس ما يصدر عنهم من لحن القول في محاوراتهم ، حتى ان كثيراً منهم يبرأ من بدعته ، ويلتزم ما ألتزمه أهل السنة في طريقته ، بحيث تخفى حاله على كل أحد ، ولا يتبين أمره إلا لمن عرف ونفذ ، فيتوصل بذلك إلى شبه ودسائس يلقيها في كلامه لجل إضلال مخاطبة من حيث لا يشعر بمقصوده ولا يدرى بمرامه ، فمنهم من الف كتاباً في مناقب الإمام الشافعي وأودع فيه من الدسائس الرافضية ما يخفى إلا على المتبحر . ومنهم من الف في مذاهب المجتهدين وذكر فيا ما يخالف مذهبهم قصداً إلى ترويج مذهبه وإبطال مذهب ائمة الدين . فهم أعداء أنبياء الله تعالى ورسله ، والمحرفون لكلام الشريعة عن موضعه ومحله . ولعمر الله إن هؤلاء الطغام الحيارى اضر على عوام المسلمين من اليهود والنصارى . فالحذر الحذر منهم ، والفرار الفرار منهم . والزم أيها الأخ الطالب للنجاة من الارتباك في ورطة الشبه والتمويه وعليك بالسلوك في طريق الهدى ولا يضرك قلة السالكين ، وإياك وطرق الضلال وشبه المبتدعين ولا تغتر بتوافر الملحدين ، وكثرة الهالكين . وكن حريصاً على التفتيش عما كان عليه الصحابة من الأحوال متبعاً ما كانوا يتحرونه من الأعمال ، فهم السواد الأعظم ، الواقفون من الهداية المحمدية على ما لم نعلم . ومنهم يعرف الحسن من القبيح ، والمرجوح من الرجيح . فمن اتبع غير سبيل المؤمنين ، فهو الحقيق بوعيد رب العالمين .. قال تعالى تعليماً لعباده وتذكيراً ] ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً [ . ومن نظر بعين بصيرته ، وامعن الفكر في طريق الاتباع وحقيقته ، فحاد وابتدع وللهوى والأطماع اتبع ، كان كحاطب ليل أو متحير يدعو على نفسه بالثبور والويل ، وقال تعالى في بيان طريق الهدى وتفضيله ] وإن هذا صراطى مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله 0 فحث سبحانه على أتباع سبيله الذى هو الكتاب والسنة ، ونهى جل شانه عن اتباع السبل مبيناً بأن ذلك سبب للتفرق والمحنة . ولذلك ترى أهل السنة قد لزموا سبيلاً واحداً ، ولم تر منهم زائغاً عما به وحائداً . وأما أهل البدع والأهواء وذوو الضلال والأفتراء فقد أفترقوا في سبلهم على حسب معتقداتهم الفاسدة ، وتشتتوا على مقتضى آرائهم الكاسدة ، فهم على ما زعموه مصرون ، وكل حزب بما لديهم فرحون . فإذا الواجب علينا معاشر أهل السنة أتباعه r في جميع اقواله ، والتأس به في سائر أفعاله وأحواله ، والإقتداء بما كان عليه أصحابه فإنهم المبلغون عنه r وأحبابه ، لأن من أقتدى بأولئك الأعلام ، فقد أقتدى به r . وما أخبث رجلاً ترك سبيل السنة الشارحة للكتاب ، واستبدل بالنعيم المقيم العذاب ] فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة في الدنيا أو يصيبهم عذاب أليم [ . روى البخاري في صحيحه ( 1 ) عن حذيفة بن اليمان t أنه قال : (( كان الناس يسألون رسول الله r عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ، فقلت يا رسول الله ، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال r : نعم . قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال نعم ، وفيه دخن . قلت : وما دخنه ؟ قال : قوم يهدون بغير هديي ، وتعرف منهم وتنكر قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم ، دعاة على أبواب جهنم ، من اجابهم إليها قذفوه فيها . قلت : يا رسول الله صفهم لنا . قال : هم من جلدتنا ويتكلمون بالسنتنا . قلت : فما تأمرني إن ادركني ذلك ؟ قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم . قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : فأعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض باصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك )) . فياله من حديث أشتمل على علوم اخبر بها الصادق الأمين ، وابان عن فوائد جليلة تفيد العلم اليقين : منها حرص الصحابة t على علم ما يستقيم به دينهم المتين ، ومنها أن أول خير يقع في أمته فيه كدورة تذهب بصفائه ، وفيه تغيير يغاير ما أمروا باقتفائه . ومنها أن يكون بعد ذلك دعاة من الأشرار ، من أجابهم قذفوه والعياذ بالله تعالى في النار ، فهم كذابون دجالون ، ضالون مضلون . روى أبو هريرة t عن النبي r أنه قال (( يكون في آخر الزمان دجالون كذابون ياتوكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم ، فإياكم وإياهم لا
 -----------------------

( 1 ) في كتاب الفتن : باب كيف الآمر إذا لم تكن جماعة .

يضلونكم )) أخرجه الإمام مسلم وغيره . ولقد صدق عليهم قوله تعالى ] افرأيت من أتخذ إلهه
هواه واضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون
[ ومنها أن النبي r أمر من أدرك الزمان أن يلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، وهم الذين أتبعوا سنته ولازموا طريقته ، فإن لم يكن لهم جماعة وكانوا غرباء فالواجب عليهم العزلة عن تلك الفرق كلها . ثم حرض r على هذا الاعتزال الذى فيه سلامة الدين بقوله على سبيل المبالغة (( ولو أن تعض باصل شجرة حتى يأتيك الموت )) وأنت على هذا العمل ، معرض عن كل ما يفسد عليك دينك الذى هو رأس مالك ، صابر على تلك المعاطب والمهالك . وروى أبو داود والترمذى وابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن العرباض ابن سارية t قال : وعظنا رسول الله r موعظة وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون . فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع ، فأوصنا . قال (( أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد ، ومن يغش منكم فسيرى أختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الإمور ، فإن كل بدعة ضلاله )) فقد أوصانا r بلزوم سنته وسنة الخلفاء الراشدين من هم على طريقته . إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة والأخبار الرجيحة التى تحث على أتباع الكتاب وسنة الرسول r ، فإنهما إلى سبيل العليم العلام .

           ] ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطانا ، ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به وأعف عنا وأغفر لنا وأرحمنا ، أنت مولانا فأنصرنا على القوم الكافرين [

           وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد النبي الأمي وآله وصحبه أجمعين ،،،

تم بحمد الله هذا المختصر

وقد سماه علامة العراق السيد محمود شكري الألوسي رحمه الله

المنحة الإلهية

تلخيص ترجمة التحفة الأثني عشرية

والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات

 

 

خاتمة

بقلم

محب الدين الخطيب

حملة رسالة الإسلام الأولون

وما كانوا عليه من المحبة والتعاون

على الحق والخير

وكيف شوه المغرضون جمال سيرتهم

روى الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه ( ك 62 ب 1 عن عمران ابن حصين رضي الله عنهما أن رسول الله r قال : (( خير القرون قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ( قال عمران بن حصين : فلا أدرى أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثاً ( 1 ) ) ثم إن بعدكم قوماً يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، وينذرون ولا يفون ، ويظهر فيهم السمن )) .

وروى البخاري مثله بعده عن عبدالله بن مسعود عن النبي r  . وحديث هذا عند الإمام أحمد أيضاً في مسنده ، وفي صحيح مسلم ، وفي سنن الترمذي . وروى مسلم مثله في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها .

فالهدى كل الهدى ، مما لم تر الإنسانية مثله – قبله ولا بعده – هو الذى تلقاه الصحابة عن معلم الناس الخير . وكان الصحابة به خير أمة محمد r بشهادته هو لهم وصدق رسول الله . أما الذين يدعون خلاف ذلك فهم الكاذبون .

إن الخير كل الخير فيما كان عليه اصحاب رسول الله ، وإن الدين كل الدين ما أتبعهم عليه صالحو التابعين ، ثم مشى على أثارهم فيه التابعون لهم بإحسان .

ومن أحط اكاذيب التاريخ زعم الزاعمين أن أصحاب رسول الله r كان يضمر العداوة
-------------------------

( 1 ) وتحديد ذلك إلى نهاية الدولة الأموية . وقد يلتحق به زمن الخلفاء الأولين من بني العباس . قال الحافظ ابن حجر في تفسير هذا الحديث من ( فتح البارى ) ج 7 ص 4 : (( اتفقوا أن آخر من كان من اتباع التابعين – من يقبل قوله – من عاش إلى حدود سنة 220 . وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهوراً فاشياً ، وأطلقت المعتزلة ألسنتها ، ورفعت الفلاسفة رءوسها ، وأمتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن . وتغيرت الأحوال تغيراً شديداً ، ولم يزل الأمر في نقص إلى الآن ( أى إلى زمن الحافظ ابن  حجر 773 – 852 ) وظهر قوله r (( ثم يفشو الكذب )) ظهوراً بينا حتى يشمل الأقوال والأفعال والمعتقدات .

بعضهم لبعض . بل هم كما قال الله سبحانه في سورة الفتح – 29 : ] أشداء على الكفار رحماء بينهم [ . وكما خاطبهم ربنا في سورة الحديد 10 : ] ولله ميراث السماوات والأرض * لا يستوى منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل ، أولئك أعظم درجة من الذين انفقوا من بعد وقاتلوا ، وكلا وعد الله الحسنى [ ولا يخلف الله وعده . وهل بعد قول الله عز وجل في سورة آل عمران 110 : ] كنتم خير أمة اخرجت للناس [ يبقى مسلماً من يكذب ربه في هذا ، ثم يكذب رسوله في قوله : (( خير امتى قرني ، ثم الذين يلونهم …… )) ؟ ! . في صدر هذه الأمة حفظ الله كتابه بحفظته أميناً عن امين ، حتى ادوا أمانة ربهم بعناية لم يسبق لها نظير في أمة من الأمم ، فلم يفرطوا في شئ من الفاظ الكتاب على أختلاف الألسنة العربية في تلاوتها ونبرات حروفها ، تنوع مدودها وإمالاتها ، إلى ادق ما يمكن أن يتصوره المتصور . فتم بذلك وعد الله عز وجل في سورة الحجر 9 : ] إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون [ .

ومن صدر هذه الأمة تفرغ فريق من الصحابة فالتابعين وتلاميذهم لحمل أمانة السنة فكانوا يمحصون أحاديث رسول الله r ، ويذرعون أقطار الأرض ليدركوا الذين سمعوها من فم النبي r فيتلقوها عنهم كما يتلقون اثمن كنوز الدنيا . بل كانت دار الإمارة في المدينة المنورة منتدى الفقهاء الأولين في صدر الإسلام يجتمعون إلى إميرهم مروان ابن الحكم ، فغذا عزيت إلى رسول الله r سنة غير الذى كان معروفاً عندهم ارسل مروان في تحقيق ذلك إلى من نسبت تلك السنة إليه من اصحاب النبي r أو أزواجه ، حتى يرد الحق إلى نصابه ( أنظر مسند الإمام أحمد : الطبعة الأولى 6 : 299 و 306 ) .

وبينما كان حفظه القرآن وحملة السنة المحمدية يجاهدون في حفظ أصول الشريعة الكاملة ، كان أخرون من ابناء الصحابة وأبطال التابعين يحملون امانة الإمامة والرعاية والجهاد والفتوح ، ويعملون على نقل الأمم إلى الإسلام : يعربون ألسنتها ، ويطهرون نفوسها ، ويسلكونها في سلك الأخوة الإسلامية لتتعاون معهم على توحيد الإنسانية تحت راية الهدي  وتوجيهها إلى أهداف السعادة .

وقد بارك الله لهؤلاء واولئك في أوقاتهم ، وأتم على أيديهم في مائة سنة ما يستحيل على غيرهم – من اهل الطرائق والأساليب الأخرى – أن يعملوه في آلاف السنين .

هؤلاء هم الذين أخبر عنهم رسول الله r بأنهم خير امته ، وقد صح ما اخبر به قبل الإسلام إنما رأى الخير على أيديهم ، فبهم حفظ الله أصوله ، وبهم هدى الله الأمم . والبلاد التى دخلت في الإسلام على أيديهم نبغ منها في ظل طريقتهم وعلى اساليبهم كبار الأئمة كالإمام البخاري والإمام ابي حنيفة والليث بن سعد وعبد الله بن المبارك ، فكانت الأمم تقبل على هذه الهداية بشفغ وتقدير وإخلاص – لما ترى من إخلاص دعاتها وصدقهم وإيثار الآجلة على العاجلة – والأمة التى تولت الدعاية لهذه الهداية تستقبل نوابغ المهتدين بصدر رحب ، وتبوى المستأهلين منهم المكانة التى هم اهل لها .

هكذا كانت الحال في البطون الثلاثة الأولى التى أمتدحها رسول الله r ووصفها بأنها خير أمته . أما العصور التى أتت بعدهم فإن المسلمين يتميزون فيها بمقدار أتباعهم للصدر الأول فيما كان عليه من حق وخير . وهم كما قال رسول الله r فيهم : (( مثل أمتى مثل المطر: لا يدرى أوله خير أم آخره )) رواه الإمام أحمد في مسنده والترمذي في سننه عن انس ، ورواه ابن حبان والإمام أحمد في مسنده أيضاً من حديث عمار ، ورواه أبو ليلى في مسنده عن علي بن ابي طالب ، ورواه الطبراني في معجمه الكبير عن عبد الله بن عمر ابن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص ، كل هؤلاء الصحابة رووه عن النبي r ، فأمة محمد إلى خير في كل زمان ومكان ما تحرت الطريق الذى مشى فيه هداة القرون الثلاثة الأولى وتابعوهم فيه . بل يرجى لمن يقيم الحق في ازماننا كما أقامه الصحابة والتابعون في أزمنتهم أن يبلغوا منزلتهم عند الله ويعدوا في طبقتهم ، ولعلهم المعنيون بقول النبي r فيما رواه الإمام احمد والدارمى والطبراني من حديث ابي جمعة قال : قال ابو عبيدة (( يا رسول الله أأحد خير منا ؟ أسلمنا معك ، وجاهدنا معك )) فقال r : (( قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني )) وإسناده حسن ، وصححه الحاكم . وأحتج الحافظ الأندلسي أبو عمر بن عبد البر بأن السبب في كون القرن الأول خير القرون أنهم كانوا غرباء في إيمانهم لكثرة الكفار في الأرض  وصبرهم على الهدي وتمسكهم به ، إلى أن عم بهم في أرجائها . قال ابن عبد البر : فكذلك اواخرهم إذا اقاموا الدين وتمسكوا به وصبروا على الطاعة حين ظهور المعاصي والفتن ، كانوا أيضاً عند ذلك غرباء ، وزكت اعمالهم في ذلك الزمان كما زكت أعمال أولئك . ويشهد له ما رواه مسلم عن ابي هريرة أن النبي r قال : (( بدأ الإسلام غريباً ، وسيعود غريباً كما بدأ ، فطوبى للغرباء )) .

ومن غرابة الإسلام بعد البطون الثلاثة الأولى مؤلفين شوهوا التاريخ تقرباً للشيطان أو الحكام ، فزعموا أن اصحاب رسول الله r لم يكونوا إخواناً في الله ، ولم يكونوا رحماء بينهم ، وإنما كانوا أعداء يلعن بعضهم بعضاً ، ويمكر بعضهم ببعض ، وينافق بعضهم لبعض ، يتآمر بعضهم على بعض ، بغياً وعدواناً .

لقد كذبوا . وكان ابو بكر وعمر وعثمان وعلي أسمى من ذلك وانبل  ، وكانت بنو هاشم وبنو أمية اوفى من ذلك لإسلامها ورحمها وقرابتها واوثق صلة واعظم تعاوناً على الحق والخير.

حدثني بعض الذين لقيتهم في ثغر البصرة لما كنت معتقلاً في سجن الإنجليز سنة 1332هـ أن رجلاً من العرب كان ينتقل بين بعض قرى إيران فقتله القرويون لما علموا اسمه ( عمر ) . قلت : واى باس يرونه باسم ( عمر ) ؟ قالوا : حباً بأمير المؤمنين علي . قلت : وكيف يكونون من شيعة علي وهم يجهلون أن علياً سمى أبناءه – بعد الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية – بأسماء أصدقائه وإخوانه في الله ( أبي بكر ) و ( عمر ) و ( عثمان ) رضوان الله عليهم اجمعين ، وأم كلثوم الكبرى بنت علي بن أبي طالب كانت زوجة لعمر ابن الخطاب ولدت له زيداً ورقية ، وبعد مقتل عمر تزوجها ابن عمها محمد بن جعفر ابن ابي طالب ومات عنها فتزوجها بعده أخوه عون بن جعفر فماتت عنده . وعبد الله بن جعفر ذى الجناحين ابن ابي طالب سمى أحد بنيه باسم ( أبي بكر ) وسمى أبناً آخر له باسم ( معاوية ) ، ومعاوية هذا – أى بن أبي طالب كان من نسله عيسى بن عبدالله بن محمد بن عمر بنعلي أبن أبي طالب أشتهر بالمبارك العلوى وكان يكنب ( أبا بكر ) . والحسن السبط بن علي أبن ابي طالب سمى أحد بنيه ( أبا بكر ) وآخر باسم ( عمر ) وثالثاً باسم ( طلحة ) . وزين العابدين علي بن الحسين سمى أحد أولاده أمير المؤمنين ( عمر ) تيمناً وتبركاً . ولعمر هذا ذرية مباركة منهم العلماء والشعراء والشرفاء . والحسن السبط كان مصاهراً لطلحة بن عبيد الله . وإن أم إسحاق بنت طلحة هي ام فاطمة بنت الحسين بن علي . وسكينة بنت الحسين السبط كانت زوجاً لزيد بن عمر بن عثمان بن عفان الأموى . وأختها فاطمة بنت الحسين السبط بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموى . واختها فاطمة بنت الحسين السبط بن علي بن ابي طالب كات زوجة عبد الله الأكبر بن عمرو بن عثمان بن عفان . وكانت قبل ذلك زوجة الحسن المثني ، وله منها جدنا عبدالله المحض . وأم ابيها بنت عبد الله بن جعفر ذى الجناحين بن ابي طالب كانت زوجة لأمير المؤمنين عبد الملك ابن مروان ثم تزوجها علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب . وأم كلثوم بنت جعفر ذى اجناحين كانت زوجة الحجاج بن يوسف وتزوجها بعد ذلك أبان بن عثمان بن عفان . والسيدة نفيسة المدفونة في مصر ( وهي بنت حسن الأنوار زيد بن الحسن السبط ) كانت زوجة لأمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك وولدت له . وعلي الأكبر ابن الحسين السبط ابن علي بن ابي طالب أمه ليلى بنت مرة بن مسعود الثقفى وامها ميمونة بنت ابي سفيان ابن حرب الأموى . والحسن المثني ابن الحسن السبط أمه خولة بنت منظور الفزارية وكانت زوجة لمحمد بن طلحة بن عبيد الله ، فلما قتل عنها يوم الجمل ولها منه اولاد تزوجها الحسن السبط فولدت له الحسن المثني . وميمونة بنت ابي سفيان بن حرب جدة علي الأكبر ابن الحسين بن علي لأمه . ولما توفيت فاطمة بنت النبي r تزوج علي بعدها أماة بنت ابي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن اميه .

فهل يعقل أن هؤلاء الأقارب المتلاحمين المتراحمين الذين يتخيرون مثل هذه الأمهات لأنسالهم ، ومثل هذه الأسماء لفلذات اكبادهم ، كانوا على غير ما أراده الله لهم من الأخوة في الإسلام ، والمحبة في الله ، والتعاون على البر والتقوى ؟ ! .

لقد تواتر عن أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه أنه كان يقول على منبر الكوفة (( خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر )) روى هذا عنه من اكثر من ثمانين وجهاً ، ورواه البخاري وغيره ، ولا يوجد تاريخ في الدنيا ، لا تاريخ الإسكندر المقدوني ، لا تاريخ نابليون ، صحت أخباره كصحة هذا القول – من الوجهة العلمية التاريخية 0 عن علي ابن أبي طالب . وكان كرم الله وجهه يقول : (( لا أوتى باحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا ضربته حد المفترى )) أي أن هذه الفرية توجب على صاحبها الحد الشرعي ، ولهذا كان الشيعة المتقدمون متفقين على تفضيل ابي بكر وعمر . نقل عبد الجبار الهمداني في كتاب ( تثبيت النبوة ) أن أبا القاسم نصر بن الصباح البلخي قال في ( كتاب النقض على ابن الراوندي ) : سأل سائل شريك بن عبد الله فقال له : أيهما أفضل : أبو بكر او علي ؟ فقال له : أبو بكر . فقال السائل : تقول هذا وأنت شيعي ؟ فقال له : نعم : من لم يقل هذا فليس شيعياً . والله لقد رقى هذه الأعواد علي فقال : (( الا إن خير هذه الأمة بعد نبيها ابو بكر ثم عمر )) فكيف نرد قوله ؟ وكيف نكذبه ؟ والله ما كان كذاباً وفي ترجمة يحيى بن يعمر العدواني من ( وفيات الأعيان ) للقاضى ابن خلكان أن يحيى ابن يعمر كان عداده في بني ليث لأنه حليف لهم ، وكان شيعياً من الشيعة الأولى القائلين بتفضيل أهل البيت من غير تنقيص لذى فضل من غيرهم . ثم ذكر قصة له في الحجاج وإقامته الحجة على أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله بآية ] ووهبنا له – أى لإبراهيم – إسحاق ويعقوب [ إلى قوله : ] وزكريا ويحيى وعيسى [ . قال يحيى بن يعمر : وما بين عيسى وإبراهيم أكثر مما بين الحسن والحسين ومحمد r ، فأقره الحجاج على ذلك وكبر في نظره وولاه القضاء على خراسان مع علمه بتشيعه . وأنت تعلم ان الحجاج هو ما هم ، ومع ذلك فقد كان – مع فاضل متجاهر بشيعيته المعتدلة محتج للحق بالحق – أكثر إنصافاً من هؤلاء الكذبة الفجرة الذين جاءوا في زمن السوء فصاروا كلما تعرضوا لأهل السابقة والخير في الإسلام ، ومن فتحت اقطار الأرض على أيديهم ، ودخلت الأمم في الإسلام بسعيهم ودعوتهم وبركتهم وكلهم من أهل خير القرون بشهادة رسول الله r لهم ، وما منهم إلا من يتصل ببني هاشم وال البيت بالخؤولة أو الرحم أو المصاهرة ، وبالرغم من كل ذلك يتعرضون لسيرتهم بالمساءة كذباً وعدواناً ، ويرضون لأنفسهم بأن يكونوا أقل إنصافاً وإذعاناً للحق حتى من الحجاج بن يوسف . وإنى أخشى عليهم لو انهم كانوا في مثل مركز الحجاج بن يوسف لكانت فيهم كل مآخذ الصالحين عليه ، مع التجرد من كل مزاياه وفضائله وفتوحه التى بلغت تحت رايات كبار قواده وضغائر إلى أقصى أقطار السند ، وغشيت جبال الهند وما صاقبها .

وإن خطبة الأمير علي بن ابي طالب في نعت صديقه وإمامه خليفة رسول الله r ابي بكر يوم وفاته من بليغ ما كان يستظهره الناس في الأجيال الماضية . وفي خلافة عمر دخل على في بيعته ايضاً وكان من أعظم أعوانه على الحق ، وكان يذكره بالخير ويثني عليه في كل مناسبة ، وقد علمت انه بعد أخيه وصهره عمر سمى ولدين من اولاده باسميهما ثم سمي ثالثاً باسم عثمان لعظيم مكانته عنده ، ولأنه كان إمامة ما عاش ، ولولا ان عثمان – بعد أن قام الحجة على الذين ثاروا عليه بتحريض أعداء الله رجال عبد الله بن سبأ اليهودي – منع الصحابة من الدفاع عنه حقناً لدماء المسلمين ، وتضييقاً لدائرة الفتنة ، ولما يعلمه من بشارة رسول الله r له بالشهادة والجنة ، لولا كان ذلك لكان علي في مقدمة من في المدينة من المهاجرين والأنصار الذين كانوا عل استعداد للدفاع عنه ولو ماتوا في سبيل ذلك جميعاً . ومع ذلك فإن علياً جعل ولديه الحسن والحسين على باب عثمان ، وامرهما بأن يكونا كوع إشارته في كل ما يامرهما به ولو أدى إلى سفك دمهما ، وأوعز إليهما يخبرا اباهما بكل ما يحب عثمان أن يقوم له به . وكذب على الله وعلى التاريخ كل ما أخترعه الكاذبون مما يخالف ذلك ويناقض وقوف الحسن والحسين في بابه وأستعدادهما لطاعته في كل ما يامر . وقد كان من عادة سلفنا أن يدونوا أخبار تلك الأزمان منسوبة إلى رواتها ، ومن أراد معرفة قيمة كل خبر على طريقة ( انى لك هذا ؟ ) فرجع إلى ترجمة كل راو فيكل سند لتمحصت له الأخبار ، وعلم أن الأخبار الصحيحة التى يرويها أهل الصدق والعدالة هي التى تثبت أن أصحاب رسول الله كانوا كلهم من خبرة من عرفت الإنسانية من صفوة أهلها ، وأن الأخبار التى تشوه سيرة الصحابة وتوهم انهم كانوا صغار النفوس هي التى رواها الكذبة من المجوس الذين تسموا بأسماء المسلمين .

ولعلك تسألنى : إذن ما هو اصل التشيع ، وهل لم يكن لعلى شيعة في الصدر الأول ؟ وما هي قصة وقعة الجمل ، وما الباعث على وقوعها ؟ وما هي حقيقة التحكيم ؟ .

إن الجواب على هذه الأسئلة بالأسانيد الى ترتاح إليها قلوب المنصفين مهما أختلفت مشاربهم ومذاهبهم ، يحتاج إلى كتابه تاريخ المسلمين من جديد ، وإلى أخذه – عند كتابته – من ينابيعه الصافية ، ولا سيما في المواطن التى شوهها اهل الذمم الخربة من ملفقى الأخبار . وأعيد هنا ما قلته غير مرة ، وهو ان الأمة الإسلامية أغنى أمم الأرض بالمادة السليمة التى تستطيع أن تبني كيان تاريخها ، إلا أنها لا تزال أقل أمم الأرض عناية ببناء تاريخها من تلك المواد السليمة ، والناس الآن بين قارئ لكتب قديمة أراد مؤلفوها أن يتداركوا الأخبار قبل ضياعها فيها كل ما وصلت إليه أيديهم من عث وسمين ، ومنبهين على مصادر هذه الأخبار وأسماء رواتها ليكون القارئ على بينة من صحيحها وسقيها ، ولكن لبعد الزمن وجهل أكثر القراء بمراتب هؤلاء الرواة ودرجاتهم في الصدق والكذب ، وفي الوفاء للحق أو الميل مع الهوى ، تراهم لا يستفيدون من هذه المصادر ولا من الكتب التى أعتمدت عليها بلا تمحيص وتحقيق ( 1 ) . وهنالك كتب قديمة أيضاً ولكنها دون هذه الكتب ، لأن أصحابها من اهل الهوى ، وممن لهم صبغات حزينة يصبغون أخبارهم بألوانها ، فهي أعظم ضرراً ، ولعلها أوسع من تلك أنتشاراً . أما الكتب الحديثة كمؤلفات جرجى زيدان ، والبحوث التى يستقيها حملة الأقلام من مؤلفات المستشرقين على غير بصيرة بدسائسهم ، فإنها ثالثة الأثافى والعظائم ، ولذلك باتت هذه الأمة محرومة أغزر ينابيع قوتها وه الإيمان بعظمة ماضيها ، في حين أنها سليلة سلف لم ير التاريخ سيرة أطهر ولا أبهر ولا أزهر من سيرته .

إلا ان من نعم الله علينا عناية علماء الحديث بتحقيق أحوال رواة الأخبار ومبلغ أمانتهم في حملها وقد صنفوا في ذلك كتباً ومعاجم عظيمة النفع لمن يراجعها عند التأليف ، ولهم تحقيقات جليلة في جميع المسائل التى يترتب عليها اتجاه الحق في الحكم على الأحداث الكبرى في تاريخ الإسلام .

ومع أن كثيراً من أمهات الكتب النفيسة فقدت في كارثة هولاكو ( 2 ) ، ثم في الحروب الصليبية وأكتساح الأندلس ، وما تلا ذلك كله من أنحطاط المستوى العلمى في القرون الأخيرة ، إلا أن كثيراً من تحقيقات المحققين لا تزال منبثة في مطاوى الكتب الإسلامية . والأمل عظيم في قيام نهضة جديدة لبعث ماضى هذه الأمة المجيد على ضوء ما تركه علماؤها من نصوص وتوجيهات .

--------------------------

( 1 ) ومن اهم هذه المصادر تاريخ ابن جرير الطبري ، وقد كتبت في وصفه وتحليله مقاله في المجلد 24 من ( مجلة الأزهر ) ص 210 – 215 فارجع إليها لتستفيد من هذه المصادر ولتعرف ما تأخذ منها وما تدع .

( 2 ) الذى كان ابن أبي الحديد من أعوان الخائن ابن العلقمي على تمهيد السبيل بين يديه لتقويض دولة الإسلام . 

وأعود بعد هذه الأسئلة التى تقدمت آنفاً عن أصل الفتن والتشيع ، فقد زعم الزاعمون لعلي – كرم الله وجهه – ما لم يكن له علم به : زعموا أن النبي r عينه للخلافة بعده يوم استخلفه على المدينة وهو متجه إلى الشام في غزوة تبوك ، وقال له يومئذ (( أنت منى بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي )) . ورجال الحديث مختلفون في درجة هذا الخبر من الصحة ، فبعضهم يراه صحيحاً ، وبعضهم يراه ضعيفاً ، وذهب الإمام أبو الفرج بن الجوزي إلى أمنه موضوع مكذوب ، ونحن إذا رجعنا إلى الظروف التى قالوا إنها لابست هذا الحديث نرى ان النبي r - لما أراد الله له أن يتوجه نحو تبوك – أمر علياً بأن يتخلف في المدينة ، وكان رجالها والقادرون عل الحرب من الصحابة قد خرجوا مع النبي r ، فوجد علي في نفسه وقال للنبي r : (( أتجعلني مع النساء والأطفال والضعفة ! )) فقال له النبي r تطيباً لنفسه : (( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ )) أى في أستخلاف موسى أخاه هارون لما ذهب إلى الجبل ليعود بالألواح فهذا استخلاف لم يكن له في نظر سيدنا علي كرم الله تعالى وجهه هذا المعنى الوهمي الذى اخترعه المتحزبون فيما بعد ، بل هو على عكس ذلك كان يراه حرماناً له من مكانة أعلى وهي مشاركة إخوانه الصحابة في ثوب الجهاد لتكوين الكيان الإسلامي المنشود . زد على ذلك أن هذا النوع من الاستخلاف لم ينفرد به علي كرم الله وجهه ، بل تكرر من النبي r إستخلاف ابن أم مكتوم على المدينة نفسها ، وكان ابن أم مكتوم يتولى الإمامة بالناس في المدينة مدة خلافته عليها ، وقد ناظر كبار الشيعة في هذا الحديث علامة العراق السيد عبد الله السويدي عندما جمعه بهم نادر شاه في النجف سنة 1156هـ فأفحمهم السويدي وخذل باطلهم كما ترى ذلك فيما دونه رحمه الله بقلمه عن هذه الواقعة وأثبتناه في رسالة طبعناها بعنوان ( مؤتمر النجف ) .

فالإمام علي كرم الله تعالى وجهه كان يعلم أن الخلافة الحقة هي التى أنضوى فيها إلى جماع إخوانه أصحاب رسول الله r يوم قدر الله لها بحكمته ما شاء ، وقضى فيها بعدله ما اراد وما كان لمسلم من عامة المسلمين – فضلاً عن مثل علي في تعظيم مكانته في الأولين والآخرين – ان يسخط قدر الله ، أو يتمرد على قضائه ، أو يرضى غير الذى أرتضاه إخوانه من الصحابة ، أو يداجي معهم على ما فيه صلاح المسلمين . ومن الآفتئات عليه والإنتقاص من قدره والتشويه لجمال الإسلام وتاريخه الشك في إخلاص علي أو في أغتباطه بما بايع عليه خليفة رسول الله r أبا بكر الصديق وصاحبيه بعده عمر وعثمان رضوان الله عليهم اجمعين .

           ومن المزايا التى تنفرد بها على وطبقته ممن ولي الخلافة أو دخل في بيعتها في الصدر الأول أنهم كانوا يرون ولاية هذا الآمر ( واجباً ) يقوم به الواحد إذا وجب عليه كما يقوم بسائر واجباته ، ولا يرونها ( حقاً ) لأحدهم يعادي عليه المسلمين ، ويعرض دماءهم للخطر والشر ، ليستاثر بها على غيره .

وجميع الوقائع – إذا جردت من زيادات أهل الأهواء – تدل على هذه المكانة السامية لعلي وإخوانه ، فلما شوهت الوقائع وأخبارها بما دسه فيها المتزايدون من أكاذيب لا مصلحة فيها لعلي وآله وبنيه صورة قبيحة لا تنطبق على الحقيقة والواقع وظن المخدوعون بها ان تلك الطبقة – الممتازة على جميع أمم الأرض بعفتها وطهارة نفوسها وترفعها عن الصغائر – إنما كانت على عكس ذلك : تنازع كالأطفال والرعاع على توافه الدنيا وسفاف العاجلة . فالخلافة كانت في نظر الراشدين ( عبثاً ) يتولى الواحد منهم حملة بتكليف من المسلمين أداء الواجب ، ولم تكن عند أحد منهم ( متاعاً ) ولا ( مأكله ) حتى ينازع غيره عليها . ولما تآمرت المجوسية واليهودية على سفك دم أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب ، أبقى الله من حياته بقية يدبر فيها للمسلمين أمرهم بعده ، جعل الآمر شورى ، وأقترح عليه بعض لصحابة أن يريح المسلمين من ذلك فيعهد إلى أبنه عبد الله بن عمر – ولم يكن عبد الله بن عمر دون ابيه في علم او حزم أو بعد نظر أو إخلاص لله ورسوله والمؤمنين – رفض عمر ذلك وقال : (( بحسب آل الخطاب أن يليها واحد منهم ، فإن كان خيراً قد أصبنا منه وإن كان زرءاً فقد قمنا بنصيبنا فيه )) . وعبد الله بن عمر نفسه عرضت عليه الإمامة فيمن عرضت عليهم عند مقتل عثمان في ذي الحجة سنة 35 فهرب منها كما كان يهرب منها طلحة والزبير وعلي ، ولم يتولها علي إلا قياماً بواجب ، ولم يستمدها من خرافات المنحرفين وسخافاتهم ، بل من إرادة الأمة في ذينك اليومين ( الخميس 24 ذي الحجة ، والجمعة 25 منه ) كما أعلن ذلك على رءوس الأشهاد وهو واقف على أعواد منبر رسول الله r . فعلي إلى تلك الساعة لم تكن له شيعة خاصة به يعرفها وتتصل به ، ولم يخطر قط على باله أن يجعل أحداً من الناس شيعة له ، لأنه هو نفسه وسائر إخوانه من الصحابة كانوا شيعة الإسلام الملتفة حول خلفاء نبيها r أبي بكر ثم عمر ثم عثمان . ولو حدثته نفسه باتخاذ شيعة خاصة به عند جمهور الأمة الذى يتشيع للبيعة العامة لكان ذلك نقصاً منه لما عقد عليه صفقة يمينه لإمامه ، وما طوق به من بيعة الإسلام لأصحابها ، ولا شك أنه أستمر على ذلك إلى عشية الخميس 24 من ذي الحجة سنة 35 للهجرة ، كان أهلاً لأن يستمر علي ذلك بأمانة وإخلاص . ولو لم يكن علي كذلك لما كان في هذه المنزلة السامية عند الله والناس . ومن الثابت عنه في عشية ذلك اليوم أنه كان يدافع الخلافة عن نفسه ، ويحاول ان يقنع أخاه طلحة بن عبيد الله – احد العشرة المبشرين بالجنة – بأن يتولى هو هذا الامر عن المسلمين ، بينما طلحة أيضاً كان يدافعها عن نفسه ويحاول إقناع علي بان يكون هو حامل هذا العبء ، القائم عن المسلمين بهذا الواجب . وأنظر الحوار بينهما في ذلك كما رواه عالم من كبار علماء التابعين وهو الإمام محمد بن سيرين على ما اورده ابو جعفر الطبري في تاريخه ( 6 : 156 طبعة مصر و 1 : 3075 طبعة هولندا ) فيقول علي لطلحة (( أبسط يدك يا طلحة لأبايعك )) فيقول له طلحة (( أنت أحق ، فانت امير المؤمنين ، فابسط يدك )) . وكاد الثائرون من جماعة الفسطاط والكوفة والبصرة يثبتون بعلي وطلحة والزبير فيقتلونهم لهربهم من ولاية الأمر وتعففهم جميعاً عن قبول الخلافة ، فأنتهى الأمر بقبول على ، وأرتقى منبر رسول الله r في اليوم التالي ( الجمعة 25 من ذي الحجة سنة 35 ) فخطب خطبة حفظ لنا الطبري نصها ( 6 : 157 و 1 : 3077 ) فقال : (( أيها الناس عن ملأ واذن إن هذا أمركم ، وليس لأحد فيه حق إلا من امرتم . وقد أفترقنا بالأمس على أمر ( أى على البيعة له ) فإن شئتم قعدت لكم ، وإلا فلا أجد على أحد )) وبذلك أعلن لا يستمد الخلافة من شئ سبق ، بل يستمدها من البيعة إذا أرتضتها الأمة .

ومن مزايا الطبقة الاولى التى صحبت النبي r وتأدبت بادبه وتشبعت بسنته أنها كانت ترى ( الإعتدال ) ميزان الدين ، ( والرفق ) جمال الإسلام ، لأن نبيها r كان يقول لها : (( إن الرفق ما كان في شئ إلا زانه ، ولا نزع من شئ إلا شانه )) وكان يقول لها : (( من يحرم الرفق يحرم الخير كله )) ويقول : (( إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق )) ويقول : (( إياكم والغلو في الدين ، فغنما هلك من كان قبلكم بالغلو فيه )) . فلما نشأت الطبقة الثانية في حياة الطبقة الأولى أدب الأباء بينهم بهذا الأدب . ولكن أكثر ما كانت هذه الطريقة ناجحة في الحجاز ونجد والشام . وكان في ناشئة الكوفة والبصرة والفسطاط من أخذ بهذه الطريقة ، كما أن فيهم من شب على العفو في الدين . ومن اكبر المصائب في الإسلام في ذلك الحين تسلط إبليس من أبالسة اليهود على الطبقة الثانية من المسلمين فتظاهر لها بالإسلام وأدعى الغيرة على الدين والمحبة لأهله ، وبدأ برمي شبكته في الحجاز والشام فلم تعلق بشئ بسبب تشيعهم بفطرة الإسلام في أعتداله ورفقه ، وحذرهم من طرفي الإفراط والتفريط . فذهب الملعون يتنقل بين الكوفة والبصرة والفسطاط ويقول لحديثى السن وقليلى التجربة من شبابها : عجباً لمن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمداً يرجع . وقد قال عز وجل ] إن الذى فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد [ فمحمد أحق بالرجوع من عيسى . وكان يقول لهؤلاء الشبان (( كان فيما مضى ألف نبي ، ولكل نبي وصي ، وإن علياً وصي محمد )) ويقول لهم : (( محمد خاتم الأنيباء ، وعلى خاتم الأوصياء
( 1 ) )) ثم يقول لهم محرضاً على عثمان ، وكان ذلك في أواخر خلافة عثمان سنة 30 : (( ومن أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله ، وممن يثب على علي وصي رسول الله وينزع منه أمر الأمة )) ويقول لهم (( إن عثمان أخذ الخلافة بغير حق ، وهنالك علي وصي رسول الله فأنهضوا فحركوه وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس )) …..

إن هذا الشيطان هو عبد الله بن سبأ من يهود صنعاء ، وكان يسمى ابن السوداء وكان يبث دعوته بخبث وتدرج ودهاء . وأستجاب له ناس من مختلف الطبقات ، فأتخذ بعضهم دعاة فهموا أغراضه وعولوا على تحقيقها . وأستنكر أتباعه بآخرين من البلهاء الصالحين المتشددين في الدين المتنطعين في العبادة ممن يظنون الغلو فضيلة والاعتدال تقصيراً . فلما أنتهى ابن سبأ من تربية نفر من الدعاة الذين يحسنون الخداع ويتقنون تزوير الرسائل وأختراع الأكاذيب ومخاطبة الناس من ناحية أهوائهم ، بث هؤلاء الدعاة في الأمصار – ولا سيما الفسطاط والكوفة والبصرة – وعنى بالتأثير على أبناء الزعماء من قادة القبائل واعيان المدن الذين أشترك آباؤهم في الجهاد والفتح ، فاستجاب له من بلهاء الصالحين وأهل الغلو من المتنطعين جماعات كان على رأسهم في الفسطاط الغافقى بن حرب العكي وعبد الرحمن بن عديس البلوى التجيبى الشاعر وكنانة بن بشر بن عتاب التجيبى وسودان ابن حمران السكوني وعبد الله بن زيد بن ورقاء الخزاعي وعمرو بن الحمق الخزاعي وعروة ابن النباع الليثى وقتيرة السكوني . وكان على رأس من أستغواهم أبن سبأ في الكوفة عمرو أبن الأصم وزيد بن صوحان العبدي والأشتر مالك بن الحارث النخعي وزياد بن النضر الحارثي وعبد الله بن الأصم . ومن البصرة حرقوص بن زهير السعدي وحكيم بن جبلة العبدي وذريح بن عباد العبدي وبشر بن شريح الحطم بن ضبيعة القيسى وأبن المحرش ابن عبد عمرو الحنفى . أما المدينة فلم يندفع في هذا الآمر من أهلها إلا ثلاثة نفر وهم : محمد بن ابي بكر ومحمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وعمار بن ياسر . ومن دهاء أبن سبأ ومكره أنه كان يبث في جماعة الفسطاط الدعوة لعلي ( وعلي لا يعلم ذلك ) ، وفي جماعة الكوفة الدعوة لطلحة ، وفي جماعة البصرة الدعوة للزبير . وليس هنا موضع تحليل نفسيات المخدوعين بدعوة هذا الشيطان ، ولا نريد أن ننقل ذم علي وطلحة والزبير لهم وما قالوه فيهم يوم نزل الثائرون في ذى خشب والأعوص وذي المروة ، وكيف زور أبن سبأ
---------------------------

( 1 ) ورواية هذه الحقائق عن الملعون أبن سبأ اتفق عليها أهل السنة والشيعة ، وقد نقلنا مثل هذا في هامش ص 299 عن تنقيح المقال للمامقاني كما نقلها المامقاني عن الكشي من كبار أئمتهم . وقد أعترفوا بذلك أن وصف علي بانه (( وصي )) من اختراع ابن سبا ولا علم للنبي r بهذا الوصف لعلى لأنه أختراع في خلافة عثمان .

وشياطينه رسالة على لسان علي بدعوة جماعة الفسطاط إلى الثورة في المدينة ، فلما واجهوا علياً بذلك قالوا له : أنت الذى كتبت إلينا تدعونا ، فأنكر عليهم أنه كتب لهم ، وكان ينبغي أن يكون ذلك سبباً ليقظتهم علي أيضاً إلى أن بين المسلمين شيطاناً يزور عليهم الفساد لخطة مرسومة تنطوي على الشر الدائم والشر المستطير ، وكان ذلك كافياً لإيقاظهم إلى أن هذه اليد الشريرة هي التى زورت الكتاب على عثمان إلى عامله بمصر بدليل أن حامله ان يتراءى لهم متعمداً ثم يتظاهر بأنه يتكتم عنهم ليثير فيه ، فراح المسلمون إلى يومنا هذا ضحية سلامة قلوبهم في ذلك الحين . إن دراسة هذا الموضوع الآن على ضوء القرائن القليلة التى بقيت لنا بعد مضي ثلاثة عشر قرناً تحتاج إلى من يتفرغ لها من شباب المسلمين ، وسيجدون مستندات الحق في تاريخهم كافية لوضع كل شئ في موضعه إن شاء الله .

فتأول فتنة وقعت في الإسلام هي فتنة المسلمين بمقتل خليفتهم وصهر نبيهم الإمام العادل الكريم الشهيد ذى النورين عثمان بن عفان رضوان الله عليه . وقد علمت أن الذين قاموا بها وجنوا جنايتها فريقان : خادعون ومخدوعون . وقد وقعت هذه الكارثة في شهر الحج ، وكانت عائشة أم المؤمنين قد خرجت إلى مكة مع حجاج بيت الله ذلك العام ، فلما علمت بما حدث في مدينة الرسول أحزنها بغي البغاة على خليفة نبيهم . وعلمت أن عثمان كان حريصاً على تضييق دائرة الفتنة ، فمنع الصحابة من الدفاع عنه ، بعد أن أقام الحجة على الثائرين في كل ما دعوه عليه وعلى عماله ، وكان الحق معه في كل ذلك وهم على الباطل ، وكان هو المثل الإنساني الأعلى في العدل وكرم النفس والنزول على قواعد الإسلام وأتباع سننه وكان في مدة خلافته أكرم وأصلح وأكثر إنصافاً وقياماً بالحق وأتباعاً للخير مما كان هو عليه في زمن رسول الله r . وأجتمعت عائشة بكبار الصحابة ، وتداولت الرأى معهم فيما ينبغي عمله – وقد عرف القراء ما كانوا عليه من نزاهة ، وفرار من الولاية ، وترفع عن شهوات النفس – فرأوا أن يسيروا مع عائشة إلى العراق ليتفقوا مع امير المؤمنين علي على الاقتصاص من السبإيين الذين أشتركوا في دم عثمان وأوجب الإسلام عليهم الحد فيه ، ولم يكن يخطر على بال عائشة وكل الذين كانوا معها – وفي مقدمتهم طلحة والزبير المشهود لهما من النبي r بالجنة – انهم سائرون ليحاربوا علياً ، ولم يكن يخطر ببال علي ان هؤلاء أعداء له وأنهم حرب عليه . وكل ما في الآمر أن أولئك المتنطعين الغلاة لاذين انخدعوا بدعوة عبد الله بن سبا وأشتركوا في قتل عثمان أنغمروا في جماعة على ، وكان فيهم الذين تلقنوا الدعوة له وتتلمذوا على ذلك الشيطان اليهودي في دسيسة أوصياء الأنبياء ودعوى خاتم الأوصياء ، فجاءت عائشة ومن معها للمطالبة بإقامة الحد على الذين أشتركوا في جناية قتل عثمان ، وما كان علي – وهو ما هو في دينه وخلقه – ليتأخر عن ذلك ، إلا أنه كان ينتظر أن يتحاكم إليه أولياء عثمان . وقبل أن يتفق الفريقان على ذلك شعر قتلة عثمان بان الدائرة ستدور عليهم ، وهم على يقين بأن علياً لن يحميهم من الحق عند ظهوره ، فأنشب هؤلاء حرب الجمل ، فكانت الفتنة الثانية بعد الفتنة الأولى . قال الحافظ لن حجر في فتح الباري ( 13 : 41 – 42 و 44 ) معتمداً على كتاب ( أخبار البصرة ) لعمر بن شبة ، وعلى غيره من الوثائق القديمة الىت جاء فيها عن أبن بطال قول الملهب : (( ….. إن أحداً لم ينقل أن عائشة ومن معها نازعوا علياً في الخلافة ، ولا دعوا إلى أحد منهم ليولوه الخلافة وإنما أنكرت هي ومن معها على علي منعه من قتل قتلة عثمان وترك الاقتصاص منهم . وكان علي ينتظر من أولياء عثمان أن يتحاكموا إليه ، فإذا ثبت على أحد بعينه أنه ممن قتل عثمان أقتص منه . فأختلفوا بحسب ذلك وخشى من نسب إليهم القتل أن يصطلحوا على قتلهم ، فأنشبوا الحرب بينهم ( أى بين فريقى عائشة وعلي ) إلى أن كان ما كان )) .

ونجح قتلة عثمان في إثارة الفتنة بوقعة الجمل ، فترتب عليها نجاتهم وسفك دماء المسلمين من الفريقين ، وإنك لتجد الأسماء التى سجلها التاريخ في فتنة عثمان بقى يتردد كثير منها في وقعة الجمل ، فيما بين الجمل وصفين ، ثم في وقعة صفين وحادثة التحكيم ، وفي هذه الحادثة الأخيرة أتسعت دائرة الغلو في الدين ، فكثر المصابون بوبائه ، وتفتننوا في مذهبه ، إلى أن أنتهى أمرهم بانشقاق ( الخوارج ) عن على ، وتميز فريق من المتخلفين مع علي باسم ( الشيعة ) ، ولم يقع نظري على اسم للشيعة في حياة علي كلها إلا في هذا الوقت سنة 37هـ . ومن الظواهر التى تسترعي الأنظار في تاريخ هذه الفترة أن الغلاة من الفريقين – فريق الشيعة وفريق الخوارج – كانوا سواء في الحرمة للشيخين أبي بكر وعمر t ، تبعاً لما كان عليه أمير المؤمنين علي نفسه ، وما كان يعلنه على منبر الكوفة من الثناء عليهما والتنويه بفضلهما . أما الخوارج فإنهم والإباضية ظلموا على ذلك لم يعتبروا أبداً ، فأبوا بكر وعمر كانا عندهم أفضل الأمة بعد نبيها ، أسترسالا منهم فيما كانوا عليه مع علي قبل أن يفارقوه . واما الشيعة فإنهم عند ما جددوا بيعتهم لعلي بعد خروج الخوارج إلى حروراء والنهروان قالوا له أولاً : (( نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت )) . فشرط لهم كرم الله تعالى وجهه سنة رسول اله r : أى أن بوالوا من والى على سنة رسول الله ويعادوا من عادى على سنته r . فجاءه ربيعة بن ابي شداد الخثعمي – وكان صاحب راية خثعم في جيش علي أيام الجمل وصفين – فقال له علي : (( بايع على كتاب الله وسنة رسوله r )) فقال ربيعة : (( وعلى سنة أبي بكر وعمر )) فقال علي : (( ولو أن أبا بكر وعمر عملا بغير كتاب الله وسنة رسول الله r لم يكونا على شئ من الحق )) أى أن سنة ابي بكر وعمر إنما كانت محمودة ومرغوباً فيها لأنها قائمة على العمل بكتاب الله وسنة رسوله ، فبيعتكم الآن على كتاب الله وسنة رسوله تدخل فيها سنة أبي بكر وعمر .

هكذا كان أمير المؤمنين علي من أخويه وحبيبه خليفتى رسول الله ابي بكر وعمر في حياته كلها ، وهكذا كانت شيعته الأولى : من خرج منهم عليه ، ومن جدد البيعة له بعد التحكيم .

وحكاية التحكيم هذه كانت مادة دسمة للمغرضين من مجوس هذه الأمة أتاحت لهم دس السموم في تاريخنا على أختلاف العصور ، وأول من شمر عن ساعديه للعبث بها وتشويه وقائعها أبو مخنف لوط بن يحيى ، ثم خلف خلف بعد أبي مخنف بلغوا من الكذب ما جعل أبا مخنف في منزلة الملائكة بالنسبة إلى هؤلاء الأبالسة ، وأبو مخنف معروف عند ممحصى الأخبار وصيارفة ارجال بانه اخبارى تالف لا يوثق به . نقل الحافظ الذهبي في ( ميزان الاعتدال ) عن حافظ إيران ورأس المحققين من رجالها ابي حاتم الرازي رحمه الله ان تركه وحذر الأمة من أخباره ، وأن الدار قطني أعلن ضعفه ، وأن أبن معين حكم عليه بأنه ليس بثقة ، وان ابن عدي وصفه بأنه (( شيعي محترق )) .

ومن براعة هؤلاء المغرضين في تحريف الوقائع ودس أغراضهم فيها ، وتوجيهها بحسب أهؤائهم ، لا كما وقعت بالفعل ، أنهم كانوا يعمدون إلى حادثة وقعت بالفعل فيرددون منها ما كان يعرفه الناس ، ثم يلصقون بها لصيقاً من الكذب والإفك يوهمون أنه من أصل الخبر ومن جملة عناصره ، فيأتى الذين بعدهم فيجدون الخبر القديم مختصراً فيحكمون عليه أنه ناقص ، ويقولون (( من حفظ حجة على من لم يحفظ )) ويتناولون الخبر ما لصق به من لصيق مفترى ، حتى تكون الرواية الجديدة وما في بطنها من جنين الإثم هي المتداولة بين الناس . وقد يعمد هؤلاء المغرضون إلى موهبة من مواهب النبوغ عرف بها احد أبطال التاريخ الإسلامي وعظماء الدعاة الفاتحين ، لم يعرف عنه أستعمالها إلا في سبيل الحق والخير ، فيطلعون على الناس باكاذيب يرتبونها على تلك الوهبة ، ويوهمون أن رجل الحق والخير الذى حلاه الله بتلك الموهبة ولم يستعملها إلا في نشر دين الله وتوسيع نطاق الوطن الإسلامي ، وقد أنقلب بزعمهم مع الزمن ، وسخر نبوغه للباطل والشر ، فإذا أخذ المحققون في تمحيص ذلك وتحرى مصادر هذه التهم التى لا تلتئم مع ما تقدمها من سيرة ذلك البطل المجاهد ، وجدوها من بضاعة الكذابين ومفترياتهم ، ولكن قلما يجدى ذلك بعد أن يكون (( قد قيل ما قيل إن صدقا وإن كذبا )) .

هذا أبو عبد الله عمرو بن العاص بن وائل السهمي بطل أجنادين ، وفاتح مصر ، وأول حاكم ألغى نظام الطبقات فيها ، وكان السبب الأول في عروبتها وإسلام أهلها وشريك مسلميها في حسناتهم من زمنه إلى الآن لأنه الساعي في دخولهم في الإسلام – هذا الرجل العظيم عرفه التاريخ بالدهاء ونضوج العقل وسرعة البادرة ، وكان نضوج عقله سبب أنصرافه عن الشرك ترجيحاً لجانب الحق وأختياراً لما دله عليه دهاؤه من سبيل الخير ، فجاء مزيفو الأخبار من مجوس هذه الأمة وضحاياهم من البلهاء فأستغلوا ما أشتهر به عمرو من الدهاء أستغلالاً تقر به عين عبد الله بن سبأ في طبقات الجحيم .

يقول قاضي قضاه إشبيلية بالأندلس الإمام أبو بكر محمدبن عبدالله بن العربي المعافري ( المولود في أشبيلية سنة 468 والمتوفى بالمغرب سنة 543 ) في كتتابه ( العواصم من القواصم ) ص 177 بعد أن ذكر ما شاع بين الناس في مسالة تحكيم عمرو وأبي موسى ، وما زعموه من أن أبا موسى كان ابله وأن عمراً كان محتالاً : (( هذا كله كذب صراح ، ما جرى منه حرف قط ، وغنما هو شئ أخبر عنه المبتدعة ، ووضعته التاريخية للملوك ، فتوارثه أهل المجانة والجهارة بمعاص الله والبدع ، وإنما الذى روى الأئمة الثقات الأثبات أنهما – يعني عمراً وابا موسى – لما أجتمعوا للنظر في الأمر ، في عصبة كريمة من الناس منهم أبن عمر ، عزل عمرو معاوية . ذكر الدارقطني بسنده عن حضين بن المنذر أنه لما عزل عمرو معاوية جاء ( أى حضين ) فضرب فسطاطه قريباًمن فسطاط معاوية ، فبلغ نبأه معاوية فارسل إليه فقال : إنه بلغني عن هذا ( يعني عمرو بن العاص ) كذا وكذا ( يعني أتفاقه مع ابي موسى على عزل الأميرين المتنازعين حقناً لدماء المسلمين ورداً للأمر إليهم يختارون من يكون به صلاح أمرهم ) . فأذهب فأنظر ما هذا الذى بلغني عنه – فقال حضين - : فأتيته فقلت : أخبرني عن الأمر الذى وليت أنت وأبو موسى كيف صنعتما فيه ؟ قال : قد قال الناس في ذلك ما قالوا ، والله ما كان الأمر على ما قالوا ، ولقد قلت لأبي موسى : ما ترى في هذا الأمر ؟ قال : أرى أنه في النفر الذى توفى رسول الله r وهو عنهم راض . قلت : فأين تجعلني أنا ومعاوية ؟ فقال : إن يستعن بكما ففيكما معونة ، وإن يستعن عنكما فطالما أستغنى امر الله عنكما . قالت : فكانت هي التى قتل معاوية منها نفسه . فأتيته ( أى أن حضيناً أتى معاوية ) فأخبرته أن الذى بلغه عنه كما بلغه . أى أن الذى بلغ معاوية من أن عمراً وأبا موسى عزلاه هو كما بلغه ، وانهما رأيا أن يرجع في الاختيار من جديد إلى النفر الذى توفى رسول الله r وهو عنهم راض . ثم ذكر القاضى ابو بكر بن العربي بقية خبر الدارقطني عن إرسال معاوية رسولاً – وهو أبو الأعور الذاكواني – إلى عمرو ابن العاص يعاتبه ، وان عمراً أتى معاوية وجرى بينهما حوار وعتاب ، فقال عمرو لمعاوية : (( عن الضجور قد تحليت العلبة )) وهو مثل معناه أن الناقة الضجور التى لا تسكن للحالب قد ينال الحالب من لبنها ما يملا العلبة . فقال له معاوية (( ونربذ الحالب فتدق أنفه وتكفأ إناءه )) .

فرواية الدارقطني هذه – وهو من اعلام الحديث – عن رجال عدول معروفين بالتثبت ويقدرون مسئولية النقل ، هي التى تتناسب مع ماضى عمرو وأبي موسى وايامهما في الإسلام ومكانتهما من النبي r وموضوعهما من ثقة الفريقين بهما وأختيارهما من بين السادة القادة المجربين . وأما الافتئات على ابي موسى والإبهام بانه كان أبله فهو أشبه بالرقعة الغربية في ردائه السابغ الجميل . يقول القاضى أبو بكر بن العربي ( ص 174 ) : (( وكان أبو موسى رجلاً تقياً ثقفاً فقيهاً عالماً أرسله النبي r إلى اليمن مع معاذ ، وقدمه عمر ابن الخطاب وأثني عليه بالفهم ( 1 ) . وزعمت الطائفة التاريخية أنه كان أبله ضعيف الرأى مخدوعاً في القول )) ثم رد هذه الأكاذيب وأحال في تفصيل الرد على كتاب له اسمه ( سراج الدين ) .

وبعدفإن صحائف أصحاب رسول الله r كانت كقلوبهم نقاء وسلامة وطهراً . وما نتمناه من تمحيص التاريخ أول ما يشترط له فيمن يتولاه أن يكون سليم الطوية لأهل احق والخير ، عارفاً بهم كما كان اول معاصراً لهم ، بارعاً في التمييز بين حملة الأخبار : من عاش منهم بالكذب والدس والهوى ، ومن كان منهم يدين لله بالصدق والأمانة والتحرز عن تشويه صحائف المجاهدين الفاتحين الذين لولاهم لكنا نحن وأهل أوطاننا جميعاً لا نزال كفرة ضالين ( 2 ) .

 

---------------------------

( 1 ) واختصه بكتابه الشهير في القضاء وآدابه وقواعده .

( 2 ) وقد أقترح كاتب هذه الخاتمة على مشيخة الأزهر إعادة النظر في دراسة التاريخ الإسلامي . ولعل الله بوفق إلى ذلك فتعود الأمة إلى مواطن الأسوة الصالحة من ماضيها النقى الطاهر ، والله المستعان .