الكتاب الثاني

القسم الأول

التفسير وأصوله عن أهل السنة
التفسير وأصوله

      إن الحمد كله لله ، نحمده سبحان وتعالى ، ونستعينه ونستهديه ، ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، ونسأله عز وجل أن يجنبنا الزلل في القول والعمل ، ونصلى ونسلم على رسله الكرام ، وعلى أولهم خاتم الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى   يوم الدين .

      أما بعد : فهذا الجزء الثاني من كتابنا الذي يبين حقيقة الشيعة الاثنى عشرية، حيث كان الجزء الأول دراسة مقارنة في عقيدة الإمامة والعقائد التابعة ، وجاء هذا الجزء في التفسير وأصوله ، وهو دراسة مقارنة أيضاً ، ولذلك جعلته قسمين :

القسم الأول : تحدثت فيه عن التفسير وأصوله عند أهل السنة .

القسم الثاني : جعلته لبيان التفسير وأصوله عند الشيعة .

     والقسم الأول يضم ثمانية فصول ، والقسم الثاني سبعة فصول .

     وهذا الجزء طبع من قبل في كتاب مفرد ، ولم أجد فيه ما يحتاج إلى الحذف أو الإضافة ، غير أن خاتمته عرضت موجزا للبحث ، وأشارت إلى نتائجه ، فلا حاجة هنا إذن إلى إثبات ما كتبته في الخاتمة .

     نسأل الله تعالى أن يجعل عملنا خالصا لوجهه ، وأن يتقبله منا ، إنه نعم المولى ونعم النصير ، وهو المستعان ، وله الحمد في الأولى والآخرة .] سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [.


 

علم التفسير

التفسير في اللغة :

      التفسير في اللغة راجع إلى معنى الإظهار والكشف والبيان ، ومنه قوله   تعالى : ] وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا  [ ([1]) فكلمة : " تفسيرا " هنا يراد بها البيان والوضوح .

التفسير في الاصطلاح :

 قال الزركشى في البرهان التفسير في الاصطلاح : هو علم نزول الآية وسورتها وأقاصيصها ، والإشارات النازلة فيها . ثم ترتيب مكيها ومدنيها ، ومحكمها ومتشابهها ، وناسخها ومنسوخها ، وخاصها وعامها ، ومطلقها ومقيدها ، ومجملها ومفسرها . وزاد فيها قوم فقالوا : علم حلالها وحرامها ، ووعدها ووعيدها ، وأمرها ونهيها ، وعبرها وأمثالها [2] .

      وما ذكره الزركشى يحدد ما يقوم به المفسر لكتاب الله المجيد ، فعليه أن يبين كل ما ذكر ، ويوضحه ويكشف عنه .

التأويل :

      وقد يطلق على التفسير التأويل ؛ فتفسير الطبري سماه " جامع البيان عن تأويل أي القرآن " ، وعند تفسير الآيات الكريمة يقول : القول في تأويل كذا ، أو اختلف أهل التأويل ، أو اتفق أهل التأويل ... إلخ .

  وفى لسان العرب : أول الكلام وتأوله : دبره وقدره ، وأوله وتأوله : فسره .

      وممن ذهب إلى عدم التفرقة بين التفسير والتأويل : أبو عبيد ، وأبو العباس أحمد ابن يحيى ، وابن الأعرابى ، وثعلب : غير أنه قال : التفسير والتأويل واحد ، أو هو كشف المراد عن المشكل ، والتأويل رد أحد المحتملين إلى ما يطابق الظاهر([3]) .

      وأصل التأويل في اللغة من الأول وهو الرجوع لعاقبة الأمر ، ومعنى       قولهم : ما تأويل هذا الكلام ؟ أي : إلام تئول العاقبة في المراد به ؟ ويقال : آل الأمر إلى كذا : أي صار إليه ؛ والمآل : هو العاقبة والمصير.

      وتقول : أولته فآل : أي صرفته فانصرف ، فكأن التأويل صرف الآية إلى ما تحتمله من المعاني .

      وقيل : أصل التأويل من الإيالة ، وهى السياسة ، فكأن المؤول للكلام يسوى الكلام ويسوسه ، ويضع المعنى فيه موضعه .

      والمعنى اللغوى للتأويل لا يمنع من إطلاقه على التفسير ، ولكن قوماً ذهبوا إلى التفرقة بين التفسير والتأويل : فالماتريدى الذي سمى تفسيره " تأويلات أهل السنة " ، مما يرجح أنه لا يفرق بينهما ، قال :

      التفسير : القطع على أن المراد من اللفظ هذا ، والشهادة على الله ـ سبحانه وتعالى ـ أنه عنى باللفظ هذا . والتأويل : ترجيح أحد المحتملات بدون القطع والشهادة .

      وقال ابن حبيب النيسابورى والبغوى وغيرهما : التأويل صرف الآية إلى معنى موافق لما قبلها وما بعدها ، تحتمله الآية ، غير مخالف للكتاب والسنة ، من طريق الاستنباط . والتفسير هو الكلام في أسباب نزول الآية وشأنها وقصتها .

وقال ابن الأثير : المراد بالتأويل : نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلى إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ .

      وقال الراغب الأصفهانى :التفسير أعم من التأويل ، وأكثر استعماله في الألفاظ ومفرداتها ، وأكثر استعمال التأويل في المعاني والجمل ، وأكثر ما يستعمل في الكتب الإلهية  ، والتفسير يستعمل في الكتب الإلهية وغيرها .

      وقال السيد الشريف على بن محمد الجرجانى : التفسير علم يبحث فيه عن أحوال كلام الله المجيد من حيث دلالته على مراده، وينقسم إلى تفسير : وهو ما لا يدرك إلا بالنقل ؛ كأسباب النزول ، والقصص ، فهو ما يتعلق بالرواية ، وإلى تأويل : وهو ما يمكن إدراكه بالقواعد العربية ، وهو ما يتعلق بالدراية ، فالقول في الأول بلا نقل خطأ ، وكذا القول في الثاني بمجرد التشهى وإن أصاب فيهما ([4]) .

      وأمام هذا الخلاف ننظر إلى معنى التأويل كما يفهم من الكتاب والسنة .

كلمة تأويل في القرآن الكريم : كلمة تأويل ذكرت في القرآن الكريم سبع عشرة مرة ، ففى سورة آل عمران ( آية 7 ) ]    هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا   [

      والمعنى هنا أن الذين في قلوبهم زيغ ، أي ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل ، يصرفون المتشابه عن معناه الذي يوافق المحكم إلى ما يوافق أغراضهم وباطلهم ، ولا يعلم تأويله الحق الذي يحمل عليه وتفسيره الصحيح إلا الله ، والعلماء الثابتون في علمهم المتمكنون يرجعون المتشابه إلى المحكم ، ويقولون : كل من المحكم والمتشابه من عند ربنا ، فلا يمكن أن يخالف بعضه بعضا .

      فكلمة تأويله الأولى تعنى تحريف المعنى ، ولهذا يأخذون من القرآن الكريم " المتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة ، وينزلوه عليها ، لاحتمال لفظه لما يصرفونه ، فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه لأنه دافع لهم وحجة عليهم "  ([5]) .

      وكلمة تأويله الثانية تعنى التأويل الحق الذي يحمل عليه المتشابه ، وهو المعنى الصحيح الذي لا يتعارض مع المحكم . وفى سورة النساء آية 59 :   ]  فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [ أحسن تأويلا : أحسن عاقبة ومآلا .

وفى سورة الأعراف آية 53 :  ]  هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ  [والتأويل هنا معناه : عاقبة أمره ، وما يئول إليه ما أخبر به سبحانه وتعالى من الوعد والوعيد .

      وفى سورة يونس آية 39 :   ]  بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُه ُ[ أي : مآله وعاقبة أمره ، وهو خذلانهم في الدنيا ، وخلودهم في النار في الآخـرة. وفى سورة يوسف وردت الكلمة في ثمانى آيات ، أرقامها : 6 ، 21 ، 36 ، 37 ، 44 ، 45 ، 100 ، 101 .

      ومن هذه الآيات الكريمة : ]  وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ   [  أي : بيان الرؤيا ، وهو تفسيرها وعبارتها .

ومنها : ]  وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ  قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا  [

 

والأولى تعني تعبير الرؤيا ، والثانية : نبأتكما بتأويله : أي أخبرتكما بأحواله التي سيكون عليها وماهي .

فالتأويل هنا بيان ما هيته وكيفيته ([6]) ،

وقال ابن كثير: يخبرهما يوسف عليه السلام  أنهما مهما رأيا في منامهما من حلم فإنه عارف بتفسيره ، ويخبرهما بتأويله قبل وقوعه ([7]) .

 

      ومن هذه الآيات الكريمة أيضا : ]  قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ  وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ   [  .  ومنها : ]  وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ    [ .

وفى سورة الإسراء آية 35 : ]   وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً    [  أي : مآلا في الآخرة .

وفى سورة الكهف آية 78 : ]   قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا  [.

وفيها أيضاً آية 82 :   ]   ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرً  [   والتأويل هنا هو ما ذكره الخضر ـ  ـ تفسيراً للأحداث التي رآها موسى ـ  ـ وأنكرها ، وهى : خرق السفينة ، وقتل الغلام ، وإقامة الجـدار .

كلمة تأويل في السنة المطهرة :

       وننظر بعد هذا في كتب السنة :

      1 ـ روى الإمام أحمد والطبرانى عن ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا له فقال : " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " .

      وعند البزار : " اللهم علمه تأويل القرآن " .

      وعند أحمد من وجه آخر عن عكرمة : " اللهم اعط ابن عباس الحكمة وعلمه التأويل " ([8]) .

      2 ـ وروى الشيخان أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :

      " بينما أنا نائم رأيت الناس يعرضون على وعليهم قمص ، منها ما يبلغ  الثدي ، ومنها ما دون ذلك . وعرض على عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره . قالوا : فما أولت ذلك يا رسول الله ؟ قال : الدين " ([9]) .

      3 ـ وفى رواية جابر لحجة الرسول صلى الله عليه وسلم قال :

      " نظرت إلى مد بصري من بين يديه ، بين راكب وماش ، وعن يمينه مثل ذلك ، وعن يساره مثل ذلك ، ومن خلفه مثل ذلك ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن ، وهو يعرف تأويله ، ما عمل به من شيء عملنا به ...... "([10]).

      4 ـ وروى الإمام البخاري عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده :

سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي ، يتأول القرآن " ([11])

تعنى أنه مأخوذ من قوله تعالـى :  ]   فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ   [ 

      5 ـ وفى صحيح البخاري أيضاً:... فكان عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يقول:لا يرث المؤمن الكافر.

      قال ابن شهاب : وكانوا يتأولون قول الله تعالى " 72 : الأنفال " : ]  إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ   [    الآية ([12]) .

      قال ابن حجر : قوله " قال ابن شهاب : وكانوا يتأولون إلخ " أي كانوا يفسرون قوله تعالى: ]  بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ  [  بولاية الميراث ، أي يتولى بعضهم بعضا في الميراث وغيره ([13]) .

      6 ـ ومن حديث رواه الإمام أحمد أن الرسول قال : " يتعلمون القرآن فيتأولونه على غير ما أنزل الله عزوجل " ([14]) .

      7 ـ روى الإمام مالك عن كعب الأحبار ، أن رجلاً نزع نعليه ، فقال :

لم خلعت نعليك ؟ لعلك تأولت هذه الآية      ]  فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى[    قال : ثم قال كعب للرجل : أتدرى ما كانت نعلا موسى ؟ ... إلخ([15])  

      8 ـ عن عائشة رضي الله عنها قالت :  الصلاة أول ما  فرضت ركعتين ، فأقرت صلاة السفر ، وأتمت صلاة الحضر . قال الزهرى : فقلت لعروة : ما بال عائشة تتم ؟ قال : تأولت ما تأول عثمان  ([16]) .

      أراد بتأويل عثمان ـ رضي الله عنه ـ ما روى عنه أنه أتم الصلاة بمكة في الحج ، والخلاف حول تأويل عثمان يطول ذكره ([17]) .

      بعد هذا العرض لما جاء في القرآن الكريم ، وفى كتب السنة النبوية المطهرة، نرى أن إطلاق تأويل القرآن على تفسيره لا يتعارض مع ما جاء من استعمال كلمة تأويل في هذين المصدرين ، إضافة إلى ما رأيناه من قبل من المعنى اللغوى ، مع عدم إغفال أن التأويل منه ما هو باطل فاسد ، ومنه ما هو حق صحيح ، وكذلك التفسير .

التفرقة بين التفسير والتأويل :

       والذين رأوا التفرقة بين التفسير والتأويل نرى أن فيما ذهبوا إليه نظراً :

      1 ـ فكلام الماتريدى يجعل التفسير قاصراً على قول المعصوم صلى الله عليه وسلم ، وعلى ما لا يحتاج إلى تفسير ! ولعل هذا هو الذي جعله يسمى تفسيره " تأويلات أهل السنة " .

      ويتعارض هذا مع ما جاء في السنة من أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف تأويل القرآن الكريم ، وأنه يتأول القرآن .

      2 ـ ما ذهب إليه النيسابوري والبغوي وغيرهما من قصر التفسير على الكلام في أسباب نزول الآية وشأنها وقصتها غير مسلم ، فالتفسير بمعناه المفهوم لا يتم بهذا وحده ، وإنما لابد من النظر والاستنباط حتى يتم التوضيح والإظهار والبيان ، أي التفسير ، فما ذكروه من أنه تأويل هو أيضا تفسير ، ومثله ما ذكره ابن الأثير .

      3 ـ كلام الراغب الأصفهاني لا يمنع اطلاق التأويل على التفسير .

      4 ـ كلام الشريف الجرجاني يشير إلى نوعى التفسير المعروفين ، وهما : التفسير المأثور أو النقلي ، وهو يتعلق بالرواية ، والتفسير العقلي ، وهو يتعلق بالدراية ، وما ذكره عن كل منهما صحيح ، غير أنه سمى أحدهما تفسيراً والآخر تأويلاً ، وتفسير القرآن الكريم يجمع الاثنين .

      وقد بين ابن تيمية سبب الخلاف في فهم المراد بالتأويل فقال : " أصل ذلك أن لفظ التأويل فيه اشتراك بين ما عناه في القرآن ، وبين ما كان يطلقه طوائف من السلف ، وبين اصطلاح طوائف من المتأخرين فبسبب الاشتراك في لفظ التأويل اعتقد كل من فهم منه معنى بلغته أن ذلك هو المذكور في القرآن"([18]) ثم بين أن معاني التأويل ثلاثة ، فقال : " التأويل في عرف المتأخرين من المتفقهة والمتكلمة والمحدثة والمتصوفة ونحوهم : هو صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به ، وهذا هو التأويل الذي يتكلمون عليه في أصول الفقه ومسائل الخـلاف  

وأما التأويل في لفظ السلف فله معنيان :

      أحدهما : تفسير الكلام وبيان معناه ، سواء وافق ظاهره أو خالفه ، فيكون التأويل والتفسير عند هؤلاء متقاربا أو مترادفا ، وهذا ـ والله أعلم ـ هو الذي عناه مجاهد أن العلماء يعلمون تأويله ، ومحمد بن جرير الطبري يقول في تفسيره : القول في تأويل قوله كذا وكذا ، واختلف أهل التأويل في هذه الآية ، ونحو ذلك ، ومراده التفسير .

       والمعنى الثاني في لفظ السلف ، وهو الثالث من مسمى التأويل مطلقاً ، هو نفس المراد بالكلام ، فإن الكلام إن كان طلبا كان تأويله نفس الشئ  المخبر به([19]) .

التفسير والتأويل والمعنى :

وقد يطلق على التفسير أيضاً المعنى ؛ فالفراء ـ مثلاً ـ سمى تفسيره " معاني القرآن " ، وسئل أبو العباس أحمد بن يحيى عن التأويل فقال : التأويل والمعنى والتفسير واحد ، وقال مثل هذا ابن الأعرابي ([20]) .

وروى عن ابن مسعود أنه قال : كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن ، والعمل بهن ([21]) .

وعلى هذا يمكن القول : تفسير الآية كذا ، أو تأويلها ، أو معناها ، وكل هذا تعبير صحيح .

غير أننا إذا جئنا إلى العلم القائم بذاته ، الذي له نشأته وتطوره ، وكتبه ورجاله ، فإننا لا نكاد نجد إلا اسماً واحداً تعارف عليه الجميع وهو : " علم التفسير " .

تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم

بيان السنة للقرآن :

قال سبحانه وتعالى : ]   إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ  فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ  ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ    [  ([22]) .

وقال عزوجل :  ]   وَأَنزَلْنَا إِلَيكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ  [  ([23])

وقال جلت قدرته : ] إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ   [  ([24])

فالله سبحانه وتعالى كما تكفل بحفظ القرآن الكريم ، تكفل كذلك ببيانه . والرسول صلى الله عليه وسلم قد فهم القرآن الكريم جملة وتفصيلا ، فلم يعزب عنه شئ من علمه . ثم كان عليه أن يبين لصحابته الكرام ما يغيب عنهم .

وتفسير الرسول صلى الله عليه وسلم للقرآن الكريم فيه بيان للمجمل ، وقد يقيد المطلق أو يطلق المقيد ، وقد يخصص العام أو يعمم الخاص ، كل ذلك بوحى من الله وأمره ، وتعليمه وتوفيقه جلت عظمته كما قال تعالى : ]  وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى  إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى  عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى    [ ([25])   .

القسم الثاني

التفسير وأصوله عند الشيعة الاثني عشرية

ثلاثة وجوه :

      قال الإمام الشافعى رضي الله عنه : فلم أعلم من أهل العلم مخالفا في أن سنن النبي  صلى الله عليه وسلم من ثلاثة وجوه :

فأجمعوا منها على وجهين , والوجهان يجتمعان ويتفرقان . أحدهما ما أنزل الله فيه نص كتاب , فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما نص الكتاب . والآخر مثل ما أنزل فيه جملة كتاب , فبين عن الله تعالى معنى ما أراده .

      وهذان الوجهان اللذان لم يختلفوا فيهما .

     والوجه الثالث : ماسن رسول الله صلى الله عليه وسلم  فيما ليس فيه نص كتاب . فمنهم من قال : جعل الله سبحانه له بما افترض من طاعته وسبق في علمه من توفيقه لرضاه، أن سن فيما ليس له فيه نص كتاب . ومنهم من قال : لم يسن سنة قط إلا ولها أصل في الكتاب ، كما كانت سنته لتبيين عدد الصلاة وعملها على أصل جملة فرض الصلاة ، وكذلك ما سن فيه من البيوع وغيرها من الشرائع لأن الله قال :   ]  وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ  [ ، وقال : ] وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحرَّمَ الرِّبَا[

وأورد الإمام الشافعى قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " ما تركت شيئاً مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به ، ولا تركت شيئا مما نهاكم الله عنه إلا وقد نهيتكم عنه " ([26]) .

عدم كثرة ما يتصل بالتفسير من السنة :

       ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين كثيرا من أحكام العبادات والمعاملات والأحوال الشخصية ، وغير ذلك مما لم يبين في القرآن الكريم ، ولا سبيل إلى معرفته إلا بهذا البيان النبوى ، غير أن هذا البيان من الأحاديث المتصلة بالتفسير ، والتى صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليس كثيراً . وسبب هذا أن الصحابة الكرام كانوا أعلم الناس بالقرآن الكريم ؛ فبلغتهم نزل ، وهم أفصح العرب ، وعاشوا أسباب النزول ، فعرفوا ظواهر القرآن الكريم ، وتعلموا الأحكام وطبقوها :فعن ابن مسعود قال : كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن ، والعمل بهن .

 وعن أبى عبد الرحمن قال : حدثنا الذين كانوا يقرءوننا أنهم كانوا يستقرءون من النبي صلى الله عليه وسلم ، فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل ، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا ([27]) .

 قال ابن خلدون : " أما التفسير فاعلم أن القرآن نزل بلغة العرب وعلى أساليب بلاغتهم ، فكانوا كلهم يفهمونه ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه . وكان ينزل جملا جملا ، وآيات آيات ، لبيان التوحيد والفروض الدينية بحسب الوقائع . ومنها ما هو في العقائد الإيمانية ، ومنها ما هو في  أحكام الجوارح ، ومنها ما يتقدم ومنها ما يتأخر ويكون ناسخاً لها . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبين المجمل ، ويميز الناسخ من المنسوخ ، ويعرفه أصحابه فعرفوه ، وعرفوا سبب نزول الآيات ومقتضى الحال منها " ([28]) .

جمع أحاديث التفسير :

      وأورد هنا بعض الأحاديث الصحيحة والحسنة المتصلة بالتفسير التي أمكننى جمعها ما استطعت بحول الله تعالى وقدرته وتوفيقه ، وأعتمد هنا أساساً على هذه الكتب :

      أولا : صحيح البخاري ـ وشرحه فتح الباري ـ حيث أخرج الكثير من الأحاديث في كتاب التفسير ، قال ابن حجر في نهاية هذا الكتاب في فتح الباري :

      " اشتمل كتاب التفسير على خمسمائة حديث وثمانية وأربعين حديثا من الأحاديث المرفوعه وما في حكمها ، الموصول من ذلك أربعمائة حديث وخمسة وستون حديثاً ، والبقية معلقة وما في معناه . المكرر من ذلك فيه وفيما مضى أربعمائة وثمانية وأربعون حديثاً ، والخالص منها مائة حديث وحديث ، وافقه مسلم على تخريج بعضها ولم يخرج أكثرها لكونها ليست ظاهرة في الرفع ، والكثير منها من تفاسير ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، وهى ستة وستون حديثا " .

      وبعد أن ذكر هذه الأحاديث قال :

" وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم خمسمائة وثمانون أثراً " .

فصحيح البخاري إذن فيه الكثير من الأحاديث المرفوعة وما في حكمها ، ومن الآثار كذلك ، والأخذ منه يغنينا عن النظر في السند ، وإن كنا هنا سنقتصر على الأحاديث المرفوعة فقط .

يضاف إلى هذا أن ابن حجر في شرحه يذكر ما يتصل بالموضوع من الأحاديث برواياتها المختلفة ، وكذلك الرواة .

ثانيا : صحيح مسلم ، ومختصره للحافظ المنذرى . وإن كان الإمام مسلم لم يخرج الكثير([29])، غير أننا نأخذ مما أخرجه لكونه من الصحيح .

ثالثا : الإتقان في علوم القرآن لجلال الدين السيوطي : قال بعد أن تحدث عن طبقات المفسرين ، وأوشك على الانتهاء من كتابه :

" وإذ قد انتهى بنا القول فيما أردناه من هذا الكتاب فلنختمه بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من التفاسير المصرح برفعها إليه " .

وبعد أن ذكر قدراً كبيراً من الأحاديث قال :

" فهذا ما حضرنى من التفاسير المرفوعة المصرح برفعها ، صحيحها وحسنها ، وضعيفها ومرسلها ومعضلها ، ولم أعول على الموضوعات   والأباطيل" .

وإذ نستعين بما أورده السيوطي في الإتقان إلا أنا لا نأخذ منه إلا الصحيح والحسن سواء أكان ما ذكره مأخوذاً من كتب السنة أم من كتب التفسير .

رابعاً : الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي أيضا : وهذا الكتاب يختلف عن سابقيه ، فهو في ستة أجزاء من الحجم الكبير ، وفيه من الأحاديث الضعيفة والموضوعة أكثر مما فيه من الأحاديث الصحيحة .

فلا نزعم أنا قرأناه كله ، ولكننا رجعنا إليه في تفسير بعض الآيات الكريمة لأنه يتوسع كثيرا في ذكر الروايات المختلفة ، والإشارة إلى من رواها من رجال الحديث والتفسير .

خمسة وثلاثون حديثاً :

بعد هذا لنبدأ في ذكر أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعدد ما جمعته بلغ خمسة وثلاثين حديثا .

     1 ـ عن أبى سعيد بن المعلى قال : " كنت أصلى في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه ، فقلت : يا رسول الله ، إني كنت أصلى ، فقال : ألم يقل الله :  ]  اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم  [ ؟ ثم قال لي : لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد ، ثم أخذ بيدى ، فلما أراد أن يخرج قلت له : ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القـرآن ؟ قال : ]  الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [هي السبع المثانى والقرآن العظيم الذي أوتيته ". [البخاري ـ كتاب التفسير ـ باب ما جاء في فاتحة الكتاب . وأخرجه الترمذى بسند آخر في فضائل القرآن : باب ما جاء في فضل فاتحة الكتاب ، وقال : حسن صحيح . وأخرجه كذلك ابن خزيمة والحاكم : انظر فتح الباري 8 / 157 ] .

      2 ـ قال صلى الله عليه وسلم : " اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضلال " . [ أخرجه الترمذى في أبواب التفسير : سورة فاتحة الكتاب ، وأخرجه أحمد وابن حبان : انظر فتح الباري 8 / 159 .      وذكر السيوطي أخبارا كثيرة ثم قال : قال ابن أبى حاتم : لا أعلم خلافا بين المفسرين في تفسير المغضوب عليهم باليهود والضالين بالنصارى ـ انظر الدر المنثور 1 / 16 ] .

      3 ـ قال صلى الله عليه وسلم : " الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين " . [ البخاري ـ كتاب التفسير ـ سورة البقرة ـ باب : ]  وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى  [  وفى رواية " من المن الذي أنزل على بنى إسرائيل " انظر فتح الباري 8 / 164 ] .

      4 ـ قال صلى الله عليه وسلم : " قيل لبنى إسرائيل  ]  ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ    [  فبدلوا فدخلوا الباب يزحفون على أستاههم وقالوا : حبة في شعرة ".[ أخرجه الشيخان في كتابي التفسير في صحيحيهما ، واللفظ لمسلم ، وفى سنن الترمذي دخلوا متزحفين على أوراكهم أي منحرفين . وانظر روايات أخرى في الدر المنثور 1 / 71 ] .

      5 ـ قال صلى الله عليه وسلم : " يدعى نوح يوم القيامة فيقول : لبيك وسعديك يا رب ، فيقول : هل بلغت ؟ فيقول : نعم . فيقال لأمته : هل بلغكم ؟ فيقولون : ما أتانا من نذير ، فيقول : من يشهد لك ؟ فيقول : محمد وأمته ، فيشهدون أنه قد بلغ ، ويكون الرسول عليكم شهيداً فذلك قوله جل ذكره  ]  وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدً [والوسط : العدل " . [ أخرجه البخاري في كتاب التفسير ـ سورة البقرة : باب : ]وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [  وأخرجه أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجه ، وزيد في رواية : " فيقال : وما علمكم ؟ فيقولون : أخبرنا نبينا أن الرسل قد بلغوا فصدقناه " : انظر فتح الباري 8 / 172 ] .

      6 ـ عن عدى بن حاتم رضي الله عنه قال : " قلت : يا رسول الله ، ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، أهما الخيطان ؟ قال : إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين . ثم قال : لا ، بل هو سواد الليل وبياض النهار " .

      [ البخاري : باب : ]  وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ  [ وأخرجه الترمذى في تفسير الآية الكريمة بلفظ " إنما ذلك بياض النهار من سواد الليل " وقال : هذا حديث حسن صحيح ] .

      7 ـ عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم   في قوله تعالى :]   نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حــرْثَكُمْ إني شِئْتُمْ    [   يعنى صماماً واحداً .[ أخرجه الترمذى وقال : هذا حديث حسن صحيح ، ويروى : في صمام واحد ]. وعن ابن عباس قال : " جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، هلكت ، قال : وما أهلكك ؟ قال : حولت رحلى الليلة . قال : فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً ، قال : فأنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ]   نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ إني شِئْتُمْ  [  أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة " .

      [ أخرجه الترمذى وقال : حسن غريب . وقال ابن حجر في الفتح "         8 / 191 " : أخرجه أحمد والترمذى من وجه صحيح .

      وراجع كثيراً من الأخبار المرفوعة والموقوفة في الدر المنثور              1 / 261 ـ 267 ] .

      8 ـ قال صلى الله عليه وسلم  يوم الخندق : " حبسونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس ، ملأ الله قبورهم وبيوتهم ـ أو أجوافهم ـ نارا " " شك يحيى بن سعيد القطان أحد الرواه " .

      [ البخاري ـ سورة البقرة : باب " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطىـ وأخرج مسلم عدة روايات في كتاب الصلاة : باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر ، وفى بعضها " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر " ، وعند الترمذى " صلاة الوسطى صلاة العصر " وقال : حسن         صحيح ، ورواه غيرهم : انظر فتح الباري 8 / 195 ، والإتقان 2 / 192 ، والدر المنثور 1 / 300 ـ 305 ] .

      9 ـ عن أبى هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ليس المسكين الذي ترده التمرة و التمرتان ، ولا اللقمة ولا اللقمتان . إنما المسكين الذي يتعفف . اقرءوا إن شئتم ـ يعنى قوله تعالى ]  لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً [.

      [ البخاري ـ سورة البقرة ـ باب ]  لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً   [ وروى أحمد وأبو داود والنسائى وصححه ابن خزيمة وابن حبان من طريق عبد الرحمن بن أبى سعيد عن أبيه مرفوعاً " من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف " ، وفى رواية ابن خزيمة " فهو ملحف " ، والأوقية أربعون درهما .

      ولأحمد من حديث عطاء بن يسار عن رجل من بنى أسد رفعه " ومن سأل وله أوقية أوعدلها فقد سأل إلحافاً " .

      ولأحمد والنسائى من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه " من سأل وله أربعون درهما فهو ملحف " انظر فتح الباري 8 / 202  ـ 203 ، والدر المنثور 1 / 358 ـ 363 ] .

      10 ـ قال صلى الله عليه وسلم : " من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له ماله شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ، يأخذ بلهزمتيه : يعنى بشدقيه ـ يقول : أنا مالك ، أنا كنزك . ثم تلا هذه الآيـة  ]وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ [  إلى آخر الآية

      [ البخاري ـ سورة آل عمران : باب :] وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ   [ ، وعند الترمذى : " ما من رجل لا يؤدى زكاة ماله إلا جعل الله يوم القيامة في عنقه شجاعا  " ، وقال : حسن صحيح . ورواه أيضاً أحمد والنسائى وابن خزيمة. انظر فتح الباري 8 / 230 ] .

      11 ـ قام أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية  ]  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ   [ ، وإنكم تضعونها على غير موضعها ، وإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب . [ أخرجه ابن أبى شيبة وأحمد وعبد بن حميد والحميدى في مسانيدهم وأبو داود والترمذى وصححه والنسائى وابن ماجه وغيرهم ـ انظر الدر المنثور 2 / 339 ، والإتقان 2 / 193 ] .

      12 ـ قال صلى الله عليه وسلم : مفاتح الغيب خمس :  ]  إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ    [وفى رواية أخرى قال : مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله : لا يعلم ما في غد إلا الله ، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ، ولا يعلم متى يأتى المطر أحد إلا الله ، ولا تدرى نفس بأى أرض تموت ، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله .

       [ انظر البخاري : سورة الأنعام . باب :  ]  وَعِندَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ[  وسورة الرعد باب : ]  اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ  [   وسورة لقمان ـ باب :  ]  إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ  { .

      وروى أحمد والبزار وصححه ابن حبان والحاكم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : خمس لا يعلمهن إلا الله  ]  إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَة [ الآية . انظر فتح الباري 8 / 514 ، والدر المنثور 3 / 15 ] .

      13 ـ قال صلى الله عليه وسلم : لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا رآها الناس آمن من عليها ، فذاك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبـل .

      وفى رواية أخرى قال : لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون ، وذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها . ثم قرأ الآية .

      [ انظر البخاري ـ سورة الأنعام : باب  ]  قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ  [ ، وباب: ]   لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا   [.

      ورواه مسلم وأحمد والترمذى وغيرهم ، انظر الإتقان 2 / 194 ، وفى رواية لمسلم : ثلاث إذا خرجن ]  لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا   [ : طلوع الشمس من مغربها ، والدجال ، ودابـة الأرض .

      راجع كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم ـ سورة الأنعام باب في قوله تعالى : ]  لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ   [ واقرأ أخباراً كثيرة في الدر المنثور 3 / 57 ـ 62 ] .

      14 ـ قال صلى الله عليه وسلم : ينادى مناد : إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً ، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً ، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً ، وإن لكم أن تنعموا فلا تبتئسوا أبداً ، فذلك قوله عزوجل :   ]  وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ   [ .

[ مختصر مسلم ـ سورة الأعراف ـ باب في قوله تعالى  ]  وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ    [ .

      وأخرجه ابن أبى شيبة وأحمد وعبد بن حميد والدارمى والترمذى والنسائى وآخرون ـ انظر الدر المنثور 3 / 85 ] .

      15 ـ عن أبى سلمة بن عبد الرحمن قال : مر بى عبد الرحمن بن أبى سعيد الخدرى ـ رضي الله عنه ، قال : قلت له : كيف سمعت أباك يذكر في المسجد الذي أسس على التقوى ؟ قال : قال أبى : دخلت على رسول الله  صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه ، فقلت : يا رسول الله أي المسجدين الذي أسس على التقوى ؟ قال : فأخذ كفاً من حصباء فضرب به الأرض ، ثم قال : هو مسجدكم هذا " لمسجد المدينة " . قال : فقلت : أشهد بأنى سمعت أباك هكذا يذكره .

      [ مختصر صحيح مسلم ـ كتاب الصلاة باب في المسجد الذي أسس على التقوى ، وكتاب الحج باب بيان المسجد الذي أسس على التقوى ، وأخرجه ابن أبى شيبة وأحمد والترمذى والنسائى وغيرهم .

      و في إحدى الروايات : اختلف رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي أسس على التقوى ، فقال أحدهما : هو مسجد الرسول  صلى الله عليه وسلم ، وقال الآخر هو مسجد قباء ، فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه ، فقال : هو مسجدى هذا .

      انظر الدر المنثور 3 / 277 ، والإتقان 2 / 195 .

      ومن المعلوم أن الآية الكريمة إنما نزلت في مسجد قباء ، ولكن إذا كان هذا المسجد أسس على التقوى من أول يوم ، فمسجد رسول الله  صلى الله عليه وسلم أولى           بتسميته بذلك .

      راجع ما قاله ابن تيمية وابن كثير في كتابى : آية التطهير بين أمهات المؤمنين وأهل الكساء : ص 26 ] .

      16 ـ عن صهيب ـ رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية ] لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ    [  قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، نادى مناد : يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه ، فيقولون : وما هو ؟ ألم تثقل موازيننا ، وتبيض وجوهنا ، وتدخلنا الجنة ، وتزحزحنا عن النار ؟ قال : فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليه ، فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من النظر إليه ولا أقر لأعينهم .

      [ أخرجه أحمد ومسلم والترمذى وابن ماجه وغيرهم ، وفى رواية : الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الرحمن . انظر الدر المنثور 3 / 305 والإتقان    2 / 195 ] .

      17 ـ عن الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى  ]  لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ  [  قال : هي في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها العبد الصالح أو ترى له،وفى الآخرة الجنة .

      وفى رواية : الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له ، فهى بشراه في الحياة الدنيا ، وبشراه في الآخرة الجنة .

      [ أخرجه سعيد بن منصور وابن أبى شيبة وأحمد والترمذى وحسنه وغيرهمـ انظر الدر المنثور 3 / 311 والإتقان 2 / 195 ـ 196 ] .

      18ـ قال صلى الله عليه وسلم : يدنى المؤمن من ربه حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه : تعرف ذنب كذا ؟ يقول : أعرف ، يقول : رب أعرف " مرتين " . فيقول : سترتها في الدنيا ، وأغفرها لك اليوم . ثم تطوى صحيفة حسناته .

      وأما الآخرون ـ أو الكفار ـ فينادى على رءوس الأشهاد : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم .

   [ البخاري ـ سورة هود ـ باب  ]  وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ   [.

      وفى مسلم : يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه عزوجل حتى يضع عليه كنفه ، فيقرره بذنوبه ، فيقول : هل تعرف ؟ فيقول : أي رب أعرف .قال : فإنى قد سترتها عليك في الدنيا ، وإنى أغفرها لك اليوم ، فيعطى صحيفة حسناته ، وأما الكفار والمنافقون ، فينادى بهم على رءوس الخلائق : هؤلاء الذين كذبوا على الله .

      راجع مختصر صحيح مسلم ـ كتاب التوبة وقبولها ـ باب في النجوى وتقرير العبد بذنوبه .

      وأخرجه ابن المبارك وابن أبى شيبة وابن جرير وغيرهم ـ انظر الدر المنثور 3 / 325 ] .

      19 ـ قال صلى الله عليه وسلم : إن الله ليملى للظالم ، حتى إذا أخذه لم يفلته . ثم            قرأ : ]  وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [ .

     [ البخاري ـ سورة هود ـ باب  ]  وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ   [   .

      وفى مسلم : إن الله عزوجل يملى للظالم ، فإذا أخذه لم يفلته ، ثم قرأ ... انظر مختصر صحيح مسلم ـ كتاب الظلم ـ باب في الإملاء للظالم .

      وأخرج الحديث : الترمذى والنسائى وابن ماجه وغيرهم ـ انظر الدر المنثور 3 / 349 ] .

      20 ـ عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن رجلاً أصاب من إمرأة قبلة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له ، فأنزلت عليه  ]  وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ   [ قال الرجل : أَِلىَ هذا ؟ قال : لمن عمل بها من أمتى .

     [ البخاري ـ سورة هود ـ باب :   ]  وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ   [  .

      وفى مسلم : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني عالجت أمرأة في أقصى المدينة ، وإنى أصبت منها ما دون أن أمسها ، فأنا هذا ، فاقض في ما شئت . فقال له عمر : لقد سترك الله ، لو سترت نفسك . قال : فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ، فقام الرجل فانطلق ، فأتبعه الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً دعاه ، وتلا عليه هذه الآية :

 

   ]  أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [ فقال رجل من القوم : يا نبي الله : هذا له خاصة ؟ قال : بل للناس كافة.

      سورة هود ـ باب في قوله تعالى ]  إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ    [.

    وأخرجه أحمد والترمذى والنسائى وغيرهم ـ انظر الدر المنثور  3 / 352 ] .

      21 ـ عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أخبرونى بشجرة تشبه أو كالرجل المسلم لا يتحات ورقها ولا ولا ولا ، تؤتى أكلها كل حين ، قال ابن عمر : فوقع في نفسى أنها النخلة ، ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان ، فكرهت أن أتكلم . فلما لم يقولوا شيئاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  هي النخلة .....

      [ البخاري ـ سورة إبراهيم ـ باب : ]  كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ    [  .

      ورواه الترمذى والنسائى والحاكم وابن حبان وأحمد باختلاف يسير عن البخاري ـ انظر الإتقان 2 / 197 ، وراجع كذلك الدر المنثور 4 / 76 ـ 77 

      وفى مسلم : أخبرونى بشجرة شبه أو كالرجل المسلم لا يتحات ورقها ، تؤتى أكلها كل حين .

      مختصر مسلم : كتاب الإيمان ـ باب مثل المؤمن .. ] .

      22 ـ قال صلى الله عليه وسلم : المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فذلك قوله : ]  يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ    [ .

   [ البخاري ـ سورة إبراهيـم بـاب :]  يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ   [      ورواه غير البخاري كثير من الأئمة ـ انظر الإتقان 2 / 197                 والدر المنثور 4 / 78 ] .

      23 ـ عن أبى هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فضل صلاة الجمع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة ، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح .

 يقول أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم :]  وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا  [.

      [ البخاري ـ سورة الإسراء ـ باب   ] إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا  [   .

        وأخرجه عبد الرزاق ومسلم وابن جرير وغيرهم . وأخرج أحمد والترمذى وصححه والنسائى وابن ماجه وآخرون عن أبى هريــرة في قوله تعالــى :  ]  وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [ قال : تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار تجتمع فيها .

      انظر الدر المنثور 4 / 196 ، والإتقان 2 / 198 ] .

      24 ـ قال صلى الله عليه وسلم : إن موسى قام خطيباً في بنى إسرائيل ، فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا . فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه ، فأوحى الله إليه : إن لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك . قال موسى : يا رب فكيف لي به ؟ قال : تأخذ معك حوتاً فتجعله في مكتل ، فحيثما فقدت الحوت فهو ثم . فأخذ حوتاً فجعله في مكتل ثم انطلق ، وانطلق معه فتاه يوشع بن نون ... إلخ .

      [ انظر الخبر بتمامه ، وأخباراً أخرى للبخارى وغيره في فتح الباري         8 / 409 ـ 425 ، وانظر الدر المنثور 4 / 229 ـ 240 ومختصر صحيح مسلم ـ كتاب ذكر الأنبياء وفضلهم ـ باب في قصة موسى مع الخضر عليهما السلام] .

      25 ـ عن المغيرة بن شعبة قال : بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران ، فقالوا : أرأيت ما تقرءون  ]  يَا أُخْتَ هَارُونَ   [  ؟ وموسى قبل عيسى بكذا أوكذا  قال : فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم .

      [ أخرجه ابن أبى شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذى والنسائى وغيرهم ـ انظر الدر المنثور 4 / 270 والإتقان 2 / 198 ] .

      26 ـ عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا أحب الله عبداً نادى جبريل : إني قد أحببت فلاناً فأحبه ، فينادى في السماء ، ثم تنزل له المحبة في أهل الأرض ، فذلك قول الله ‌‌‌‌‌‌ ]  إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا  [  .

      [ أخرجه الشيخان وغيرهما ـ انظر الدر المنثور 4 / 287 ، والإتقان        2 / 199 ] .

      27 ـ عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن رجلاً قال : يا نبي الله ، يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة ؟ قال : أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادراً على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة .

      [ البخاري ـ سورة الفرقان باب : ]  الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا    [ .

      قال ابن حجر : وفى حديث أبى هريرة عند البزار " يحشر الناس على ثلاثة أصناف : صنف على الدواب ، وصنف على أقدامهم ، وصنف على وجوههم . فقيل : فكيف يمشون على وجوههم " الحديث .

      ويؤخذ من مجموع الأحاديث أن المقربين يحشرون ركبانا ، ومن دونهم من المسلمين على أقدامهم ، وأما الكفار فيحشرون على وجوههم . فتح الباري          8 / 492 .

      وروى الحديث مسلم وغيره ـ انظر الإتقان 2 / 198 .

      ومختصر مسلم ـ كتاب صفة القيامة ـ باب حشر الكافر على وجهه يوم القيامة ] .

      28 ـ عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : لما نزلت هذه الآية  ]  الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ  [شق ذلك على أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : أينا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه ليس بذاك ، ألا تسمع إلى قول لقمان لابنه  ]  إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ   [.

      [ البخاري سورة لقمان باب  ]  لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ   [

      ورواه أحمد ومسلم وغيرهما ـ انظر الإتقان 2 / 193 ، والدر المنثور     3 / 26 . ومختصر صحيح مسلم : كتاب التفسير ـ سورة الأنعام ـ باب في قوله تعالى :   ]  الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ  [   ]  .

      29 ـ عن فروه بن مسيك المرادى ـ رضي الله عنه ـ قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله ألا أقاتل من أدبر من قومى بمن أقبل منهم ؟ فأذن لي في قتالهم وأمرنى ، فلما خرجت من عنده أرسل في أثرى فردنى ، فقال : ادع القوم فمن أسلم منهم فاقبل منه ، ومن لم يسلم فلا تعجل حتى أحدث إليك ، قال وأنزل في سبأ ما أنزل . فقال رجل : يا رسول الله ، وما سبأ ؟ أرض أم امرأة ؟ قال : ليس بأرض ولا امرأة ، ولكنه رجل ولد عشرة من العرب ، فتيامن منهم ستة، وتشاءم منهم أربعة ، وأما الذين تشاءموا : فلخم وجذام وغسام وعاملة ، وأما الذين تيامنوا فالأزد والأشعريون وحمير وكندة ومذحج وأنمار .

      فقال رجل : يا رسول الله ، وما أنمار ؟ قال : الذين منهم خثعم وبجيلة .

      أخرجه أحمد وعبد بن حميد والبخارى في تاريخه والترمذى وحسنه وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه .

      وأخرج أحمد وعبد بن حميد والطبرانى وابن أبى حاتم وابن عدى والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبأ : أرجل هو أم امرأة أم أرض ؟ فقال : بل هو رجل ولد عشرة : فسكن اليمن منهم ستة ، وبالشام منهم أربعة . فأما اليمانيون : فمذحِج وكندة والأزد والأشعريون وأنمار وحمير ، وأما الشاميون : فلخم وجذام وعاملة وغسان .

      [ الدر المنثور 5 / 231 ، وانظر الإتقان 2 / 200 ] .

      30 ـ عن أبى هريرة ـ رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال : " ما بين النفختين أربعون . قالوا : يا أبا هريرة ، أربعون يوماً ؟ قال : أبيت .           قال : أربعون سنة ؟ قال : أبيت . قال : أربعون شهرا ؟ قال : أبيت . ويبلى كل شئ من الإنسان إلا عجب ذنبه ، فيه يركب الخلق .

      وفى رواية أخرى . ما بين النفختين أربعون . قال : أربعون يوماً ؟قال: أبيت . قال :  أربعون شهراً ؟ قال : أبيت . قال : أربعون سنة ؟ قال :أبيت. قال :  ثم ينزل الله من السماء ماء ، فينبتون كما ينبت البقل ، ليس من الإنسان شئ إلا يبلى ، إلا عظماً واحداً . وهو عجب الذنب ، ومنه يركب الخلق يوم  القيامة .

   [ البخاري ـ سورة الزمر ـ باب]  وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ  يَنظُرُونَ  [وسورة النبأ ـ باب :  ]  يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا   [ .

      وقوله : أبيت : أي امتنعت عن القول بتعيين ذلك لأنه ليس عندى في ذلك توقيف . ولابن مردويه عن الأعمش في هذا الحديث فقال " أعييت " من الإعياء وهو التعب ، وكأنه أشار إلى كثرة من يسأله عن تبيين ذلك فلا يجيبه .

      وفى حديث أبى سعيد عند الحاكم وأبى يعلى : قيل : يا رسول الله ما عجب الذنب ؟ قال : مثل حبة خردل .

      والعجب . عظم لطيف في أصل الصلب ، وهو رأس العصعص ، وهو مكان رأس الذنب من ذوات الأربع .

      وقال العلماء . هذا عام يخص منه الأنبياء ، لأن الأرض لا تأكل أجسادهم . (انظر فتح الباري 8 / 552 ـ 553 . وانظر الحديث في مختصر صحيح مسلم ـ كتاب الفتن ـ باب ما بين النفختين أربعون ويبلى الإنسان إلا عجب الذنب . وأخرج الحديث أحمد والترمذى وابن ماجه وآخرون . انظر الدر المنثور           5 / 336 ) .

      31 ـ قال صلى الله عليه وسلم :  ]  يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ  [  حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه .

      [ البخاري ـ سورة المطففين ـ باب  ]  يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ   [  .

      وقوله : " في رشحه " : بفتحتين أي عرقه لأنه يخرج من البدن شيئا بعد شىء كما يرشح الإناء المتحلل الأجزاء .

      وفى رواية أخرى : حتى إن العرق يلجم أحدهم إلى أنصاف أذنيه .

      وفى رواية لمسلم : تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل ، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق : فمنهم من يكون إلى كعبيه ، ومنهم من يكون إلى ركبتيه ، ومنهم من يكون إلى حقويه ، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً .

      انظر فتح الباري : 8 / 696  . ومختصر صحيح مسلم : كتاب صفة القيامةـ باب دنو الشمس من الخلق يوم القيامة . والإتقان : 2 / 203  . وأخرجه مالك وعبد بن حميد والترمذى وغيرهم : انظر الدر المنثور 6 / 324 ] .

      32 ـ عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس أحد يحاسب إلا هلك . قالت : قلت : يا رسول الله جعلنى الله فداءك ، أليس يقول الله عزوجل  ]  فَأَمَّا مَنْ أُوتيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا  [   ؟ قال : ذاك العرض يعرضون ، ومن نوقش الحساب هلك .

      [ البخاري ـ سورة الانشقاق ـ باب ]  فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا  [  

      ومختصر مسلم ـ كتاب التفسير ـ سورة الانشقاق ـ باب في قولة        تعالى : ]  فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا   [   .

      وأخرجه أحمد وعبد بن حميد والترمذى وغيرهم : انظر الدر المنثور          6 / 329 ، والإتقان 2 / 203 ] .

      33 ـ عن عبد الله بن زمعة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، وذكر الناقة والذى عقر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ]  إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا  [  إنبعث لها رجل عزيز عارم، منيع في رهطه مثل أبى زمعه عم الزبير بن العوام .

      [ البخاري ـ سورة الشمس ، وانظر فتح الباري 8 / 705 ـ 706 .

      وأخرج الحديث : سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذى والنسائى وآخرون ـ انظر الدر المنثور 6 / 357 ] .

      34 ـ عن على بن أبى طالب ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال : كنا في جنازة في بقيع الغرقد ، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقعد وقعدنا حوله ، ومعه مخصرة، فنكس فجعل ينكت بمخصرته ، ثم قال : ما منكم من أحد ، وما من نفس منفوسة ، إلا كتب مكانها من الجنة والنار ، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة . قال رجل : يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل ، فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى أهل السعادة ، ومن كان منا من أهل الشقاء فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة ؟ قال : أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة ، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاء ، ثم قرأ  ]  فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى  [   الآية .

      وفى رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم : " اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاوة ، ثم قرأ  ] فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى    [ الآية .

      [ انظر البخاري ـ سورة الليل ـ من الباب الثالث إلى الباب السابع ، وهو الأخير .

      والحديث : أخرجه الجماعة وغيرهم ـ انظر الدر المنثور 6 / 359 ] .

      35 ـ عن أنس رضي الله عنه قال : لما عرج بالنبى صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال : أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ مجوف ، فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر .

      [ البخاري ـ سورة الكوثر ـ الحديث الأول ] .

      وذكر الإمام البخاري حديثين آخرين :

      أحدهما : عن أبى عبيدة عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قال : سألتها عن قوله تعالى : ]  إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ  [  قالت : هو نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم ، شاطئاه عليه در مجوف آنيته كعدد النجوم .

      والحديث الآخر عن أبى بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الكوثر : هو الخير الذي أعطاه الله إياه . قال أبو بشر : قلت لسعيد بن جبير : فإن الناس يزعمون أنه نهر في الجنة ، فقال سعيد : النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه .

      وفى رواية للنسائى لحديث السيدة عائشة : هو نهر أعطيه نبيكم في بطنان الجنة . قلت : ما بطنان الجنة ؟ قالت : وسطها .

      وقال ابن حجر تعقيباً على الحديث الثالث للبخارى : هذا تأويل من سعيد بن جبير جمع به بين حديثى عائشة وابن عباس . وقد أخرج الترمذى من طريق ابن عمر رفعه : " الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت " الحديث : قال : إنه حسن صحيح . وفى صحيح مسلم : " بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ غفا إغفاءه ، ثم رفع رأسه مبتسماً . فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : نزلت على سورة . فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم .  ]إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ   [  إلى آخرها ، ثم قال : أتدرون ما الكوثر ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : فإنه نهر وعدنيه ربى عليه خير كثير ، وهو حوض ترد عليه أمتى يوم القيامة " الحديث . وحاصل ما قاله سعيد بن جبير أن قول ابن عباس أنه الخير الكثير لا يخالف قول غيره أن المراد به نهر في الجنة ، لأن النهر فرد من أفراد الخير الكثير ، ولعل سعيداً أومأ إلى أن تأويل ابن عباس أولى لعمومه ، لكن ثبت تخصيصه بالنهر من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فلا معدل عنه .

      [ انظر فتح الباري 8 / 732 ، وراجع مجموع الأحاديث المتصلة بالموضوع في الدر المنثور 6 / 401 ـ 403 ] .

نتائج الجمع :

      هذه هي الأحاديث الشريفة في التفسير التي أمكن جمعها . وأشرنا من قبل إلى دور السنة بالنسبة للقرآن الكريم ، فلا حاجة للإعادة ، ولكن نذكر هنا بعض الملاحظات ، في ضوء هذه الأحاديث :

      1 ـ بين الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة الكرام ما لا علم لهم به ، ولا طريق إلى معرفته إلا بهذا البيان النبوى ، مثل الأمور المتعلقة بالأمم السابقة ، وأنبيائهم ، أو الأمور الغيبية كبعض ما سيحدث يوم القيامة وأشار إليه القرآن الكريم ، واحتاج إلى بيان .

      2 ـ ونلاحظ كذلك أن بعض الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فهموا بعض الآيات الكريمة فهما خاطئاً ، فصحح لهم الرسول صلى الله عليه وسلم ما فهموا ، وبين لهم مراد الله تعالى ، وذلك مثل قوله تعالى :  ] وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ  [  . وقوله عزوجل :  ]  الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ   [.

      3 ـ بين الرسولصلى الله عليه وسلم ما قد يغيب عن الصحابة كلهم أو بعضهم ، مثل : تعريف المسكين ، والصلاة الوسطى ، ومفاتح الغيب ..إلخ .

      4 ـ كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل أحيانا صحابته ليتأكد من صحة فهمهم ، كما سأل عن الشجرة الطيبة ، والصحابة بدورهم كانوا يسألونه صلى الله عليه وسلم فيما غاب عنهم ، كالسؤال عن " الذين يحشرون على وجوههم " ، وعن ]فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا  [ مع قول الرسول  صلى الله عليه وسلم : " من نوقش الحساب هلك " .

      5 ـ لعل هذه الأحاديث الشريفة هي أكثر ما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم في تفسير آيات من كتاب الله العزيز ، إلى جانب بيانه صلى الله عليه وسلم لما أجمل في القرآن الكريم من أحكام العبادات والمعاملات والأحوال الشخصية وغيرها .

      وهذه الأحاديث قليلة بلا شك ، وهى وما يصح مثلها تعتبر وحدها عند جمهور المسلمين الحجة التي لا ترد ، لأنها قول المعصوم صلى الله عليه وسلم  . وهنا يظهر الفرق جلياً بين جمهور المسلمين والشيعة الجعفرية ، فالشيعة يعتبرون أئمتهم جميعاً معصومين ، فأقوالهم كأقوال الرسول  صلى الله عليه وسلم ولهم ما للرسول صلى الله عليه وسلم من بيان مجمل الكتاب ، أو تقييد مطلقه ، أو تخصيص عامة ، لأن أقوالهم تدخل ضمن مفهوم السنة كمصدر من مصادر التشريع ، ولها دورها بالنسبة للقرآن الكريم .

      ولهذا عندما ندرس كتب التفسير عندهم فإنا سنجد أن بعض التفاسير تعتبر في معظمها حجة عندهم ، لأنهم يرون أنها مأخوذة عن الأئمة

تفسير الصحابة رضي الله عنهم

أعلم الناس بالقرآن :

      بعد تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم يأتى تفسير الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، فهم ـ كما أشرنا من قبل ـ كانوا أعلم الناس بالقرآن الكريم ؛ فبلغتهم نزل ، وهم أفصح العرب ، وعاشوا أسباب النزول ، فعرفوا ظاهر القرآن الكريم ، وتعلموا الأحكام وطبقوها .

الموقوف والمرفوع :

      وكثير من التفسير المأثور عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يعتبر في حكم المرفوع وإن لم يكن مرفوعاً . وسبق من قبل كلام ابن حجر في اشتمال كتاب التفسير من صحيح البخاري على خمسمائة حديث وثمانية وأربعين حديثاً من الأحاديث المرفوعة وما في حكمها ، وعلى خمسمائة وثمانين أثراً من آثار الصحابة التي لا تأخذ حكم الرفع . فما ينتهى إلى الصحابة إذن قد يأخذ حكم المرفوع وقد يعتبر موقوفاً عليهم . على أن الإمام مسلماً لم يوافق الإمام البخاري على تخريج أكثر أحاديثه لكونها ليست ظاهرة في الرفع . واتفق الشيخان على أن تفسير الصحابى يأخذ حكم المرفوع إذا كان التفسير يتعلق بسبب نزول آية أو نحوه مما لا يمكن أن يؤخذ إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم  ، ولا مدخل للرأى فيه : ومشى على هذا الحاكم في علوم الحديث ، وابن الصلاح وغيرهمـا ([30]) .

بعض ما صح من تفسيرهم :

      وكى نأخذ صورة واضحة لتفسير الصحابة رضي الله عنهم ، ننقل هنا بعض ما جاء في كتاب التفسير من صحيح البخاري .

      1 ـ " 4495 " - حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال : قلت لعائشة ـ رضي الله عنهاـ زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنا يومئذ حديث السن :

      أرأيت قول الله تبارك وتعالى : ]  إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا    [ فما أرى على أحد شيئاً أن لا يطوف بهما .

      فقالت عائشة : كلا ، لو كانت كما تقول كانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ، إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار : كانوا يهلون لمناة ، وكانت مناة حذو قديد ، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة ، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فأنزل الله :  ]  إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا    [ ([31]).

      2 ـ " 4498 " حدثنا الحميدى ، حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو ، قال : سمعت مجاهداً قال : سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول : " كان في بنى إسرائيل القصاص ، ولم تكن فيهم الدية ، فقال الله تعالى لهذه الأمة

 

  ] كُتِبَ عَليْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ [  فالعفو أن يقبل الدية في العمد                         ]  فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ   [  يتبع بالمعروف ويؤدى بإحسان      ]  ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ    وَرَحْمَةٌ [   مما كتب على من كان قبلكم  ]  فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ[   قتل بعد قبول الدية " .

      3 ـ " 4505 " حدثنى إسحاق ، أخبرنا روح ، حدثنا زكريا بن إسحاق ، حدثنا عمرو بن دينار ، عن عطاء ، سمع ابن عباس يقـــرأ :                ] وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ   [  قال ابن عباس : ليست بمنسوخة ، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعمان مكان كل يوم مسكيناً .

      4 ـ " 4506 " حدثنا عياش بن الوليد ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه قرأ  ]  فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ  [  قال : هي منسوخة .

      5 ـ " 4507 " حدثنا قتيبة ، حدثنا بكر بن معز ، عن عمرو بن الحارث ، عن بكير بن عبد الله ، عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع ، عن سلمة قال : " لما نزلت  ]   وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ    [  كان من أراد أن يفطر ويفتدى ، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها " .

      6 ـ " 4512 " حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبى إسحاق ، عن البراء قال : كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتو البيت من ظهره فأنزل الله       ]وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ   أَبْوَابِهَا  [.

      7 ـ " 4521 " حدثنى محمد بن أبى بكر ، حدثنا فضيل بن سليمان ، حدثنا موسى بن عقبة ، أخبرنى كريب ، عن ابن عباس قال : " يطوف الرجل بالبيت ما كان حلالا حتى يهل بالحج ، فإذا ركب إلى عرفة فمن تيسر له هديه من الإبل أو البقر أو الغنم ما تيسر له من ذلك أي ذلك شاء ، غير إن لم يتيسر له فعليه ثلاثة أيام في الحج وذلك قبل يوم عرفة ، فإن كان آخر يوم من الأيام الثلاثة يوم عرفة فلا جناح عليه ، ثم لينطلق حتى يقف بعرفات من صلاة العصر إلى أن يكون الظلام ثم ليدفعوا من عرفات ، فإذا أفاضوا منها يبلغوا جمعاً الذي يتبرز فيه ، ثم ليذكروا الله كثيراً ، أو أكثروا التكبير والتهليل قبل أن تصبحوا ، ثم أفيضوا فإن الناس كانوا يفيضون ، وقال الله تعالى :]  ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [  حتى ترموا الجمرة " .

      8 ـ " 4528 " حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان ، عن ابن المنكدر ، سمعت جابراً رضي الله عنه ، قال : " كانت اليهود تقول إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول فنزلت   ]  نسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ إني شِئْتُمْ  [ .

      9 ـ " 4568 " حدثنى إبراهيم بن موسى ، أخبرنا هشام ، أن ابن جريج أخبرهم ، عن ابن أبى مليكة ، أن علقمة بن وقاص خبره ، أن مروان قال لبوا به : اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل : لئن كان امرئ فرح بما أوتى وأحب أن يحمد بما لم يعمل معذباً لنعذبن أجمعون . فقال ابن عباس : ما لكم ولهذه ؟ إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود فسألهم عن شئ فكتموه إياه ، وأخبروه بغيره فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم ، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم . ثم قرأ ابن عبــاس  ] وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ    [كذلك حتى قوله :  ]  يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ   [ .

      10 ـ " 4573 " حدثنا إبراهيم بن موسى ، أخبرنا هشام ، عن ابن جريج قال : أخبرنى هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها : " أن رجلاً كانت له يتيمة فأنكحها ، وكان لها عذق ، وكان يمسكها عليه ولم يكن لها من نفسه شئ ، فنزلت فيه ]  وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى   [  أحسبه قال : كانت شريكته في ذلك العذق وفى ماله " .

      11 ـ " 4574 " حدثنى عبد العزيز بن عبد الله ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب قال : " أخبرنى عروة بن الزبير أنه سأل عائشة عن قول الله تعالى  ] وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى   [   فقالت : يا بن أختى ، هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها ، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهوا عن أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا لهن أعلى سنتهن في الصداق ، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن . قال عروة : قالت عائشة : وإن الناس استفتوا رسول الله بعد هذه الآية فأنزل الله ]وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء  [   قالت عائشة : وقول الله تعالى في آية أخرى]وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ  [  رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال ، قالت : فنهوا أن ينكحوا عن من رغبوا في ماله وجماله في يتامى النساء إلا بالقسط ، من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال "

      12 ـ " 4590 " حدثنا آدم بن أبى إياس ، حدثنا شعبة ، حدثنا مغيرة بن النعمان قال : سمعت سعيد بن جبير قال : " آية اختلف فيها أهل الكوفة ، فرحلت فيها إلى ابن عباس فسألته عنها فقال : نزلت هذه الآية ]  وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ   [  هي آخر ما نزل وما نسخها شئ " .

      13 ـ " 4600 " حدثنا عبيد بن اسماعيل ، حدثنا أبو أسامة قال : حدثنا  هشام  بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها  ] وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ   [  إلى قوله  ]  وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ  [  قالت عائشة : " هو الرجل تكون عنده اليتيمة هو وليها ووارثها  فأشركته في ماله حتى في العذق فيرغب أن ينكحها ويكره أن يزوجها رجلا فيشركه في ماله بما شركته فيعضلها فنزلت هذه الآية " .

      14 ـ " 4601 " حدثنا محمد بن مقاتل ، أخبرنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها ]  وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا  [        قالت : الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها يريد أن يفارقها فتقول : أجعلك من شأنى في حل ، فنزلت هذه الآية في ذلك " .

      15 ـ " 4613 " حدثنا على بن سلمة ، حدثنا مالك بن سعير ، حدثنا هشام ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها : " أنزلت هذه الآية] لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ    [  في قول الرجل : لا والله وبلى والله " .

      16 ـ " 4682" حدثنى إبراهيم بن موسى ، أخبرنا هشام ، عن ابن جريج ، وأخبرنى محمد بن عباد بن جعفر أن ابن عباس قرأ : ] أَلا إِنَّهُمْ تَثْنُونىَ صُدُورَهُمْ[ قلت : يا أبا العباس ما تثنونى صدورهم ؟ قال : كان الرجل يجامع امرأته فيستحى أو يتخلى فيستحى فنزلت  ] أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ  [ .

       ] تثنونى : بفوقانية ، وسكون المثلثة ، وفتح النون ، وسكون الواو ، وكسر النون بعدها ياء ، على وزن تفعو عل ، وهو بناء مبالغة كاعشوشب ، لكن جعل الفعل للصدور ـ قاله ابن حجر في الفتح [ .

      17 ـ " 4683 " حدثنا الحميدى حدثنا سفيان حدثنا عمرو قال : " قرأ ابن عباس ]  أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ   [   وقال غيره عن ابن عباس " يستغشون " يغطون رءوسهم " سىء بهم " ساء ظنه بقومه " وضاق بهم " بأضيافه " بقطع من الليل " بسواد " إليه أنيب " أرجع " .

      18 ـ " 4695 " حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن صالح ، عن ابن شهاب قال : " أخبرنى عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها قالت له وهو يسألها عن قول الله تعالى :  ]  حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ  [   قال : قلت : أكذبوا أم كذّبوا ؟ قالت عائشة : كذبوا . قلت : فقد استيقنوا بذلك أن قومهم كذبوهم ، فما هو بالظن . قالت : أجل لعمرى ، لقد استيقنوا بذلك . فقلت  لها : وظنوا أنهم قد كذبوا ؟ قالت : معاذ الله ، لم تكن الرسل تظن ذلك بربها . قلت : فما هذه الآية ؟ قالت : هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم ، فطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر ، حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من  قومهم ، وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم ، جاءهم نصر الله عند ذلك " .

      19 ـ " 4700 " حدثنا على بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن عطاء سمع ابن عباس :  ]  أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا   [  قال : " هم كفار أهل مكة " .  

     20 ـ " 4705 " حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشيم ، أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما  ]  الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ[ قال : هم أهل الكتا ب جزءوه أجزاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه " .

      21 ـ " 4706 " حدثنى عبيد الله بن موسى ، عن الأعمش ، عن أبى ظبيان، " عن ابن عباس رضي الله عنهما :  ] كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى المُقْتَسِمِينَ   [  قال : آمنوا ببعض وكفروا ببعض ، اليهود والنصارى " .

      22 ـ " 4714 " حدثنى عمرو بن على ، حدثنا يحيى ، حدثنا سفيان ، حدثنى سليمان ، عن إبراهيم ، عن أبى معمر ، عن عبد الله : " إلى ربهم الوسيلة " قال : " كان ناس من الإنس يعبدون ناسا من الجن ، فأسلم الجن ، وتمسك هؤلاء بدينهم " زاد الأشجعى ، عن سفيان ، عن الأعمش : ]  قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم   [.

      23 ـ " 4716 " حدثنا على بن عبد الله ، حدثنا سفيان عن عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما  }  وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ   [   قال : هي رؤيا عين أريها رسـول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به  ] وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ   [  قال : شجرة الزقوم .

      24 ـ " 4722 " حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشيم ، حدثنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى           ]وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا   [    قال : نزلت ورسول الله  صلى الله عليه وسلم مختف  بمكة ، كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن ، فإذا سمع المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به ، فقال الله تعالى لنبيه  ] وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ  [   أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن  ] وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا  [  عن أصحابك فلا تسمعهم  ] وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً  [ .

      25 ـ " 4732 " حدثنا الحميدى ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبى الضحى ، عن مسروق ، قال : سمعت خبابا قال : جئت العاص بن وائل السهمى أتقاضاه حقاً لي عنده ، فقال : لا أعطيك حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم . فقلت : لا ، حتى تموت ثم تبعث . قال : وإنى لميت ثم مبعوث ؟ قلت : نعم . قال : إن لي هناك مالاً وولداً فأقضيك ،  فنزلت هذه الآية :   ]  أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا  [ . رواه الثورى وشعبة وحفص وأبو معاوية ووكيع عن الأعمش .

      26 ـ " 4753 " حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا يحيى ، عن عمر بن سعيد ابن أبى حسين قال : حدثنى ابن مليكة قال : استأذن ابن عباس ـ قبيل موتها ـ على عائشة وهى مغلوبة ، قالت : أخشى أن يثنى على ، فقيل : ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن وجوه المسلمين ، قالت : ائذنوا له . فقال : كيف تجدينك ؟ قال : بخير إن اتقيت . قال : فأنت بخير إن شاء الله تعالى ، زوجة رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، ولم ينكح بكرا غيرك ، ونزل عذرك من السماء .

      ودخل ابن الزبير خلافه ، فقالت : دخل ابن عباس فأثنى على ، وددت إني كنت نسياً منسياً " .

      27 ـ " 4806 " حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة ، عن العوام قال : سألت مجاهداً عن السجدة في ص فقال : سئل ابن عباس فقال :     ] أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ     [ ، وكان ابن عباس يسجد فيها .

      28 ـ سورة حم السجدة . قال المنهال ، عن سعيد قال : قال رجل لابن عباس : إني أجد في القرآن أشياء تختلف على ، قال  ]   فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ  [ ، ]  وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ   [  ، ] وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا  ـ  رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ    [   فقد كتموا هذه الآية . وقال :   ]  أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا   [   إلى قوله  ]   دَحَاهَا   [  فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض ، ثم قال            ]  أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ     [  إلى ]   طَائِعِينَ   [  فذكر في هذه خلق الأرض قبل السماء وقال تعالى : }  وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا  ـ عَزِيزًا حَكِيمًا ـ   سَمِيعًا بَصِيرًا    [   فكأنه كان ثم مضى ، فقال :  ]   فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ   [   في النفخة الأولى  ]  وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ  [ ]  فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ    [  ثم في النفخة الأخرى  ]  وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ   [ وأما قوله             ]   مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ    ـ    وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ [   فإن الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم. وقال المشركون : تعالوا نقول لم نكن مشركين ، فختم على أفواههم فتنطق أيديهم. فعند ذلك عرف أن الله لا يكتم حديثاً . وعنده  ]   يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ   [  الآية وخلق الأرض في يومين ثم خلق السماء ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين ثم دحا الأرض ، ودحوها أن أخرج منها الماء والمرعى وخلق الجبال والآكام وما بينهما في يومين آخرين فذلك قوله " دحاها " وقوله ]  خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ   [  فجعلت الأرض وما فيها من شئ في أربعة أيام وخلقت السماوات في يومين .

  ] وَكَانَ اللهُ غَفُورًا   [  سمى نفسه ذلك ، وذلك قوله ، أي لم يزل كذلك  فإن الله لم يرد شيئاً إلا أصاب به الذي أراد . فلا يختلف عليك القرآن ، فإن كلا من عند الله .

      29 ـ " 4818 " حدثنى محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عبد الملك بن ميسرة قال : سمعت طاوساً عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قوله  ]   إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى    [فقال سعيد بن جبير : قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال ابن عباس : عجلت ، إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان فيهم قرابة ، فقال : إلا أن تصلوا ما بينى وبينكم  من القرابة .

      30 ـ " 4822 " حدثنا يحيى ، حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن أبى الضحى ، عن مسروق قال : دخلت على عبد الله فقال : إن من العلم أن تقول لما لا يعلم : الله أعلم . إن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم :  ]  قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ    [ إن قريشاً لما غلبوا النبي صلى الله عليه وسلم واستعصوا عليه قال : اللهم أعنى عليهم بسبع كسبع يوسف ، فأخذتهم سنة أكلوا فيها العظام والميتة من الجهد حتى جعل أحدهم يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجوع ]  قَالوا رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ    [  فقيل له : إن كشفنا عنهم عادوا ، فدعا ربه ، فكشف عنهم فعادوا ، فانتقم الله منهم يوم بدر ، فذلك قوله تعالى ] يَوْمَ تَأْتي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ[  إلى قوله جل ذكره  ]   إِنَّا مُنتَقِمُونَ   [  .

      31 ـ " 4933 " حدثنا عمرو بن على ، حدثنا يحيى ، أخبرنا سفيان ، حدثنى عبد الرحمن بن عابس : " سمعت ابن عباس رضي الله عنهــما :        ]   تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ   [  : كنا نعمد إلى الخشبة ثلاثة أذرع وفوق ذلك فنرفعه للشتاء فنسميه القصر  ]   كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ    [  حبال السفن ، تجمع حتى تكون كأوساط الرجال " .

      32 ـ 4940 " حدثنا سعيد بن النضر ، أخبرنا هشيم ، أخبرنا أبو بشر جعفر بن أياس ، عن مجاهد قال : قال ابن عباس : ]لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ    [: حالاً بعد حال ، قال هذا نبيكم صلى الله عليه وسلم .

      33 ـ " 4969 " حدثنا عبد الله بن أبى شيبة ، حدثنا عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبى ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " أن عمر رضي الله عنه ـ سألهم عن قوله تعالى  ]   إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ   [    قالوا : فتح المدائن والقصور ، قال : ما تقول يا بن عباس ؟ قال : أجل أو مثل ضرب لمحمد صلى الله عليه وسلم ، نعيت له نفسه " .

خصائص تفسيرهم :

      هذا بعض ما جاءنا من تفسير الصحابة رضي الله عنهم ، ونكتفى بهذا   القدر ؛ ففيه بيان لمعالم هذا التفسير .

      ونلاحظ هنا ما يأتى :

      1 ـ الصحابة الكرام لم يتعرضوا لتفسير القرآن الكريم كله آية آية ، وإنما فسروا القليل من الآيات الكريمة التي لم يدرك معناها بعض المسلمين .

      2 ـ وإذا كانوا ـ رضي الله عنهم ـ لم يفسروا إلا القليل من الآيات الكريمة، فإنهم فسروا كثيرا من الكلمات ، ويبدوا هذا واضحاً جلياً لمن يقرأ كتاب التفسير من صحيح البخاري .

      3 ـ تحدثوا عن أسباب النزول ، ونحن ندرك العلاقة بين سبب النزول والمعنى المراد .

      وأشرنا إلى أن مثل هذا التفسير يأخذ حكم المرفوع .

      4 ـ تكلموا كذلك عن الناسخ والمنسوخ .

      5 ـ الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ليسوا سواء في فهم القرآن الكريم وإدراك معانيه ؛ وإنما برز منهم من اشتهر بالتفسير كالخلفاء الراشدين الأربعة ، وبن عباس ، وابن مسعود ، وأبى بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وغيرهم ، وهؤلاء كما كان لهم دورهم في بيان بعض ما أنزل الله تعالى ، كان لهم كذلك دور آخر في تصحيح ما يظهر من فهم خاطئ لبعض الآيات الكريمة ، سواء أكان ذاك الخطأ فردياً أم جماعياً ، وإن كانت تلك الأخطاء قليلة . وهؤلاء الكرام البررة كانوا يستجيبون لكل من يطلب علمهم ، وكانت تشد إليهم الرحال . وقام بعضهم بدور كبير في عصر التابعين كما سنرى إن شاء الله سبحانه .

      6 ـ قد نجد شيئاً من الاختلاف أو التعارض في بعض ما ثبت من تفسير الصحابة رضي الله عنهم ، غير أن هذا قليل نادر .

التدوين :

      من المعلوم أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لم يدونوا من التفسير إلا ما كان يكتبه بعضهم في مصاحفهم الخاصة ، وهو جد قليل ، حتى أخطأ بعض المتأخرين فظنوه من وجوه القرآن الكريم التي نزل بها من عند الله عز وجل .

      ويذكر أن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ له كتاب في التفسير([32]) ، وقد يكون هذا صحيحا ، إلا أن مثل هذا الكتاب لم يصلنا ، ولم نسمع عن كتاب آخر لأى أحد من الصحابة الكرام ، فكيف إذن وصلنا ما أثر عنهم من تفسير ؟

      تفسير الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ جاءنا عن طريق رجال الحديث ، وعن طريق أصحاب التفاسير الذين عنوا بالتفسير المأثور ؛ فعندما جاء عصر التدوين ، الذي يبدأ من القرن الثاني الهجرى ، أخذ علماء الحديث يجمعون ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخذوا كذلك يدونون ما أثر عن الصحابة الكرام . وفى بحثهم دونوا ما يتصل بأمور العقيدة ، وفروع الشريعة ، ودونوا كذلك ما يتصل بالتفسير، فقد اعتبروه باباً من أبواب السنة .

      وإلى جانب التسليم بأن الصحابة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ أفهم الناس بكتاب الله تعالى ، فإن رجال الحديث يعتبرون بعض ما يثبت من التفسير عن الصحابة الكرام في حكم المرفوع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كما أشرنا في بداية الحديث عن تفسير الصحابة .

      أما رجال التفسير فإنهم يعلمون أن ما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم من التفسير قليل، فغاية ما يطمحون إليه أن يجدوا من الآثار ما يصل إلى الصحابة رضي الله عنهم. 

كتاب تنوير المقباس :

      وبين أيدينا كتاب " تنوير المقباس من تفسير ابن عباس " لأبى طاهر محمد ابن يعقوب الفيروز ابادى صاحب القاموس ، وهو يحتوى على تفسير القرآن الكريم كله ، أفحقاً وصلنا تفسير جميع أي القرآن الكريم عن ابن عباس رضي الله    عنهما ؟

      لنقرأ أولاً شيئاً مما جاء في هذا التفسير .

 

قراءة الكتاب :

      في سورة الفاتحة فسر البسملة كما يلى :

      " الباء " بهاء الله وبهجته وبلاؤه وبركته ، وابتداء اسمه بارئ.

      " السين " سناؤه وسموه أي ارتفاعه ، وابتداء اسمه سميع .

      " الميم " ملكه ومجده ومننه على عباده الذين هداهم الله تعالى للإيمان ، وابتداء اسمه مجيد .

      " الله " معناه الخلق يألهون ويتألهون إليه أي يتضرعون إليه عند الحوائج ونزول الشدائد .

      " الرحمن " العاطف على البر والفاجر بالرزق لهم ودفع الآفات عنهم .

      " الرحيم " خاصة على المؤمنين بالمغفرة وإدخالهم الجنة ، ومعناه الذي يستر عليهم الذنوب في الدنيا ، ويرحمهم في الآخرة فيدخلهم الجنة ([33]).

      وفى سورة البقرة قال بأنها مدنية ويقال مكية ، ثم بدأ تفسيرها بما يأتى :

       ] ألم  [ يقول : ألف الله ، لام جبريل ، ميم محمد ، ويقال : ألف آلاؤه ، لام لطفه ، ميم ملكه ، ويقال : ألف ابتداء اسمه الله ، لام ابتداء اسمه لطيف ، ميم ابتداء اسمه مجيد ، ويقال: أنا الله أعلم ، ويقال : قسم أقسم به .

  ]  ذَلِكَ الْكِتَابُ  [  : أي هذا الكتاب الذي يقرأ عليكم محمد  صلى الله عليه وسلم ]   لاَ رَيْبَ فِيهِ   [   لا شك فيه أنه من عندى ، فإن آمنتم به هديتم ، وإن لم تؤمنوا به عذبتم . ويقال ذلك الكتاب يعنى اللوح المحفوظ ، ويقال : ذلك الكتاب الذي وعدتك يوم الميثاق به أن أوحيه إليك ، ويقال : ذلك الكتاب : يعنى التوراة والإنجيل ، لا ريب فيه : لا شك فيه أن فيهما صفة محمد ونعته ([34]) .

نتيجة القراءة :

      هذا بعض ما جاء في هذا التفسير المنسوب لابن عباس ، ونلاحظ هنا ما يأتى :

      1 ـ بادئ ذى بدء نذكر بأن الثابت عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في التفسير لا يكاد يزيد عن مائة حديث كما قال الإ مام الشافعى ([35]) ، وهذا الكتاب فيه تفسير لكل آيات القرآن الكريم !

      2 ـ في هذا التفسير ـ كما نرى ـ ما لا يصح عن ابن عباس أو غيره من مفسري الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، أو أي أحد من الراسخين في العلم ، وإنما بعضه أقرب إلى التفسير الباطني والإشاري الذي لا يستند إلى أي أساس علمي صحيح . وبعضه الآخر غير مقبول : كاحتمال أن تكون سورة البقرة مكية ، وأن يكون المراد من  ]  ذَلِكَ الْكِتَابُ [  شيئاً غير القرآن الكريم .

      3 ـ قال الحافظ ابن كثير في فضل ] بسم الله الرحمن الرحيم [ : روى الحافظ ابن مردويه من طريقين عن إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن مسعر ، عن عطية ، عن أبى سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن عيسى بن مريم عليه السلام أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه ، فقال له المعلم : اكتب . فقال : ما أكتب ؟ قال : بسم الله . قال له عيسى : وما باسم الله ؟ قال المعلم : وما أدرى . قال له عيسى : الباء : بهاء الله ، والسين : سناؤه ، والميم : مملكته ، والله إله الآلهة ، والرحمن رحمن الدنيا والآخرة ، والرحيم رحيم الآخرة " .

     وقد رواه ابن جرير من حديث إبراهيم بن العلاء الملقب بابن زبريق ، عن إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن ابن أبى مليكة ، عمن حدثه عن ابن مسعود ، ومسعر ، عن عطية ، عن أبى سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.

      وقال ابن كثير بعد هذا : وهذا غريب جداً ، وقد يكون صحيحاً إلى من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد يكون من الإسرائيليات لا من المرفوعات والله أعلم ([36]) .

     وفى سورة البقرة قال ابن كثير في تفسير ]  ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ   [: قال ابن جريج قال ابن عباس : ذلك الكتاب أي هذا الكتاب ، وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والسدى ومقاتل بن حيان وزيد بن أسلم وابن جريج .

      ثم قال : وقد ذهب بعض المفسرين فيما حكاه القرطبى وغيره أن " ذلك " إشارة إلى القرآن الذي وعد الرسول صلى الله عليه وسلم  بإنزاله عليه ، أو التوراة  أو الإنجيل ، أو نحو ذلك في أقوال عشرة ، وقد ضعف هذا المذهب كثيرون والله أعلم .

      والكتاب القرآن ، ومن قال : إن المراد بذلك الكتاب الإشارة إلى التوراة والإنجيل كما حكاه ابن جرير وغيره فقد أبعد النجعة وأغرق في النزع ، وتكلف ما لا علم له به ([37]) .

      وفى كتاب " الدر المنثور في التفسير بالمأثور " قال السيوطي : أخرج ابن جرير ، وابن عدى في الكامل ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في الحلية ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ، والثعلبى ، بسند ضعيف جداً عن أبى سعيد الخدرى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن عيسى بن مريم  أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه." وذكر ما نقلناه من قبل ([38]) .

      وهذا الخبر الذي رفضه ابن كثير والسيوطى يرويه عطية عن أبى سعيد الخدرى : وعطية هذا هو " عطية بن سعد بن جنادة العوفى " .

      تحدث عنه الإمام أحمد بن حنبل ، وعن روايته عن أبى سعيد ، فقال بأنه ضعيف الحديث ، وأن الثورى وهشيماً كانا يضعفان حديثه ، وقال : بلغنى أن عطية كان يأتى الكلبى فيأخذ عنه التفسير ، وكان يكنيه بأبى سعيد ، فيقول : قال أبو سعيد فيوهم أنه الخدرى .

      وقـال ابن حبان : سمع عطية من أبى سعيد الخدرى أحاديث ، فلما مات جعل يجالس الكلبى ، فإذا قال الكلبى : قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  كذا ، فيحفظه ، وكناه أبا سعيد ، وروى عنه ، فإذا قيل له : من حدثك بهذا ؟ فيقول : حدثنى أبو سعيد ، فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدرى ، وإنما أراد الكلبى .

      قــال : لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب ([39]) .

      وتفسير تنوير المقباس يرويه الكلبى ، مما يؤيد استبعاد أن يكون هذا الخبر لأبى سعيد الخدرى ، ويؤكد ما ذكر عن عطية من أنه أخذ التفسير عن الكلبى الذي كناه بأبى سعيد ليوهم أنه الخدرى .

      وفى تفسير الطبري . الذي حققه وعلق حواشيه أستاذنا العلامة محمود محمد شاكر ، وراجعه وخرج أحاديثه أخوه الأكبر الشيخ أحمد رحمهما الله - ، نجد الخبر المتعلق بالبسملة المذكور آنفاً ، وفى الحاشية نجد في التخريج " هذا حديث موضوع ، لا أصل له " ، ثم تفصيلاً لبيان هذا الوضع ، وإشارة وتعليقاً على ما ذكره ابن كثير والسيوطى ([40]) .

      ونخرج من هذا إلى أن بعض ما جاء في كتاب تنوير المقباس ساقط بالمرة ، لا تصح نسبته إلى حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وبعضه ينقضه ويرده ما روى عن ابن عباس نفسه في التفسير من طرق مقبولة.

سلسلة الكذب :

      الفيروز ابادى روى التفسير بإسناده عن محمد بن مروان ، عن الكلبى ، عن أبى صالح ، عن ابن عباس : وإذا نظرنا في هذا السند تبين لنا موضع الكذب على الصحابى الجليل عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما . فمحمد بن مروان هو السدى الأصغر ، كوفى :

قال عبد السلام بن حازم ، عن جرير بن عبد الحميد : كذاب .

وقال الدورى ، عن ابن معين : ليس بثقة .

وقال ابن نمير : ليس بشئ .

وقال يعقوب بن سفيان : ضعيف غير ثقة .

وقال صالح بن محمد : كان ضعيفا ، وكان يضع .

وقال أبو حاتم : ذاهب الحديث ، متروك الحديث ، لا يكتب حديثه ألبتة .

      وقال ابن عدى : الضعف على رواياته بين .

وقال الجوزجانى : ذاهب .

وقال ابن حبان : لا يحل كتب حديثه إلا اعتباراً ، ولا يحتج به بحال .

      وقال أبو جعفر الطبري : لا يحتج بحديثه .

      وقال عبد الله بن نمير : كان السدى كذاباً ، ذكره ابن شاهين في الضعفاء.

      وقال الساجى : لا يكتب حديثه .

      هذا بعض ما جاء في ترجمته ([41]) ، ولا خلاف حول جرحه ، ومثل هذا الراوى يكفى لرد ما يروى عن طريقه ، فما بالك إذا روى عن الكلبى ؟

      والكلبى هو محمد بن السائب بن بشر بن عمرو بن عبد الحارث بن عبد العزى ، أبو النضر الكوفى .

      اتفق ثقات أهل النقل على ذمه وترك الرواية عنه في الأحكام والفروع . قال الإمام أحمد : لا يحل النظر في تفسير الكلبى .

      وقال الحاكم أبو عبد الله : روى عن أبى صالح أحاديث موضوعة .

      وقال الجوزجانى : كذاب ساقط .

      وقال ابن حبان : وضوح الكذب فيه اظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه . روى عن أبى صالح التفسير ، وأبو صالح لم يسمع من ابن عباس ؛ لا يحل الاحتجاج به .

      وقال أبو صالح : إني لم أقرأ على الكلبى من التفسير شيئاً ! ويبدو أن الكلبى نفسه في وقت من حياته أحس بفداحة جرمه ، ولذلك قال فيما رواه عنه سفيان الثورى :

      ما حدثت عن أبى صالح عن ابن عباس فهو كذب ، فلا ترووه .

      وقال ليث بن أبى سليم : كان بالكوفة كذابان : أحدهما الكلبى ([42]) ، والآخر السدى !

      فسلسلة الكذب ([43]) إذن قد اجتمعت في إسناد هذا التفسير الذي طبع مرات وانتشر بين المسلمين !! غير أن الأستاذ الشيخ محمد حسين الذهبى ـ رحمه الله ـ قد نبه من قبل ، وبين هذا الكذب ([44]) .

      والكتاب على أي حال لا تصح نسبته إلى ابن عباس ، ولا يمثل التفسير في عصر الصحابة رضي الله عنهم .

موقف الشيعة من تفسير الصحابة :

      ويبقى هنا أن نقول بأننا قد عرفنا منزلة التفسير الذي يثبت عن الصحابة الكرام عند جمهور المسلمين ، وأن بعض هذا التفسير قد يأخذ حكم المرفوع .

     أما موقف الشيعة فلا يتفق مع الجمهور .

      فإذا كان الصحابة من أئمتهم الاثنى عشر فتفسيرهم كتفسير الرسول صلى الله عليه وسلم دون أدنى فرق ، لأن لهم ما للرسول صلى الله عليه وسلم من العصمة ، وما يثبت عنهم يعتبر داخلاً في مفهوم السنة عند الجعفرية كما ذكرنا في نهاية الحديث عن تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم .

      وينطبق هذا على ثلاثة من الصحابة هم : على بن أبى طالب ، وابناه الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهم .

      ولا خلاف حول هذا الحكم بين الجعفرية ، فهم مجمعون عليه ، أما الخلاف فواقع بالنسبة لغير الثلاثة :

      فبعض المفسرين يذكر آراء الصحابة ويروى عنهم ، وهؤلاء قلة نادرة ، أما أكثر مفسرى الجعفرية فإنهم يطعنون في الصحابة الكرام ، بل يكفرون من رضي الله عنهم ورضوا عنه كما سيأتى بالتفصيل في تناولنا  لكتب التفسير عندهم ، وإنما أردنا إشارة سريعة قبل ترك الحديث عن تفسير الصحابة . ولعل هذا الأمر يزداد وضوحاً عندما نتحدث عن الجرح والتعديل عند الجعفرية ، فعلى سبيل المثال : إذا نظرنا في كتاب تنقيح المقال في أحوال الرجال ، وهو من أشهر كتب الجرح والتعديل عندهم ، ولمؤلفه عبد الله المامقانى منزلة وأى منزلة ! إذا نظرنا في هذا الكتاب رزئنا بالآتى :

      عثمان بن عفان الأموى خليفة العامة ـ أي عامة المسلمين غيرهم ـ ضعيف.

      عبد الله بن عمر بن الخطاب : خبيث ، ضعيف .

      عبد الرحمن بن عوف من أضعف الضعفاء .

      المغيرة بن شعبة : في غاية الضعف .

      معاوية بن أبى سفيان : زندقته أشهر من كفر إبليس .

      نعمان بن بشير الأنصارى : من أضعف الضعفاء .

      خالد بن الوليد : صحابى لعين

      وهكذا !! ([45])

تفسير التابعين

حاجة التابعين إلى التفسير :

      التابعون ـ رضي الله عنهم ـ جاءوا بعد عصر التنزيل فكانوا أكثر حاجة إلى التفسير ممن شهدوا نزول القرآن الكريم ، وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  يبين لهم ما نزل إليهم .

      فكان على التابعين أن يتعلموا من الصحابة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ ما أخذوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما شاهدوه من أسباب النزول ، وما فهموه وعملوا به من أي الذكر الحكيم .

      والصحابة الكرام بدورهم ما كانوا ليكتموا علماً تعلموه ، أو فهماً فهموه ، سواء منهم من استقر في مواطن التنزيل ، ومن رحل إلى الأمصار الإسلامية التي فتحت .

      جلس التابعون يستفسرون من الصحابة رضوان الله عليهم ، حتى أن بعضهم كان يجلس إلى الصحابى ومعه الألواح يستفسر عن كل ما هو في حاجة إليه من فاتحة الكتاب الكريم إلى نهاية آياته البينات ([46]) . قال مجاهد بن جبر : عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات ، أقف عند كل آية منه ، وأسأله عنها فيما نزلت وكيف كانت ([47]) .

 مدارس التفسير :

      واشتهر في ذلك العصر ثلاث مدارس للتفسير ، إحداها بمكة المكرمة ، والثانية بالمدينة المنورة ، والثالثة بالكوفة .

      قال ابن تيمية : " أما التفسير فإن أعلم الناس به أهل مكة لأنهم أصحاب ابن عباس ، كمجاهد ، وعطاء بن أبى رباح ، وعكرمة مولى ابن عباس ، وغيرهم من أصحاب ابن عباس كطاووس ، وأبى الشعثاء ، وسعيد بن جبير وأمثالهم . وكذلك أهل الكوفة من أصحاب ابن مسعود ، ومن ذلك ما تميزوا به على غيرهم . وعلماء أهل المدينة في التفسير مثل زيد بن أسلم الذي أخذ عنه مالك التفسير ، وأخذه عنه أيضاً ابنه عبد الرحمن " ([48]) .

       وشهرة هذه المدارس لا يعنى أن باقى الصحابة الكرام لم يجلسوا إلى تابعيهم يعلمونهم ، أو أن التابعين لم يلجئوا لباقى الصحابة .

نواة التدوين :

      مع أن التفسير ظل يحمل طابع التلقى والرواية ، إلا أن نواة التدوين ظهرت في بعض الجهود الفردية ، حيث كان بعض التابعين يكتب ما يسمع ، وما يفهم نتيجة تمكنه من اللغة ، ومعرفته بأساليب القول .

      وتفسير التابعين نراه مبثوثاً في كتب التفسير التي جاءت بعد ذلك كتفسير الطبري ، وفى بعض كتب السنة . والمشهور أن لكل من سعيد بن جبير ، ومجاهد ابن جبر ، تفسيراً مدوناً ([49]) . غير أن الأول لم يصلنا تفسيره هذا حتى الآن ، أما مجاهد فعثر على مخطوطة لتفسيره ، ونسخت في القرن السادس الهجرى ، وهيأ الله تعالى لها من يحققها ، ويخرجها كتاباً للناس ([50]) .

      ولعلنا بدراسة هذا التفسير نأخذ صورة عامة لما كان عليه التفسير في عهد التابعين .

تفسير مجاهد :

      من دراسة التفسير نلاحظ ما يأتى :

      أولا : التفسير ، وإن تناول السور الكريمة كلها تقريبا ([51]) غير أنه لم يفسر إلا بعض الآيات فقط وهى ليست كثيرة وإن كانت أكثر مما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم ، وهذه نتيجة متوقعة ، فكلما بعد الناس عن عصر التنزيل كلما احتاجوا إلى المزيد من التفسير والبيان .

      ثانيا : معظم ما في التفسير بيان لمعانى كلمات ، وهذا يعنى أن التابعين كما كانوا لا يفسرون الآيات التي يظنونها واضحة المعنى ، كانوا كذلك يتناولون الآيات التي يرون الحاجة إلى تفسيرها ، ويكتفون ببيان معاني الكلمات التي يتوقف عليها فهم المعنى .

      على أنا نجد أن بعض الكلمات القرآنية المفسرة أوضح معنى بالنسبة لنا من كلمات التفسير . مثال هذا ما جاء في تفسيره لسورة الذاريات :

      عن مجاهد قال : " المحروم " : المحارف .

      وعنه : " فجاء بعجل " يقول : حسيل .

      ولعل هذا يرجع إلى أن بعض الكلمات تشيع في عصر دون عصر ،        ككلمتى : المحارف وحسيل ، شاعتا في عصره وكادتا لا تظهران في عصرنا .

      ثالثا : في تفسير بعض الآيات الكريمة وتوضيح معناها نرى الحديث عن أسباب النزول ، مثال هذا ما جاء في تفسير سورة الرعد :

   عن مجاهد : قال كفار قريش ، يا محمد ، سير لنا جبالنا فتتسع لنا أرضنا فإنها ضيقة ، أو قرب لنا الشام فإنا نتجر إليها ، أو أخرج لنا آباءنا من القبور نكلمهم ، فأنزل الله عزوجل ]   وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ[ إلى آخر الآية .

      وعن مجاهد في قوله تعالى :  ]   يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ    [  قال : قالت قريش حين أنزل  ]  وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ     [  ما نراك يا محمد تملك من شئ ، ولقد فرغ من الأمر ، فنزلت :  ]   يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ    [  تخويفاً ووعيداً لهم ، أي إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما شئنا ، ويحدث في كل شهر رمضان فيمحو ما يشاء ، ويثبت ما يشاء : أرزاق الناس ، ومصائبهم ، وما يقسم لهم .

      رابعا : وفى التفسير نرى أحياناً الإشارة الى النسخ : ففى سورة النساء      مثلاً :

      عن مجاهد في قوله : " فئاذوهما " يعنى سبَّاً ، ثم نسختها ]الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ     [   " 2 : النور " .

      خامسا : في بعض الحالات نرى خلافاً بين مجاهد وأستاذه ابن عباس ، أو بين مجاهد وغيره من التابعين .

      سادسا : يتعرض التفسير أحيانا لبعض الأحكام الفقهية ، مثال هذا ما جاء في سورة النساء من الحديث عن صلاة الخوف وهو ما يلى : عن مجاهد في قوله تعالى :  ]  فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ     [  وذلك يوم كان النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان ، والعدو بضحنان ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه الظهر أربع ركعات ، ركوعهم وسجودهم وقيامهم وقعودهم جميعاً ، فهم بهم المشركون أن يغيروا على أمتعتهم وأثقالهم إذا قاموا للعصر ، فأنزل الله عزوجل :  ]   وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ     [  إلى آخر الآية . فصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه خلفه صفين ، ثم كبر بهم وكبروا جميعاً ، ثم سجد الأولون بسجود النبي صلى الله عليه وسلم ، والآخرون قيام ، ثم سجد الآخرون ، ثم كبر بهم وكبروا جميعاً ،  فتقدم الصف الآخر واستأخر الصف الأول ، فتعاقبوا السجود كما فعلوا أول مرة ، وقصرت صلاة العصر ركعتين .

      سابعا : بدت الإسرائيليات واضحة في هذا التفسير ! وأكثرها يتصل بنبيين هما : موسى وسليمان ـ عليهما السلام .

      هذا ما بدا لي عندما قرأت تفسير مجاهد ، ثم أتحفنى زميلى المفضال الدكتور محمد عبد السلام برسالته للدكتوراه " تفسير مجاهد بن جبر " وفى هذه الرسالة جعل الباب الثاني لبيان منهج مجاهد في التفسير .

      أشار في بداية الباب أن المفسرين من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لم يفسروا القرآن الكريم كله ، وإنما تناولوا قدراً يسيراً من آياته ، وأنهم كانوا يقتصرون على توضيح المعنى اللغوى بأوجز لفظ ، مع ندرة ما يستنبط من الأحكام الفقهية ، وذكر لسبب النزول ، وأخذ عن أهل الكتاب في حدود ما سمح به.

  ثم قال :

      وهذا كان منهج ابن عباس كبير مفسرى الصحابة رضوان الله عليهم   أجمعين، فإذا نحن تتبعنا تفسير تلميذه مجاهد ، وجدناه ينهج هذا النهج ، ويزيد عليه بما  يلى:

      1 ـ زيادة القدر المفسر من الأحكام .

      2 ـ كثرة ما استنبط من الأحكام .

      3 ـ بذر نواة المذاهب الفقهية والكلامية ، ولذا وجدنا الشافعى يعتمد على مجاهد في فقهه ، والمعتزلة أيضاً يعتمدون عليه فيما ذهبوا إليه من القول بعدم رؤية الله عز وجل .

      4 ـ التوسع في الاتصال بأهل الكتاب وسؤالهم .

      قال : والمدقق في تفسير مجاهد يجده قد أفاد كثيراً من أستاذه ابن عباس ، واقتفى أثره ووافقه في تفسير العديد من الآيات ، كما أنه كان يخالفه أحياناً ، وأبرز تلك المخالفة قول مجاهد بالرأى في بعض الآيات فمنهج مجاهد هو :

      توضيح المعنى اللغوى بأوجز عبارة ، مع ذكر سبب النزول ،  واستنباط الأحكام ، والأخذ عن أهل الكتاب ، والقول بالرأى في حدود ما سمح به . ا . هـ.

      وإن كان لتفسير التابعين منزلته غير أنه ليس بحجة إلا عند إجماعهم ، فإذا اختلفوا فليس قول بعضهم حجة على بعض ، ولا على من جاء بعدهم .

      والشيعة الاثنا عشرية يجعلون العصمة لاثنين من التابعين ، هما : على بن الحسين زين العابدين ، المتوفى سنة 95 ، وابنه محمد : أبو جعفر الباقر ، المتوفى سنة 114 ، أما غير أئمتهم فلا وزن لتفسيرهم عند الشيعة . 

أحسن طرق التفسير

       بعد أن انتهينا من الحديث عن تفسير التابعين ، وقد ذكر الأخذ عن أهل الكتاب ، والتفسير بالرأى ، نرى أن نقف هنا وقفة عند أحسن طرق التفسير كما يراه غالب الجمهور .

      وفى هذه الوقفة بيان لقيمة التفسير المأثور عن التابعين ، وحديث عن الإسرائيليات ، والتفسير بالرأى ، وهو ما كان يلزمنا أن نبينه بعد الحديث عن تفسير التابعين ، فهذه الوقفة إذن تغنينا عن التكرار . ولعل أنسب ما نثبته هنا هو ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية ، وهو أيضاً" ما قاله الحافظ ابن كثير ، وحاول الالتزام به في تفسيره .

      قال ابن تيميه رحمه الله تعالى في مقدمة التفسير من فتاواه "ص363: 375 " وطبعت المقدمة كاملة في كتاب مستقل :

      فإن قال قائل : فما أحسن طرق التفسير ؟

تفسير القرآن بالقرآن وبالسنة :

      فالجواب : إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن ؛ فما أجمل       في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر ، وما اختصر من مكان فقد بسط في  موضع آخر ، فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له ؛       بل قد قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعى : كل ما حكم به         رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن ، قال الله تعالى:]  إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا [وقال تعالى: ]   وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ   [

وقال تعالى :  ]   وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ   [ ، ولهذا قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : " إلا إني أوتيت القرآن ومثله معه " يعنى السنة .

      والسنة أيضاً تنزل عليه بالوحى كما ينزل القرآن ؛ لا أنها تتلى كما يتلى ، وقد استدل الإمام الشافعى وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة ليس هذا موضع ذلك .

      والغرض أنك تطلب تفسير القرآن منه ، فإن لم تجده فمن السنة ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن : " بم تحكم ؟ قال : بكتاب الله قال : فإن لم تجد ؟ قال بسنة رسول الله . قال : فإن لم تجد ؟ قال أجتهد رأيى . قال : فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره وقال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضى رسول الله " ، وهذا الحديث في المسانيد والسنن بإسناد جيد.

أقوال الصحابة :

      وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة ، فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرآن ، والأحوال التي اختصوا بها ؛ ولما لهم من الفهم التام ، والعلم الصحيح ، والعمل الصالح ؛ لا سيما علماؤهم وكبراؤهم ، كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين ، والأئمة المهديين : " مثل عبد الله ابن مسعود " ، قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري : حدثنا أبو كريب ، قال أنبأنا جابر بن نوح ، أنبأنا الأعمش عن أبى الضحى  ، عن مسروق قال : قال عبد الله ـ يعنى ابن مسعود : والذى لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت ، ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله منى تناوله المطايا لأتيته . وقال الأعمش أيضاً ، عن أبى وائل ، عن ابن مسعود قال : كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن .

      ومنهم الحبر البحر " عبد الله بن عباس " ، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجمان القرآن ، ببركة دعاء  رسول الله صلى الله عليه وسلم له حيث قال : " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " . وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، أنبأنا وكيع ، أنبأنا سفيان ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق قال : قال عبد الله ـ يعنى ابن مسعود : نعم ترجمان القرآن ابن عباس . ثم رواه عن يحيى بن داود ، عن إسحاق الأزرق، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن مسلم بن صبيح أبى الضحى ، عن مسروق ، عن ابن مسعود أنه قال : نعم الترجمان للقرآن ابن عباس . ثم رواه عن بندار عن جعفر بن عون عن الأعمش به كذلك ، فهذا إسناد صحيح إلى ابن مسعود أنه قال عن ابن عباس هذه العبارة ، وقد مات ابن مسعود في سنة ثلاث وثلاثين على الصحيح ، وعمر بعده ابن عباس ستاً وثلاثين سنة ، فما ظنك بما كسبه من العلوم بعد ابن مسعود ؟ وقال الأعمش ، عن أبى وائل : استخلف على عبد الله بن عباس على الموسم فخطب الناس فقرأ في خطبته سورة البقرة ـ وفى رواية سورة النورـ ففسرها تفسيراً لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا .

الإسرائيليات :

      ولهذا غالب ما يرويه إسماعيل بن عبد الرحمن السدى الكبير في تفسيره عن هذين الرجلين : ابن مسعود وابن عباس ، ولكن في بعض الأحيان ينقل عنهم ما يحكونه من أقاويل أهل الكتاب التي أباحها رسول الله  صلى الله عليه وسلم حيث قال : " بلغوا عنى ولو آية ، وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو ؛ ولهذا كان عبد الله بن عمرو قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب ، فكان يحدث منهما بما فهمه من هذا الحديث من الإذن في ذلك ، ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد ، فإنها على ثلاثة أقسام :

      " أحدها " ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح .

      و " الثاني " ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه .

      و " الثالث " ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل ، فلا نؤمن به ولا نكذبه وتجوز حكايته لما تقدم ،  وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر دينى ، ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيراً ، ويأتى عن المفسرين خلاف بسبب ذلك ، كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف ، ولون كلبهم ، وعدتهم ، وعصا موسى من أي الشجر كانت ، وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم ، وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة ، ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى ، إلى غير ذلك مما أبهمه الله في القرآن مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم ، ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز ، كما قال تعالى : ]  سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا   [ .

    وقد اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام ، وتعليم ما ينبغى في مثل هذا . فإنه تعالى أخبر عنهم بثلاثة أقوال ، ضعف القولين الأولين ، وسكت عن الثالث ، فدل على صحته ؛ إذ لو كان باطلاً لرده كما ردهما ، ثم أرشد إلى أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته ، فيقال في مثل هذا :]  قُل رَّبِّي أَعْلَمُ      بِعِدَّتِهِم  [ فإنه ما يعلم بذلك إلا قليل من الناس ممن أطلعه الله عليه ؛ فلهذا قال:] فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا    [ أي لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته ، ولا تسألهم عن  ذلك، فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب .

      فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف : أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام ، وأن ينبه على الصحيح منها ، ويبطل الباطل ، وتذكر فائدة الخلاف  وثمرته ؛ لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته ، فيشتغل به عن الأهم ، فأما من حكى خلافا في مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص ؛ إذ قد يكون الصواب في الذي تركه أو يحكى الخلاف ويطلقه ، ولا ينبه على الصحيح من الأقوال فهو ناقص أيضاً ، فإن صحح غير الصحيح عامداً فقد تعمد الكذب ، أو جاهلا فقد أخطأ ، كذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته ، أو حكى أقوالا متعددة لفظاً ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى فقد ضيع الزمان ، وتكثر بما ليس بصحيح فهو كلابس ثوبى زور ، والله الموفق للصواب .

أقوال التابعين :

      إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ، ولا وجدته عن الصحابة ، فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين " كمجاهد بن جبر " فإنه كان آية في التفسير ، كما قال محمد بن إسحاق : حدثنا إبان بن صالح عن مجاهد قال : عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمتة ، أوقفه عند كل آية منه ، وأسأله عنها ، وبه قال الترمذى ، قال : حدثنا الحسين بن مهدى البصرى ، حدثنا عبد الرزاق عن معمر ، عن قتادة .قال : ما في القرآن آية إلا وقد سمعت فيها شيئاً ، وبه إليه قال : حدثنا ابن أبى عمر ، حدثنا سفيان بن    عيينة ، عن الأعمش ، قال : قال مجاهد : لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود لم احتج أن أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن مما سألت . وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب قال : حدثنا طلق بن غنام ، عن عثمان المكى ، عن ابن أبى مليكة،قال: رأيت مجاهداً سأل ابن عباس عن تفسير القرآن ومعه ألواحه ، قال : فيقول له ابن عباس : اِكتب ، حتى سأله عن التفسير كله ، ولهذا كان سفيان الثورى يقول : إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به .

      وكسعيد بن جبير ، وعكرمة مولى ابن عباس ، وعطاء بن أبى رباح ، والحسن البصرى ، ومسروق بن الأجدع ، وسعيد بن المسيب ، وأبى العاليه ، والربيع بن أنس ، وقتادة ، والضحاك بن مزاحم ، وغيرهم من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم ، فتذكر أقوالهم في الآية ، فيقع في عباراتهم تباين في الألفاظ يحسبها من لا علم عنده اختلافاً ، فيحكيها أقوالا ، وليس كذلك ، فإن منهم من يعبر عن الشىء بلازمه أو نظيره ، ومنهم من ينص على الشىء بعينه ، والكل بمعنى واحد في كثير من الأماكن ، فليتفطن اللبيب لذلك ، والله الهادي .

 

      وقال شعبه بن الحجاج وغيره : أقوال التابعين في الفروع ليست حجة ، فكيف تكون حجة في التفسير ؟ يعنى أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم ، وهذا صحيح ، أما إذا أجمعوا على الشىء فلا يرتاب في كونه حجة ، فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض ، ولا على من بعدهم ، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن أو السنة ، أو عموم لغة العرب ، أو أقوال الصحابة في ذلك .

التفسير بمجرد الرأى حرام :

    فأما " تفسير القرآن بمجرد الرأى فحرام ، حدثنا مؤمل ، حدثنا سفيان ، حدثنا عبد الأعلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار " .

      حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن عبد الأعلى الثعلبى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار " . وبه إلى الترمذى قال : حدثنا عبد بن حميد ، حدثنى حسان بن هلال قال : حدثنا سهيل ـ أخو حزم القطعى ، قال : حدثنا أبو عمران الجونى ، عن جندب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ " ، قال الترمذى هذا حديث غريب وقد تكلم بعض أهل الحديث في سهل بن أبى حزم .

      وهكذا روى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أنهم شددوا في أن يفسر القرآن بغير علم ، وأما الذي روى عن مجاهد وقتادة وغيرهما من أهل العلم أنهم فسروا القرآن فليس الظن بهم أنهم قالوا في القرآن وفسروه بغير علم ، أو من قبل أنفسهم ، وقد روى عنهم ما يدل على ما قلنا أنهم لم يقولوا من قبل أنفسهم بغير علم ، فمن قال في القرآن برأيه فقد تكلف ما لا علم له به ، وسلك غير ما أمر به ، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ ؛ لأنه لم يأت بالأمر من بابه ، كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار وإن وافق حكمه الصواب في نفس الأمر ؛ لكن يكون أخف جرماً ممن أخطأ ، والله أعلم . وهكذا سمى الله تعالى القذفة كاذبين ، فقال :  ]  فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ   [ فالقاذف كاذب ، ولو كان قد قذف من زنى في نفس الأمر ؛  لأنه أخبر بما لا يحل له الإخبار به ، وتكلف ما لا علم له به . والله أعلم .

      ولهذا تحرج جماعة من السلف عن تفسير ما لا علم لهم به ، كما روى شعبة عن سليمان عن عبد الله بن مرة عن أبى معمر ، قال : قال أبو بكر الصديق : أي أرض تقلنى وأى سماء تظلنى إذا قلت في كتاب الله ما لم أعلم ؟! 

      وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : حدثنا محمود بن يزيد ، عن العوام بن حوشب ، عن إبراهيم التيمى ، أن أبا بكـر الصديق سئل عن قـوله :

]  وَفاكِهَةً وَأَبًّا  [ فقال : أي سماء تظلنى ، وأى أرض تقلنى ، إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم ؟ ـ منقطع .

      وقال أبو عبيد أيضاً : حدثنا يزيد ، عن حميد ، عن أنس ، أن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر :  ] وَفَاكِهَةً وَأَبًّا  [  فقال : هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب ؟ ثم رجع إلى نفسه فقال : إن هذا لهو التكلف يا عمر .

      وقال عبد بن حميد : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد بن يزيد ، عن ثابت ، عن أنس قال : كنا عند عمر بن الخطاب ، وفى ظهر قميصه أربع رقاع ، فقرأ : ] وَفَاكِهَةً وَأَبًّا  [  فقال : ما الأب ؟ ثم قال : إن هذا لهو التكلف ، فما عليك أن لا تدريه ؟ .

      وهذا كله محمول على أنهما ـ رضي الله عنهما ـ إنما أرادا استكشاف علم كيفية الأب ، وإلا فكونه نبتاً من الأرض ظاهر لا يجهل ؛ لقوله تعـالى : ]   فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غُلْبًا   [ .

      وقال ابن جرير : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية عن    أيوب ، عن ابن أبى مليكة ، أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها فأبى أن يقول فيها . إسناده صحيح . وقال أبو عبيد : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب ، عن ابن أبى مليكه ، قال : سأل رجل ابن عباس عن : ]  يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ   [ فقال له ابن عباس : فما]   يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ[ ؟ فقال الرجل إنما سألتك لتحدثنى فقال ابن عباس ، هما يومان ذكرهما الله في كتابه ، الله أعلم بهما ، فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم . وقال ابن   درير : حدثنى يعقوب ـ يعنى ابن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، عن مهدى بن ميمون ، عن الوليد بن مسلم ، قال : جاء طلق بن حبيب إلى جندب بن عبد الله فسأله عن آية من القرآن . فقال أحرج عليك إن كنت مسلماً لما قمت عنى ، أو قال: أن تجالسنى ، وقال مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد  بن المسيب أنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن قال إنا لا نقول في القرآن شيئاً .

      وقال الليث ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، أنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن . وقال شعبة عن عمرو بن مرة قال : سأل رجل سعيد ابن المسيب عن آية من القرآن ، فقال : لا تسألنى عن القرآن ، وسل من يزعم أنه لا يخفى عليه منه شىء ، يعنى عكرمة . وقال ابن شوذب : حدثنى يزيد بن أبى يزيد قال : كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام ، وكان أعلم الناس ، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع .

      وقال ابن جرير : حدثنى أحمد بن عبده الضبى ، حدثنا حماد بن زيد حدثنا عبيد الله بن عمر ، قال : لقد أدركت فقهاء المدينة وأنهم ليعظمون القول في التفسير ، منهم سالم بن عبد الله ، والقاسم بن محمد ، وسعيد بن المسيب ، ونافع . وقال أبو عبيد : حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث ، عن هشام بن عروة قال : ما سمعت أبى تأول آية من كتاب الله قط . وقال أيوب وابن عون وهشام  الدستوائى ، عن محمد بن سيرين قال : سألت عبيدة السلمانى عن آية من القرآن ، فقال : ذهب الذين كانوا يعلمون فيما أنزل من القرآن ، فاتق الله وعليك بالسداد .

      وقال أبو عبيد : حدثنا معاذ ، عن ابن عون عن عبيد الله بن مسلم بن يسار ، عن أبيه ، قال : إذا حدثت عن الله فقف حتى تنظر ما قبله وما بعده . حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : كان أصحابنا يتقون التفسير ويهابونه . وقال شعبة، عن عبد الله بن أبى السفر ، قال : قال الشعبى : والله ما من آية إلا وقد سألت عنها ، ولكنها الرواية عن الله . وقال أبو عبيد : حدثنا هشيم ، أنبأنا عمر بن أبى زائدة ، عن الشعبى ، عن مسروق قال : اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن الله.

التفسير بالرأى عن علم :

      فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به ، فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعاً فلا حرج عليه ؛ ولهذا روى عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير ، ولا منافاة ؛ لأنهم تكلموا فيما علموه ، وسكتوا عما جهلوه ، وهذا هو الواجب على كل أحد ، فإنه كما يجب السكوت عما لا علم له به فكذلك يجب فيما سئل عنه مما يعلمه ؛ لقوله   تعالى : ]  لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ  [ ، ولما جاء في الحديث المروى من طرق : " من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامه بلجام من نار " .

      وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا مؤمل ، حدثنا سفيان عن أبى الزناد ، قال : قال ابن عباس : التفسير على أربعة أوجه : وجه تعرفه العرب من كلامها ، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته ، وتفسير يعلمه العلماء ، وتفسير لا يعلمه إلا الله . والله سبحانه وتعالى أعلم . " انتهى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية "

التفسير في القرن الثاني

      وفى القرن الثاني الهجرى بدأ عصر التدوين . ونحن نعلم أن خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز أمر بجمع السنة وتدوينها ، وخلافته كانت في العام التاسع والتسعين من القرن الأول ، وتوفى في العام الأول من القرن الثاني ، وأول من استجاب له ابن شهاب الزهرى المتوفى سنة 124 هـ ، وتبعه آخرون ، وشاع التدوين في الطبقة التي تلى طبقته، وكان التفسير كما عرفنا باباً من أبواب السنة ، ومن هنا كان جمعه وتدوينه . ولم يصلنا مما دُوِن في ذلك القرن إلا القليل : كموطأ الإمام مالك ، ومسند الإمام الشافعى ، ومسند أبى داود الطيالسى المتوفى سنة204هـ ، وكتاب الآثار لمحمد بن الحسن الشيبانى صاحب الإمام أبى حنيفة .

      غير أن هذا القرن شهد التفسير كعلم قائم بذاته ، ونتحدث هنا عن ثلاثة كتب هي : التفسير الكبير لمقاتل بن سليمان المتوفى سنة 150 هـ ، وتفسير يحيى بن سلام المتوفى سنة 200 هـ ، ومعانى القرآن لأبى زكريا يحيى بن زياد الفراء المتوفى سنة 207 هـ .

أولاً : تفسير مقاتل بن سليمان

      هذا أول تفسير يصلنا حتى الآن يفسر جميع أي القرآن الكريم ، والراجح أن أحداً لم يسبقه في هذا المجال . وسفيان الثورى الذي توفى بعد مقاتل بأحد عشر عاماً طبع تفسيره في مجلد واحد ، وهو أقرب ما يكون إلى تفسير مجــاهد ([52]) ، مما يرجح أن طريقة تفسير بعض الآيات والكلمات هي التي كانت لا تزال سائدة في القرن الثاني ، وعلى الأخص في النصف الأول منه قبل أن ينتهى عصر التابعين .

في القرن الثاني ، وعلى الأخص في النصف الأول منه قبل أن ينتهى عصر التابعين .

      ومع سبق مقاتل ، وضخامة تفسيره الذي يقع في أربعة مجلدات ، إلا أن هذا التفسير لم يحتل مكانة علمية عند جمهور العلماء ، وذلك لأن مقاتلاً مجروح ؛ متهم بالكذب ، والتجسيم ، وكثرة النقل عن أهل الكتاب .

      وليس لهذا التفسير من قيمة إلا بمقدار صحة ما فهمه هو من معاني الآيات الكريمة ، ولهذا قال الذهبى عنه : متروك الحديث ، وقد لطخ بالتجسيم مع أنه كان من أوعية العلم ، بحراً في التفسير . ويروى عن الشافعى ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : الناس كلهم عيال على ثلاثة : مقاتل بن سليمان في التفسير ، وعلى زهير ابن أبى سلمى في الشعر ، وعلى أبى حنيفة في الكلام ([53]) .

 

ثانياً : تفسير يحيى بن سلام

      المؤلف والكتاب : يحيى بن سلام بن أبى ثعلبة التميمى ـ مولى لهم ـ يكنى أبا ذكريا ، بصرى ، قدم مصر وصار إلى إفريقيا وسكنها ، وحج منها ، وتوفى بمصر بعد رجوعه من الحج في صفر سنة مائتين .

       قال ابن الجزرى في ترجمته ليحيى :

       صاحب التفسير . روى الحروف عن أصحاب الحسن البصرى عن الحسن ابن دينار وغيره .

       وله اختيار في القراءه من طريق الآثار .

      روى عن حماد بن سلمة ، وهمام بن يحيى ، وسعيد بن أبى عروبة .

      قال الدانى : ويقال أنه أدرك من التابعين نحواً من عشرين رجلاً وسمع    منهم ، وروى عنهم .

      نزل المغرب ، وسكن أفريقيا دهراً ، وسمع الناس بها كتابه في تفسير القرآن، وليس لأحد من المتقدمين مثله ، وكتابه الجامع .

      وكان ثقة  ثبتاً ، ذا علم بالكتاب والسنة ، ومعرفة اللغة العربية ، وكان صاحب سنة ، وسمع منه بمصر عبد الله بن وهب ، ومثله من الأئمة ([54]) .

      وفى ترجمته في لسان الميزان قال ابن حجر :    

      حدث بالمغرب عن سعيد بن أبى عروبة ومالك وجماعة .

      ضعفه الدارقطنى . وقال ابن عدى : يكتب حديثه مع ضعفه ، روى عنه بحر ابن نصر وغيره ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال : ربما أخطأ . وقال سعيد بن عمرو البردعى : قلت لأبى زرعة في يحيى بن سلام المغربى : فقال : لا بأس به ، ربما وهم . وقال أبو حاتم الرازى : كان شيخا بصرياً وقع إلى  مصر ، وهو صدوق . وقال أبو العرب في طبقات القيروان : كان مفسراً ، وكان له قدر ومصنفات كثيرة في فنون العلم ، وكان من الحفاظ ، من خيار خلق الله ([55]) .

      نقرأ ما سبق عن يحيى وعن تفسيره ، ولكن أين هذا التفسير ؟ وما منهجه ؟ ولماذا قيل : ليس لأحد من المتقدمين مثله ؟

      ما كنت أدرى عن هذا التفسير شيئاً .

ونحن نعرف أن القرن الثاني شهد طائفة من الأئمة تكلموا في الجرح والتعديل ، وكان لهذا أثره في جمع الأخبار ، مع التصحيح والتضعيف والترجيح ، ولكن ما كنت أعرف أحداً سبق محمد بن جرير الطبري إلى هذا في مجال التفسير كعلم مستقل ، مع أن الطبري عاش في القرن الثالث وتوفى أوائل الرابع" 224 : 310 " غير إني عندما قرأت كتاب " التفسير ورجاله " لعالم تونس الشيخ محمد الفاضل بن عاشور وجدته يتحدث عن تفسير يحيى بن سلام . وأورد هنا ما كتبه ذلك العالم الفاضل ليستفيد القارئ كما استفدت ، وحتى تكون الحلقة متصلة عندما نأتى للحديث عن تفسير الطبري .

 

 منهج التفسير في النصف الثاني من القرن الثاني :

      تحدث الشيخ عن منهج التفسير في النصف الثاني من القرن الثاني الهجرى فقال :

      كانت أول التفاسير ظهوراً في النصف الثاني من القرن الثاني بعد كتاب عبد الملك بن جريج ـ التفاسير المتوخيه طريقة جمع الأقوال ـ بحسب ما انتهى إلى مؤلفيها من طرق الإسناد .

      وقد اقتضى ذلك لا محالة اشتمال الكتاب الواحد ، في الآية الواحدة على أخبار متخالفة ، وآثار متفاوتة الدرجات من حيث مظنة الثبوت لقوة الأسانيد وضعفها . فتطلب ذلك رجوعاً إلى تلك الأخبار بالنقض والتمحيص ، ليوضع منها ما يوضع على بساط الطرح والتزييف ، ويثبت منها ما يثبت على مدرجة الاعتماد والتحصيل .

      لا سيما وقد انتهى الكثير منها إلى المؤلفين متبعاً لتعاليق نقدية اتصلت بها وصارت ذيولا لها ، منذ أن كانت متناقلة بالطريق الشفهى ، قبل أن تدخل حيز التدوين .

      فأصبح موقف المؤلفين حيال تلك الأخبار ، مثل موقف مصنفى السنة من مختلف الحديث ، وموقف الفقهاء من متعارض فتاوى فقهاء الصحابة والتابعين ، موقفاً يستدعى إدخال عناصر جديدة من المعارف المتصلة بتوضيح البحث ، ثم إدخال عنصر شخصى من النقد والتقدير ، والإسقاط والتحصيل ، أو الجمع والتأويل ، ينتهى إلى حكم موضوعى فاصل بحسب اجتهاد المؤلف ، وتقديره ، تتخذ له تلك الأخبار المتخالفة أسانيد ومقومات للاستنتاج كما يتخذ مجموع البينات المتعارضة مع ما يتصل بها من وسائل الإثبات سنداً لقضاء القاضى .

      وكانت أهم العناصر المرجوع إليها ، بالإضافة إلى عنصر الروايات  الواردة، عنصرين يتصلان مباشرة باللفظ القرآنى : هما عنصر القراءة وعنصر الإعراب.

 

حلقة الاتصال بين القرنين الأول والثالث :

       وبعد أن تحدث عن العنصرين ، وصلة كل منهما بالتفسير، قال :

      " وإنه لمما يجدر التنبيه إليه في هذا المقام : أن الذين يشيرون إلى هذه الطريقة وخصائصها من الكاتبين حديثاً في تاريخ التفسير ، يبادرون إلى ضرب المثل بتفسير محمد بن جرير الطبري ، فيقطعون بذلك اتصال سلسلة التطور في الأوضاع التفسيرية بين القرن الأول والقرن الثالث بإضاعة الحلقة من تلك السلسلة التي تمثل منهج التفسير في القرن الثاني ، لأن تفسير ابن جرير الطبري ألف في أواخر القرن الثالث ، وصاحبه توفى أوائل القرن الرابع ، والحال أن الحلقه التي يتم بها اتصال السلسلة وضاعت عن الكاتبين المحدثين في تاريخ التفسير : من المستشرقين وغير المستشرقين ، هي حلقة أفريقية تونسية ، بالوقوف عليها يتضح كيف تطور فهم التفسير عما كان عليه في عهد ابن جريج، إلى ما أصبح عليه في تفسير الطبري ، ويتضح لمن كان الطبري مديناً له بذلك المنهج الأثرى النظرى الذي درج عليه في تفسيره العظيم .

      وإنما نعنى بهذا تفسيراً جليلاً من صميم آثار القرن الثاني ، وهو أقدم التفاسير الموجودة اليوم على الإطلاق ، ألف بالقيروان وروى فيها ، وبقيت نسخته الوحيده بين تونس والقيروان ، وهو الذي يعتبر مؤسس طريقة التفسير النقدى ، أو الأثرى النظرى التي سار عليها بعده ابن جرير الطبري واشتهر بهـا.

     ذلك هو تفسير يحيى بن سلام التميمى البصرى الأفريقى المتوفى سنة 200، وهو تفسير يقع في ثلاثين جزءاً من التجزئة القديمة ، أي في ثلاث مجلدات  ضخمة ، مبنى على إيراد الأخبار مسندة ، ثم تعقبها بالنقد والاختيار . فبعد أن يورد الأخبار المروية مفتتحاً إسنادها بقوله : " حدثنا " يأتى بحكمه الاختيارى مفتتحاً بقوله : " قال يحيى " ، ويجعل مبنى اختياره على المعنى   اللغوى ، والتخريج الإعرابى ، ويتدرج من اختيار المعنى إلى اختيار القراءة التي تتماشى وإياه ، مشيراً إلى اختياراته في القراءة بما يقتضى أن له رواية أو طريقاً لا يبعد أن تكون راجعة إلى قراءة أبى عمرو بن العلاء البصرى ، لأن يحيى بن سلام بصرى النشأة ، وإلى طريقه المختار في القراءة يشير في تفسيره بقوله : " والذى في مصحفنا " .

      وقد نص ابن الجزرى على أن هذا الكتاب سمع من مؤلفه بإفريقيا ، وشهد بأنه كتاب ليس لأحد من المتقدمين مثله ، وكذلك نقل عن إمام القراءات أبى عمرو الدانى أنه قال : " ليس لأحد من المتقدمين مثل تفسير ابن سلام " . وذلك ينطق بسبقه إلى طريقه ، وابتكاره منهجاً . وقد تلقى هذا التفسير عن مؤلفه فقيه أفريقى هو أبو داود العطار المتوفى سنة 244 .

      وتوجد من هذا التفسير لبلادنا التونسية نسخة عظيمة القدر موزعة الأجزاء ، نسخت منذ ألف عام تقريبا ، منها : مجلد يشتمل على سبعة أجزاء بالمكتبة العبدلية بجامع الزيتونة الأعظم ، وآخر يشتمل على عشرة أجزاء بمكتبة جامع القيروان ، ومن مجموعهما يتكون نحو الثلثين من جملة الكتاب . ويوجد جزء آخر لعله يتمم بعض نقص النسخة ، هو من المقتنيات الخاصة لبعض العلماء الأفاضل .

      ولعل فذاذة هذه النسخة التونسية هو الذي يعتذر به للذين أهملوا شأن ابن سلام في مراحل التفسير ، وإن كان التعريف بها حاصلاً منذ أكثر من خمسين سنة، في الجزء الأول من الفهرس التفصيلى للمكتبة العبدلية ، وقد أخذت عنها صور لمعهد المخطوطات العربية ، وكثير من دور الكتب في المشرق               والمغرب " ا . هـ.

      من كلام الشيخ محمد الفاضل بن عاشور نرى أن التفسير في النصف الثاني من القرن الثاني لم يختلف عن الحديث في الاستفادة من الجرح والتعديل ، وسلك منهج التصحيح والتضعيف والترجيح . ونسأل الله تعالى أن يهيئ لكتاب التفسير هذا من يحققه ويخرجه للمسلمين .

 

ثالثاً : معاني القرآن للفراء

الفراء وإملاء الكتاب :

      الفراء وهو أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمى ، ولد بالكوفة سنة 144 هـ ، ونشأ بها وتربى على شيوخها ، ومنزلته العلمية معروفة : لقب بأمير المؤمنين في النحو ، وكان زعيم الكوفيين بعد الكسائى . واستقر به المقام في بغداد ، وتوفى سنة 207 هـ .

      وفى بداية الكتاب يقول راويه أبو عبد الله محمد بن الجهم بن هارون السمرى:

      " هذا الكتاب فيه معاني القرآن ، أملاه علينا أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء ـ يرحمه الله ـ عن حفظه من غير نسخة ، في مجالسه أول النهار من أيام الثلاثاوات والجمع في شهر رمضان ، وما بعده من سنة اثنتين ، وفى شهور سنة ثلاث ، وشهور من سنة أربع ومائتين . قال : حدثنا محمد بن الجهم ، قال : حدثنا الفراء ، قال :

      تفسير مشكل إعراب القرآن ومعانية " ا . هـ .

الهدف والمنهج :

      ومن العنوان الذي اختاره الفراء يتضح الهدف من أماليه ، فهو لا يريد تفسير القرآن الكريم آية آية ، وإنما يقف عند بعض الآيات الكريمة ليفسر مشكل الإعراب والمعانى . ولذلك رأينا الكتاب يزخر بمناقشات نحوية مستفيضة ، ووقفات لغوية .

وهذا التفسير يعتمد على تمكن صاحبه من اللغة ، ومعرفته بأساليبها ، وإمامته في النحو ، ومعرفته بلهجات العرب ، وبالقراءات المختلفة .

      ولا نكاد نجد فيه اهتماماً بذكر الأخبار المروية عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو الصحابة أو التابعين .

      ومثل هذا التفسير لا يعد من التفسير المأثور ، ولعله أول كتاب يصلنا في التفسير العقلى ، وقيمته العلميه تستند إلى مدى التزامه بالمنهج العلمى المقبول لمثل هذا النوع من التفسير ، وتمكنه من أدواته ووسائله . ولنذكر شيئا من هذا التفسير يوضح منهجه .

      بعد قول الفراء السابق " تفسير مشكل إعراب القرآن ومعانيه " قال :

       فأول ذلك اجتماع القراء وكتاب المصــاحف على حذف الألف من  

]  بسم الله الرحمن الرحيم  [ وفى فواتح الكتب،وإثباتهم الألف في قولــه: ]  فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ   [      وأخذ يبين سبب هذا ، ثم انتقل إلى تفسير أم الكتاب فقــال : قوله تعالى : ]  الْحَمْد للّهِ  [ .

       اجتمع القراء علـى رفع الحمـد . وأما أهل البدو فمنهم من يقـول :   ]الْحَمْدَ للّهِ  [ ومنهم من يقول]  الْحَمْدِ للّهِ   [. ومنهم من يقول]  الْحَمْدُ للّهِ  [ . فيرفع الدال واللام .

      وقال : " فأما من نصب ... " وبين وجه كل من الحالات المذكورة .

      ثم قال : " عليهُم " و " عليهِم " : وهما لغتان ، لكل لغة مذهب في العربية.

      وفصل في بيان سبب ضم الهاء وكسرها ، ثم قال :

      وقوله تعالى : ] غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ   [ .

      بخفض " غير " لأنها نعت للذين .

      وبعد أن بين سبب ضبط كلمة " غير " قال :

      وأما قوله تعالى : ] وَلاَ الضَّالِّينَ  [ فإن معنى " غير " معنى " لا " ، فلذلك ردت عليها " ولا " إلخ .

      وهكذا سار الفراء في تفسيره لفاتحة الكتاب ([56]) .

      وعند تفسير سورة النور قال :

ومن سورة النور بسم الله الرحمن الرحيم : قوله : ] سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا  [ ترفع السورة بإضمار هذه سورة أنزلناها . ولا ترفعها براجع ذكرها لأن النكرات لا يبتدأ بها قبل أخبارها ، إلا أن يكون ذلك جواباً ؛ ألا ترى أنك لا تقول : رجل قام ، إنما الكلام أن تقول : قام رجل . وقبح تقديم النكرة قبل خبرها أنها توصل ثم يخبر عنها بخبر سوى الصلة . فيقال : رجل يقوم أعجب إلىّ من رجل لا يقوم : فقبح إذ كنت كالمنتظر للخبر بعد الصلة . وحسن في الجواب ؛ لأن القائل يقول : من في الدار ؟ فتقول : رجل ، وإن قلت : رَجُلٌ فيها فلا بأس ؛ لأنه كالمرفوع بالرد لا بالصفة . 

 

      ولو نصبت السورة على قولك : أنزلناها سورة وفرضناها كما تقول : مجرداً ضربته كان وجهاً . وما رأيت أحداً قرأ به ([57]) .

وفى سورة النمل قال الفراء :

      وقوله : ]   إِنِّي لَا يخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ    [ ثم استثنى فقال : ] إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ   [ فهذا مغفور له . فيقول القائل كيف صُير خائفاً ؟ قلت : في هذه وجهان : أحدهما أن تقول : إن الرسل معصومة مغفور لها آمنة يوم القيامة . ومن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً يخاف ويرجو : فهذا وجه . والآخر أن تجعل الاستثناء من الذين تُركوا في الكلمة ؛ لأن المعنى : لا يخاف المرسلون إنما الخوف على غيرهم .

      ثم استثنى فقال : إلا من ظلم فإن هذا لا يخاف ، يقول : كان مشركاً فتاب وعمل حسناً فذلك مغفور له ليس بخائف .

     

      وقد قال بعض النحويين : إن " إلا " في اللغة بمنزلة الواو ، وإنما معنى هذه الآية : لا يخاف لدى المرسلون ولا من ظلم ثم بدل حسناً ، وجعلوا مثله قول الله : ]  لِئــلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ    [  أي ولا الذين ظلموا . ولم أجد العربية تحتمل ما قالوا ، لأنى لا أجيز قام الناس إلا عبد الله ، وهوقائم ؛ إنما الاستثناء أن يخرج الاسم الذي بعد إلا من معنى الأسماء قبل إلا . وقد أراه جائزاً أن تقول : عليك ألف سوى ألف آخر ، فإن وضعت " إلا " في هذا الموضع صلحت وكانت " إلا " في تأويل ما قالوا . فأما مجردة قد استثنى قليلها من كثيرها فلا . ولكن مثله مما يكون في معنى إلا كمعنى الواو وليست بها .

      قوله :  ]  خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ    [ هو في المعنى : إلا الذي شاء ربك من الزيادة . فلا تجعل إلا " في منزلة " الواو ولكن بمنزلة سوى . فإذا كانت سوى في موضع إلا صلحت بمعنى الواو ؛ لأنك تقول : عندى مال كثير سوى هذا ، أي وهذا عندى ؛ كأنك قلت : عندى مال كثير وهذا . وهو في سوى أنفذ منه في إلا لأنك قد تقول : عندى سوى هذا ، ولا تقول : إلا هذا ([58]) .

       وفى سورة سبأ :

      وقوله : ] وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ   [ " 17 " هكذا قرأه يحيى وأبو عبد الرحمن أيضاً . والعوام : ] وَهَلْ يُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ  [  . وقوله :  ] ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم  [ موضع " ذلك " نصب بـ " جزيناهم " .

      يقول القائل : كيف خص الكفور بالمجازاة والمجازاة للكافر وللمسلم وكل واحد ؟ فيقال : إن جازيناه بمنزلة كافأناه والسيئة للكافر بمثلها وأما المؤمن فيجزى لأنه يزاد ويتفضل عليه ولا يجازى . وقد يقال : جازيت في معنى جزيت ، إلا أن المعنى في أبين الكلام على ما وصفت لك ؛ ألا ترى أنه قد قال ] ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم  [  ولم يقل ]  جاَزَيْنَاهُم  [ وقد سمعت جازيت في معنى جزيت وهى مثل عاقبت وعقبت ، الفعل منك وحدك . وبناؤها ـ يعنى ـ فاعلت على أن تفعل  ويفعل بك ([59]) .

      وأكتفى بهذا القدر ، ولعله ـ مع قلته ـ يبين منهج الفراء في تفسيره ، وقيمته العلمية .

 

*****

القرن الثالث وتفسير الطبري

      القرن الثالث الهجرى يعتبر العصر الذهبى بالنسبة لتدوين السنة ؛ فقد شهد ميلاد مسند الإمام أحمد والصحيحين : صحيح البخاري وصحيح مسلم ، وسنن أبى داود ، والترمذى ، وابن ماجه ، والنسائى ، وغيرها من كتب السنة .

      ومع أننا رأينا التفسير علماً قائماً بذاته ، إلا أن رجال الحديث كانوا يدونون الأخبار المتصلة بالتفسير مع غيرها من الأخبار ، فكان هذا خيراً عظيماً بالنسبة للتفسير .

     وإلى جانب هذا فإن أعظم كتاب في التفسير ظهر في هذا القرن ، وهو تفسير أبى جعفر محمد بن جرير الطبري ، المسمى " جامع البيان عن تأويل أي القرآن ".

الطبري : علمه وكتبه :

      الطبري هو : محمد بن جرير بن يزيد بن كثير . وهو ـ كما قال الذهبى ـ الإمام العالم المجتهد ، عالم العصر ، صاحب التصانيف البديعة ، من أهل آمل طبرستان . مولده سنة أربع وعشرين ومئتين ، وطلب العلم بعد الأربعين ومئتين ، وأكثر الترحال ، ولقى نبلاء الرجال ، وكان من أفراد الدهر علماً ، وذكاء ، وكثرة تصانيف ، قل أن ترى العيون مثله ([60]) .

      كان ثقة ، صادقاً ، حافظاً ، رأساً في التفسير ، إماماً في الفقه والإجماع والاختلاف ، علامة في التاريخ وأيام الناس ، عارفاً بالقراءات وباللغة ، وغير  ذلك ([61]) .

  

      ونقل الذهبى وابن كثير وابن حجر قول الخطيب في تاريخه عن الطبري: كان أحد أئمة العلماء ، يحكم بقوله ، ويرجع إلى رأيه بمعرفته وفضله . وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره : فكان حافظاً لكتاب الله ، عارفاً بالقراءات ، بصيراً بالمعانى ، فقيهاً في أحكام القرآن ، عالماً بالسنن وطرقها ، صحيحها وسقيمها ، ناسخها ومنسوخها ، عارفاً بأقوال الصحابة والتابعين ، عارفاً بأيام الناس وأخبارهم ، وله الكتاب المشهور في " أخبار الأمم وتاريخهم " ، وله كتاب : " التفسير " لم يصنف مثله إلخ ([62]) .

  

     وقال ابن كثير : روى الكثير عن الجم الغفير ، ورحل إلى الآفاق في طلب الحديث ، وصنف التاريخ الحافل ، وله التفسير الكامل الذي لا يوجد له نظير ، وغيرهما من المصنفات النافعة في الأصول والفروع ، ومن أحسن ذلك تهذيب الآثار … إلخ ([63]) .

      وقال السيوطي : رأس المفسرين على الإطلاق ، أحد الأئمة ، جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره

      ثم قال : وله التصانيف العظيمة ، منها : " تفسير القرآن " ، وهو أجل التفاسير ، لم يؤلف مثله كما ذكره العلماء قاطبة ، منهم النووى في تهذيبه ، وذلك لأنه جمع فيه بين الرواية والدراية ، ولم يشاركه في ذلك أحد لا قبله ولا بعده .. إلخ ([64]) .

      والطبرى ـ رأس المفسرين والمؤرخين ـ نجد في ترجمته ([65]) الحديث عن كتبه ، ما تم منها وما لم يتم . وأهم كتبه التي مات قبل تمامها كتابه " تهذيب الآثار"،  وهو مطبوع ميسر الرجوع إليه والحمد لله تعالى ([66]) .

عقيدة الطبري :

      الحديث عن الطبري وعن كتبه يطول كثيراً ، والذى يعنينا أساساً هو تفسيره، ولكن ونحن في مجال التفسير المقارن بين الشيعة وأهل السنة نرى من اللازم بيان عقيدة هذا الإمام التي وقع ضجاج كبير حولها ، حيث رماه بعضهم بأنه من الشيعة الإمامية ، غير أن كتبه تثبت براءته .

     لما بلغه أن أبا بكر بن أبى داود تكلم في حديث غدير خم ، عمل كتاب : " الفضائل " ، فبدأ بفضل أبى بكر ، ثم عمر ، وتكلم على تصحيح حديث غدير خم ، واحتج لتصحيحه ، ولم يتم الكتاب .

      وفى الباب السابق ذكرت الروايات المختلفة لهذا الحديث ، وبينت ما هو صحيح منها ، وما هو مختلف فيه ، وما هو ضعيف أو موضوع مصنوع في دار الضرب بالكوفة . ولا أدرى ما الذي صح عند الطبري ؟ وربما صحح ما بينت ضعفه  أو وضعه . وعندما رجعت لتهذيب الآثار رأيت عدم استبعاد هذا       الاحتمال :

      ففى مسند على رضي الله عنه ـ يذكر حديث " أنا دار الحكمة وعلى بابها "، ويقول : " وهذا خبر عندنا صحيح سنده " ولكنه يضيف قوله " وقد يكون على مذهب الآخرين سقيماً غير صحيح  لعلتين " ثم يذكر تأييداً له حديثاً عن ابن عباس : " أنا مدينة العلم وعلى بابها ، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها "([67]).

      وتصحيح مثل هذه الآحاديث لا يعنى أنه من الإمامية وإلا لما تحدث عن فضل أبى بكر وعمر ، فضلاً عن أن يبدأ  بهما . ونراه في مسند على يروى أن قاتل الزبير استأذن على على فقال : ليدخل النار ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم   يقول : " لكل نبي حوارى وإن حوارى الزبير بن العوام " ([68]) ونحن نعرف تكفير الشيعة لمن قاتل علياً ، وما رواه الطبري ينقض قولهم . وكان الطبري يكلم ابن صالح  الأعلم، وجرى ذكر على رضي الله عنه ، ثم قال الطبري : من قال إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامى هدى ، أيش هو ؟ قال : مبتدع . فقال ابن جرير إنكاراً عليه : مبتدع ! مبتدع ! هذا يقتل ، من قال إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامى هدى يقتل يقتل ([69]) .

      وقال الذهبى في ميزان الاعتدال " 3 / 498 " في ترجمة الطبري : . " ثقة صادق ، فيه تشيع يسير ، وموالاة لا تضر .

      أقذع أحمد بن على السليمانى الحافظ ، فقال : كان يضع للروافض ، كذا قال السليمانى : وهذا رجم بالظن الكاذب ،  بل ابن جرير من كبار أئمة الإسلام المعتمدين ، وما ندعى عصمته من الخطأ ، ولا يحل لنا أن نؤذيه بالباطل والهوى، فإن كلام العلماء بعضهم في بعض ينبغى أن يتأنى فيه ، ولا سيما في مثل إمام كبير ، فلعل السليمانى أراد الآتى :

      محمد بن جرير بن رستم ، أبو جعفر الطبري . رافضى " .

      وعقب ابن حجر فقال : " ولو حلفت أن السليمانى ما أراد إلا الآتى لبررت ، والسليمانى  حافظ متقن ، كان يدرى ما يخرج من رأسه ، فلا أعتقد أنه يطعن في مثل هذا الإمام بهذا الباطل ، والله أعلم . وإنما رمى بالتشيع لأنه صحح حديث غدير خم ، وقد اغتر شيخ شيوخنا أبو حيان بكلام السليمانى " ([70]) .

      هذه كلمة موجزة عن الطبري ، وبعد حياة بارك الله تعالى فيها توفى سنة عشر وثلاثمائة ، ودفن ببغداد .

تفسير الطبري

الثناء على الكتاب :

      ذكرنا آنفا بعض ما جاء في ترجمة أبى جعفر عن تفسيره القيم .

      ومما جاء عن هذا الكتاب أيضاً أن ابن جرير قال لأصحابه : هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا ؟ قالوا : كم قدره ؟ فذكر نحو ثلاثين ألف ورقة ، فقالوا : هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه ! فقال : إنا لله ! ماتت الهمم . فاختصر ذلك في نحو ثلاثة آلاف ورقة .

      ولما أراد أن يملى التفسير قال لهم نحواً من ذلك ، ثم أملاه على نحو من قدر التاريخ .

      وقال الحاكم : سمعت أبا بكر بن بالويه يقول : قال لي أبو بكر بن خزيمة : بلغنى أنك كتبت التفسير عن محمد بن جرير ؟ قلت : بلى ، كتبته عنه إملاء . قال: كله ؟ قلت : نعم . قال : أي سنة ؟ قلت : من سنة  ثلاث وثمانين إلى سنة تسعين ومئتين . قال : فاستعاره منى أبو بكر ، ثم رده بعد سنين ، ثم قال : لقد نظرت فيه من أوله إلى آخره ، وما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير .

       وقال أبو محمد الفرغانى : لو ادعى عالم أن يصنف من كتاب التفسير لابن جرير عشرة كتب ، كل كتاب منها يحتوى على علم مفرد مستقصى لفعل .

       وقال أبو حامد الإسفرايينى : لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل تفسير محمد بن جرير لم يكن كثيراً .

      وقال السيوطي في الإتقان " 2 / 190 " : " . . . وبعدهم ابن جرير الطبري، وكتابه أجل التفاسير وأعظمها ، ثم ابن أبى حاتم ، وابن ماجه ، والحاكم ، وابن مردويه ، وأبو الشيخ ابن حبان ، وابن المنذر ، في آخرين ، وكلها مسندة إلى الصحابة والتابعين وأتباعهم ، وليس فيها غير ذلك ، إلا ابن جرير ؛ فإنه يتعرض لتوجيه الأقوال ، وترجيح بعضها على بعض ،والإعراب ، والاستنباط ، فهو يفوقها بذلك " .

      هذه بعض الأقوال التي تبين قيمة هذا الكتاب ، ولكنها لا تغنى عن النظر في الكتاب نفسه لنبين منهجه وقيمته العلمية ، فلننظر فيه .

بيان الطبري لمنهجه :

      ذكر الطبري في مقدمة التفسير " ص 6 " ما يلى :

      " ونحن ـ في شرح تأويله ، وبيان ما فيه من معانيه ـ منشئون إن شاء الله ذلك ، كتاباً مستوعباً لكل ما بالناس إليه الحاجة من علمه ، جامعاً ، ومن سائر الكتب غيره في ذلك كافياً ، ومخبرون في كل ذلك بما انتهى إلينا من اتفاق الحجة فيما اتفقت عليه منه ، واختلافها فيما اختلفت فيه منه . ومبينو علل كل مذهب من مذاهبهم ، وموضحو الصحيح لدينا من ذلك ، بأوجز ما أمكن من الإيجاز في ذلك ، وأختصر ما أمكن من الاختصار فيه " .

      وفى المقدمة أيضا " ص 73 " نجد " القول في الوجوه التي من قبلها يوصل إلى معرفة تأويل القرآن " ، ويذكر تحت هذا العنوان ما يبين أن مما أنزل الله تعالى من القرآن ما لا يوصل إلى علم تأويله إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن منه ما لا يعلم تأويله إلا الله الواحد القهار ، وأن منه مايعلم تأويله كل ذى علم باللسان الذي نزل به القرآن .

      ثم يذكر أبو جعفر بعد هذا بعض الأخبار التي رويت بالنهى عن القول في تأويل القرآن بالرأى ، ويعقب عليها " ص 77 : 79 " وبعده نجد " ذكر الأخبار التي رويت في الحض على العلم بتفسير القرآن ومن كان يفسره من الصحابة "    " ص 80 " .

      ثم نجد " ذكر الأخبار عن بعض السلف ، فيمن كان من قدماء المفسرين محموداً علمه بالتفسير ، ومن كان منهم مذموماً علمه به " " ص 90 " وبعد الأخبار نجد ما يأتى :

      قال أبو جعفر : قد قلنا فيما مضى من كتابنا هذا في وجوه تأويل القرآن ، وأن تأويل جميع القرآن على أوجه ثلاثة :

      أحدها لا سبيل إلى الوصول إليه ، وهو الذي استأثر الله بعلمه ، وحجب علمه عن جميع خلقه ، وهو أوقاتُ ما كان من آجال الأمور الحادثة ، التي أخبر الله في كتابه أنها كائنة ، مثل : وقت قيام الساعة ، ووقت نزول عيسى ابن مريم ، ووقت طلوع الشمس من مغربها ، والنفخ في الصور ، وما أشبه ذلك .

      والوجه الثاني : ما خص الله بعلم تأويله نبيه صلى الله عليه وسلم دون سائر أمته ، وهو ما فيه مما بعباده إلى علم تأويله الحاجة ، فلا سبيل لهم إلى علم ذلك إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم لهم تأويله .

      والثالث منها : ما كان علمهُ عند أهل اللسان الذي نزل به القرآن ، وذلك علم تأويل عربيته وإعرابه ، لا يُوصل إلى علم ذلك إلا من قبلهم .

      فإذا كان ذلك كذلك ، فأحق المفسرين بإصابة الحق ـ في تأويل القرآن الذي إلى علم تأويله للعباد  السبيلُ ـ أوضحهم حجة فيما تأول وفسر ، مما كان تأويله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم دون سائر أمته من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابته عنه : إما من جهة النقل المستفيض ، فيما وُجد فيه من ذلك عنه النقل المستفيض ، وإما من جهة نقل العدول الأثبات ، فيما لم يكن فيه عنه النقل المستفيض ، أو من جهة الدلالة المنصوبه على صحته ؛ وأصحهم برهاناً ـ فيما ترجم وبين من ذلك ـ ممّا كان مُدركاً علمُه من جهة اللسان : إما بالشواهد من أشعارهم السائرة ، وإما من منطقهم ولغاتهم المستفيضة المعروفة ، كائناً من كان ذلك المتأول والمفسر ، بعد أن لا يكون خارجاً تأويله وتفسيره ما تأول وفسر من ذلك ، عن أقوال السلف من الصحابة والأئمة ، والخلف من التابعين وعلماء الأمة " . " ص 92 : 93 " .

تفسير الطبري لختام فاتحة الكتاب :

      هذا بعض ما جاء في مقدمته المستفيضة ، ولعله يوضح المنهج الذي ارتضاه الطبري لتفسيره .

      وأضيف هنا شيئاً من هذا التفسير قبل الحديث عنه ، وقد يبدو ما أنقله غير مناسب لكثرة صفحاته ، غير أنه تفسير آية كريمة واحدة هي الأخيرة من سورة الفاتحة ، وما ذكره بعد تفسيرها ، وأريد أن يشترك القارئ في الاستنباط حيث يجد نصاً بين يديه ، ولهذا أهميته في مجال التفسير المقارن ، وما أكثر ما في هذا النص من العلم والنفع !

      كما رأيت أن أذكر في الحاشية تخريج الأحاديث للشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى ، ولكن سأكتفى بالنتائج دون التفصيل حتى لا يزداد المنقول . وإليك ما ذكره الطبري في تفسير قوله تعالى :                             ]  صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ [  .

القول في تأويل قوله : ]  صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ  [  :  وقوله : ]  صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ     [  ، إبانة عن الصراط المستقيم ، أي الصراط هو ؟ إذ كان كل طريق من طرق الحق صراطاً مستقيماً . فقيل لمحمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد : أهدنا يا ربنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم بطاعتك وعبادتك ، من ملائكتك وأنبيائك والصديقين والشهداء والصالحين . وذلك نظير ما قال ربنا جلّ ثناؤه في تنزيله :  ] وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيمًا وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ   [ " سورة النساء : 66 : 69 " .

      قال أبو جعفر : فالذى أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأمته أن يسألوا ربهم من الهداية للطريق المستقيم ، هي الهداية للطريق الذي وصف الله جل ثناؤه صفته . وذلك الطريق ، هو طريق الذين وصفهم الله بما وصفهم به في تنزيله ، ووعد من سلكه فاستقام فيه طائعاً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، أن يورده مواردهم ، والله لا يخلف الميعاد .

      وبنحو ما قلنا في ذلك رُوى الخبر عن ابن عباس وغيره :

      188 ـ حدثنا محمد بن العلاء ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس :]   صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ    [  يقول : طريق من أنعمت عليهم بطاعتك وعبادتك من الملائكة والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، الذين أطاعوك وعبدوك ([71]) .

    189 ـ حدثنى أحمد بن حازم الغفارى ، قال : أخبرنا عبيد الله بن موسى ، عن أبى جعفر ، عن ربيع : ]  صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ  [ ، قال : النبيون([72]).

   190 ـ حدثنى القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنى حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس :  ]  أَنعَمتَ عَلَيهِمْ  [  قال : المؤمنين ([73]) .

   191 ـ حدثنا القاسـم ، قـال : حدثنا الحسـين ، قال : قـال وكيـــع:    ]أَنعَمتَ عَلَيهِمْ [   ، المسلمين .

   192 ـ حدثنى يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال عبد الرحمن بن زيد في قوله ]  صــرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ    [  ، قال : النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه ([74]) .

      قال أبو جعفر : وفى هذه الآية دليل واضح على أن طاعة الله جل ثناؤه ، لا ينالها المطيعون إلا بإنعام الله بها عليهم ، وتوفيقه إياهم لها . أوَلا يسمعونه يقول : ]  صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ  [   ، فأضاف كل ما كان منهم من اهتداء وطاعة وعبادة إلى أنه إنعام منه عليهم ؟

      فإن قال قائل : وأين تمام هذا الخبر ؟ وقد علمت أن قـول القائل لآخر :]     أَنعَمتَ عَلَيهِمْ  [  مقتض الخبر عما أنعم به عليه ، فأين ذلك الخبر في قوله ]  صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ    [  ؟ وما تلك النعمة التي أنعمها عليهم ؟

      قيل له : قد قدمنا البيان ـ فيما مضى من كتابنا هذا ـ عن اجتزاء العرب في منطقها ببعض من بعض ، إذا كان البعض الظاهر دالاً على البعض الباطن وكافياً منه . فقوله ]  صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ    [   من ذلك . لأن أمرَ الله جل ثناؤه عباده بمسألته المعونة ، وطلبهم منه الهداية للصراط المستقيم ، لما كان متقدماً قوله ]  صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ     [    ، الذي هو إبانه عن الصراط المستقيم وإبدال منه ـ كان معلوماً أن النعمة التي أنعم الله بها على من أمرنا بمسألته الهداية لطريقهم ، هو المنهاج القويم والصراط المستقيم ، الذي قد قدمنا البيان عن تأويله آنفاً . فكان ظاهرُ ما ظهر من ذلك ـ مع قرب تجاور الكلمتين ـ مغنياً عن تكراره.

      كما قال نابغة بنى ذبيان :

كأنك  من  جمال بنى   أُقْيشٍ                 يُقَعْقَعُ   خلف   رِجْليه بِشَن

      يريد : كأنك من جمال أقيش ، جمل يقعقع خلف رجليه بشن ، فاكتفى بما ظهر من ذكر " الجمال " الدال على المحذوف ، من إظهار ما حذف .

      وكما قال الفرزدق بن غالب :

ترى   أرباقَهُمْ   مُتقَلدِيها                  إذا صَدِى  الحديدُ عَلَى الكُمَاةِ

      يريد : متقلديها هم ، فحذف " هم " ، إذ كان الظاهر من قوله أرباقهم ، دالاً عليها . والشواهد على ذلك من شعر العرب وكلامها أكثر من أن تحصى . فكذلك ذلك في قوله ]  صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ     [   .

******

القول في تأويل قوله : ]  غَيرِ المَغضُوبِ عَلـــيهِمْ  [ :

      قال أبو جعفر : والقراءة مجمعة على قراءة " غير " بجر الراء منها والخفض يأتيها من وجهين :

      أحدهما : أن يكون " غير " صفة لـ " الذين " ونعتاً لهم فتخفضها . إذ كان    " الذين " خفضاً  ، وهى لهم نعت وصفة . وإنما جاز أن يكون " غير " نعتاً لـ    " الذين " ، و" الذين " ، معرفة و " غير " نكرة ، لأن " الذين " بصلتها ليست بالمعرفة الموقته كالأسماء التي هي أماراتّ بين الناس ، مثل زيد وعمرو وما أشبه ذلك ، وإنما هي كالنكرات المجهولات ، مثل الرجل والبعير وما أشبه ذلك . فلما كان " الذين " كذلك صفتها ، وكانت " غير " مضافة إلى مجهول من الأسماء ، نظير " الذين " ، في أنه معرفة غير مؤقته ، كما " الذين " معرفة غيرمؤقتة ـ جاز من أجـل ذلك أن يكــون ]  غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ  [                     نعتاً لــ  ]   الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ   [ كما يقال : " لا أجلس إلا إلى العالم غير الجاهل " ، يراد : لا أجلس إلا إلى من يعلم ، لا إلى من يجهل . ولو كان ]   الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ  [  معرفة موقتة ، كان غير جائز أن يكون ]  غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ  [   لها نعتاً . وذلك أنه خطأ في كلام العرب ـ إذا وصفت معرفة موقتة بنكرة ـ أن تلزم نعتها النكرة إعراب المعرفة المنعوت بها ، إلا على نية تكرير ما أعرب المنعوت بها . خطأ في كلامهم أن يقال : " مررت بعبد الله غير العالم " ، فتخفض " غير " إلا على نية تكرير الباء التي أعربت عبد الله . فكان معنى ذلك لو قيل كذلك : مررت بعبد الله ، مررت بغير العالم . فهذا أحد وجهى الخفض في ]  غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ   [  .

      والوجه الآخر من وجهى الخفض فيها : أن يكون " الذين " بمعنى المعرفة الموقتة ، وإذا وُجِّه إلى ذلك ، كانت " غير " مخفوضةٌ بنية تكرير " الصراط " الذي خُفض " الذين " عليها ، فكأنك قلت : صراط الذين أنعمت عليهم ، صراط غير المغضوب عليهم .

      وهذان التأويلان في ]  غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ  [ ، وإن اختلفا في اختلاف معربيهما ، فإنهما يتقارب معناهما . من أجل أن من أنعم الله عليه فهداه بدينه الحق، فقد سلم من غضب ربه ، ونجا من الضلال في دينه .

      فسواء ـ إذ كان سبب قوله   ]  اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ   [ غير جائز أن يرتاب ، مع سماعه ذلك من تاليه ، في أن الذين أنعم الله عليهم بالهداية للصراط غير غاضب ربهم عليهم ، مع النعمة التي قد عظمت منته بها عليهم في دينهم ؛ ولا أن يكونوا ضلآلا ، وقد هداهم الحق ربهم . إذ كان مستحيلا في فطرهم اجتماع الرضا من الله جل ثناؤه عن شخص والغضب عليه في حال واحدة ،  واجتماع الهدى والضلال له في وقت واحد ـ أًوُصِفَ القوم؛ مع وصف الله إياهم بما وصفهم به من توفيقه إياهم وهدايته لهم ، وإنعامه عليهم بما أنعم الله به عليهم في دينهم ، بأنهم غير مغضوب عليهم ولا هم ضالون ؛ أم لم يوصفوا بذلك . لأن الصفة  الظاهرة التي وصفوا بها ، قد أنبأت عنهم أنهم كذلك ، وإن لم يصرح وصفهم به .

    هذا ، إذا وجهنا ]  غَيرِ  [ إلى أنها مخفوضة على نية تكرير ]   الصِّرَاطَ [ الخافض  ]  الَّذِينَ  [ ، ولم نجعل  ]  غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ[  من صفة ]الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ[  ، بل إذا جعلناهم غيرهم . وإن كان الفريقان لا شك منعماً عليهما  في أديانهما .

      فأما إذا وجهنا  ]  غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ     [  إلى أنها من نعت ، ] الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم   [   ، فلا حاجة بسامعه إلى الاستدلال ، إذ كان الصريح من معناه قد أغنى عن الدليل .

      وقد يجوز نصب ]  غَيرِ  [  في ]  غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ   [  ، وإن كنت للقراءة بها كارهاً  لشذوذها عن قراءة القراء . وإن ما شذ من القراءات عما جاءت به الأمة نقلا ظاهراً مستفيضاً ، فرأى للحق مخالف ، وعن سبيل الله وسبيل رسوله صلى الله عليه وسلم  وسبيل المسلمين متجانف .وإن كان له ـ لو كان جائزاً القراءة به ـ في الصواب مخرج .

      وتأويل وجه صوابه إذا نصبت : أن يوجه إلى أن يكون صفة للهاء والميم اللتين في  ]  عَلَيهِمْ  [   ، العائدة على ]  الَّذِينَ  [ . لأنها وإن كانت مخفوضة بـ ]  عَلَي  [ فهى في محل نصب بقوله ]    أَنعَمتَ   [  . فكان تأويل الكلام ـ إذا نصبت ]  غَيرِ  [  التي مع ]  المـــغضُوبِ عَلَيهِمْ  [   ـ : صراط الذين هديتهم  إنعاما منك عليهم ، غير مغضوب عليهم ، أي لا مغضوبا عليهم ولا ضالين . فيكون النصب في ذلك حينئذ ، كالنصب في ]  غَيرِ  [   في قولك : مررت بعبد الله غير الكريم ولا الرشيد ، فتقطع " غير الكريم "  من " عبد الله " ، إذ كان " عبد الله " معرفة موقتة ، و " غير الكريم " نكرة مجهولة .

      وقد كان بعض  نحويى البصريين يزعم أن قراءة من نصب ]  غَيرِ  [   في ]  غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ   [  ، على وجه استثناء ]  غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ  [ من معاني صفة ]   الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ    [ ، كأنه كان يرى أن معنى الذين قرأوا ذلك نصباً  : ]  اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ      [  إلا المغضوبَ عليهم ـ الذين لم تنعم عليهم في أديانهم ولم تهدهم للحق ـ فلا تجعلنا منهم . وكما قال نابعة بنى ذبيان :

وقفت  فيها أصيلا لا أسائلها                 عيت  جواباً ، وما بالربع من أحد

إلا أوارى  لأياً  مـا أبينـها                 والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد

      والأوارى معلوم أنها ليست من عداد " أحد " في شىء . فكذلك عنده ، استثنى ]  غَيرِ المَغضــوبِ عَلَيهِمْ   [ من ]   الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ    [  ، وإن لم يكونوا من معانيهم  في الدين في شىء .

      وأما نحويو الكوفيين ، فأنكروا هذا التأويل واستخفوه . وزعموا أن ذلك لو كان كما قاله الزاعم من أهل البصرة ، لكان خطأ أن يقال ]  وَلاَ الضَّالِّينَ   [   ، لأن " لا " نفى وجحد ، ولا يعطف بجحد إلا على جحد . وقالوا : لم نجد في شىء من كلام العرب استثناء  يعطف عليه بجحد ، وإنما وجدناهم يعطفون على الاستثناء بالاستثناء وبالجحد على الجحد ، فيقولون في الاستثناء : قام القوم إلا أخاك وإلا أباك . وفى الجحد : ما قام  أخوك ولا أبوك . وأما : قام القوم إلا أباك ولا أخاك . فلم نجده في كلام العرب  . قالوا : فلما كان ذلك معدوماً من كلام العرب ، وكان القرآن بأفصح لسان العرب نزوله ، علمنا ـ إذ كان قوله ]  وَلاَ الضَّالِّينَ   [ معطوفا على قوله ] غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ   [ ـ أن ]  غَيرِ  [ بمعنى الجحد لا بمعنى الاستثناء ، وأن تأويل من وجهها إلى الاستثناء خطأ .

     فهذه أوجه تأويل ]  غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ   [  ، باختلاف أوجه إعراب ذلـك.

    وإنما اعترضنا بما اعترضنا في ذلك من بيان وجه إعرابه ـ وإن كان قصدنا في هذا الكتاب الكشف عن تأويل أي القرآن لما في اختلاف وجوه إعراب ذلك من اختلاف وجوه تأويله ، فاضطرتنا الحاجة إلى كشف وجوه إعرابه ، لتنكشف لطالب تأويله وجوه تأويله ، على قدر اختلاف المختلفة في تأويله وقراءته.

      والصواب من القول في  تأويله وقراءته عندنا ، القول الأول ، وهو  قراءة ]  غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ  [   بخفض الراء من ] غَيرِ[ ، بتأويل أنها صفة لـ  ] الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ [ ونعت لهم ـ لما قدمنا من البيان ـ إن شئت ، وإن شئت فبتأويل تكرير ]  صِرَاطَ [  كل ذلك صواب حسن .

      فإن قال قائل : فمن هؤلاء المغضوب عليهم ، الذين أمرنا الله جل ثناؤه بمسألته أن لا يجعلنا منهم ؟

      قيل : هم الذين وصفهم الله جل ثناؤه في تنزيله فقال : ]  قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ   [ " سورة المائدة : ستين " . فأعلمنا جل ذكره ثمة ، ما أحل بهم من عقوبته بمعصيتهم إياه . ثم علمنا،  منة منه علينا ، وجه السبيل إلى النجاة من أن يحل بنا مثل الذي حل بهم من المثلات ، ورأفة منه بنا .

      فإن قال : وما الدليل على أنهم أولاء الذين وصفهم الله وذكر  نبأهم في تنزيله، على ما وصفت ؟

      قيل :

 193 ـ حدثنى أحمد بن الوليد الرملى ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الرقى ،  قال : حدثنا سفيان بن عيينه ، عن إسماعيل بن أبى خالد ، عن الشعبى ، عن عدى ابن حاتم ، قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : المغضوب عليهم ، اليهود  ([75]) .

194 ـ حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن سماك بن حرب  ، قال : سمعت عباد بن حبيش يحدث ، عن عدى بن حاتم ، قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم  : إن المغضوب عليهم اليهود ([76]). 

   195 ـ حدثنى على بن الحسن ، قال :  حدثنا مسلم بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا محمد ابن مصعب ، عن حماد بن سلمة ، عن سماك بن حرب ، عن مرى  ابن قطرى ، عن عدى بن حاتم  ، قال :  سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل ]  غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ   [  قال : هم اليهود ([77]) .

   196 ـ حدثنا حميد بن مسعدة السامى ، قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا الجريرى ، عن عبد الله بن شقيق : أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر وادى القرى ، فقال : من هؤلاء الذين تحاصر يا رسول الله ؟ قال : هؤلاء المغضوب عليهم اليهود ([78]) .

   197 ـ حدثنى يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن سعيد  الجريرى ، عن عروة ، عن عبد الله بن شقيق : أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه .

   198 ـ حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أنبأنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا   معمر ، عن بديل العقيلى ، قال : أخبرنى عبد الله بن شقيق : أنه أخبره من سمع النبي صلى الله عليه وسلم ـ وهو  بوادى القرى ، وهو على فرسه ، وسأله رجل من بنى القين فقال : يا رسول الله ، من هؤلاء ؟ ـ قال : المغضوب عليهم . وأشار إلى    اليهود ([79]) .

   199 ـ حدثنا القاسم بن الحسن ، قال : حدثنا الحسين ، قال حدثنا خالد الواسطى، عن خالد الحذاء ، عن عبد الله بن شقيق : أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم  ، فذكر نحوه.

   200 ـ حدثنا أبو كريب ، قال حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : " غير المغضوب عليهم " يعنى اليهود الذين غضب الله عليهم ([80]) .

   201 ـ حدثنى موسى بن هرون الهمدانى ، قال : حدثنا عمرو بن طلحة ، قال: حدثنا أسباط بن نصر ، عن السدى في خبر ذكره ، عن أبى مالك وعن أبى صالح عن ابن عباس ـ وعن مرة الهمدانى عن ابن مسعود ـ وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : ]  غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ  [  ، اليهود .

   202 ـ حدثنا ابن حميد الرازى ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن  مجاهد ، قال : ]  غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ    [  ، قال : هم اليهود .

   203 ـ حدثنا أحمد بن حازم الغفارى ، قال : حدثنا عبد الله ، عن أبى جعفر ، عن ربيع : ]  غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ  [  ، قال : اليهود .

   204 ـ حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين : قال : حدثنى حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : ]  غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ  [  قال : اليهود .

   205 ـ حدثنى يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن         زيد : ]  غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ  [  ، اليهود .

   206 ـ حدثنى يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثنى ابن زيد عن أبيه، قال : المغضوب عليهم اليهود .

      قال أبو جعفر : واختلف في صفة الغضب من الله جل ذكره :

      فقال بعضهم : غضب الله على من غضب عليه من خلقه ، إحلال عقوبته بمن غضب عليه ، إما في دنياه وإما في آخرته ، كما وصف به نفسه جل  ذكره في كتابه فقال : ]   فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ      [ " سورة الزخرف: 55 " .

      وكما قال :  ]   قُلْ هَلْ أُنَبِّئكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ [   " سورة المائدة : 60 " .

      وقال بعضهم : غضب الله على من غضب عليه من عباده ، ذم منه لهم ولأفعالهم ، وشتم لهم منه بالقول .

      وقال بعضهم : الغضب منه معنى مفهوم كالذي يعرف من معاني الغضب ، غير أنه ـ وإن كان كذلك من جهة الإثبات ـ فمخالف معناه منه معنى ما يكون من غضب الآدميين الذين يزعجهم ويحركهم ويشق عليهم ويؤذيهم . لأن الله جل ثناؤه لا تحل ذاته الآفات ، ولكنه له صفة ، كما العلم له صفة ، والقدرة له صفة ، على ما يعقل من جهة الإثبات ، وإن خالفت معاني ذلك معاني علوم العباد ، التي معارف القلوب ، وقواهم التي توجد مع وجود الأفعال وتعدم مع عدمها .

القول في تأويل قوله : ]  وَلاَ الضَّالِّينَ   [   :

      قال أبو جعفر : كان بعض أهل البصرة يزعم أن : " لا " مع " الضالين " أدخلت تتميما للكلام ، والمعنى إلغاؤها ، ويستشهد على قيله ذلك ببيت العجاج :

ما كَانَ يَرْضَى رَسُولُ اللهِ فعلَهُمُ                وَالطيبَان أبو بَكْرِ وَلا عُمَرُ

      فجاز ذلك ، إذ كان قد تقدم الجحد في أول الكلام .

      قال أبو جعفر : وهذا القول الآخر أولى بالصواب من الأول ، إذ كان غير موجود في كلام العرب ابتداء الكلام من غير جحد تقدمه بـ " لا " التي معناها الحذف ، ولا جائز العطف بها على " سوى " ولا على حرف الاستثناء . وإنما لـ " غير " في كلام العرب معان ثلاثة ، أحدهما : الاستثناء ، والآخر : الجحد ، والثالث : سوى . فإذا ثبت خطأ أن تكون " لا " بمعنى الإلغاء مبتدأ ، وفسد أن يكون عطفا على " غير " التي مع " المغضوب عليهم " لو كانت بمعنى " إلا " التي هي استثناء ، ولم يجز أيضا أن يكون عطفا عليها لو كانت بمعنى " سوى " ، وكانت " لا " موجودة عطفا بالواو التي هي عاطفة لها على ما قبلها ـ صح وثبت أن لا وجه لـ " غير " التي مع " المغضوب عليهم " ، يجوز توجيهها إليه على صحة ، إلا بمعنى الجحد والنفى ، وأن لا وجه لقوله " ولا الضالين " إلا العطف على " غير المغضوب عليهم " .

      فتأويل الكلام إذا ـ إذ كان صحيحا ما قلنا بالذى عليه استشهدنا ـ اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم ، لا المغضوب عليهم ولا الضالين .

      فإن قال لنا قائل : ومن هؤلاء الضالون الذين أمرنا الله بالاستعاذة بالله أن يسلك بنا سبيلهم ونضل ضلالهم ؟

      قيل : هم الذين وصفهم الله في تنزيله فقال :  ]   قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ   [  " سورة المائدة : 77 " .

      فإن قال : وما برهانك على أنهم أولاء ؟

      قيل :

    207 ـ حدثنا أحمد بن الوليد الرملى ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن إسماعيل بن أبى خالد ، عن الشعبى ، عن عدى بن حاتم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ولا الضالين " ، قال : النصارى([81]) .

    208 ـ حدثنا محمد بن المثنى ، أنبأنا محمد بن جعفر ، أنبأنا شعبة ، عن سماك ، قال : سمعت عباد بن حبيش يحدث ، عن عدى بن حاتم ، قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم   إن الضالين النصارى .

    209 ـ حدثنى على بن الحسن ، قال : حدثنا مسلم بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا محمد بن مصعب ، عن حماد بن سلمة ، عن سماك بن حرب ، عن مرى بن قطرى ، عن عدى بن حاتم ، قال : سألت النبيصلى الله عليه وسلم عن قـول الله : ]  وَلاَ الضَّالِّينَ  [   ، قال : النصارى هم الضالون .

    210 ـ حدثنا حميد بن مسعدة السامى ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا الجريرى ، عن عبد الله بن شقيق أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر وادى القرى ، قال : قلت : من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الضالون ، النصارى .

   211 ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن سعيد بن الجريرى، عن عروة ـ يعنى ابن عبد الله بن قيس ، عن عبد الله بن شقيق ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بنحوه ([82]) .

   212 ـ حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر، عن بديل العقيلى ، قال : أخبرنى عبد الله بن شقيق : أنه أخبره من سمع النبي   صلى الله عليه وسلم ـ وهو بوادى القرى ، وهو على فرسه ، وسأله رجل من بنى القين ، فقال : يا رسول الله ، من هؤلاء ؟ ـ قال : هؤلاء الضالون ، يعنى النصارى .

   213ـ حدثنا القاسم ، قال حدثنا الحسين ، قال : حدثنا خالد الواسطى ، عن خالد الحذاء ، عن عبد الله بن شقيق : أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم وهو محاصر وادى القرى ، وهو على فرس : من هؤلاء  ؟ قال : الضالون . يعنى النصارى.

   214 ـ حدثنا محمد بن حميد : قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن مجاهد : " ولا الضالين " قال : النصارى .

   215 ـ حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عُمارة قال: حدثنا أبو رَوْق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : " ولا الضالين " قال : وغير طريق النصارى الذين أضلهم الله بِفِرْيَتهمْ عليه . قال : يقول : فألهِمنا دينك الحق ، وهو لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، حتى لا تغضب علينا كما غضبت على اليهود ، ولا تضلنا كما أضللت النصارى ، فتعذبنا بما تعذبهم به . يقول : امنعنا من ذلك برفقك ورحمتك وقدرتك .

   216 ـ حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنى حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : الضالين ، النصارى .

   217 ـ حدثنى موسى بن هرون الهمذانى ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال: حدثنا أسباط بن نصر ، عن إسماعيل السدّىّ في خبر ذكره عن أبى مالك ، وعن أبى صالح ، عن ابن عباس ـ وعن مرة الهمذانى ، عن ابن مسعود ـ وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : " ولا الضالين " ، هم النصارى .

   218 ـ حدثنى أحمد بن حازم الغفارى ، قال : أخبرنا عبيد الله بن موسى ، عن أبى جعفر ، عن ربيع : " ولا الضالين " ، النصارى .

   219 ـ حدثنى يونس بن عبد الأعلى ، قال : اخبرنا ابن وهب ، قال : قال عبد الرحمن بن زيد : " ولا الضالين " ، النصارى .

   220 ـ حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن زيد، عن أبيه ، قال : الضالين ، النصارى .

*****

      قال أبو جعفر : فكلّ حائد عن قصد السبيل ، وسالك غير المنهج . القويم ، فضالٌ عند العرب لإضلاله وجه الطريق . فلذلك سمى الله جل ذكره النصارى ضُلالاً . لخطئهم في الحق منهج السبيل . وأخذهم من الدين في غير الطريق المستقيم .

      فإن قال قائل : أو ليس ذلك أيضاً من صفة اليهود ؟

      قيل : بلى .

      فإن قال : كيف خصَّ النصارى بهذه الصفة ، وخصَّ اليهود بما وصفهم به من أنهم مغضوب عليهم ؟

     قيل : كلا الفريقين ضلاّل مغضوبٌ عليهم ، غيَر أن الله جل ثناؤه وسَم كل فريق منهم من صفته لعباده بما يعرفونه به ، إذا ذكرهُ لهم أو أخبرهم عنه . ولم يسم ِّواحداً من الفريقين إلا بما هو له صفةٌ على حقيقته ، وإن كان له من صفات الذم زيادات عليه .

      فيظن بعض أهل الغباء من القدرية أن في وصف الله جل ثناؤه النصارى بالضلال ، بقوله " ولا الضالين " ، وإضافته الضلال إليهم دون إضافة إضلالهم إلى نفسه ، وتركه وصفهم بأنهم المضللون ، كالذي وصف به اليهود أنهم المغضوب عليهم ـ دلالة على صحة ما قاله إخوانه من جهلة القدرية ، جهلاً منه لسعة كلام العرب وتصاريف وجوهه .

       ولو كان الأمر على ما ظنّه الغبي الذي وصفنا شأنه ، لوجب أن يكونَ شأنُ كل موصوفٍ بصفةٍ أو مضاف إليه فعل ، لا يجوز أن يكون فيه سبب لغيره ، وأن يكون كل ما كان فيه من ذلك لغيره سبب ، فالحق فيه أن يكون مضافاً إلى مسببه . ولو وجب ذلك ، لوجب أن يكون خطأ قول القائل : " تحركت الشجرة " ، إذْ حَّركتها الريح ؛ و" اضطربت الأرض " ، إذ حركتها الزلزلة ، وما أشبه ذلك من الكلام الذي يطول بإحصائه الكلام .

      وفى قول الله جل ثناؤه :   ]   حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم    [      " سورة يونس : 22 " بإضافته الجرى إلى الفلك ، وإن كان جريها بإجراء غيرها إياها ـ ما دل على خطأ التأويل الذي تأوله من وصفنا قوله في قوله " ولا الضالين" ، وادعائه أن في نسبة الله جل ثناؤه الضلالة إلى من نسبها إليه من النصارى ، تصحيحاً لما ادعى المنكرون : أن يكون لله جل ثناؤه في أفعال خلقه سبب من أجله وجدت أفعالهم ، مع إبانة الله عز ذكره نصاً في أي كثيرة من تنزيله، أنه المضل الهادي ، فمن ذلك قوله جل ثناؤه :  ]   أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ      [ " سورة الجاثية : 23 " . فأنبأ جل ذكره أنه المضل الهادي دون غيره .

      ولكن القرآن نزل بلسان العرب على ما قدمنا البيان عنه في أول الكتاب ، ومن شأن العرب إضافة الفعل إلى من وجد منه ـ وإن كان مسببه غير الذي وجد منه ـ أحياناً ، وأحياناً إلى مسببه ، وإن كان الذي وجد منه الفعل غيره . فكيف بالفعل الذي يكتسبه العبد كسباً ، ويوجده الله جل ثناؤه عيناً منشأة ؟ بل ذلك أحرى أن يضاف إلى مكتسبه ؛ كسباً له ، بالقوة منه عليه ، والاختيار منه له ـ وإلى الله جل ثناؤه ، بإيجاد عينه وإنشائها تدبيراً .

مسألة يسأل عنها أهل الإلحاد الطاعنون في القرآن :

      إن سألنا منهم سائل فقال : إنك قد قدمت في أول كتابك هذا في وصف البيان : بأن أعلاه درجة وأشرفه مرتبة ، أبلغه في الإبانة عن حاجة المبين به عن نفسه ، وأبينه عن مراد قائله ، كلام الله جل ثناؤه ، لفضله على سائر الكلام بارتفاع درجته على أعلى درجات البيان ، فما الوجه ـ إذ كان الأمر على ما وصفت ـ في إطالة الكلام بمثل سورة أم القرآن بسبع آيات ؟ وقد حوت معاني جميعها منها آيتان ، وذلك قوله  ]  مَـلِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [ ، إذ كان لا شك أن من عرف ملك يوم الدين ، فقد عرفه بأسمائه الحسنى وصفاته المثلى . وأن من كان لله مطيعاً ، فلا شك أنه لسبيل من أنعم الله عليه في دينه  متبع ، وعن سبيل من غضب عليه وضل منعدل . فما في زيادة الآيات الخمس الباقية من الحكمة التي لم تحوها الآيتان اللتان ذكرنا ؟

      قيل له : إن الله تعالى ذكره جمع لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولأمته ـ بما أنزل إليه من كتابه ـ معاني لم يجمعهن بكتاب أنزله إلى نبي قبله ، ولا لأمة من الأمم قبلهم . وذلك أن كل كتاب أنزله جل ذكره على نبي من أنبيائه قبله ، فإنما أنزله ببعض المعاني التي يحوى جميعها كتابه الذي أنزله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم . كالتوراة التي هي مواعظ وتفصيل ، والزبور الذي هو تحميد وتمجيد ، والإنجيل الذي هو مواعظ وتذكير ـ لا معجزة في واحد منها تشهد لمن أنزل إليه بالتصديق . والكتاب الذي أنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، يحوى معاني ذلك كله ، ويزيد عليه كثيراً من المعاني التي سائر الكتب غيره منها خال . وقد قدمنا ذكرها فيما مضى من هذا الكتاب .

      ومن أشرف تلك المعاني التي فضل بها كتابنا سائر الكتب قبله ، نظمه العجيب ورصفه الغريب وتأليفه البديع ؛ الذي عجزت عن نظم مثل أصغر سورة منه الخطباء ، وكلت عن وصف شكل بعضه البلغاء ، وتحيرت في تأليفه الشعراء، وتبلدت كسوراً عن أن تأتى بمثله ـ لديه أفهام الفهماء ، فلم يجدوا له إلا التسليم والإقرار بأنه من عند الواحد القهار . مع ما يحوى ، مع ذلك ، من المعاني التي هي ترغيب وترهيب . وأمرٌ و زجرٌ ، وقصص وجدل ومثل ، وما أشبه ذلك من المعاني التي لم تجتمع في كتاب أنزل إلى الأرض من السماء .

      فمهما يكن فيه من إطالة ، على نحو ما في أم القرآن ، فلما وصفت قبل من أن الله جل ذكره أراد أن يجمع ـ برصفه العجيب ونظمه الغريب ، المنعدل عن أوزان الأشعار وسجع الكهان وخطب الخطباء ورسائل البلغاء ، العاجز عن رصف مثله جميع الأنام ، وعن نظم نظيره كل العباد ـ الدلاله على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وبما فيه من تحميد وتمجيد وثناء عليه ـ تنبيه العباد على عظمته وسلطانه وقدرته وعظم مملكته ، ليذكروه بآلائه ، ويحمدوه على نعمائه ، فيستحقوا به منه المزيد ، ويستوجبوا عليه الثواب الجزيل ؛ وبما فيه من نعت من أنعم عليه بمعرفته ، وتفضل عليه بتوفيقه لطاعته ـ تعريف عباده أن كل ما بهم من نعمة ، في دينهم ودنياهم ، فمنه ، ليصرفوا رغبتهم إليه ، ويبتغوا حاجاتهم من عنده دون ما سواه من الآلهة والأمداد ؛ وبما فيه من ذكره ما أحل بمن عصاه من مَثُلاته ، وأنزل بمن خالف أمره من عقوبته ـ ترهيب عباده عن ركوب معاصيه ، والتعرض لما لا قبل لهم به من سخطه ، فيسلك بهم في النكال والنقمات سبيل من ركب ذلك من الهُلاك.

      فذلك وجه إطالة البيان في سورة أم القرآن ، وفيما كان نظيراً لها من سائر سور الفرقان . وذلك هو الحكمة البالغة والحجة الكاملة .

   221ـ حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا المحاربى ، عن محمد بن إسحاق ، قال : حدثنى العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب ، عن أبى السائب مولى زهره ، عن أبى هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا قال العبد : ] الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ   [ ، قال  الله : " حمدنى عبدى " . وإذا قال : ]  الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ    [  ، قال : " أثنى علىّ عبدى " . وإذا قال : ]  مَـلِكِ يَوْمِ الدِّينِ  [ ، قال : " مجدنى عبدى . فهذا لي " وإذا قال : ]  إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ     [ إلى أن يختم السورة ، قال : " فذاك  له " ([83]) .

   222 ـ حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عبدة ، عن ابن اسحق ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبى السائب ، عن أبى هريرة ن قال : إذا قال العبد : " الحمد  لله " ، فذكر نحوه ، ولم يرفعه ([84]) .

   223 ـ حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو أسامة ، قال : حدثنا الوليد بن   كثير ، قال : حدثنى العلاء بن عبد الرحمن مولى الحُرقة عن أبى السائب ، عن أبى هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله ([85]) .

   224 ـ حدثنى صالح بن مسمار المروزى ، قال : حدثنا زيد بن الحُباب ،   قال : حدثنا عنبسة بن سعيد ، عن مطرف بن طريف ، عن سعد بن إسحق بن كعب بن عجرة ، عن جابر بن عبد الله الأنصارى ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله عزوجل : " قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين ، وله ما سأل " . فإذا قال  العبد : ] الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ   [ قال الله : " حمدني عبدي ، وإذا قال : ]  الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ    [، قال : " أثنى على عبدي " وإذا قال : ]  مَـلِكِ يَوْمِ الدِّينِ  [ قال : " مجدني عبدي " قال : " هذا لي ، وله ما بقى " ([86]) .

" آخر تفسير سورة فاتحة الكتاب "

مدى التزام الطبري بمنهجه :

      هذا هو تفسير الطبري للآية الأخيرة من سورة الفاتحة ، وذكرنا من قبل بعض ما جاء في المقدمة عن المنهج الذي ارتضاه لتفسيره ، وخلاصة هذا المنهج هو ما يأتى :

      أولاً : الاستيعاب لكل ما بالناس إليه الحاجة بحيث يكون كتابه في التفسير جامعاً يكفى عن سائر الكتب غيره .

      ثانياً : نقل ما اتفق عليه المفسرون ، وما اختلفوا فيه ، وبيان علل كل مذهب من مذاهبهم ، وتوضيح ما صح لديه من ذلك .

      ثالثاً : ذكر الطبري أن تأويل جميع القرآن على أوجه ثلاثة :

      أحدها : لا سبيل إلى الوصول إليه .

      الوجه الثاني : لا يعلم إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم  .

      الثالث : ما كان علمه عند أهل اللسان .

      والوجه الأول يدخل في نهى الطبري عن القول في تأويل القرآن بالرأى .

      والوجه الثاني يعتمد فيه على صحة النقل .

      والوجه الثالث : يعتمد فيه على الشواهد من أشعار العرب السائرة ، ومنطقهم ولغاتهم المستفيضة المعروفة ، ويضع الطبري هنا قيداً له أهميته وهو ألا يخرج التأويل عن أقوال السلف من الصحابة والأئمة ، والخلف من التابعين وعلماء الأمة.

      هذا هو المنهج الذي رأى الطبري الأخذ به لتأليف كتابه في التفسير ، فإلى أي مدى التزم بهذا المنهج ؟

      إذا نظرنا لتفسيره لختام فاتحة الكتاب نراه قسم الآية الكريمة ثلاثة أجزاء ، وفى كل جزء يسترشد بكتاب الله تعالى لتوضيح المعنى ، فالقرآن الكريم يفسر بعضه بعضاً ، ثم يسهب في ذكر الأخبار المسندة التي تؤيد هذا المعنى ، وهذه سمة غالبة في تفسيره كله . ومن الإشارة إلى تخريج الأخبار وجدنا منها الصحيح وغير الصحيح . والطبرى عند اختلاف أهل التأويل نراه غالباً يختار ويرجح ، ويصحح ويضعف :  مثال هذا ما نقلته من تفسيره في الباب الأول عند الحديث عن الغدير ، فتعقيباً على الروايات التي ذكرت في تفسيره لقوله تعالى  ]     الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا     [  قال الطبري : " وأولى الأقوال في وقت نزول الآية القول الذي روى عن عمر بن الخطاب : أنها نزلت يوم عرفة يوم جمعة ، لصحة سنده ، ووهى أسانيد غيره " ([87]) .

      ونذكر مثلا آخر يبين هذا المنهج ؛ ونراه عند تفسيره لقوله   تعـــالى : ]   وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ   [ ([88]) .

    حيث فسر الآية الكريمة ، وقال : " وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل" .

    ثم قال : " ثم اختلفوا في مدة الحين الذي ذكره الله في هذا الموضع :  ما هي ؟ وما نهايتها ؟ " .

      وذكر الأقوال المختلفة ، ثم عقب بقوله :

      " وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله أعلم المشركين المكذبين بهذا القرآن أنهم يعلمون نبأه بعد حين من غير حد منه لذلك الحين بحد ، وقد علم نبأه من أحيائهم الذين عاشوا إلى ظهور حقيقته ، ووضوح صحته في الدنيا ، ومنهم من علم حقيقته ذلك بهلاكه ببدر ، وقبل ذلك ، ولا حد عند العرب للحين ، لا يجاوز ولا يقصر عنه .

      فإذ  كان ذلك كذلك فلا قول فيه أصح من أن يطلق كما أطلقه الله من غير حصر ذلك على وقت دون وقت .

      وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل " .

      وأيد ما ذهب إليه بخبر عن عكرمة .

      ومع هذا نرى الطبري أحيانا يأخذ بأخبار غير صحيحة ، ونرى هذا مثلا عند تفسير قوله تعالى : ] وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ  [ ([89]) ، ولهذا قال الحافظ ابن كثير في تفسيره للآية الكريمة : " ذكر ابن أبى حاتم وابن جرير ههنا آثارا . عن بعض السلف ـ رضي الله عنهم ـ أحببنا أن نضرب عنها صفحا لعدم صحتها ، فلا نوردها " ([90]) .

      وأخذ الطبري بمثل هذه الأخبار لا يمثل  المنهج الذي ارتضاه لنفسه ، وإنما يشير إلى الخطأ عند التطبيق .

      ولقد حاول الطبري أن يلتزم بمنهجه ، ومما يبين حرصه على الالتزام بالمنهج ما ذكره عند القول في تأويل قوله تعالى : ]  وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ     [    " 35 : البقرة " ، حيث قال :

      " اختلف أهل التأويل في عين الشجرة التي نهى عن أكل ثمرها آدم ، فقال بعضهم : هي السنبلة . ذكر من قال ذلك " ([91]) .

      وذكر الطبري اثنى عشر خبرا ، ثم قال :

      " وقال آخرون : هي الكرمة . ذكر من قال ذلك " .

      وذكر عشرة أخبار ، وقال :

      " وقال آخرون هي التينة . ذكر من قال ذلك " .

      وذكر خبرا واحدا ، ثم عقب بقوله :

      " والقول في ذلك عندنا أن الله جل ثناؤه أخبر عباده أن آدم وزوجه أكلا من الشجرة التي نهاهما ربهما عن الأكل منها ، فأتيا الخطيئة التي نهاهما عن إتيانها بأكلهما ما أكلا منها ، بعد أن بين الله جل ثناؤه لهما عين الشجرة التي نهاهما عن الأكل منها ، وأشار لهما إليها بقوله :] وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ [ ، ولم يضع الله جل ثناؤه لعباده المخاطبين بالقرآن ، دلالةً على أي أشجار الجنة كان نهيه آدم أن يقربها ، بنص عليها باسمها ، ولا بدلالة عليها . ولو كان لله في العلم بأى ذلك من أي رضا ، لم يخل عباده من نصب دلالة لهم عليها يصلون بها إلى معرفة عينها ،  ليطيعوه بعلمهم بها ، كما فعل ذلك في كل ما بالعلم به له رضا .

      فالصواب في ذلك أن يقال : إن الله جل ثناؤه نهى آدم وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها ، فخالفا إلى ما نهاهما الله عنه ، فأكلا منها كما وصفهما الله جل ثناؤه به ولا علم عندنا بأى شجرة كانت على التعيين ، لأن الله لم يضع لعباده دليلا على ذلك في القرآن ، ولا في السنة الصحيحة . فأنى يأتى ذلك ؟ وقد قيل : كانت شجرة البر ، وقيل : كانت شجرة العنب وقيل : كانت شجرة التين ، وجائز أن تكون واحدة منها ، وذلك علم ،  إذا علم لم ينفع العالم به علمه ، وإن جهله جاهل لم يضره جهله به " ا . هـ .

      هذا كلام الطبري وهو يؤكد ما ذكره في منهجه .

      وهذا يتصل بوجهين  من أوجه التأويل الثلاثة التي ذكرها ، وهما :

الوجه الأول : الذي لا سبيل إلى الوصول إليه .

      والثاني : الذي لا يعلم إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم .

      أما الوجه الثالث ، وهو ما كان علمه عند أهل اللسان ، فيتضح في تفسيره السابق للآية الأخيرة من فاتحة الكتاب عندما تحدث عما يتصل بمحذوف وهو تمام الخبر عن النعمة التي أنعمها عليهم ، حيث أشار إلى اجتزاء العرب في منطقها ببعض من بعض ، واستدل ببيتين ، ثم قال :

والشواهد على ذلك  من شعر العرب وكلامها أكثر من أن تحصى .

      ويتضح أيضاً في بيانه لقراءة " غير " ، وذكره للخلاف بين أهل البصرة وبعض نحويى الكوفة في القول بإلغاء " لا " .

      ومما يسترعى الانتباه أنه بعد أن ذكر جواز نصب كلمة " غير "  ، رفض القراءة بالنصب قائلا :

      " وإن كنت للقراءة بها كارها لشذوذها عن قراءة القراء . وإن ما شذ من القراءات عما جاءت به الأمة نقلا ظاهرا مستفيضا ، فرأى للحق مخالف ، وعن سبيل الله وسبيل رسوله صلى الله عليه وسلم متجانف . وإن كان له ـ لو كان جائزا القراءة به ـ في الصواب مخرج  ´

      وقول الطبري يؤيد التزامه بالقيد الذي ذكره في هذا الوجه الثالث ، حيث اشترط لقبول التأويل ألا يخرج عن أقوال السلف من الصحابة والأئمة ، والخلف من التابعين وعلماء الأمة .

      ويؤيد هذا أيضا قوله في تأويل قول الله] صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ [  ([92]) .

      حيث قال : قوله تعالى :  ]  صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ   [  يأتيه الرفع من وجهين ، والنصب من وجهين .   

     وبعد أن بين الأوجه الأربعة قال : " والقراءة التي هي القراءة ، الرفع دون النصب ، لأنه ليس لأحد خلاف رسوم مصاحف المسلمين . وإذا قرئ نصبا كانت قراءة مخالفة رسم مصاحفهم " ([93]) .

      ونرى الطبري قبيل الانتهاء من تفسير آخر الفاتحة يرد على القدرية ، ثم نراه بعد هذا يقول : " مسألة يسأل عنها أهل الإلحاد الطاعنون في القرآن "  ، ويذكر المسألة ، ويرد على هؤلاء الطاعنين .

      ويختم الطبري تفسير فاتحة الكتاب بذكر بعض الأخبار في فضلها . وهى أخبار صحيحة الإسناد .

      ولعل هذا يرينا ما أراده من أن يكون تفسيره مستوعبا لكل ما بالناس إليه الحاجة ، جامعا يكفى عن سائر الكتب غيره . ويبين ما نقلناه من قبل في فضل هذا الكتاب القيم ، وقيمته العلمية .

 

موقف الطبري من الإسرائيليات :

      وقبل أن نختم هذه الكلمة الموجزة عن تفسير الطبري نريد أن نعرف موقفه من الإسرائيليات .

      ولعل أحسن ما نثبته هنا هو ما قاله أستاذنا العلامة الشيخ محمود محمد شاكر- رحمه الله ، الذي قضى سنوات من عمره المبارك في تحقيق هذا الكتاب . فبعد أن وصل أستاذنا مع الطبري إلى الآية الثلاثين من سورة البقرة ، وانتهى من قول الطبري في تأويل قوله تعالى " خليفة " ، والأخبار التي ذكرها في هذا التأويل كتب أستاذنا الكلمة التالية:

" تذكرة "

      تبين لي مما راجعته من كلام الطبري ، أن استدلال الطبري بهذه الآثار التي يرويها بأسانيدها ، لا يراد به إلا تحقيق معنى لفظ ، أو بيان سياق عبارة . فهو قد ساق هنا الآثار التي رواها بإسنادها ليدل على معنى " الخلافة " ، و " الخليفة " ، وكيف اختلف المفسرون من الأولين في معنى " الخليفة "  . وجعل استدلاله بهذه الآثار ، كاستدلال المستدل بالشعر على معنى لفظ في كتاب الله . وهذا بين في الفقرة  التالية للأثر رقم : 605  ، إذ ذكر ما روى عن ابن مسعود وابن عباس ، وما روى عن الحسن في بيان معنى " الخليفة " ، واستظهر ما يدل عليه كلام كل منهم . ومن أجل هذا الاستدلال ، لم يبال بما في الإسناد من وهن لا يرتضيه . ودليل ذلك أن الطبري نفسه قال في إسناد الأثر : 465 عن ابن مسعود وابن عباس، فيما مضى ص : 353 " فإن كان ذلك صحيحا ، ولست أعلمه صحيحا ، إذ كنت بإسناده مرتابا   " ، فهو مع ارتيابه في هذا الإسناد ، قد ساق الأثر للدلالة على معنى اللفظ وحده ، فيما فهمه ابن مسعود وابن عباس ـ إن صح عنهما ـ أو ما فهمه الرواه الأقدمون من معناه . وهذا مذهب لا بأس به في الاستدلال . ومثله أيضا ما يسوقه من الأخبار والآثار التي لا يشك في ضعفها ، أو في كونها من الإسرائيليات ، فهو لم يسقها لتكون مهيمنة على تفسير أي التنزيل الكريم ، بل يسوق الطويل الطويل ، لبيان معنى لفظ ، أو سياق حادثة ، وإن كان الأثر نفسه مما لا تقوم به الحجة في الدين ، ولا في التفسير التام لآى كتاب الله .

 

      فاستدلال الطبري بما ينكره المنكرون ، لم يكن إلا استظهارا للمعانى التي تدل عليها ألفاظ هذا الكتاب الكريم ، كما يستظهر بالشعر على معانيها . فهو إذن استدلال يكاد يكون لغويا . ولما لم يكن مستنكرا أن يستدل بالشعر الذي  كذب قائله، ما صحت لغته ؛ فليس بمستنكر أن تساق الآثار التي يرتضيها أهل الحديث ، والتى لا تقوم بها الحجة في الدين ، للدلالة على المعنى المفهوم من صريح لفظ القرآن ، وكيف فهمه الأوائل ـ سواء كانوا من الصحابة أو من دونهم .

      وأرجو أن تكون هذه تذكرة تنفع قارىء كتاب الطبري ، إذا ما انتهى إلى شىء مما عده أهل علم الحديث من الغريب والمنكر . ولم  يقصر أخى السيد أحمد شاكر في بيان درجة رجال الطبري عند أهل العلم بالرجال ، وفى هذا مقنع لمن أراد أن يعرف علم الأقدمين على وجهه ، والحمد لله أولا وآخرا . "  1 / 453 ، 454 " . ا . هـ .

      وفى الآية الكريمة ذاتها عند قول الطبري في تأويل قوله جل ثناؤه خبرا عن ملائكته :  ]   قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء    [ .

      ذكر الطبري خبراً فيه كثير من الإسرائيليات ([94]) ، ثم نقده ، فعقب أستاذنا بقوله : نقد الطبري دال أيضا على ما ذهبنا إليه من الاستدلال بالآثار كاستدلال المستدل بالشعر . وأنت تراه ينقض هذا الخبر نقضا ، ويبين الخطأ  في سياقه ، وتناقضه في معناه . وهذا بين إن شاء الله ([95]) .

 

      ثم قال الطبري : " وأخشى أن يكون بعض نقلة هذا الخبر هو الذي غلط على من رواه عنه من الصحابة " وبين الطبري بعد هذا تأويل الخبر ، ثم قال :

      " وهذا الذي ذكرنا هو صفة منا لتأويل الخبر ، لا القول الذي نختاره في تأويل الآية " فعقب أستاذنا أيضا بقوله :

      " وهذا أيضا دليل واضح على أن استدلال الطبري بالأخبار والآثار ، ليس معناه أنه ارتضاها ، بل معناه أنه أتى بها ليستدل على  سياق تفسير الآية مرة ، وعلى بيان فساد الأخبار أنفسها مرة أخرى ؛ وقد أخطأ كثير ممن  نقل عن الطبري في فهم مراده وتحامل عليه آخرون لم يعرفوا مذهبه في هذا التفسير "([96]) .

      ومما يؤيد ما ذكره أستاذنا الشيخ شاكر ما يأتى :

      في تأويل قوله تعالى : ]   يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا   [ ([97])، نرى الطبري يذكر أخبارا ، ولكنه لا يأخذ بها ([98]) .

      وفى تأويل قوله عز وجل]  إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا    [ ([99]) ، نرى الطبري في ذكره للمراد بالأمانة يثبت أخبارا مختلفة، ثم يأخذ بغير الإسرائيليات ([100]) .

      ومثل هذا ما ذكرناه من قبل عند بيان منهجه في قبول الأخبار أو رفضها.

      ومع هذا كله نراه أحيانا يذكر الإسرائيليات ولا يرفضها ، مثل الإسرائيليات التي ذكرها عند تأويل قول الحق تبارك وتعالى]  وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَينَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدً اً [  ([101]) .

      ويمكن أن يقال هنا ما قلناه عند الحديث عن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم  ، وأخذ الطبري بأخبار لا تصح .

      والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب .

 

******

كتب التفسير بعد الطبري

      لا يتسع المجال للحديث عن كتب التفسير المختلفة بعد الطبري ، فإن هذا يطول كثيراً . ويكفى أننا عرفنا ما يتصل بالتفسير منذ النشأة في عصر الرسالة لآخر القرن الثالث الهجرى ، ورأينا أحسن طرق التفسير وما يقبل وما يرفض من التفسير المأثور والتفسير العقلى .

      وهذا الجزء إنما ألف أساساً في مجال التفسير المقارن بين الجمهور ، وهم أهل السنة والجماعة ، وبين الشيعة الجعفرية الاثنى عشرية .

      وما سبق من دراسة يبين أصول التفسير ، والاتجاهات المختلفة إلى حد كبير. والتفسير بعد هذه القرون يمكن وضع الضوابط لقبوله أو رفضه في ضوء ما سبق من هذه الدراسة .

      وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية : أي التفاسير أقرب إلى الكتاب والسنة ؟ الزمخشرى أم القرطبى ؟ أم البغوى ؟ أو غير هؤلاء ؟ فأجاب : الحمد لله

     أما التفاسير التي في أيدى الناس فأصحها " تفسير محمد بن جرير الطبري " فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة ، وليس فيه بدعة ، ولا ينقل عن المتهمين، كمقاتل بن بكير والكلبى .

      والتفاسير غير المأثورة بالأسانيد كثيرة ، كتفسير عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، ووكيع ، وابن أبى قتيبة ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه .

      وأما التفاسير الثلاثة المسئول عنها فاسلمها من البدعة والأحاديث الضعيفة " البغوى " لكنه مختصر من " تفسير الثعلبى " ، وحذف منه الأحاديث الموضوعة ، والبدع التي فيه ، وحذف أشياء غير ذلك .

 

      وأما " الواحدى " فإنه تلميذ الثعلبى ، وهو أخبر منه بالعربية ، لكن الثعلبى فيه سلامة من البدع وإن ذكرها تقليداً لغيره . وتفسيرة و" تفسير الواحدى : البسيط والوسيط والوجيز " فيها فوائد جليلة ، وفيها غث كثير من المنقولات الباطلة وغيرها .

      وأما " الزمخشرى " فتفسيرة محشو بالبدعة ، وعلى طريقة المعتزلة وأصولهم خمسة وهذه الأصول حشا بها كتابه بعبارة لا يهتدى أكثر الناس إليها ولا لمقاصده فيها ، مع ما فيه من الأحاديث الموضوعة ، ومن قلة النقل عن الصحابة والتابعين .

      و " تفسير القرطبى " خير منه بكثير ، وأقرب إلى طريقة أهل الكتاب والسنة، وأبعد عن البدعة ، وإن كان كل من هذه الكتب لابد أن يشتمل على ما  ينقد ، لكن يجب العدل بينها ، وإعطاء كل ذى حق حقه .

      و " تفسير ابن عطية " . خير من تفسير الزمخشرى ، وأصح نقلاً وبحثاً ، وأبعد عن البدع ، وإن اشتمل على بعضها ، بل هو خير منه بكثير ، بل لعله أرجح هذه التفاسير ، لكن تفسير ابن جرير أصح من هذه كلها .

      وثم تفاسير كثيرة جداً ، كتفسير ابن الجوزى ، والماوردى " ([102]) . ا . هـ.

      من هذا نرى شيخ الإسلام وهو يعطى صورة مجملة للتفاسير ، يذكر في البداية ، ثم يؤكد في النهاية أن أصحها تفسير الطبري . 

      أما ابن عطية ، الذي اثنى ابن تيمية على تفسيرة ، فإنا نجده يشير إلى تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعدد من الصحابة والتابعين تحت " باب ما قيل في الكلام في تفسير القرآن ، والجرأة عليه ، ومراتب المفسرين " ، ثم يقول : " ثم حمل تفسير كتاب الله تعالى عدول كل خلف ، وألف الناس فيه : كعبد الرزاق ، والمفضل ، وعلى بن أبى طلحة ، والبخارى ، وغيرهم .

       ثم إن محمد بن جرير الطبري رحمه الله جمع على الناس أشتات التفسير ، وقرب البعيد ، وشفا في الإسناد " ([103]) .

      وابن الجوزى في تفسيره نقل عن مصادر " في طليعتها تفسير ابن جرير ، وكتب الحديث ، وكتابا ابن قتيبة : مشكل القرآن ، وغريب القرآن ، وكتب معاني القرآن ، ولا سيما كتابا الفراء والزجاج ، والحجة : لأبى على الفارسى ، ومجاز القرآن : لأبى عبيدة ، وكتب ابن الأنبارى في القرآن ، وأسماء الله الحسنى : للخطابى ، وغيرها  " ([104]) .

      ومعنى هذا أن ما صح من تفسير مأثور عند ابن الجوزى فهو مستمد من مصدرين رئيسين ، هما : تفسير الطبري ، وكتب الحديث .

      ولم يخل تفسيره من الاستشهاد ببعض الأحاديث المنكرة التي لا          تصح إلخ " ([105]) .

      والماوردى في تفسيره يذكر الأخبار دون ذكر الأسانيد ، ومثله ابن عطية وابن الجوزى ، ولذلك وجدت من حقق هذه التفاسير الثلاثة حاولواتخريج هذه الأخبار ([106]) .

     

والذين سبقوا هؤلاء ، كالسمرقندى والثعلبى ، الأخبار في تفسيرهم غير مسندة . والبغوى الذي اختصر تفسير الثعلبى لم يذكر الأسانيد أيضاً ([107]).والخبر إنما يكون حجة إذا كان مسنداً صحيحاً .

      وأهم كتاب في التفسير بعد الطبري هو تفسير الحافظ ابن كثير ، ومنهجه في التفسير هو منهج شيخه ابن تيمية . وينقل عن شيخ المفسرين ابن جرير ، وعن كتب السنة ، غير أنه لا يكتفى بالنقل ، بل يبين الصحيح وغيره وما يقبل وما يرفض ويحذر من الإسرائيليات وينبه عليها . وهو من أكثر الكتب فائدة وانتشاراً .

      والسيوطى في كتابه : الدر المنثور في التفسير بالمأثور ، يكتفى بنقل الأخبار، ونسبتها لأصحابها ، دون تمييز بين غث وسمين . والتفسير النقلى الذي يعتبر حجة ، وحاكماً للتفسير العقلى ، يمكن القول بأنه بعد شيخ المفسرين إلى عصرنا يستمد من رافدين رئيسين ، هما : كتب السنة ، وتفسير الطبري . لذا رأيت أن أقف عنده لأنتقل للقسم الثاني من الكتاب ، وهو بيان التفسير عند الشيعة الجعفرية الاثنى عشرية ، والله المستعان ، وهو نعم المولى ونعم النصير. تحدثت في الجزء السابق عن عقيدة الإمامة عند الشيعة الاثنى عشرية ،  رأيناهم يجعلون الإمام كالنبى صلى الله عليه وسلم في عصمته وصفاته وعلمه ، ويرون أن الإمامة كالنبوة في كل شئ باستثناء الوحى عند جمهورهم ؛ حيث يقولون بأن الأئمة لا يوحى إليهم كالنبى صلى الله عليه وسلم ، وإنما يقوم الإلهام مقام الوحى في عصمة الإمام وعدم خطئه ، وذهب بعضهم إلى أن أحد الملائكة كان يلازم الرسول صلى الله عليه وسلم ، ليسدده ويرشده ويعلمه ، فلما انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ظل الملك بعده ، ولم يصعد ليؤدى الوظيفة نفسها مع الأئمة . ومع هذا الخلاف في القول بالوحى ، غير انهم لم يختلفوا في القول بعصمة الأئمة .

 وبمراجعة التفسير عندهم ، أصوله وكتبه ، رأيت أن عقيدتهم في الإمامة كان لها أكبر الأثر في وضع الأصول ، وفى تناولهم لكتاب الله تعالى ، ولعل بيان هذا الأثر كاف شاف في مجال التفسير المقارن بين السنة والشيعة ، فحيث لا يوجد أثر لعقيدتهم في الإمامة يصبح تفسيرهم كتفسير غيرهم ، وبقدر وجود هذا الأثر بقدر افتراقهم عمن سواهم .

والشيعة الاثنا عشرية ليسوا سواء ، فمنهم من ينهج منهجا فيه شىء من  الاعتدال والابتعاد عن الغلو ، وصيانة كتاب الله المجيد ، ومنهم الغالى المفترى الكذاب ، الذي حاول أن يؤيد عقيدته في الإمامة بتحريف كتاب الله تعالى نصاً ومعنى ، وجعل القرآن العظيم كأى كتاب من كتب الفرق الضالة المضلة .

      وفى هذا القسم الثاني من الجزء الثاني ننتقل للحديث عن التفسير وأصوله عند الشيعة : فنبين أولاً أصول التفسير عندهم ببيان دور الإمام بالنسبة للقرآن المجيد ، ثم ننتقل للدراسة التطبيقية ، فننظر في كتب التفسير عندهم . وما دام الشيعة ليسوا سواء فإن الدراسة تشمل الكتب التي تمثل الاتجاهات المختلفة ، ونبدؤها بدراسة ثلاثة كتب ظهرت في القرن الثالث الهجرى تعتبر مصادرهم الرئيسة للتفسير المأثور ، وإن كانت كلها تمثل أقصى درجة في الغلو والتطرف ، والضلال والتضليل . ونتبع هذه الثلاثة نماذج من الكتب الأخرى التي تبين اتجاهات التفسير بعد القرن الثالث إلى العصر الحديث .

واستكمالاً للبيان والتوضيح رجعت إلى كتاب " الذريعة إلى تصانيف الشيعة "، فوجدت عشرات الكتب التي يدل العنوان نفسه على غلو المؤلف وضلاله ، وكتباً أخرى يظهر فيها هذا الأثر عندما يتحدث عنها صاحب كتاب الذريعة ، فرأيت أن أثبت شيئاً مما جاء في كتاب الذريعة هذا .

      فالقسم الثاني إذن يبين أصول التفسير الشيعى ، ويقدم دراسة لبعض كتبهم، وهى ستة عشر كتاباً من القرن الثالث إلى العصر الحديث ، ثم نشير إلى عشرات الكتب التي تبين تأثر أصحابها بعقيدة الإمامة .
فإذا ضممنا هذا القسم إلى القسم الأول اتضحت الصورة في مجال التفسير المقارن ، والله عزوجل هو المستعان .

 

القرآن الصامت والقرآن الناطق

الإمام كالنبي :

      ذكرنا من قبل قول الجعفرية بأن الإمام كالنبى في عصمته وصفاته وعلمه،ولذلك فهم يشيرون إلى القرآن الكريم والإمام بقولهم : ذلك القرآن الصامت وهذا القرآن الناطق ، فالإمام هو ـ في رأيهم ـ القرآن الناطق ([108]) ، ودوره بالنسبة للقرآن الصامت كدور النبي صلى الله عليه وسلم سواء بسواء .

مذهب الإخباريين :

      وما دام القرآن الكريم صامتاً فلابد من الرجوع إلى القرآن الناطق حتى يوضح مراد الله تعالى ، ولهذا قال الإخباريون من الجعفرية ([109]) : لا يجوز العمل

بظاهر القرآن الكريم !! وقال جمهور الجعفرية ـ وهم الأصوليون ـ بحجية الظواهر ولكنهم قالوا : لا يجوز الاستقلال في العمل في بظاهر الكتاب بلا مراجعة الأخبار الواردة عن الأئمة . [110]

قول الأصوليين :

 وناقش الأصوليون الإخباريين فيما ذهبوا إليه : قال صاحب فوائد الأصول بعد أن بين حجية الظواهر :

      " نسب إلى الإخباريين عدم جواز العمل بظاهر الكتاب العزيز ، واستدلوا على ذلك بوجهين ، الأول : العلم الإجمالى بتقييد وتخصيص كثير من المطلقات والعمومات الكتابية ، والعلم الإجمالى كما يمنع عن جريان الأصول العملية ، يمنع عن جريان الأصول اللفظية من أصالة العموم والإطلاق التي عليها مبنى الظهورات . الثاني : الأخبار الناهية عن العمل بالكتاب .

      ولا يخفى ما في كلا الوجهين ، أما الأول فلأن العلم الإجمالى ينحل بالفحص عن تلك المقيدات والمخصصات ، والعثور على مقدار منها يمكن انطباق المعلوم بالإجمال عليها وأما الثاني فلأن الأخبار الناهية عن العمل بالكتاب وإن كانت مستفيضة ، بل متواترة ، إلا أنها على كثرتها بين طائفتين : طائفة تدل على المنع عن تفسير القرآن بالرأى والاستحسانات الظنية ، وطائفة تدل على المنع عن الاستقلال في العمل بظاهر الكتاب من دون مراجعة أهل البيت الذين نزل الكتاب في بيتهم صلوات الله عليهم ، ولا يخفى أن مفاد كل من الطائفتين أجنبى عما يدعيه الإخباريون " ([111]) .

      فالإخباريون يمنعون العمل بظاهر الكتاب ، والأصوليون يمنعونه كذلك إلاَّ بعد الرجوع إلى أقوال الأئمة ، ويندرج تحت هذا الظاهر مثل العام والمطلق وغيرهما مما هو ظاهر في معنى ومحتمل لمعنى آخر ، فالعام ظاهر في العموم مع احتمال التخصيص ، والمطلق ظاهر في الإطلاق مع احتمال التقييد ([112]) فيرون إذن وجوب الرجوع إلى الأئمة وما روى عنهم بمعرفة مراد الله عزوجل.

      قال أحد علمائهم المعاصرين ([113]) : " لا يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص " ، ويوضح هذا بقوله : " لا شك في أن بعض عمومات القرآن الكريم والسنة الشريفة لها مخصصات منفصلة شرحت المقصود من تلك العمومات ، وهذا معلوم من طريقة صاحب الشريعة ، والأئمة الأطهار ـ عليهم الصلاة والسلام . حتى قيل ما من عام إلا وقد خص . ولذا ورد عن أئمتنا ذم من استبدوا برأيهم في الأحكام ، لأن في الكتاب المجيد والسنة عاماً وخاصاً ، ومطلقاً ومقيداً ، وهذه الأمور لا تعرف إلا من طريق آل البيت ، وصاحب البيت أدرى بالذى فيه .

      وهذا ما أوجب التوقف في التسرع بالأخذ بعموم العام قبل الفحص ، واليأس من وجود المخصص ، لجواز أن يكون هذا العام من العمومات التي لها مخصص موجود في السنة أو الكتاب لم يطلع عليه من وصل إليه العام . وقد نقل عدم الخلاف بل الإجماع على عدم جواز الأخذ بالعام قبل الفحص واليأس ". ا. هـ .

      والسنة ـ عند الجعفرية تتسع لتشمل أقوال أئمتهم ، وهم مجمعون على الأخذ بما ورد من كلام الأئمة مخصصا لكثير من عمومات القرآن الكريم ، ومقيداً لكثير من مطلقاته ، وما قام قرينة على صرف جملة من ظواهره ، ويعتبرون هذا من الأمور القطعية التي لا يشك فيها أحد ([114]) . ولكن المخصصات التي ترد عن الأئمة أتعتبر من باب النسخ أم التخصيص ؟ خلاف وقع بين الجعفرية !

النسخ بعد عصر النبوة :

      1 ـ فمنهم من ذهب إلى أن المخصصات ناسخة لحكم العمومات ، لأن العام لما ورد وصل وقت العمل به بحسب الغرض ،  فتأخير الخاص عن وقت العمل لو كان مخصصاً ومبيناً لعموم العام يكون من باب تأخير البيان عن وقت الحاجة . وهو قبيح من الحكيم ، لأن فيه إضاعة للأحكام ولمصالح العباد بلا مبرر . فوجب أن يكون ناسخا للعام ، والعام باق على عمومه يجب العمل به إلى حين ورود الخاص ، فيجب العمل ثانيا على طبق الخاص ([115]) .

      وكيف يمكن النسخ بعد عصر النبوة وانقطاع الوحى ؟

      قيل " إن إنقطاع الوحى لا يلازم عدم تحقق النسخ  بعده صلى الله عليه وسلم لأنه يمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد أودع الحكم الناسخ إلى الوصي ، وأودع الوصي إلى وصى آخر إلى أن يصل زمان ظهوره وتبليغه . وقد وردت أخبار عديدة في تفويض دين الله تعالى إلى الأئمة ، وعقد في الكافى باب في ذلك ، وبعد هذا لا يصغى إلى شبهة عدم إمكان تحقق النسخ بعد النبي صلى الله عليه وسلم " ([116]) .

      ومن المعلوم أن حلآل محمد صلى الله عليه وسلم حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه صلى الله عليه وسلم حرام إلى يوم القيامة ، وهم يروون هذا أيضا عن أئمتهم ، فأنى يتحقق النسخ  ؟

      يقول السيد أبو القاسم الخوئى ـ مرجعهم السابق بالعراق : " الظاهر منه ـ أي من الخبر ـ عرفاً بيان استمرار الشريعة المقدسة ، وأنها لا تنسخ بشريعة أخرى ، فالمراد منه أن كل ما يكون إلى يوم القيامة متصفاً بالحلية أو الحرمة فهو حلال محمد صلى الله عليه وسلم  أو حرامه ، فأحكامه صلى الله عليه وسلم مستمرة إلى يوم القيامة ، ولا تنسخ بشريعة أخرى " ([117]) .

التخصيص :

      2 ـ ومن الجعفرية من جعل هذه المخصصات كاشفة عن اتصال كل عام بمخصصه ، فهى ليست تخصيصاً طارئاً بعد عصر النبوة ، وإنما اختفت تلك المخصصات المتصلة ووصلت إليهم المخصصات المنفصلة .

      وقال الشيخ الطوسى : " لكثرة الدواعى إلى ضبط القرائن والمخصصات المتصلة ، واهتمام الرواة إلى حفظها ونقلها ، فمن المستحيل عادة أن تكون مخصصات متصلة بعد المخصصات المنفصلة وقد خفيت كلها علينا . وأجيب عن هذا بأنه لا وجه لهذه الاستحالة ، فإنا نرى أن كثيراً من المخصصات المنفصلة المروية من طرقنا عن الأئمة مروية عن العامة ـ أي جمهور المسلمين - بطرقهم عن النبي صلى الله عليه وسلم فيكشف ذلك عن اختفاء المخصصات المتصلة علينا " ([118]) .

كتمان الحكم تقية أو للتدرج :

      3 ـ ومن الجعفرية من ذهب إلى التخصيص كذلك ، ولكن على أساس أن هذه المخصصات " هي المخصصات حقيقة ، ولا يضر تأخرها عن وقت العمل بالعام ، لأن العمومات المتقدمة لم يكن مفادها الحكم الواقعى ، بل الحكم هو الذي تكفل المخصص المنفصل ببيانه . وإنما تأخر بيانه لمصلحة كانت هناك في التأخير، وإنما تقدم العموم ليعمل به ظاهراً إلى أن يرد المخصص ، فيكون مفاد العموم حكماً ظاهرياً ، ولا محذور في ذلك ، فإن المحذور إنما هو تأخر الخاص عن وقت العمل بالعام إذا كان مفاد العام حكماً واقعياً لا حكماً ظاهرياً " ([119]) .

      ويوضح عالم آخر هذا الرأى فيقول : " العام يجوز أن يكون وارداً لبيان حكم ظاهرى صورى لمصلحة اقتضت كتمان الحكم الواقعى ، ولو لمصلحة التقية ، أو لمصلحة التدرج في بيان الأحكام كما هو معلوم من طريقة النبيصلى الله عليه وسلم في بيان أحكام الشريعة ، مع أن الحكم الواقعى التابع للمصالح الواقعية الثابتة للأشياء بعناوينها الأولية إنما هو على طبق الخاص . فإذا جاء الخاص يكون كاشفاً عن الحكم الواقعى ، فيكون مبيناً للعام ومخصصاً له ، وأما الحكم العام الذي ثبت أولاً ، ظاهراً وصورة ، إن كان قد ارتفع وانتهى أمره ، فإنه إنما ارتفع لارتفاع موضوعه، وليس هو من باب النسخ " ([120]) .

      ثم يعقب على هذا بقوله : " وإذا جاز أن يكون العام وارداً على هذا النحو من بيان الحكم ظاهراً وصورة : فإن ثبت ذلك كان الخاص مخصصاً ، أي كان كاشفاً عن الواقع قطعاً . وإن ثبت أنه في حدود بيان الحكم الواقعى للمصالح الواقعية الثابتة للأشياء بعناوينها الأولية ، فلا شك في أنه يتعين كون الخاص ناسخاً له . وأما لو دار الأمر بينهما ، إذ لم يقم دليل على تعيين أحدهما ، فأيهما أرجح في الحمل ؟ فنقول الأقرب إلى الصواب هو الحمل على التخصيص " ([121]).

      ومع هذا الترجيح فقد رأى غيره أن هذه الحالة لا يجوز حملها إلا على  النسخ ([122]) .

      وكتمان الحكم الواقعى تقية هذا أمر غير معروف عن النبيصلى الله عليه وسلم وما أظن الشيعة يقولون به ، فما يجوز لمسلم أن يعتقده ، فلعلهم أرادوا التقية بالنسبة للأئمة ؛ بمعنى أن الإمام يكتم هذا الحكم ، لأنه لو أظهره خشى على نفسه وعلى شيعته ، ومن هنا تكون التقية . وهذا الرأى وإن كان غير مقبول أصلاً ، إلا أنه يتمشى مع عقيدة الجعفرية .

      أما التدرج في بيان الأحكام الذي يعتقده الجعفرية فيوضحه عالمهم المشهور محمد الحسين آل كاشف الغطاء بقوله : " يعتقد الإمامية أن لله بحسب الشريعة الإسلامية من كل واقعة حكما حتى أرش الخدش ، وما من عمل من أعمال المكلفين من حركة أو سكون إلا ولله فيه حكم من الأحكام الخمسة : الوجوب ، والحرمة ، والندب ، والكراهة ، والإباحة .وما من معاملة على مال ، أو عقد نكاح ، ونحوها إلا وللشرع فيه حكم صحة أو فساد . وقد أودع الله سبحانه جميع تلك الأحكام عند نبيه خاتم الأنبياء ، وعرفها النبي بالوحى من الله أو الإلهام ، ثم إنه ـ سلام الله عليه ـ حسب وقوع الحوادث أو حدوث الوقائع أو حصول الابتلاء ، وتجدد الآثار والأطوار ، بين كثيرا منها للناس ، وبالأخص لأصحابه الحافين به ، الطائفين كل يوم بعرش حضوره ، ليكونوا هم المبلغين لسائر المسلمين في الآفاق ]  لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا  [ ([123]) وبقيت أحكام كثيرة لم تحصل الدواعى والبواعث لبيانها ، إما لعدم الابتلاء بها في عصر النبوة ، أو لعدم اقتضاء المصلحة لنشرها .. والحاصل أن حكمة التدرج اقتضت بيان جملة من الأحكام ، وكتمان جملة ، ولكنه ـ سلام الله عليه ـ أودعها عند أوصيائه ، كل وصى يعهد به إلى الآخر لينشره في الوقت المناسب له حسب الحكمة من عام مخصص ، أو مطلق مقيد ، أو مجمل مبين ، إلى أمثال ذلك ، فقد يذكر النبي عاماً ويذكر مخصصه بعد برهة من حياته ، وقد لا يذكره أصلا ، بل يودعه عند وصيه  إلى وقته " ([124]) .

      من الواضح البين بعد هذا أن ما ذكره الجعفرية بالنسبة للقرآن الناطق- أي الإمام ـ أثر من آثار عقيدتهم في الإمامة ، فأقوالهم هنا لا تصح إلا بصحة عقيدتهم حتى يكون للإمام ما للنبى صلى الله عليه وسلم من البيان والتخصيص والتقييد ، بل النسخ، وحتى لا ينتهى التدرج بانقطاع الوحى وانتقال صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم  إلى الرفيق الأعلى ، وإنما يبقى دور لمن جعلوهم شركاءه صلى الله عليه وسلم في الرسالة .

      وما ذكره الشيعة هنا ليس مسألة نظرية ، وإنما يبين أصول التفسير ، والتشريع أيضاً ، وسنرى تطبيقاً عملياً لها في كتبهم التي تناولت بالدراسة كتاب الله تعالى ، وعند الحديث عن كتبهم سنرى ثلاثة كتب في التفسير ظهرت في القرن الثالث الهجري ، وأن هذه الكتب جعلت كتاب الله تعالى أشبه بكتاب من كتب الشيعة ،  فأكثر الآيات خاصة بالأئمة وولايتهم ، وكفر من ينكر هذه الولاية ، إلى غير ذلك من الغلو والضلال كما سيتضح ، وسنرى هذا في عشرات من كتب التفسير الشيعى الأخرى .

      والجعفرية لم يبدأوا التفكير في علم الأصول إلا في القرن الرابع الهجري ، ولم يدخل هذا العلم دور التصنيف والتأليف إلا في القرن الخامس ([125]). إذا عرفنا هذا أمكن القول بأن ما ذكره الشيعة هنا من علم الأصول إنما كان استنتاجاً من تلك الكتب الثلاثة ، أو تبريراً لها ، حيث إنها كانت تعتمد على روايات تزعم نسبتها للأئمة .

 

*****

الظاهر والباطن

  حجية الظواهر :           

        ذكرنا آنفاً موقف الإخباريين من ظاهر القرآن الكريم ، ورد جمهور الجعفرية عليهم . فهم يرون حجية الظهور . قال مرجعهم السابق بالعراق عن حجية ظواهر القرآن :

      " لاشك أن النبي صلى الله عليه وسلم  لم يخترع لنفسه طريقة خاصة لإفهام مقاصده ، وأنه كلم قومه بما ألفوه من طرائق التفهيم والتكلم ، وأنه أتى بالقرآن ليفهموا معانيه ، وليتدبروا آياته ، فيأتمروا بأوامره ويزدجروا  بزواجره ، وقد تكرر في الآيات الكريمة ما يدل على ذلك ، كقوله تعالى : ]  أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا   [ " 47 : 24 " ([126]) وقوله تعالى :  ] وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ   [ " 39 : 27 " .

      وقوله تعالى :   ]  وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ [ " 26  / 192 " .

   ]  نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِين[ " 193 : 194 " .

 ]  بِلِسَانٍ عَرَبيٍّ مُّبِينٍ  [  " 195 " . وقوله تعالى : ] هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ   [ " 3 : 138 " .  وقوله تعالى :  ]    فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ   [ " 44 : 58 " . وقوله تعالى :  ]  وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ   [  " 54 : 17 " . وقوله تعالى :   ]  أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا    [ " 4 : 82 " . إلى غير ذلك من الآيات الداله على وجوب العمل بما في القرآن ، ولزوم الأخذ بما يفهم من ظواهره .

     ومما يدل على حجية ظواهر الكتاب ، وفهم العرب لمعانيه ، أن القرآن نزل حجة على الرسالة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم  قد تحدى البشر على أن يأتوا ولو بسورة من مثله ، ومعنى هذا أن العرب كانت تفهم معاني القرآن من ظواهره ، ولو كان القرآن من قبيل الألغاز لم تصح مطالبتهم بمعارضته ، ولم يثبت لهم إعجازه ، لأنهم ليسوا ممن يستطيعون فهمه ، وهذا ينافى الغرض من إنزال القرآن ، ودعوة البشر إلى الإيمان به   إلخ " ([127]) .

     وقال عالم آخر عن حجية الظواهر ([128]) :

   "هي أوضح من أن يطال فيها الحديث مادام البشر في جميع لغاته قد جرى على الأخذ بظواهر الكلام ، وترتيب آثارها ولوازمها عليها ، بل لو أمكن أن يتخلى عنها لما استقام له التفاهم بحال ، لأن ما كان نصاً في مدلوله مما ينتظم في كلامه لا يشكل إلا أقل القليل .

      وبالضرورة أن عصر النبي صلى الله عليه وسلم ما كان بدعاً من العصور ، لينفرد به الناس في أساليب تفاهمهم بنوع خاص من التفاهم لا يعتمد الظهور ركيزة من ركائزه ، وما كان للنبى صلى الله عليه وسلم طريقة خاصة في التفاهم انفرد بها عن معاصريه ، وإلا لكانت أحدوثة التاريخ ، فالقطع بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم  لطريقتهم في التفاهم كاف في إثبات حجية الظواهر .

      وقد نزل القرآن بلغة العرب ، وتبنى طريقتهم في عرض أفكاره ، وكان لكلامه ظاهر يفهمونه ويسيرون على وفقه " ([129]) .

اللجوء للتأويل تأييداً للعقيدة :

      ومع القول بحجية الظاهر ، إلا أنهم ـ كما رأينا من قبل ـ جعلوا للإمام ما للنبى صلى الله عليه وسلم من بيان المراد من قول الله تعالى ، وتخصيص عامه ، وتقييد مطلقه . وفى الجزء الأول وجدنا أنهم لما لم يجدوا من ظاهر القرآن الكريم ما يؤيد عقيدتهم لجئوا إلى التأويل ، وناقشناهم فيما ذهبوا إليه فلم نجد لهم دليلا يمكن الاحتجاج به . وإذا كانت العقيدة من أساسها ليس لها ما يؤيدها من كتاب الله تعالى فكيف بما يتبعها من عقائد وتفريعات ؟

الباطن :

      والشيعة الاثنا عشرية لم يقفوا عند حد التأويل الذي أشرنا إليه ، فهم ينسبون للنبى صلى الله عليه وسلم وللأئمة أنهم قالوا : إن للقرآن ظهراً وبطناً ، ولبطنه بطنا إلى سبعة أبطن، أو إلى سبعين بطناً !([130]) وهم لا ينفردون بالقول بأن للقرآن الكريم ظاهرا وباطنا ، فقد قيل به قديماً وحديثاً . قال أستاذنا الجليل المرحوم على حسب الله تحت عنوان ظاهر القرآن وباطنه : " إذا سمع المرء كلاماً عربياً تبادر إلى ذهنه ما يدل عليه الكلام بحسب وضعه العربى ، فإذا تدبره فقد يفهم منه مقاصد مطوية وأغراضاً خفية ، فالمتبادر الأول هو ظاهر الكلام ، ويكاد يدركه كل عارف باللغة. والمفهوم الثاني هو باطنه وهو لا يدرك إلا بشىء من التدبر . وللقرآن ظاهر وباطن بهذا المعنى ، وكلاهما مراد ، غير أن الثاني لا يعتد به إلا إذا لم يكن مناقضاً للأول ، وكان له شاهد من مقاصد الدين ومراميه " ([131]) .

      والإمام الغزالى من قبل أفاض في الحديث عن الظاهر والباطن ، وقسم الباطن إلى خمسة أقسام :

      القسم الأول : أن يكون الشىء في نفسه دقيقاً تكل أكثر الأفهام عن دركه ، فيختص بدركه الخواص .

      القسم الثاني : من الخفيات التي يمتنع الأنبياء والصديقون عن ذكرها ، ما هو مفهوم في نفسه لا يكل الفهم عنه ، ولكن ذكره يضر بأكثر المستمعين ولا يضر بالأنبياء والصديقين .

      القسم الثالث : أن يكون الشىء بحيث لو ذكر صريحاً لفهم ولم يكن فيه ضرر، ولكن يكنى عنه على سبيل الاستعارة والرمز .

      القسم الرابع : أن يدرك الإنسان الشىء جملة ثم يدركه تفصيلاً بالتحقيق والذوق .

      القسم الخامس : أن يعبر بلسان المقال عن لسان الحال ، فالقاصر الفهم يقف على الظاهر ويعتقده نطقاً ، والبصير بالحقائق يدرك السر فيه ([132]) .

ثلث القرآن في الأئمة ! ! وثلثه في عدوهم ! ! :

      فالجعفرية إذن لم ينفردوا بالقول بالباطن جملة ، ولكن أثر عقيدتهم في الإمامة ـ إلى جانب ما سبق ـ ظهر في التوسع في القول بالباطن إلى غير حد ، حتى أن بعضهم ـ كما سيأتى ـ اعتبر ثلث القرآن فيهم ، وثلثه في عدوهم ، وبعضهم جعل الربع لا الثلث ، وهؤلاء وأولئك نسبوا هذا الضلال للأئمة الأطهار افتراء عليهم ، حتى يضلوا غيرهم ، وبذلك أخضعوا كتاب الله تعالى لأهوائهم ، وحرفوه ليصبح أقرب ما يكون إلى كتاب من كتب الفرق ، ولم يفترقوا كثيراً عن الإسماعيلية الباطنية ([133]) .

      وعند تناولنا لكتبهم سنرى أنهم مختلفون ، فمن ناشد للاعتدال نسبيا مقترب منه ، إلى راغب في الضلال هابط إلى الغلو . وقبل الحديث عن هذه الكتب نتحدث عن موضوع جد خطير ، حيث يتعلق بصيانة القرآن الكريم من النقص والتحريف.

 

القرآن الكريم والتحريف

لماذا قالوا بالتحريف ؟

      بالرجوع إلى كتب الجعفرية نجد جدلاً حول التحريف بين معتدليهم  نسبيا وغلاتهم ، ونتعرض لهذا الأمر بإيجاز قدر المستطاع قبل الحديث عن كتبهم بشىء من التفصيل :

     فمن المقطوع به عند جمهور المسلمين أنه ]  لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ  [([134]) وأن الله تعالى هو الذي تعهد بحفظ القرآن الكريم :  ]  إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[([135])، ولذا هيأ له ، وسيهيئ له من يحفظه إلى يوم القيامة . وقد كتب على عهد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ، وجمع ما كتب عند الصديق ثم الفاروق، ثم كان المصحف الإمام الذي كتب في خلافة ذى النورين كما هو معلوم، فحفظ في السطور والصدور على مر القرون ، وكلما أصاب المسلمون تقدماً وجهوه قدر استطاعتهم لحفظ كتاب الله تعالى ، هذا ما نلمسه جميعا بغير خلاف .

     والذين حاولوا هدم الإسلام وجهوا مردة شياطينهم للطعن في القرآن المجيد ، لكن هيهات ، فباءوا بمرارة الفشل ، وبغضب ممن علم القرآن . ولا عجب في مسلك هؤلاء الكفار ، ولكن العجب كل العجب أن نجد ممن ينتمى إلى الإسلام من يضل ضلال هؤلاء الكفار ! فغلاة الاثنى عشرية عز عليهم أن يخلو القرآن الكريم من نصوص ظاهرة صريحة تؤيد عقيدتهم في الإمامة ، فلم يكتفوا بالتأويلات الفاسدة كما سنرى ، بل أقدموا على جريمة مدبرة ، فطعنوا في الصحابة الأكرمين،

وعلى الأخص الخلفاء الراشدون الذين سبقوا الإمام علياً ، وأرادوا من هذا الطعن الافتراء عليهم بأنهم غير أمناء على تنفيذ الشريعة ونقلها ، وحفظ كتاب الله العزيز، ولذا انتهوا من هذا الطعن إلى أنهم اغتصبوا الخلافة ، وحرفوا القرآن الكريم حتى لا يفتضح أمرهم ، ولا يظهر حق على في الخلافة والأئمة من بعده ! !

كتاب فصل الخطاب :

      ومن أشهر كتب هؤلاء الغلاة كتاب " فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب " ، قال مؤلفه حسين بن محمد تقى النورى الطبرسي ([136]) في ص 2 " هذا كتاب لطيف وسفر شريف ، عملته في إثبات تحريف القرآن ، وفضايح أهل الجور والعدوان " .

      وذكر روايات كثيرة تفيدالتحريف منها : " لما انتقل سيد البشر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من دار الفناء ، وفعلا  صنما قريش ما فعلا من غصب الخلافة الظاهرية ، جمع أمير المؤمنين عليه السلام القرآن كله ووضعه في إزار ، وأتى به إليهم وهم في المسجد ، فقال لهم : هذا كتاب الله سبحانه ، أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعرضه عليكم لقيام الحجة عليكم يوم العرض بين يدى الله تعالى . فقال فرعون هذه الأمة ونمرودها : لسنا محتاجين إلى قرآنك .. فنادى ابن أبى قحافة بالمسلمين وقال لهم : كل من عنده قرآن من آية أو سورة فليأت بها ، فجاءه أبو عبيدة بن الجراح وعثمان ، وسعد بن أبى وقاص ، ومعاوية بن أبى سفيان ، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله ، وأبو سعيد الخدرى ، وحسان بن ثابت ، وجماعات المسلمين ، وجمعوا هذا القرآن ، أسقطوا ما كان فيه من المثالب التي صدرت عنهم بعد وفاة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم  ، فلذا ترى الآيات غير مرتبطة !! والقرآن الذي جمعه أمير المؤمنين عليه السلام بخطه محفوظ عند صاحب الأمر عجل الله فرجه ، فيه كل شىء حتى أرش الخدش " ([137]) .

      ومنها ما نسب للإمام الصادق " لو قرئ القرآن كما أنزل لألفيتمونا فيه مسمين " ([138]) .

سورة الولاية في كتاب دبستان المذاهب :

      ونقل عن صاحب كتاب دبستان المذاهب قوله : " بعضهم يقولون إن عثمان أحرق المصاحف ، وأتلف السور التي كانت في فضل على وأهل بيته ، منها هذه السورة ] بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ [وذكر سورة كاملة مفتراة ، ثم عقب عليها بقوله : " ظاهر كلامه أنه أخذها من كتب الشيعة ، ولم أجد لها أثراً فيها ، غير أن الشيخ محمد بن على بن شهر أشوب المازندرانى ذكر في كتاب المثالب ، على ما حكى عنه ، أنهم أسقطوا من القرآن تمام سورة الولاية ، ولعلها هذه السورة " ([139]) .

      هذه نماذج قليلة ذكرناها بنصها ، والكتاب كله يخبط في ظلام هذا الضلال ، ثم يفترى هذا على أهل البيت الأطهار ، فمن أولئك الغلاة المفترون ؟

من القائلون بالتحريف ؟

      قال مؤلف الكتاب السابق : " وقوع التغيير والنقصان فيه هو مذهب الشيخ الجليل على بن إبراهيم القمي شيخ الكلينى ، في تفسيره صرح بذلك في أوله ، وملأ كتابه من أخباره ، مع التزامه في أوله بأن لا يذكر فيه إلا مشايخه وثقاته . ومذهب تلميذه ثقة الإسلام الكلينى رحمه الله على ما نسبه إليه جماعة لنقله الأخبار الكثيرة الصريحة في هذا المعنى في كتاب الحجة ، خصوصاً كتاب النكت والنتف من التنزيل ، وفى الروضة ، ومن غير تعرض لردها أو تأويلها ([140]) .

      واستظهر المحقق السيد محسن الكاظمى في شرح الوافية مذهبه من الباب الذي عقده فيه وسماه " باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم السلام " ، فإن الظاهر من طريقته أنه إنما يعقد الباب لما يرتضيه . قلت : وهو كما ذكره ، فإن مذاهب القدماء تعلم غالباً من عناوين أبوابهم ، وبه صرح أيضاً العلامة المجلسى في مرآة العقول . وبهذا يعلم مذهب الثقة الجليل محمد بن الحسن الصفار في كتاب البصائر من الباب الذي له أيضاً فيه ، وعنوانه هكذا " باب في الأئمة أن عندهم لجميع القرآن الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، وهو أصرح في الدلالة مما في الكافى ، ومن باب " أن الأئمة محدثون " .

      وهذا المذهب صريح الثقة محمد بن إبراهيم النعمانى ، تلميذ الكلينى صاحب كتاب الغيبة المشهور ، في تفسيره الصغير الذي اقتصر فيه على ذكر الآيات وأقسامها ، وهو بمنزلة الشرح لمقدمة تفسير على بن إبراهيم ، وصريح الثقة الجليل سعيد بن عبد الله القمي في كتاب ناسخ القرآن ومنسوخه كما في المجلد التاسع عشر من البحار ، فإنه عقد فيه باباً ترجمته " باب التحريف في الآيات التي هي خلاف ما أنزل الله عزوجل مما رواه مشايخنا رحمة الله عليهم من العلماء من آل محمد " ([141]) .

      واستمر المؤلف في ذكر القائلين بالتحريف ([142]) إلى أن قال : " ومن جميع ما ذكرناه ونقلناه بتتبعى القاصر ، يمكن دعوى الشهرة العظيمة بين المتقدمين ، وانحصار المخالف فيهم بأشخاص معينين يأتى ذكرهم . قال السيد المحدث الجزائرى في الأنوار ما معناه أن الأصحاب قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ومادة وإعراباً والتصديق بها " ([143]) .

       ثم قال : " ومن جميع ذلك ظهر فساد ما ذكره المحقق الكاظمى من انحصار القائل به في على بن إبراهيم والكلينى ، أو مع المفيد وبعض متأخرى     المتأخرين " ([144]) .

      ثم اتهم الصحابة ـ خير أمة أخرجت للناس ـ بالكفر والعناد والجبروت والغباء ، ليصل إلى أنهم ليسوا أهلاً لجمعه كما أنزل ([145]) .

        وأكثر من ذكر الروايات كرواية الكلينى عن الإمام الصادق :

     " إن القرآن الذي جاء به جبريل عليه  إلى محمد صلى الله عليه وسلم سبعة عشرألف آية " ([146]) .

      وقال : " إن الأخبار الدالة على ذلك ـ أي التحريف ـ تزيد على ألفى حديث، وادعى لاستفاضتها جماعة كالمفيد والمحقق والداماد والعلامة المجلسى  وغيرهم ([147]) .

      ثم قال : " واعلم أن تلك الأخبار منقولة من الكتب المعتبرة التي عليها معول أصحابنا في إثبات الأحكام الشرعية ، والآثار النبوية ، إلا كتاب القراءات لأحمد بن محمد السيارى ، فقد ضعفه أئمة الرجال ، فالواجب علينا ذكر بعض القرائن الدالة على جواز الاستناد لهذا الكتاب " ([148]) .

      وقال أحد مفسرى الجعفرية ([149]) : " أما اعتقاد مشايخنا رحمهم الله في ذلك فالظاهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكلينى ـ طاب ثراه ـ أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن ، لأنه روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافى، ولم يتعرض لقدح فيها ، مع أنه ذكر في أول الكتاب أنه كان يثق بما رواه فيه ، وكذلك أستاذه على بن إبراهيم القمي ، فإن تفسيره مملو منه ، وله علو فيه ، وكذلك الشيخ أحمد بن أبى طالب الطبرسي قدس سره ، فإنه أيضاً نسج على منوالهما في كتاب الاحتجاج " .

      وقال أحد كتابهم المعاصرين في مقدمة كتبها لتفسير القمي : " هذا التفسير ، كغيره من التفاسير القديمة ، يشتمل على روايات مفادها أن المصحف الذي بين أيدينا لم يسلم من التحريف والتغيير ، وجوابه أنه لم ينفرد المصنف بذكرها ، بل وافقه فيه غيره من المحدثين المتقدمين والمتأخرين عامة وخاصة " ([150]) .

      ثم ذكر القائلين بالتحريف فقال بأنهم " الكلينى والبرقى ، والعياشى والنعمانى، وفرات بن إبراهيم ، وأحمد بن أبى طالب الطبرسي صاحب الاحتجاج ، والمجلسى، والسيد الجزائرى ، والحر العاملى ، والعلامة الفتونى ، والسيد البحرانى ، وقد تمسكوا في إثبات مذهبهم بالآيات والروايات التي لا يمكن الإغماض عنها .

      والذى يهون الخطب أن التحريف اللازم على قولهم يسير جداً مخصوص بآيات الولاية ، فهو غير مغير للأحكام ولا للمفهوم الجامع الذي هو روح القرآن ، فهو ليس بتحريف في الحقيقة ، فلا ينال لغير الشيعة أن يشنع عليهم من هذه      الجهة " ([151]) .

معتدلو الشيعة يتصدون لحركة الغلاة :

      هذه حركة من حركات التشكيك والتضليل قام بها غلاة الشيعة الاثنى عشرية، وسنعود للحديث عن بعض هؤلاء الغلاة عند تناولنا لكتبهم ، ولكن المهم هنا هو أن المعتدلين إلى حد ما - من إخواننا الجعفرية قد تصدوا لهذه الحركة قديماً وحديثاً، وكشفوا القناع عن هذا الباطل ، وفندوا مزاعم القائلين بالتحريف ، وبينوا أن ما ذكر من روايات منسوبة لأهل البيت ـ تمسك بها القائلون بالتحريف ـ منها ما يحتمل التأويل ولا يفيد وقوع التحريف ، والباقى يضرب به عرض الحائط . وأشهر من تصدى منهم لحركة التضليل في القديم محمد بن بابويه القمي ، الملقب بالصدوق صاحب كتاب " من لا يحضره الفقيه " ، أحد كتب الحديث الأربعة المعتمدة عند الجعفرية ، والسيد الشريف المرتضى ، وتلميذه الشيخ الطوسى : صاحب تفسير التبيان ، وصاحب كتابين من كتب الحديث الأربعة السابقة ، وشيخ مفسرى الجعفرية أبى على الفضل بن الحسن الطبرسي ([152]) .

      ومما ذكره السيد المرتضى قوله : " القرآن معجزة النبوة ، ومأخذ العلوم الشرعية ، والأحكام الدينية ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شىء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد " ([153]) .

      وقال : " إن القرآن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجموعاً مؤلفاً على ما هو عليه الآن ، واستدل على ذلك بأن القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان حتى عين على جماعة من الصحابة في حفظهم له ، وأن كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم ويتلى عليه ، وأن جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وأبى بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم عدة ختمات ، وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه كان مجموعاً مرتباً غير مبتور ولا مبثوث ، وذكر أن من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتد بخلافهم ، فإن الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخبارا ضعيفة ظنوا صحتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته " ([154]) .

      وقال الشيخ الطوسى : " أما الكلام في زيادته ونقصانه فمما لا يليق به أيضاً، لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا ، وهو الذي نصره المرتضى ، وهو الظاهر في الروايات . غير أنه رويت روايات كثيرة ، من جهة الخاصة والعامة ، بنقصان كثير من أي القرآن ، ونقل شىء منه من موضع إلى موضع ، طريقها الآحاد التي لا توجب علماً ولا عملا ، والأولى الإعراض عنها ، وترك التشاغل بها ، لأنه يمكن تأويلها . ولو صحت لما كان ذلك طعنا على ما هو موجود بين الدفتين ، فإن ذلك معلوم صحته ، لا يعترضه أحد من الأمة            ولا يدفعه "([155]) .

      وقال الصدوق : " اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم هو ما بين الدفتين : وهو ما في أيدى الناس ، وليس بأكثر من ذلك ومن نسب إلينا أنا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب " ([156]) .

      هذا موقف المعتدلين نسبيا  في القديم ، أما في الحديث فأكثر شيعة اليوم يتفقون في الظاهر مع جمهور المسلمين في أن القرآن الكريم هو ما بين الدفتين بلا زيادة أو نقصان ، ومن شذ برأيه منهم ، حتى كاد يخرج عن الإسلام ، فلا يعتد به، ولذا قال  محمد الحسين آل كاشف الغطاء : يعتقد الشيعة الإمامية " أن الكتاب الموجود في أيدى المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه ـ أي إلى محمد صلى الله عليه وسلم ـ للإعجاز والتحدى ، ولتعليم الأحكام ، وتمييز الحلال من الحرام ، وأنه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة ، وعلى هذا إجماعهم ، ومن ذهب منهم أو من غيرهم من فرق المسلمين إلى وجود نقص فيه أو تحريف فهو مخطئ بنص الكتاب العظيم ]  ‌‌‌إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [ ، والأخبار الواردة من طرقنا أو طرقهم الظاهرة في نقصة أو تحريفة ضعيفة شاذة ، وأخبار آحاد ، لا تفيد علماً ولا عملاً ، فإما أن تؤول بنحو من الاعتبار ، أو يضرب بها الجدار " ([157]) .

      وعندما خرج صاحب فصل الخطاب بكتابه تصدى له كثير من علماء الشيعة وسفهوا رأيه ، وبينوا خطأ ما جاء به جملة وتفصيلاً . منهم ـ على سبيل المثال ـ السيد أبو القاسم الخوئى مرجعهم السابق بالعراق ([158]) والشيخ محمد جواد البلاغى النجفى ([159]) والشيخ محمد تقى الحكيم ([160]) . فلسنا في حاجة إذن إلى ذكر شبهات الضالين ، وبيان بطلانها ، فقد تكفل إخواننا الجعفرية بهذا ، بل إن الإخباريين الذين يرون صحة جميع الأخبار الواردة عن أهل البيت ، ولذا ذهبوا إلى القول بالتحريف ، وجدنا منهم من ينكر هذا التحريف . قال مرجعهم السابق بالكويت : " مذهبنا ـ ومذهب كل مسلم ـ بأن القرآن الكريم المتداول بين أيدينا ليس فيه أي تحريف بزيادة أو نقصان ، وما ذكر في بعض الأحاديث بأن فيه تحريفاً ونقصاناً فهو مخالف لعقيدتنا في القرآن الذي هو الذكر المحفوظ ، والذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه " ([161]) .

    هذا اتجاه طيب ، وهداية مرجوة ، فلعل الله عزوجل يهدى باقى إخواننا الجعفرية الصراط المستقيم ، وإن كان هؤلاء الذين يمثلون جانب الاعتدال إلى حد ما في المذهب الجعفرى عز عليهم أن يكون الغلاة الضالون القائلون بالتحريف جعفريين ، ولذا حاولوا إبعاد هذه التهمة عمن له مكانة عالية بينهم ، وإلصاقها بجمهور المسلمين ! ومن المقطوع به أن جمهور المسلمين ليس منهم من يقول بالتحريف.

    فلا نعرف أحداً من جمهور المسلمين يقول بأن الصحابة الكرام أسقطوا شيئاً من القرآن الكريم كما قال غلاة الجعفرية ،  والجعفرية يدركون هذا تماماً ولذا حاولوا نسبة هذا الجرم الشنيع لغيرهم بقولهم بأن القول بنسخ التلاوة قول بالتحريف، ليصلوا من هذا إلى أن أكثر أهل السنة قائلون بالتحريف !

      ونسخ التلاوة يعنى أن آيات نزلت ، ثم أمر الله تعالى برفعها ، وقد أتى الله تعالى بمثلها أو بخير منها  ] مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا     [   " 106 : البقرة " أي أن الشارع الحكيم هو الذي أمر بهذا الرفع. فهذا النسخ لو سلمنا بوجوده فإنه كما يقول أستاذنا الجليل المرحوم الدكتور مصطفى زيد " لا يعتبر مطعناً ولا شبه مطعن في القرآن الكريم الذي تكفل الله ـ عزوجل ـ بحفظه من التغيير والتبديل ، وهو الذي جمع بين دفتى المصحف ، ولا يعتبر مطعناً ولا شبه مطعن كذلك في الوحى الذي تنزل به جبريل على قلب محمد ، ما دام المرفوع منه قد رفع في عهد التنزيل ، ولم ترفع منه كلمة واحدة بعد أن انتقل الرسول صلى الله عليه وسلمـ إلى الرفيق الأعلى  . " النسخ في القرآن الكريم 1 / 282 : 283 " .

   فما بين الدفتين هو القرآن الكريم الذي أمرنا بتلاوته وتدبره ، وتنفيذ أحكامه ، بغير زيادة أو نقصان ، فكيف يقال بأن النسخ تحريف ؟

على أن الجعفرية الذين تصدوا لحركة التضليل في الماضى قائلون بهذا النسخ ، بل مدافعون عنه ، فكيف غاب هذا عن شيعة اليوم وهم يخلطون بين النسخ والتحريف ليصلوا إلى مأربهم !

      ولنذكر مثلاً شيخ الطائفة الطوسى ، قال في تفسيره التبيان " 1 / 13 " : " لا يخلو النسخ في القرآن الكريم من أقسام ثلاثة ، أحدها : نسخ حكمه دون لفظه .. الثاني ما نسخ لفظه دون حكمه كآية الرجم ، فإن وجوب الرجم على المحصنة لا خلاف فيه ، والآية التي كانت متضمنه له منسوخة بلا خلاف وهى قوله ( والشيخ والشيخة إذا زنيا ) .. والثالث : ما نسخ لفظه وحكمه ، وذلك نحو ما رواه المخالفون عن عائشة أنه كان فيما أنزل الله عشر رضعات " .

      وقال في موضع آخر " 1/ 394 " : " وقد أنكر قوم جواز نسخ القرآن ، وفيما ذكرناه دليل على بطلان قولهم ، وجاءت أخبار متظافرة بأنه كانت أشياء في القرآن نسخت تلاوتها ".

      والنوع الثالث لأن روايته عن المخالفين ـ أي غير الجعفرية ـ قال عنه الطوسى بأنه " مجوز وإن لم يقطع بأنه كان " ، أما النوع الثاني فإنه يؤيده برواية الشيخ والشيخة ، ويقول بأنها رواية مشهورة ، فهذه الرواية من روايات الجعفرية كذلك ، ورواها أيضا على بن إبراهيم القمي الذي ينسب رواياته إلى الإمامين الباقر والصادق " انظر تفسيره 2 / 95 ، وانظر كذلك مجمع البيان 1 / 180 ـ 181 لترى اتفاق الطبرسي مع الطوسى في النسخ " .

      ولسنا بهذا نؤيد إمكان وقوع هذا النسخ أو عدم إمكانه ، ولكنا نبين لإخواننا الجعفرية أن شيخ طائفتهم الذي دافع عن القول بعدم التحريف ، دافع عن القول بنسخ التلاوة ، لأن النسخ من الشارع الحكيم والتحريف من البشر بعد عصر التنزيل ، فالنسخ والتحريف مختلفان تماماً ، فكيف إذن يغيب هذا عن مرجع الجعفرية السابق بالعراق فيقول : " غير خفى أن القول بنسخ التلاوة هو بعينه القول بالتحريف والإسقاط " " البيان ص 244 " ثم يستمر ليقول : " وعلى ذلك فيمكن أن يدعى أن القول بالتحريف هو مذهب أكثر علماء أهل السنة ! لأنهم يقولون بجواز نسخ التلاوة " ثم يقول في ص 225 : " قد عرفت أن القول بعدم التحريف هو المشهور ، بل المتسالم عليه بين علماء الشيعة ومحققيهم ! " ويشير إلى ما ذكره الطبرسي في مجمع البيان " ج 1 ص 15 " من الاستدلال على بطلان القول بالتحريف . ولو استمر مرجع الجعفرية إلى ص 180 لوجد استدلال الطبرسي كذلك على نسخ التلاوة ! وما الرأى عند السيد فيمن ذكروا من الضالين القائلين   بالتحريف ؟ أليسوا من علماء الشيعة ؟ أولا يعد أكثرهم عند الشيعة من المحققين ؟ كالقمى ، والعياشى ، والكلينى ، والنعمانى ، والمجلسى وغيرهم .

    أفلا يذكر السيد الخوئى ما ذهب إليه في كتابه معجم رجال الحديث             " ج 1 ص 3 - 64 " من صحة تفسير على بن إبراهيم القمي ، شيخ الكلينى ، وأن روايات كتاب التفسير هذا " ثابتة وصادرة من المعصومين عليهم السلام ، وأنها انتهت إليه بوساطة المشايخ والثقات من الشيعة " ؟ أو لم يقرأ السيد تلك الروايات ليرى فيها النص على القول بتحريف القرآن الكريم ؟ وقد حكم هو بصحتها !

    وإذا صدر هذا منه فماذا تنتظر من غيره ؟! ([162])

    وبعد : فقد أوجزت هنا سائلاً الله تعالى ألا أكون تركت ما يجب ذكره ، أو ذكرت ما يجب تركه .     

            

كتب التفسير الشيعي في القرن الثالث

      ذكرت من قبل أن الجعفرية درجات بين الاعتدال النسبى والغلو فليسوا سواء، وإنا نرى لزاماً علينا الرجوع إلى كتبهم المختلفة لنرى إلى أي مدى أثرت عقيدة الإمامة عندهم في تناولهم لكتاب الله تعالى .

      وعندما رجعت إلى الكثير من كتبهم وجدت أن القرن الثالث ظهر فيه ثلاثة كتب هي التفسير المنسوب للإمام العسكرى ـ إمامهم الحادى عشر ـ وتفسيرا العياشى ، والقمى ، وهذه الثلاثة تمثل جانب التطرف في المذهب الجعفرى .

      ثم يأتى شيخ الطائفة الطوسى " المتوفى سنة 460 هـ " فيخرج كتابه التبيان الذي يمثل جانبا من الاعتدال ، ويليه الطبرسي شيخ مفسريهم . والجعفرية بعد هذا منهم من سلك أحد المسلكين ، ومنهم من جمع بينهما ، أو اقترب من أحدهما .

      ونتحدث في هذا الفصل عن الكتب الثلاثة التي ظهرت في القرن الثالث ، ثم نتحدث عن باقى الكتب في الفصول الأخرى .

 *****

الكتاب  الأول

تفسير الحسن العسكرى

قصة إملاء الكتاب :

      التفسير المنسوب للإمام الحسن العسكرى يرويه أبو يعقوب يوسف بن محمد ابن زياد ، وأبو الحسن على بن محمد بن سيار ([163]) ، ويقولان : إن الإمام أملى عليهما هذا التفسير ،  ويذكران  قصة لهذا الإملاء ([164]). وهو تفسير لم يكمل ، وإنما يتناول الفاتحة وسورة البقرة إلى قبيل خاتمتها بأربع آيات .

غلو وضلال :

      وهو كتاب يبين عقيدة الإمامة ، وما يتصل بها عند غلاة الجعفرية ، ويخضع الآيات الكريمة لهذه العقيدة الفاسدة ، ذاكراً ما يأباه ديننا الحنيف ، وكل عقل سليم لم يمرضه الهوى والضلال . والكتاب مملوء بالافتراء على الله تعالى ، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى أهل البيت الأطهار . فالكتاب إذن ليس تفسيراً بالمعنى   الصحيح ، وإنما هو كتاب من كتب الفرق الضالة ، ولنضرب لذلك الأمثال حتى يحكم القارىء بنفسه .

كفر من أنكر ولاية على :

      جاء في تفسير قوله تعالى : ] والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ   [ " 4 : البقرة " .

      قال الإمام : " قال الحسن بن على : من دفع فضل أمير المؤمنين على جميع من بعد النبي فقد كذب بالتوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وسائر كتب الله المنزلة ، فإنه ما نزل شىء منها إلا وأهم ما فيه ـ بعد الأمر بتوحيد الله  تعالى والإقرار بالنبوة ـ الاعتراف بولاية على والطيبين من آله .

     ولقد حضر رجل عند على بن الحسين فقال له : ما تقول في رجل يؤمن بما أنزل الله على محمد ، وما أنزل على من قبله ، ويؤمن بالآخرة  ، ويصلى ويزكى، ويصل الرحم ، ويعمل الصالحات ، ولكنه مع ذلك يقول ما أدرى الحق لعلى أو لفلان ، فقال له على بن الحسين : ما تقول أنت في رجل يفعل هذه الخيرات كلها إلا إنه يقول : لا أدرى : النبي محمد أو مسيلمة ؟ هل ينتفع بشىء من هذه الأفعال؟ فقال : لا . فقال : وكذلك قال صاحبك هذا ، كيف يكون مؤمنا بهذه الكتب من لا يدرى : أمحمد النبي أم مسيلمة الكذاب ؟ وكذلك ([165]) كيف يكون مؤمناً بهذه الكتب، أو منتفعا به  ، من لا يدرى أعلى محق أم فلان " ([166]) .

شهادة البساط والسوط والحمار للوصى :

 وفى قوله تعالى : ]  إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ  [   " 6 : البقرة " قال الإمام : " فلما ذكر هؤلاء المؤمنين ، ومدحهم بتوحيد الله وبنبوة محمد رسول الله ، ووصيه على ولى الله ، ذكر الكافرين المخالفين لهم في كفرهم فقال : إن الذين كفروا بما آمن به هؤلاء المؤمنون بتوحيد الله تعالى ، وبنبوة محمد رسول الله ، وبوصيه على ولى الله ، وبالأئمة الطاهرين الطيبين ، خيار عباده الميامين ، القوامين بمصالح خلق الله تعالى ، سواء عليهم ءأنذرتهم وخوفتهم أم لم تنذرهم ولو تخوفهم فهم لا يؤمنون . قال محمد بن على الباقر : إن رسول الله لما قدم المدينة ، وظهرت آثار صدقه ، وآيات حقه ، وبينات نبوته ، كادته اليهود أشد كيد : وقصدوه أقبح قصد ، يقصدون أنواره ليطمسوها ، وحججه ليبطلوها ، وكان ممن قصده للرد عليه وتكذيبه مالك بن الصيف ، وكعب بن الأشرف ، وحيى بن الأخطب ، وأبو ياسر بن الأخطب ، وأبو لبابة بن عبد المنذر ، وشيبة . فقال مالك لرسول الله : يا محمد تزعم أنك رسول الله ؟ قال رسول الله : كذلك قال الله خالق الخلق أجمعين  . قال : يا محمد لن نؤمن أنك رسوله حتى يؤمن لك هذا البساط الذي تحتنا ، ولن نشهد لك أنك من الله جئتنا حتى يشهد لك هذا البساط . وقال أبو لبابة بن عبد المنذر : لن نؤمن لك يا محمد أنك رسول الله ، ولا نشهد لك به ، حتى يؤمن ويشهد لك به هذا السوط الذي في يدى . وقال كعب الأشرف : لن نؤمن لك أنك رسول الله ولن نصدقك به حتى يؤمن لك هذا الحمار الذي أركبه ، فقال رسول الله : إنه ليس للعباد الاقتراح على الله تعالى ، بل عليهم التسليم لله ، والانقياد لأمره ، والاكتفاء بما جعله كافيا . أما كفاكم أن أنطق التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم بنبوتى ، ودل على صدقى ، وبين فيها ذكر أخى ووصيى وخليفتى في أمتى ، وخير ما أتركه على الخلايق من بعدى ، على بن أبى طالب ؟

      فلما فرغ رسول الله من كلامه هذا أنطق الله البساط فقال :أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،إلهاً واحداً أحداً صمداً قيوماً أبداً ، لم يتخذ صاحبة ولا   ولداً ، ولم يشرك في حكمه أحداً . وأشهد أنك يا محمد عبده ورسوله ، أرسلك بالهدى ودين الحق ليظهرك على الدين كله ولو كره المشركين . وأشهد أن على بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أخوك ووصيك ، وخليفتك في أمتك وخير من تركته على الخلايق بعدك ، إن من والاه فقد والاك ، ومن عاداه فقد عاداك ،ومن أطاعه فقد أطاعك ، ومن عصاه فقد عصاك " ([167]).

      وتستمر القصة لتبين أن البساط تحرك وأوقع من عليه ، وأنه نطق ثانياً ليبين أن الله تعالى أنطقه ليشهد هذه الشهادة ، وأنه لا يجلس عليه إلا المؤمنون . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسلمان والمقداد وأبى ذر وعمار : قوموا فاجلسوا عليه ، فإنكم بجميع ما شهد به هذا البساط مؤمنون ، فجلسوا عليه . وبمثل هذا شهد السوط ، ثم الحمار ، ثم قال : فلما انصرف القوم من عند رسول الله ولم يؤمنوا أنزل الله يا محمد : ] إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ      [  الآية ([168]) .

قصص خرافية :

      وفى الحديث عن قوله تعالى : ] خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ [    الآية 7 : البقرة " قصص خرافية عن على : كسائل طلب منه مساعدته لقضاء دينه فنادته الملائكة من السماء ليخبر السائل بأن يضع يده على ما يشاء لتكون ذهباً ، ففعل وقضى دينه، وبقى له كذا وكذا إلخ ([169]) .

يوم الغدير ومابعده :

      وفى تفسير : ] وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ [  "8 : البقرة " يقول : قال الإمام : قال العالم موسى بن جعفر : "إن رسول الله لما أوقف أمير المؤمنين في يوم الغدير موقفه المشهور " وذكر صاحب التفسير هنا أخذ البيعة من الصحابة وأولهم أبو بكر وبعده عمر ، ثم قال : "ثم إن قوماً من متمرديهم وجبابرتهم تواطئوا بينهم لئن كانت لمحمد كائنة ليدفعن هذا الأمر من على ، ولا يتركونه له ، فعرف الله ذلك من قبلهم ، وكانوا يأتون رسول الله ويقولون : لقد أقمت علينا أحب خلق الله إلى الله وإليك وإلينا ، فكفيتنا به مؤنة الظلمة لنا والجبارين في سياستنا ، وعلم الله من قلوبهم خلاف ذلك من مواطأة بعضهم لبعض، أنهم على العداوة مقيمون ، ولدفع الأمر عن مستحقه مؤثرون ، فأخبر الله ـ عز وجل ـ محمداً  عنهم فقال : يا محمد ، ومن الناس من يقول آمنا بالله الذي أمرك بنصب على إماماً وسايساً لأمتك ومدبراً ،وماهم بمؤمنين بذلك ، ولكنهم تواطئوا على إهلاكك وإهلاكه ، يوطنون أنفسهم على التمرد على علىّ إن كانت بك كائنة " ([170]) .

اتهام الشيخين والصحابة بالنفاق والكذب والكفر !!

      ثم يستمر الكتاب بعد ذلك في جعل الآيات متصلة ببيعة الصحابة للإمام على،واتهام الصحابة الأكرمين ـ وفى مقدمتهم الصديق والفاروق ـ بالنفاق والكذب والكفر !! فعند الحديث عن قوله تعالى : ]  يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ     [  " 9 : البقرة " يقول : " قال الإمام : قال موسى بن جعفر : لما اتصل ذلك من مواطأتهم ، وقيلهم في على ، وسوء تدبيرهم عليه ، برسول الله فدعاهم وعاقبهم ، فاجتهدوا في الإيمان ، وقال أولهم : يا رسول الله ، والله ما اعتددت بشىء كاعتدادى بهذه البيعة ، ولقد رجوت أن يفتح الله بها لي في قصور الجنان ، ويجعلنى فيها من أفضل النزال والسكان . وقال ثانيهم : بأبى أنت وأمى يا رسول الله ، ما وثقت بدخول الجنة والنجاة من النار إلا بهذه البيعة ، والله ما يسرنى أن نقضتها أو نكثت بعد ما أعطيت من نفسى ما أعطيت ، وأن لي طلاع ما بين الثرى إلى العرش . وقال ثالثهم : يا رسول الله ، لقد صرت من الفرح والسرور بهذه البيعة والفتح من الآمال في رضوان الله ، وأيقنت أنه لو كانت ذنوب أهل الأرض كلها على لمحصت عنى بهذه البيعة . ثم تتابع بمثل هذا الاعتذار من بعدهم من الجبابرة والمتمردين . فقال الله عزوجل لمحمد : يخادعون الله : يعنى يخادعون رسول الله بائتمان خلاف ما في جوانحهم ، والذين آمنوا كذلك أيضاً ، الذين سيدهم وفاضلهم على بن أبى طالب . ثم قال : وما يخادعون ما يضرون من تلك الخديعة إلا أنفسهم ، فإن الله غنى عنهم وعن نصرتهم ، ولولا إمهاله لهم لما قدروا على شئ من فجورهم وطغيانهم ، وما يشعرون أن الأمر كذلك ، وأن الله يطلع نبيه على نفاقهم وكذبهم وكفرهم ، ويأمره بلعنهم في لعنة الظالمين الناكثين ، وذلك اللعن لا يفارقهم في الدنيا ، ويلعنهم خيار عباد الله ، وفى الآخرة يبتلون بشدائد عقاب الله " ([171]) .

زعمه بأن الصحابة لا يؤمنون بأى دين !!

      وهو يرى بأن هؤلاء الصحابة ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ لا يؤمنون بأى دين !! فمثلاً عند الحديث عن قوله تعالى : ]  وَإِذَا قيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ   [  " 11 - 12 البقرة " يقول : " قال العالم موسى بن جعفر : إذا قيل لهؤلاء الناكثين للبيعة في يوم الغدير، لا تفسدوا في الأرض بإظهار نكث البيعة بعباد الله المستضعفين ، فتشوشون عليهم دينهم ، وتحيرونهم في مذاهبهم ، قالوا : إنما نحن مصلحون ، لأنا لا نعتقد دين محمد ولا غير دين محمد إلخ ([172]) .

دعوة موسى لولاية على !!

      والكتاب كله تقريباً يدور حول الإمامة وما يتصل بها ، وكأن القرآن الكريم ما نزل إلا لدعوة الناس إلى إمامة الإمام على !

      ثم إن هذه الدعوة ليست قاصرة على أمة محمد ـ صلوات الله عليه ـ فعند قوله تعالى : ] وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[    " 53 : البقرة " يقول : " لما أكرمهم الله بالكتاب والإيمان به والانقياد له ، أوحى الله بعد ذلك إلى موسى يا موسى : تأخذ على بنى إسرائيل أن محمداً خير النبيين وسيد المرسلين، وأن أخاه ووصيه علياً خير الوصيين ، لعلكم تهتدون : أي لعلكم تعلمون أن الذي شرف العبد عند الله ـ عزوجل ـ هو اعتقاد الولاية كما شرف به  أسلافكم " ([173]) .

قصص خرافية تصلح للأطفال :

      والكتاب لا يكتفى بهذا الضلال في تحريف القرآن الكريم ليتفق مع هواه وغيه، وإنما يذكر من الخرافات ما يذكرنا بالقصص الخرافية للأطفال ! فمثلاً عندما يتحدث عن سبب نزول قوله تعالى : ]  في قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ     [  " 10 : البقرة " يقول : " قال الإمام : قال موسى بن جعفر : إن رسول الله لما اعتذر هؤلاء المنافقون إليه بما اعتذروا ، وتكرم عليهم بأن قبل ظواهرهم ، ووكل بواطنهم إلى ربهم ، لكن جبريل أتاه فقال: يا محمد ، إن العلى الأعلى يقرئك السلام ويقول : أخرج بهؤلاء المردة الذين اتصل بك عنهم في على نكثهم لبيعته ، وتوطيهم نفوسهم على مخالفتهم علياً ، ليظهر من عجايب ما أكرمه الله به من طواعية الأرض والجبال والسماء له ، وسائر ما خلق الله ، لما أوقفه موقفك وأقامه مقامك ، ليعلموا أن ولى الله علياً غنى عنهم ، وأنه لا يكف عنهم انتقامه منهم إلا بأمر الله الذي له فيه وفيهم التدبير الذي هو بالغه " ([174]).

       وذكر أنه خرج صلى الله عليه وسلم ، وهؤلاء وعلى ، حيث استقر عند سفح بعض جبال المدينة ، فسأل ربه فانقلبت ذهباً ، ثم فضة ، ثم انقلبت الأشجار إلى رجال شاكى السلاح ، وأسود ونمور وثعابين ، وكلها ناجت وصى رسول الله بأنها تحت أمره إلخ . فمرضت قلوب القوم لما شاهدوا من ذلك . مضافاً إلى ما كان من مرض حسدهم لعلى بن أبى طالب ، فقال الله عند ذلك :

]  فِي قلُوبِهِم مَّرَضٌ   [ الآية ([175]) .

معجزات الإمام علي :

      وعند تفسير قوله تعالى : ]  وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [ " 23 : البقرة " يتحدث عن المعنى ـ وهو متصل بالولاية كسائر الآيات ـ ثم يتحدث عن معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومعجزات الإمام على ، ومن هذه المعجزات التي ذكرها :

      الغمامة التي أظلت الرسول الكريم في تجارته للشام ، وكان مكتوباً عليها " لا إله إلا الله محمد رسول الله ، أيدته بعلى سيد الوصيين ، وشرفته بأصحابه الموالين له ولعلى ولأوليائهما ، والمعادين لأعدائهما " ([176]) .

      ومنها : تسليم الجبال والصخور والأحجار على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتبشيره بوصيه وباب مدينة علمه على بن أبى طالب ([177]) .

      ومنها : أن شجرتين تلاصقتا ليقضى الرسول حاجته ، وأن نظير هذا كان لعلى بن أبى طالب لما رجع من صفين ، حيث تلاصقت شجرتان كان بينهما أكثر من فرسخ ([178]) .

صكوك الغفران :

      وحتى يغرر بضعاف العقول ، وجهلة القوم ، ليؤمنوا بهذه الخرافات ، ويسيروا في ظلمات هذا الضلال ، يصدر صكوك الغفران ! وقد بين أن جهنم اعدت للكافرين بولاية على ، المنافقين في اظهار الرضا عن البيعة كما أشرنا من قبل . ثم يتعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون للصك قيمته حتى يمكن التأثير على هذا الصنف من الناس . اقرأ مثلاً ما كتب عن قوله تعـــالى :

] أُوْلَـئِكَ الذِينَ اشْتَرُوُاْ الضلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ    [          " 16 : البقرة " ، فإنك تجد الحديث عن البيعة ، والافتراء على الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه قال : " أما إن من شيعة على لمن يأتى يوم القيامة وقد وضع له في كفة ميزانه من الآثام ما هو أعظم من الجبال الرواسى ، والبحار الثبار ، يقول الخلائق : هلك هذا العبد ، فلا يشكون أنه من الهالكين ، وفى عذاب الله من الخالدين . فيأتيه         النداء من قبل الله عزوجل : يأيها العبد الخاطى الخانى هذه الذنوب الموبقات ، فهل بإذائها حسنات تكافيها فتدخل جنة الله برحمة الله ، أو تزيد عليها فتدخلها بوعد الله؟ يقول العبد : لا أدرى ، فيقول منادى ربنا عزوجل : فإن ربى يقول ناد إلى عرضات القيامة : ألا إني فلان بن فلان ، من أهل بلد كذا وكذا ، وقرية كذا وكذا، قد رهنت بسيئات كأمثال الجبال والبحار ، ولا حسنات لي بإزائها ، فأى أهل هذا المكان لي عنده يد أو عارفة فينعتنى بمجازاتى عنها ، فهذا أوان أشد حاجتى إليها . فينادى الرجل بذلك ، فأول من يجيبه على بن أبى طالب : لبيك لبيك ، أيها الممتحن في محبتى ، المظلوم بعداوتى ، ثم يأتى هو ومعه عدد كثير وجمع غفير ، وإن كانوا أقل عدداً من خصمائه الذين لهم قبله الظلامات ،فيقول ذلك العدد : يا أمير المؤمنين ، نحن إخوانه المؤمنون ، كان بنا باراً ولنا مكرماً ، وفى معاشرته إيانا مع كثرة إحسانه إلينا متواضعاً ، وقد بذلنا له جميع طاعاتنا ، وبذلناها له . فيقول على : فبماذا تدخلون جنة ربكم ؟ فيقولون : برحمته الواسعة التي لا يعدمها من والاك يا أخا رسول الله ، فيأتى النداء من قبل الله عزوجل : يا أخا رسول الله ، هؤلاء إخوانه المؤمنون قد بذلوا له ، فأنت ماذا تبذل له ؟ فإنى أنا الحاكم ما بينى وبينه من الذنوب ، قد غفرتها له بموالاته إياك ، وما بينه وبين عبادى من الظلامات فلابد من فصل الحكم بينه وبينهم . فيقول على : يا رب أفعل ما تأمرنى . فيقول الله عزوجل : يا على ، اضمن لخصمائه تعويضهم عن ظلاماتهم قبله ، فيضمن لهم على ذلك ، ويقول لهم : اقترحوا على ما شئتم اعطيكموه عوضاً عن ظلاماتكم قبله . فيقولون : يا أخا رسول الله تجعل لنا ثواب نفس من أنفاسك ليلة بيوتك على فراش محمد رسول الله . فيقول على : قد وهبت ذلك لكم . فيقول الله عزوجل : فانظروا يا عبادى الآن إلى ما نلتموه من على بن أبى طالب فدى لصاحبه من ظلاماته ، ويظهر لكم ثواب نفس واحد في الجنان من عجايب قصورها وخيراتها : ثم قال رسول الله : أذلك خير نزلاً أم شجرة الزقوم المعدة لمخالفى أخى ووصيي على بن أبى طالب " ([179]) .

      بعد هذا العرض أظن أن القارئ قد تأكد بنفسه مما قلته من أن هذا الكتاب ليس تفسيراً بالمعنى الصحيح ، وإنما هو كتاب من كتب الفرق الضالة التي رزئ بها الإسلام ، وأنه أثر من آثار الغلو في عقيدة الإمامة .

لمن هذا الكتاب ؟

       يبقى هنا أن نتساءل : لمن هذا الكتاب ؟ أهو فعلاً للإمام الحسن العسكرى ؟ أظن لا ، بل أكاد أقطع بهذا ؛ فهذا الرجل الطاهر الصالح ليس كافراً وليس ضالاً ، وإنما كفر وضل أولئك الذين غالوا فيه ، وفى آبائه الكرام البررة .

      ومن الشيعة أنفسهم من يرى عدم صحة نسبة الكتاب للإمام ، ويطعن في السند ، ويرى أنه مشتمل على المناكير . وأشار إلى هذا صاحب كتاب الذريعة عند حديثه عن هذا التفسير ، غير أنه أطال في محاولة إثبات أن هذا الكتاب من إملاء الإمام ، وسود بهذا تسع صفحات في الجزء الرابع " ص 285 : 293 " ، وقال عن المناكير التي ذكرنا شيئاً منها : ليس فيه إلا بعض غرائب المعجزات مما لا يوجد في غيره !

      والكتب التي اطلعت عليها لغير غلاة الشيعة لا تشير إلى هذا التفسير ، ولا تنقل عنه ، فلو كان عندهم كتاب إمام يرونه القرآن الناطق ، لالتزموا بما جاء فيه. ولكن هذا في رأيي لا يكفى ، فكان الواجب الإشارة إلى الكتاب وما به من كفر وضلال .

      ويبقى أن بعض شيعة الأمس واليوم من المتطرفين الغلاة يعتقدون صحة نسبة هذا التفسير للإمام العسكرى ، وبعض مفسريهم نقله كاملاً .

*****

الكتاب الثاني

تفسير القمي

منزلة الكتاب وصاحبه عند الشيعة :

      ثانى هذه الكتب الثلاثة تفسير القمي : لأبى الحسن على بن إبراهيم بن هاشم القمي ، وهو يشمل القرآن الكريم كله  . وصاحب الكتاب ([180]) كان في عصر الإمام العسكرى ، وعاش إلى سنة 307 ، وهو ثقة عند الشيعة ، يعتبر من أجل الرواة عندهم ، وقد أكثر من النقل عنه تلميذه محمد بن يعقوب الكلينى في كتابه الكافى ، الكتاب الأول في الحديث عند الجعفرية الاثنى عشرية .

      وقال آقابزرك الطهرانى ـ صاحب الذريعة ـ عن الكتاب بأنه أثر نفيس وسفر خالد مأثور عن الإمامين أبى جعفر الباقر وأبى عبد الله الصادق ([181]) .

      وقال السيد طيب الموسوى الجزائرى في مقدمته عنه ([182]) بأنه " تحفة عصرية، ونخبة أثرية لأنها مشتملة على خصائص شتى قلما تجدها في غيرها ، فمنها :

      1 - أن هذا التفسير أصل أصوله للتفاسير الكثيرة .

      2 - أن رواياته مروية عن الصادقين عليهما السلام مع قلة الوسائط والإسناد، ولهذا قال في الذريعة : " إنه في الحقيقة تفسير الصادقين عليهما       السلام ".

      3 - مؤلفه كان في زمن الإمام العسكرى .

      4 - أبوه الذي روى هذه الأخبار لابنه كان صحابياً للإمام الرضا .

      5 - أن فيه علماً جماً من فضائل أهل البيت عليهم السلام التي سعى أعداؤهم لإخراجها من القرآن .

      6 - أنه متكفل لبيان كثير من الآيات القرآنية التي لم يفهم مرادها تماماً إلا بمعونة إرشاد أهل البيت التالين للقرآن ([183]) .

      وبادئ ذى بدء أحب أن أسجل الدهشة والعجب ! فكيف يحتل الكتاب وصاحبه هذه المكانة عند إخواننا الجعفرية وهو من أوائل الغلاة الضالين الذين قادوا حركة القول بتحريف القرآن الكريم ؟ !

      ونقلنا هذا من قبل ، ونقلنا كذلك ما ذكره الجزائرى في مقدمته للكتاب من ذهاب القمي  إلى القول بتحريف القرآن الكريم ودفاع الجزائرى عنه وعن هذا التحريف ([184]) !!

       والقمى في مقدمته لتفسيره يذكر هذا الذي يذهب إليه ، ويضرب له أمثلة ببعض آيات يرى أنها محرفة ([185]) ، والكتاب كله بعد ذلك مملوء بالضلال المضل من ذكر التحريف ، والجدل لتخطئة بعض آيات الله تعالى ، أو الزعم بفساد الترتيب والنظم  ([186]) .

مظاهر الغلو والضلال

      أثر عقيدة الإمامة في الكتاب يظهر فيما يأتى :

أولاً : القول بتحريف القرآن الكريم :

      ما ذكرناه آنفاً من القول بالتحريف ، وبينا من قبل أن عقيدة أولئك الغلاة هي التي دفعتهم إلى ما ذهبوا إليه ([187]) ونزيد ذلك بياناً بقليل من الأمثلة التي ما أكثرها في هذا التفسير!!

      نسب للإمام ابى جعفر أنه قال : ]وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ يا على  فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًاً[  هكذا نزلت .            ثم قال : ] فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فــيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ    [  ([188]).

      وفى سورة الزخرف قال تعالى : ] وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ [ ([189]) . وواضح ان الآيات تتحدث عن المسيح  ، ولكنه يذكر الآية الأخيرة هكذا " إن على إلا عبد " ثم يقول : " فمحى اسمه من هذا الموضع " ([190]) .

      وفى سورة محمد يروى أن اسم على أسقط في موضعين ذكرهما في كتابه([191]).

ثانياً : الطعن في الصحابة :

      نتيجة لما ذكرته من التلازم بين القول بالتحريف والطعن في خير أمة أخرجت للناس صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تحملوا معه أعباء الرسالة ونشرها ، والدفاع عنها والتضحية من أجلها بالنفس والأهل والمال والوطن ، نتيجة هذا التلازم نرى القمي يقدم على هذا الجرم ، فيطعن في الصحابة الأكرمين ، ويتهمهم بالكفر والنفاق والإشراك ليصل إلى القول بالتحريف ، وإسقاط أسماء الأئمة ، واغتصاب الخلافة ! ولنذكر بعض الأمثلة :

      في سورة المائدة " الآية السابعة " : ] وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ    [  يقول القمي : " لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الميثاق عليهم بالولايه قالوا سمعنا وأطعنا ، ثم نقضوا ميثاقهم " .

      ثم يقول عن قوله تعالى : ]  فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ  [([192]) يعنى نقض عهد أمير المؤمنين ([193]) .

      وسورة القصص :  ]  طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ   [ ([194]) وهذه الآيات الكريمة بالنص تتحدث عن موسى وفرعون ] نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ   [  ولكن القمي يقول عن فرعون وهامان وجنودهما : " هم الذين غصبوا آل محمد حقهم وقوله " منهم " أي من آل محمد " ما كانوا يحذرون " أي من القتل والعذاب ، ولو كانت هذه الآية . نزلت في موسى وفرعون لقال : ونرى فرعون وهامان وجنودهما منه ما كانوا يحذرون أي من موسى ، ولم يقل منهم " ([195]) .

      وفى سورة الزمر : ]   وَقَالَ لَهــمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ  [ ([196]) يقول : " أي طابت مواليدكم لأنه لا يدخل الجنة إلا طيب المولد : قال أمير المؤمنين : إن فلاناً وفلاناً غصبوا حقنا واشتروا به الإماء ، وتزوجوا به النساء ، ألا وإن قد جعلنا شيعتنا من ذلك في حل لتطيب مواليدهم " ([197]) .

      وفى سورة الزخرف يقول : نزلت هاتان الآيتان هكذا قول الله تعـإلى :

] حَتَّى إِذَا جَاءنَا   [  - يعنى فلاناً وفلاناً ـ  يقول أحدهما لصاحبه  حين يراه -  ]   يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ [  فقال الله لنبيه : قل لفلان وفلان واتباعهما ] وَلَن  يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ  آل محمد حقهم  أَنَّكــمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ [  ثم قال الله لنبيه: ] أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ[، ] فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ [  يعنى من فلان وفلان ، ثم أوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم :  ] فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ  في على إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [  يعنى إنك على ولاية على ، وعلى هو الصراط المستقيم([198]) .

          وسورة محمد كلها تقريباً تدور حول الطعن والتحريف فأولها :  ] الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعمَالَهُمْ  [  يقول القمي : " نزلت في الذين ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وغصبوا أهل بيته حقهم ، وصدوا عن أمير المؤمنين وعن ولاية الأئمة ، أضل أعمالهم : أي أبطل ما كان تقدم منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجهاد والنصرة " ([199]) .

      ثم يقول :  ] وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ في على  وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ [، هكذا نزلت . " ثم يقول : نزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم بهذه الآية هكذا  ] وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ في على  فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ   [  .([200])                      وهكذا يستمر في ضلاله .

      وسورة الرحمن كلها تقريباً تسير على هذا النمط ، وإن ركز فيها على اتهام الشيخين بالكفر ودخول النار ([201]) .

      هذه نماذج كافية لبيان ما أردنا حتى لا يطول بنا الحديث ، نذكره مضطرين، ونسأله تعالى أن  يحفظ العقل والدين .

ثالثاً : جعل الأئمة هم المراد من كلمات الله :

      إلى جانب التحريف نجده يؤول كلمات بأن المراد منها الأئمة ـ كلهم أو بعضهم ـ مع أنه لا ذكر لهم ولا إشارة إليهم من قريب أو بعيد في تلك المواضع ، بل إن بعضها مختص بالله تعالى :

   كقوله تعالى في سورة الزمر " الآية 69 " : ] وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا[ أي بنور الله عزوجل ، ولكن الكتاب يقول : " قال أبو عبد الله : رب الأرض يعنى إمام الآرض ، فقلت فإذا خرج يكون ماذا ؟ قال : إذاً يستغنى الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ، ويجتزون بنور الإمام ! " ([202]) .

      وقوله تعالى في سورة الرعد " الآية 28 " : ] الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ [   يقول القمي : " الذين آمنوا : الشيعة ، وذكر الله : أمير المؤمنين والأئمة " ( 1 / 365 ) .

      وفى موضع آخر يفسر الذكر بولاية على في قوله تعالى : ] الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي   [  ( 2 / 47 ، والآية هي 101 : الكهف ) .

      ويفسر الشرك بأنه " من أشرك بولاية على " في قوله تعالى في سورة الشورى " الآية 13 " : ]   كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ   [  ولذا  يفسر " ما تدعوهم إليه " بقوله " من ولاية على " ( 2 / 105 ) .

      وفى آخر الرحمن ] تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجـلَالِ وَالْإِكْرَامِ    [  يروى عن أئمته " نحن جلال الله وكرامته " ( 2 / 346 ) .

      وبعض الآيات تختص بالقرآن الكريم كمفتتح سورة البقرة ] ألم . ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ    [  ، فيقول القمي بأن المراد بالكتاب هنا على بن أبى طالب ! ( 1 / 30 ) .

      وفى سورة يونس ( الآية 15 ) ]   ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ  [  يقول القمي : " أو بدله " يعنى أمير المؤمنين على بن أبى طالب ،  ]قلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ[    يعنى في على بن أبى طالب . ( 1 / 310 ) .

      وفيها أيضاً ( الآية 64 ) ]  لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ [  فيقول : " أي لا يغير الإمامة " ( 1 / 314 ) .

      وقوله تعالى في سورة الإسراء ( الآية 73 ) : ] وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ     [  قال القمي : " يعنى  أمير المؤمنين " ( 2 / 24 ) .

      وفى سورة الحج ( الآية 55 ) : ] وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ     [  أي من القرآن الكريم ، فيقول القمي : " أي في شك من أمير المؤمنين " .

      ويقول كذلك عن ( الآية 57 ) ‌‌‌‌‌‌] وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا [ بأن معناها    " ولم يؤمنوا بولاية أمير المؤمنين والأئمة " ([203]) .

      وفى سورة الطور ( الآية 33 ) : ‌‌‌‌‌‌] أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ [  يتحدث عنها القمي فيقول : أم يقولون ـ يا محمد تقوله : يعنى أمير المؤمنين ، بل لا يؤمنون أنه لم يتقوله ولم يقمه برأيه ، ثم قال : فليأتوا بحديث مثله : أي برجل مثله من عند الله ([204]) .

      وقد رأينا من قبل أن آيات كريمة خاصة بالرسول وبالمسيح صلوات الله عليهما ، حرفها القمي ليجعلها للإمام على .

      وهناك كذلك ما هو متصل بيوم القيامة فجعل للإمام ، جاء في تفسيره ( 2 / 112 ) ما يأتى : " إن الليل والنهار اثنتا عشرة ساعة ، وإن على بن أبى طالب ، أشرف ساعة  من اثنتى عشرة ساعة ، وهو قول الله تعـــالى ([205]) : ] بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا [  .

      وهو لا يكتفى بهذا ، وإنما يحاول أن يجعل الإمام هو المراد من كثير من آيات الله تعالى دون نظر إلى ما هو مختص بالله تعالى ورسله وكتبه واليوم الآخر كما رأينا ، وما هو مختص بالحيوان أو الجماد حتى يكاد يحط من قدر الإمام وهو يحاول أن يرفعه ! انظر مثلاً إلى قوله تعالى : ] إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [ ([206]) ، فإنك تعجب وقد حاول القمي من قبل أن يرفع الإمام على إلى مرتبة الألوهية ، ينزل به هنا إلى مرتبة الحشرات الضارة حيث يجعله المراد من كلمة " بعوضة " ([207]) .

      بعد هذا لا يستبعد منه أن يجعل الإمام المراد من أي آية يظن أنها تدل على الاهتمام والرفع من قيمة الإمام . ويوضح الجزائرى في مقدمته للكتاب سر هذا التأويل فيقول : " الله تعالى كان عالماً بأعمال أمة نبيه صلى الله عليه وسلم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، بأنهم يلعبون بالدين ، ويهتكون بنواميس حماته في كل حين فحينئذ لم يؤمن منهم أن لا يبقوا أسامى الأئمة أو فضائلهم في القرآن ، فلذا لم يكن بد إلا أن يبينها الله تعالى بالكناية والاستعارة كما هو دأب القرآن وأسلوبه في أكثر آياته ، فإن له ظاهراً يتعلق بشىء وباطناً بشىء آخر " ([208]) .

      ثم يقول : " ومن هنا قال أبو جعفر : إن القرآن نزل أثلاثاً : ثلث فينا وفى أحبائنا ، وثلث في أعدائنا وعدو من كان قبلنا ، وثلث سنة ومثل " ([209]) .

      ثم عقب على هذا بقوله : " فانكشف مما ذكرنا أن كل ما ورد في القرآن من المدح كناية وصراحة فهو راجع إلى محمد وآله الطاهرين ، وكل ما ورد فيه من القدح كذلك فهو لأعدائهم أجمعين ، السابقين منهم واللاحقين ، ويحمل عليه جميع الآيات من هذا القبيل وإن كان خلافاً للظاهر " ([210]) .

      فهذا التأويل الفاسد إذن نتيجة للقول بالتحريف ، والطعن في الصحابة الكرام.

رابعا : ما يتصل بعقيدة الإمامة

1 ـ الرجعة :

      القمي يرى أشياء تتصل بعقيدته في الإمامة ، ولذا يضمنها تفسيره .فهو مثلا يؤمن بالرجعة ، أي رجعة الأئمة قبل يوم القيامة ، ورجعة من غصبوهم حقهم ـ على حد زعمه ـ ليقتص الأئمة من أعدائهم . وعلى هذا جعل من الأمور الأساسية التي اشتمل عليها القرآن الكريم الرد على من أنكروا الرجعة .

       واستدل بقوله تعالى : ] وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا  [  فقال : " أيحشر الله في القيامة من كل أمة فوجاً ويدع الباقين " ؟ ثم قال : ومثله كثير نذكره في مواضعه ([211]) .

 ومن هذا الذي ذكره قوله تعالى ] إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ [ ([212]) . قال : يعنى الرجعة . يرجع إليكم نبيكم صلى الله عليه وسلم وأمير المؤمنين والأئمة  ([213]) .

      وفى سورة " ق " ( الآية 41 ) يقول :  ] وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمــنَادِ  [   باسم القائم واسم أبيه .. والصيحة ـ صيحة القائم من السماء ..والخروج الرجعة ([214]) .

      وفى سورة النحل ( الآية 22 )  ]   فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ   [  قال القمي : يعنى أنهم لا يؤمنون بالرجعة أنها حق ] قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ [     يعنى أنها كافرة      ] وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ   [  يعنى أنهم عن ولاية على مستكبرون ([215]) .

 ويستمر في تفسيره للسورة الكريمة فيقول : ] فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ   [  من العذاب في الرجعة ..  ] وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ   [  قال القمي : الكفار كانوا لا يحلفون بالله ، وإنما أنزلت في قوم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم قيل لهم ترجعون بعد الموت قبل القيامة فحلفوا أنهم لا يرجعون ([216]) .

2 ـ نزول الوحى على الأئمة :

      والقمى ممن ذهب إلى أن الوحى لم ينقطع بانتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى ، لأن الإمام يقوم مقامه ! فعند تفسيره لسورة القدر يقول : معنى ليلة القدر أن الله يقدر فيها الآجال والأرزاق ، وكل ما يحدث من موت أو حياة ، أو خصب أو جدب ، أو خير أو شر ، كما قال الله فيها ] فِيهَا يُفــرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ    [  إلى سنة .

      وقال تعالى : ] تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا  [   تنزل الملائكة وروح القدس على إمام الزمان ، ويدفعون إليه ما قد كتبوه من هذه الأمور([217]) .

      ونسب للإمام أبى جعفر أنه سئل : " تعرفون ليلة القدر ؟ فقال : وكيف لا نعرف ليلة القدر والملائكة يطوفون بنا فيها " ([218]) .

3 ـ الأئمة يعلمون الغيب :

   وهـو يرى أن الأئمة يعلمون الغيب ، ولهذا نراه عند تفسير قوله  تعالى :  ] عَالِمُ الْغَيـبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ [([219]) . يقول : يعنى علياً المرتضى من الرسول صلى الله عليه وسلم وهو منه ([220]) .

      فعلم الغيب ليس خاصاً بالله تعالى والمصطفين من الرسل الكرام ، وإنما هوـ حسب افترائه ـ خاص بالإمام على مع الله عز وجل !

      وحتى يظهر أن علم الأئمة يحيط بكل شىء يأتى بأشياء لا سبيل إلى العلم بها في ذلك الوقت ، وإن اكتشف بعضها في عصر الكشوف العلمية للكون ومظاهره .

      وإذا كان كثير من الكشف العلمى يأتى بوجوه جديدة من وجوه الإعجاز القرآنى ، ويستحيل التناقض بين نظرية علمية صحيحة وبين القرآن الكريم ، إلا أن هذه الكشوف كشفت عن كذب القمي ومفترياته .

      فهو ينسب للإمام على أنه قال : " الأرض مسيرة خمسمائة عام ، والشمس ستون فرسخاً في ستين فرسخاً ، والقمر أربعون فرسخاً في أربعين فرسخاً ، بطونهما يضيئان لأهل السماء ، وظهورهما يضيئان لأهل الأرض ، والكواكب كأعظم جبل على الأرض " ([221]) !

      ويزعم أن الإمام على بن الحسين بين علة كسوف الشمسين بوجود بحر بين السماء والأرض ، إذا كثرت ذنوب العباد ، وأراد الله أن يستعتبهم بآية ، أمر الملائكة الموكلين فجعلوا الشمس أو القمر في ذاك البحر ([222]) .

      وفى موضع آخر ينسب للأئمة أن الأرض على الحوت ، والحوت على الماء، والماء على الصخرة ، والصخرة على قرن ثور أملس ، والثور على   الثرى ([223]).

      وفى أول سورة الشورى ] حم عسق  [  يقول : " قاف جبل محيط بالدنيا من زمرد أخضر ، فخضرة السماء من ذلك الجبل " ([224]) .

4 ـ نفى العلم عمن اشتهروا به من غيرهم :

      والقمى لا يكتفى بمثل هذه المفتريات ليبين إحاطة الأئمة بكل شىء علماً ، ولكن تحدث عن غيرهم ممن لهم مكانتهم العلمية لينفى عنهم ما اشتهروا به من العلم ، حتى لا يبقى في المجال العلمى إلا أئمة الجعفرية !

       فمثلا ابن عباس اشتهر بأنه حبر الأمة وترجمان القرآن ، انظر إلى هذا القمي وهو يتحدث عن ابن عباس ، بل عن أبيه عم الرسول صلى الله عليه وسلم  :

      نسب للإمام أبى جعفر الباقر أنه قال : جاء رجل إلى أبى على بن الحسين فقال : إن ابن عباس يزعم أنه يعلم كل آية نزلت في القرآن في أي يوم نزلت ، وفيمن نزلت ، فقال أبى : سله فيمن نزلت ، ] وَمَن كَانَ فِي هـــذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً  [  ([225]) وفيمن نزلت : ] وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ  [ ([226]) وتستمر الرواية لتذكر بأن الرجل ذهب إلى ابن عباس فسأله ، فلم يجبه ، بل أورد أسئلة أخرى ، فبين الإمام سبب   النزول بقوله : بأن الآية الأولى نزلت في ابن عباس وفى أبيه ،  والثانية نزلت في أبيه ([227])! !

5 ـ أحكامهم الفقهية كالمتعة والخمس :

      ثم لا ينسى القمي ما ارتبط بعقيدته من الأحكام الفقهية ، فيعرضها بطريقة يأباها كتاب الله تعالى ، ففى سورة مريم " الآية 83 " : ] أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا    [  قال : نزلت في مانعى الخمس والزكاة ([228]).

      وفى سورة ق " الآية 26 " : ] الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ   [  قال : "هو ما قالوا نحن كافرون بمن جعل لكم الإمامة والخمس " ([229]) .

      وفى سورة النساء يحرف الآية الرابعة والعشرين فيقول ]   فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ  إلى أجل مسمى  فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً [  ويعقب بقوله : فهذه الآية دليل على المتعة ([230]) .

خامساً : أسباب النزول :

      في ذكر القمي لأسباب النزول نرى أثر الإمامة واضحاً ، ولنضرب بعض الأمثلة :

1 ـ تحالف الصحابة مع إبليس :

      في سورة سبأ " الآية 20 " ] وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ    [  قال : لما أمر الله نبيه أن ينصب أمير المؤمنين للناس في قوله ]  يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ  في على   [  ([231])  بغدير خم فقال : " من كنت مولاه فعلى مولاه " ، فجاءت الأبالسة إلى إبليس الأكبر ، وحثوا التراب على رءوسهم ، فقال لهم إبليس : ما لكم؟ فقالوا : إن هذا الرجل قد عقد اليوم عقدة لا يحلها شىء إلى يوم القيامة . فقال لهم إبليس : كلا ، إن الذين حوله قد وعدونى فيه عدة لن يخلفونى ، فأنزل الله على رسوله ] وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ[  الآية ([232]) .

2 ـ البيعة يوم الغدير :

      وعن البيعة أيضاً عند قوله تعالى : ] فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى [  ([233]) يقول : كان سبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى بيعة علىّ يوم غدير خم ، فلما بلغ الناس وأخبرهم في على ما أراد الله أن يخبره ، رجعوا الناس فاتكأ معاوية على المغيرة بن شعبة وأبى موسى الأشعرى ، ثم أقبل يتمطى نحو أهله ويقول : ما نقر لعلى بالولاية أبداً ، ولا نصدق محمداً مقالته .. فصعد رسول الله المنبر وهو يريد البراءة منه ، فأنزل الله ] لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ    [  ([234]) فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمه ([235]) .

3 ـ مصير من غصبوا الولاية :

    وفى قوله تعالى : ] يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ   [ ([236])، قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله الذين غصبوا آل محمد حقهم ، فيعرض عليهم أعمالهم ، فيحلفون به أنهم لم يعملوا فيها شيئاً كما حلفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا أن لا يردوا الولاية في بنى هاشم ، وحين هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة !! فلما أطلع الله نبيه وأخبره ، حلفوا له أنهم لم يقولوا ذلك ، ولم يهموا به ، حتى أنزل الله على رسوله ([237]) : ]  يحلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ    [  ([238]) .

4 ـ القائم يطالب بدم الحسين :

      وفى سورة الحج ( الآية : 39 ) : ] أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ   [  .. قال : إن العامة ـ أي جمهور المسلمين ـ يقولون نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخرجته قريش من مكة ، وإنما هي للقائم إذا خرج يطلب بدم الحسين ([239]) .

      ولا يقتصر أثر عقيدة الإمامة ـ على مثل ما سبق مما يتصل بالإمامة والأئمة ، وإنما يتعداه إلى اتهام غيرهم ، ومحاولة سلب فضائلهم ، ولنذكر لهذا المثل التالى :

5 ـ حادث الإفك اتهام لأم المؤمنين لا تبرئة إلهية لها !!

      حادث الإفك معروف مشهور ، ونزل القرآن الكريم بتبرئة أم المؤمنين السيدة عائشة ، فعز على القمي أن يبرئ الله تعالى صلحبه الجمل ،  وابنة أبى بكر أول من اغتصب الخلافة في رأيه ! ولهذا قام القمي بإفك جديد ، فجعل من الحديث عن الإفك اتهاماً للسيدة عائشة لا تبرئة لها !! فعند قوله تعـــالى :                ] إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ    [  ([240]) الآية  قال : فإن العامة رووا أنها نزلت في عائشة ، وما رميت به في غزوة بنى المصطلق من خزاعة ، وأما الخاصة فإنهم رووا أنها نزلت في مارية القبطية ، وما رمتها به بعض النساء المنافقات " .

      ثم ذكر رواية عن الإمام أبى جعفر أنه قال : " لما مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حزن عليه حزناً شديداً ، فقالت منافقة : ما الذي يحزنك عليه ؟ فما هو إلا ابن جريج ! فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وأمره بقتله " ([241]) .

        وفى سورة الحجرات ذكر قصة اتهام فلانة لمارية ، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم علياً بأن يقتل جريجاً ، وأن هذا كان سبب نزول قوله تعالى : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا  [  الآية ([242]) .

      وفى سورة التحريم قال عن كلمة " أبكاراً " التي جاءت في ختام الآية الخامسة " عرض عائشة لأنه لم يتزوج ببكر غير عائشة " ([243]) .

      وبعد هذا في نفس الصفحة ورد ما يأتى : " ثم ضرب الله مثلا فقال ] ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا [([244]) فقال : والله ما عنى بقوله فخانتاهما إلا الفاحشة ، وليقيمن الحد على فلانة فيما أتت في طريق وكان فلان يحبها ، فلما أرادت أن تخرج إلى قال لها   فلان : لا يحل لك أن تخرجى من غير محرم ، فزوجت نفسها من فلان " ([245]) .

      وإذا كان القمي ذكر بأن الخاصة ـ أي الشيعة ـ رووا أن فلانة ، وهى إحدى المنافقات ، جاءت بالإفك ، ولم يصرح باسمها ، فإن غيره من الجعفرية قد صرح باسمها وقال بأنها عائشة ([246]) . وضرب المثل بامرأة نوح وامرأة لوط يعتبره الجعفرية تعريضاً بالسيدتين عائشة وحفصة من أمهات المؤمنين ([247]) ، والقمى هنا يؤكد أن الخيانة المرادة هي الفاحشة ، ثم مهد لإلصاقها بمن برأها الله تعالى !

سادساً : القرآن كتاب تاريخ اثنى عشرى !!

      عندما آلت الخلافة إلى الإمام على كرم الله وجهه ـ لم تسلم له ، وخاض عدة معارك ، ولاقى الشيعة بعد ذلك ما لاقوا في ظل الحكم الأموى . وقد تحدثت كتب التاريخ عن ذلك مفصلاً ، ولكن القمي يحاول أن يغير من طبيعة القرآن الكريم ليصله بكتب التاريخ عند الجعفرية ، فتسمع عن البصرة والجمل وبنى أمية من وجهة النظر الجعفرى ، ولنضرب لذلك الأمثال .

1 ـ أصحاب الجمل والبصرة :

    في سورة الأعراف ( الآية 40 ) :] إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبــواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ     [     ولن يلج الجمل في سم الخياط ، فالكفار إذن لن يدخلوا الجنة ، ولكن القمي إذا به يقول " نزلت هذه الآية في طلحة والزبير والجمل جملهم " ([248]) !

      ويقول أيضا : إن أصحاب الجمل نزلت فيهم ( الآية : 12 ) من سورة التوبة ] وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ     [  الآية ([249]) .

      وفى سورة النجم يقول بأن المؤتفكة هي البصرة ، وقال : ائتفكت بأهلها مرتين ، وعلى الله تمام الثالثة ، وتمام الثالثة في الرجعة ([250]) .

      وفى سورة الحاقة يقول بأن البصرة أيضاً هي المؤتفكات ([251]) .

2 ـ بنو أمية :

      أما بنو أمية فإنا نصادفهم كثيراً ونحن نقرأ هذا التفسير العجيب ، وما دام ثلث القرآن في أعداء الجعفرية ـ كما زعموا ـ فلابد إذن أن يكون للأمويين نصيب كبير ! انظر مثلا تفسيره لقوله تعالى : ] إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ   [  ([252]) .

      يقول : نزلت في بنى أمية ، فهم أشر خلق الله ، هم الذين كفروا في باطن القرآن ، فهم لا يؤمنون ([253]) .

      ولهذا نجد كثيرا من الآيات التي تتناول الكفار يجعلها لبنى أمية ([254]) .

3 ـ بنو السباع :

      والقمى عاش في العصر العباسى الأول ، والعلويون رأوا الحكم يذهب لغيرهم ، ثم لم يسلموا من ظلم ذوى القربى ، فالعباسيون ـ من وجهة النظر الجعفرية ـ لا يفترقون كثيراً عن الأمويين ، ولكن القمي لا يستطيع أن يصرح بهم عند الحديث عن كفرهم فيسميهم بنى السباع بدلاً من بنى العباس ([255]) .

4 ـ الاتفاق على قتل على !

    وعندما تناول بعض الأحداث التاريخية الأخرى وضع قصصاً خيالية غريبة ، فمثلا عند قوله تعالى : ] فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ    [  ([256]) نراه يتحدث عن ذلك في خمس صفحات ، ويأتى بقصيدة يقول بأن السيدة فاطمة الزهراء ـ رضي الله تعالى عنها ـ احتجت بها على الصديق ، وكذلك احتج الإمام على ، وخاف الصديق من ضياع الحكم نتيجة هذا الموقف ، فبعث إلى الفاروق الذي أشار بقتل على ! وأمر خالد بن الوليد بقتله فوافق خالد ، إلى آخر تلك الخرافة ([257]) .

5 ـ كفر أصحاب بيعة الرضوان :

      وعندما تحدث عن صلح الحديبية قال " فلما . أجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلح أنكر عامة أصحابه ، وأشد ما كان إنكاراً فلان ، فقال يا رسول الله ، ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ فقال : بلى ! قال : فنعطى الذلة في ديننا ؟        قال : إن الله وعدنى ولن يخلفنى . قال لو أن معى أربعين رجلاً لخالفته " ([258]).

     والمعروف أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ صاحب الجزء الأول من هذه المناقشة ، فافترى القمي هذه الزيادة المنكرة " لو أن معى أربعين رجلا لخالفته " ، وقال بأن عامة أصحابه الذين أنكروا الصلح أكثروا القول على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : إن لم تقبلوا الصلح فحاربوهم . ويزيد فريته بأنهم حاربوا فعلاً، وهزموا هزيمة قبيحة ، إلى أن قام على بسيفه فتراجعت قريش ([259]) .

      ثم يستمر ليقول بأن عامة الصحابة هؤلاء هم الذين عناهم الله تعالى بقوله : ] وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ  [ ([260]) .

      وهكذا يستمر هذا القمي ليجعل عامة أصحاب بيعة الرضوان من أصحاب النار ، وهم الذين رضي الله عنهم بنص القرآن الكريم ، ويطعن في ترتيب آيات سورة الفتح ليصل إلى ضلاله ([261]) !

6 ـ الفرق الأخرى :

      ونراه كذلك يخضع القرآن الكريم للحديث عن الفرق الأخرى ، فمثلا عند قوله تعالى ] وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُسْوَدَّوهــهُم مُّةٌ [ ([262])  يقول : " من ادعى أنه إمام وليس بإمام يوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة . وإن كان علوياً فاطمياً " ([263]) .

7 ـ القائم وجيش السفيانى :

      وكثير من فرق الشيعة قالت بعودة بعض الأئمة قبل يوم القيامة ، ومنهم من وقف عند إمام معين ، وقال بأنه لم يمت وإنما أظهر موته تقية ، إلى غير ذلك مما تذكره كتب التاريخ . وكان من صدى هذا أن بعض الأمويين قالوا بعودة رجل منهم أسموه السفيانى : فزاد بعض الجعفرية خرافة أخرى وهى أن المهدى عندما يرجع سيقابل جيش السفيانى ويهزمه ! وإذا بنا نجد هذا في تفسير القمي !

      فعند قوله تعالى ] وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ [ ([264]) قال : هم والله أصحـاب القائم ، يجتمعون والله إليه في ساعة واحدة ، فإذا جاء إلى البيداء يخرج إليه جيش السفيانى ، فيأمر الله الأرض فتأخذ أقدامهم ، وهو قولــه  ] وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ   [ ([265]) يعنى  بالقائم([266]) .

      وفى قوله تعالى : ]   أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا[    ([267])  قال يعنى ما يحدث من أمر القائم والسفيانى ([268]) .

      وبهذا يصبح تفسير القمي مرجعاً من مراجع التاريخ لغلاة الجعفرية !

سابعا : طرق التغرير والتضليل :

      والقمى قد خالف ظاهر القرآن الكريم ، وحرف معانيه إلى جانب القول بتحريف نصه ، وأتى بما لا يحتمله كتاب الله تعالى بل يعارضه ، وخالف ما أجمعت عليه الأمة في أكثر الآيات وما يتعلق بها ، وجعل أكثرها ـ مكية ومدنية ـ متعلقة ببيعة غدير خم التي قال الجعفرية أنفسهم بأنها بعد حجة الوداع . وزعم أن صفوة هذه الأمة كفار ومشركون ومنافقون ، إلى غير ذلك مما يبرأ منه الإسلام والعقل السليم .

      ورأينا من قبل كيف حاول صاحب التفسير المنسوب للإمام العسكرى أن يغرر بضعاف العقول ، وجهلة القوم ، ليؤمنوا بخرافاته ، ويسيروا في ظلمات ضلاله . والقمى هو الآخر قد حاول القيام بنفس الدور فسلك لذلك عدة طرق :

      1 ـ جل آرائه نسبها للأئمة وعلى الأخص الإمامان الباقر والصادق . كما أشرنا في مقدمة الحديث عن الكتاب .

      2 ـ ذهب إلى أن القرآن الكريم لا يفهم معناه ولا يدرك مراده إلا عن طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وهؤلاء الأئمة .

      نسب للإمام على ـ كرم الله وجهه ـ أنه قال : " ذلك القرآن فاستنطقوه ، فلن ينطق لكم ، أخبركم عنه ، إن فيه علم ما مضى وعلم ما يأتى إلى يوم القيامة ، وحكم ما بينكم ، وبيان ما أصبحتم فيه مختلفين ، فلو سألتمونى عنه لأخبرتكم عنه لأنى أعلمكم " ([269]) ونسب للإمام الصادق أنه قال : إن الكتاب لم ينطق ، ولن ينطق، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم . هو الناطق بالكتاب ، قـــال الله ] هَذَا  بكتابنا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ    [  فقال أحدهم : إنا لا نقرؤها هكذا ، فقال الإمام : هكذا والله نزل بها جبريل على محمد ، ولكنه فيما حرف من كتاب الله تعالى ([270]) .

      ونسب للإمام الباقر أنه قال : " القرآن ضرب فيه الأمثال للناس ، وخاطب الله نبيه به ونحن ، فليس يعلمه غيرنا " ([271]) .

      وذهب إلى أن من لا يقبل تأويل الكتاب فهو مشرك كافر ([272]) .

      3 - وضع أسساً غريبة للتفسير ، فإلى جانب القول بأن القرآن أصابه التحريف ، ولا يؤخذ تأويله إلا عن طريقهم ، نراه يذهب إلى أن هناك آيات لا يعرف تأويلها إلا بعد وقت نزولها ! ويتحدث عن هذا النوع فيقول : " وأما ما تأويله بعد تنزيله فالأمور التي حدثت في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبعده من غصب آل محمد حقهم ، وما وعدهم الله به من النصر على أعدائهم ، وما أخبر الله به من أخبار القائم وخروجه ، وأخبار الرجعة والساعة " ([273]) .

      ويذهب إلى أن هناك آيات " مما خاطب الله به نبيه صلى الله عليه وسلم والمعنى لأمته ، وهو قول الصادق : إن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم بإياك أعنى واسمعى يا جارة " ([274]) .

      وذهب إلى ما هو أبعد من هذا ، فقال بأن هناك " ما هو مخاطبة لقوم ومعناه لقوم آخرين ! فقوله ] وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ  أنتم يا معشر أمة محمد فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا    [  ، فالمخاطبة لبنى إسرائيل ، والمعنى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ([275]) " .

      وبهذه الأسس استطاع أن يحرف القرآن الكريم نصاً ومعنى ليصل إلى ضلاله .

      4 - وقد ذهب إلى تكفير غير المعتنقين عقيدته في الإمامة ، الرافضين لتحريفه ، لم ينس ـ من وقت لآخر في تفسيره ـ بيان أن  الشيعة سيدخلون الجنة حتى فساقهم العصاة !

 فمثلاً في قوله تعالى: ]  وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ  [ ([276]) الآية ، يقول بأن الله سبحانه وتعالى يدفع بمن يعمل كل فريضة من الشيعة عمن لا يعملها ، ولو أجمعوا على الترك لهلكوا ([277]) . وفى سورة طه " الآية 108 "       ]    وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا    [  يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لعصاة الشيعة ، فكلهم يدخل الجنة ([278]) .

وفى سورة المؤمنون " الآية : 100 " : ]  وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ  [ يقول : البرزخ هو أمر بين أمرين ، وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة .. وهو قول الصادق : والله ما أخاف عليكم إلا البرزخ ، فأما إذا صار الأمر إلينا فنحن أولى بكم ([279]) .

      وفى سورة غافر " الآية الثالثة " ] غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ  [  قال : ذلك خاصة لشيعة أمير المؤمنين ([280]) .

      وفى سورة ق " الآية 24 " : ] أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ  [  يقول بأن الآية الكريمة مخاطبة للنبى صلى الله عليه وسلم وعلى ، ويبين أنهما في منزلة خاصة دون الخلق جميعا ؛ وأن رضوان يأتى بمفاتيح الجنة فيأخذها الرسول صلى الله عليه وسلم ويعطيها علياً وكذلك يفعل مالك بمفاتيح جهنم ، فيأخذ على المفاتيح ويقعد إلى شفير جهنم ، فتنادى : ياعلى جزنى ، قد أطفأ نورك لهيبى ! فيقول لها على : ذرى هذا وليى ، وخذى هذا عدوى ! فلجهنم يومئذ أشد مطاوعة لعلى من غلام أحدكم لصاحبه ([281]) .

      وفى سورة الرحمن " الآية 39 " : ] فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ  [  قال :       " منكم " ، يعنى من الشيعة . معناه أنه من تولى أمير المؤمنين ، وتبرأ من أعدائه عليهم لعائن الله ، وأحل حلاله ، وحرم حرامه ، ثم دخل في الذنوب ولم يتب في الدنيا ، عذب لها في البرزخ ، ويخرج يوم القيامة وليس له ذنب يسأل عنه يوم القيامة ([282]) .

      وفى سورة الحاقة " الآية 19 " : ] فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ   [   قال : كل أمة يحاسبها إمام زمانها ، ويعرف الأئمة أولياءهم وأعداءهم بسيماهم ، وهو قوله تعالى ] وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ  [   ([283]) ، وهم الأئمة                       ]   يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ  [  فيعطون أولياءهم كتابهم بيمينهم فيمرون إلى الجنة بلا حساب ، ويعطون أعداءهم كتابهم بشمالهم فيمرون إلى النار بلا حساب " ([284]) .

 

*****

الكتاب الثالث

تفسير العياشى : منزلة العياشى كالقمى

       تلك أهم آثار الإمامة في تفسير القمي الذي يمثل جانب الغلو والتطرف في هذه العقيدة كتفسير العسكرى .

      والتفسير الثالث الذي طالعنا به القرن الثالث هو تفسير العياشى ، لمحمد بن مسعود العياشى ، المتوفى في حدود سنة 320 هـ ، والذى يعـد من الثقـات عند الشيعة الاثنى عشرية  ([285]).

     وفى صدر التفسير كتب محمد حسين الطباطبائى ([286]) مقدمة حول الكتاب ومؤلفه ، قال فيها :

       " وقد بعث الله رجالاً من أولى النهى والبصيرة ، وذوى العلم والفضلة ، على الاقتباس من مشكاة أنوارهم أي الأئمة والأخذ والضبط لعلومهم وآثارها،وإبداع ذخائرها في كتبهم ،وتنظيم شتاتها في تأليفهم ، ليذوق بذلك الغائب من منهل الشاهد ، ويرد به اللاحق مورد السابق .

      وإن من أحسن ما ورثناه من ذلك كتاب التفسير المنسوب إلى شيخنا العياشى رحمه الله ، وهو الكتاب القيم الذي يقدمه الناشر اليوم إلى القراء الكرام.

      فهو لعمرى أحسن كتاب ألف قديماً في بابه ، وأوثق ما ورثناه من قدماء مشايخنا من كتب التفسير بالمأثور .

      أما الكتاب فقد تلقاه علماء هذا الشأن منذ ألّف إلى يومنا هذا ويقرب من أحد عشر قرناً بالقبول من غير أن يذكر بقدح أو يغمض فيه بطرف .

      وأما مؤلفه الشيخ الجليل أبو النضر محمد بن مسعود بن العياش التميمى الكوفى السمرقندى ، من أعيان علماء الشيعة ، وأساطين الحديث والتفسير بالرواية، من عاش في أواخر القرن الثالث من الهجرة النبوية .

      أجمع كل من جاء بعده من أهل العلم على جلالة قدره وعلو منزلته وسعة فضله ، وإطراء علماء الرجال متسالمين على أنه ثقة عين صدوق في حديثه ، ومن مشايخ الرواية ، يروى عنه أعيان المحدثين : كشيخنا الكشى صاحب الرجال وهو من تلامذته ، وشيخنا جعفر بن محمد بن مسعود العياشى وهو ولده إلخ " .

منهج العياشى وأهدافه كالقمى :

     من هذا نرى أن العياشى وتفسيره عند الشيعة في منزلة تشبه منزلة القمي وتفسيره .

    بدراسة تفسير العياشى يظهر لنا أنه كان يسير مع القمي في طريق واحد ، فلا فرق بينهما في المنهج والأهداف ، والغلو والتطرف والضلال ، وما أخذناه على تفسير القمي يتسم به أيضاً تفسير العياشى ، وإليك البيان :

أولاً : القول بتحريف القرآن الكريم

 

     يشترك العياشى مع القمي في محاولة التشكيك في كتاب الله العزيز ، والدعوة إلى القول بتحريفه . ولذلك وجدنا صاحب كتاب " فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب " يذكر العياشى مع القائلين بالتحريف ، ويقول بأنه روى في أول تفسيره أخباراً عامة صريحة في التحريف ، وأن نسبة القول بالتحريف إلى العياشى كنسبة القول به إلى على بن إبراهيم القمي ، بل صرح بنسبته إلى العياشى جماعة كثيرة ([287]).

    وينقل عن العياشى بعض الأخبار التي استدل بها على التحريف .

    منها ما رواه عن الإمام الصادق أنه قال : " لو قرئ القرآن كما أنزل لألفيتمونا فيه مسمين " ([288]).

    ومنها ما رواه عن الإمام الباقر أنه قال : تنزل جبرائيل بهذه الآية على محمد صلى الله عليه وسلم هكذا : بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ في علي بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللّهُ ([289])    

      وفى تفسير العياشى نجد كثيراً من مثل هذا الضلال :

      فتحت عنوان " ما عنى به الأئمة من القرآن " (1/13) يذكر عدة أخبار ، منها الخبر السابق عن الإمام الصادق ، ويرويه أيضاً عن الإمام الباقر ، كما يروى عن الإمام الباقر أنه قال أنه قال : " لولا أنه زيد في كتاب الله ونقص منه ما خفى حقنا على ذى حجى ، ولو قد قام قائمنا فنطق صدقه القرآن " .

      وعن الإمام الصادق : " إن القرآن قد طرح منه أي كثيرة ، ولم يزد فيه إلاَّ حروف ، وقد أخطأت بها الكتبة ، وتوهمتها الرجال " .

      وفى أول سورة البقرة يروى العياشى عن الصادق أنه قال : (كتاب على لا ريب فيه ).

     وعن عمر بن يزيد ، قال : سألت أبا عبد الله عن قول الله :] مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا[ ، فقال : كذبوا ، ما هكذا هي ! إذا كان ينسى وينسخها أو يأتى بمثلها لم ينسخها . قلت : هكذا قال الله . قال : ليس هكذا قال تبارك وتعالى . قلت : فكيف قال ؟ قال : ليس فيها ألف ولا واو ، قال : ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها مثلها ، يقول : ما نميت من إمام أو ننسه ذكره نأت بخير منه من صلبه مثله ([290]).    

      وفى تفسير العياشى لسورة النساء يذكر الرواية التالية :

   عن جابر قال : قلت لمحمد بن على : قول الله في كتابه ] الَّذِينَ آمَنُواْ   ثُمَّ كَفَرُواْ قال : هما والثالث والرابع وعبدالرحمن وطلحة ، وكانوا سبعة عشر رجلاً . قال : لما وجّه النبي صلى الله عليه وسلم  علىّ  بن  أبى طالب  رضي الله عنه وعمّار  بن ياسر رحمه الله إلى أهل مكة قالوا : بعث هذا الصبى ، ولو بعث غيره يا حذيفة إلى أهل مكة ؟ وفى مكة صنايدها ، وكانوا يسمّون عليَّا الصبى لأنه كان اسمه في كتاب الله الصبى لقول الله : وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا   وهو صبى   وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[ ([291]) فقالوا : والله الكفر بنا أولى مما نحن فيه ، فساروا فقالوا لهما ، وخوَّفوهما بأهل مكة ، فعرضوا لهما وغلَّظوا عليهما الأمر ، فقال علىّ صلوات الله عليه : حسبنا الله ونعم الوكيل ، ومضى ، فلما دخلا مكَّة أخبر الله نبيه بقولهم لعلىّ وبقول علىّ لهم ، فأنزل الله بأسمائهم في كتابه ، وذلك              قول الله ]  ألم تر إلى الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ([292]) إلى قوله :

] وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [ وإنما نزلت ألم تر إلى فلان وفلان لقوا عليُّا وعماراً فقال إنَّ أبا سفيان وعبدالله بن عامر وأهل مكة قد جمعوا لكم فاخشوهم فقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ، وهما اللذان قال الله : ] الَّذِينَ آمَنُواْ   ثُمَّ كَفَرُواْ[إلى آخر الآية ، فهذا أول كفرهم .. والكفر الثاني قول النبي عليه وعلى آله السلام : يطلع عليكم من هذا الشعب رجل فيطلع عليكم بوجهه ؛ فمثله عندالله كمثل عيسى ، لم يبق منهم أحد إلاَّ تمنى أن يكون بعض أهله ، فإذا بعلىّ قد خرج وطلع بوجهه وقال : هو  هذا ، فخرجوا غضاباً وقالوا : ما بقى إلاَّ أن يجعله نبيَّا ، والله الرجوع إلى آلهتنا خير ممّا نسمع منه في ابن عمّه ، وليصدّنا علىّ إن دام هذا ، فأنزل الله          ] وَلَمَّا ضــرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ[ إلى آخر الآية فهذا الكفر الثاني. وزاد الكفر بالكفر حين قال الله] إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ    [  فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا علىُّ أصبحت وأمسيت خير البريَّة ، فقال له الناس : هو خير من آدم ونوح ومن إبراهيم ومن الأنبياء ، فأنزل الله              ] إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ   [ إلى ] سَمِيعٌ عَلِيمٌ[   قالوا : فهو خير منك يا محمد ؟ قال الله :   ] قُلْ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [ ولكنَّه خير منكم وذريَّته خير من ذريتكم ، ومن اتَّبعه خير ممَّن اتبعكم ، فقاموا غضاباً وقالوا : زيادة الرجوع إلى الكفر أهون علينا مما يقول في ابن عمه ، وذلك قول الله ] ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا .

      وفى تفسير سورة النحل يروى العياشى عن أبى جعفر أنه قال : نزل جبرائيل هذه الآية هكذا : ] وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ   في على قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ[ ([293])

     ويروى عن إسماعيل الحريرى قال : قلت لأبى عبدالله : قول الله :

إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ   قال البغى : اقرأ كما أقول لك يا إسماعيل ] إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى حقه     [ قلت : جعلت فداك إنَّا لا تقرأ هكذا في قراءة زيد ، قال ولكنّا نقرأها هكذا في قراءة علىّ   ، قلت ، فما يعنى بالعدل ؟ : شهادة أن لا إله إلاَّ الله ، قلت : والإحسان ؟ قال : شهادة أن محمداً رسول الله ، قلت : فما يعنى بإيتاء ذى القربى  حقّه ، قال : أداء إمامة إلى إمام بعد إمام ، ]وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ [ قال : ولاية فلان وفلان ([294]).

ثانياً الطعن في الصحابة الكرام :

      الرواية التي ذكرتها دون اختصار من تفسير العياشى لسورة النساء لبيان موقفه من تحريف القرآن الكريم توضح أمرين آخرين ، هما طعنه في خير أمة أخرجت للناس ، الصحابة الكرام الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه ، وعلى الأخص من بشر منهم بالجنة غير على رضي الله عنه ، كالشيخين ، وذى النورين، وطلحة والزبير ، والأمر الآخر موقفه من أسباب النزول ، ومفتريات هذا الضال الممجوجة ليتفق سبب النزول مع ضلاله .

       وإذا كانت الرواية وضعها العياشى ليقول بأن الخلفاء الراشدين الثلاثة ، وغيرهم من خيرة الصحابة ، كفروا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم   ، فإنه  يرى ويروى أن الصحابة الكرام جميعاً ارتدوا عن الإسلام بعد الرسول صلى الله عليه وسلم   إلاَّ  ثلاثة هم : المقداد وأبو ذر وسلمان الفارسى ([295]).

       وتفسيره مملوء محشو بالطعن في الصحابة وتكفيرهم ، ونذكر بعض الأمثلة:

       يروى عن جابر قال : سألت أبا عبدالله صلى الله عليه وسلم عن قول الله  :  

] وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ [ قال :

     فقال هم أولياء فلان وفلان ([296])، اتخذوهم أئمة من دون الإمام الذي جعل الله للناس ، فلذلك قال الله تبارك وتعالى :]   وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَاب إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ  [إلى قوله : ] وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ[ قال : ثم قال أبو جعفر : والله  يا جابر هم أئمة الظلم وأشياعتهم ([297]).

      وفى رواية أخرى : أعداء على هم المخلدون في النار أبد الآبدين ، ودهر الداهرين ([298]).

      وروى عن عبدالله النجاشى قال : سمعت أبا عبدالله يقول :أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا[  يعنى  والله فلاناً وفلاناً ] وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ[ إلى قوله          ] تَوَّابا رَّحِيمًا[ يعنى والله النبي وعليًّا بما صنعوا ، أي لو جاءوك بها يا علىّ فاستغفروا مما صنعوا ، ] وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ  [  ثم قال أبو عبدالله : هو والله على بعينه ]ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ[ على لسانك يا رسول الله يعنى به ولاية علي ] وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [ لعلى بن أبى طالب  ([299]).

      وروى عن أبى عبدالله قال : والله لو أن قوماً عبدوا الله وحده لا شريك له ، وأقاموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وحجوا البيت ، وصاموا شهر رمضان ، ثم لم يسلموا إلينا لكانوا بذلك مشركين ([300]).

      وروى عن جابر عن أبى جعفر قال : سألته عن هذه الآية]    وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [ قال : اَّلذين يدعون من دون الله الأول والثاني والثالث ، كذَّبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم   بقوله : والوا علياً واتبعوه ، فعادوا علياً ولم يوالوه ، ودعوا الناس إلى ولاية أنفسهم ، فذلك قول الله : ]  وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ  [    قال : وأما قوله : لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا[  فإنه يعنى : لايعبدون شئياً ، ]  وَهُمْ يُخْلَقُونَ    [، فإنه  يعنى وهم يعبدون ، وأما قوله ] أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء[ يعنى كفارغير مؤمنين ، وأما قوله : ] وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [ فإنه يعنى أنهم لا يؤمنون ، أنهم يشركون ، ] إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ[ فإنه كما قال الله ، وأما قوله ] فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ[ فإنه يعنى لايؤمنون بالرجعة أنها حق، وأما قوله ] قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ [ فإنه يعنى  قلوبهم كافرة ، وأما قوله :]وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ[  فإنه يعنى عن ولاية على مستكبرون ، قال الله لمن فعل ذلك  وعيداً منه ]لاَ جَرَمَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ عن ولاية على [([301]).

   ثالثاً جعل الأئمة هم المراد من كلمات الله :

      في أصول التفسير عند العياشى نجد العنوان التالي ([302]) "في ما أنزل القرآن " وتحت هذا العنوان يذكر روايات منها :

       عن أبى جعفر قال : نزل القرآن على أربعة أرباع . ربع فينا ، وربع في عدونا ، وربع فرايض وأحكام ، وربع سنن وأمثال ، ولنا كرائم القرآن .

       وعن أمير المؤمنين قال : نزل القرآن أثلاثاً : ثلث فينا وفى عدونا ، وثلث سنن وأمثال ، وثلث فرايض وأحكام .

       ونجد عنواناً  آخر ، وهو : " ما عنى به الآئمة من القرآن " ([303]) وأشرنا إلى هذا العنوان من قبل ، وذكرنا بعض رواياته لبيان التحريف .

      وأضيف بعض الروايات الأخرى :

    عن أبى عبدالله قال : من لم يعرف أمرنا من القرآن لم يتنكب الفتن .

     وعن أبى جعفر قال : لنا حق في كتاب الله المحكم من الله ، لومحوه فقالوا ليس من عندالله ، أو لم يعلموا ، لكان سواه .

      وعنه أيضاً : إذا سمعت الله ذكر أحداً من هذه الأمة بخير فنحن هم ، وإذا سمعت الله ذكر قوماً بسوء ممن مضى فهم عدونا .

     وعن على بن أبى طالب رضي الله عنه قال : سموهم بأحسن أمثال القرآن ، يعنى عترة النبي صلى الله عليه وسلم  :  هذا عذب  فرات فاشربوا ، وهذا ملح أجاج فاجتنبوا.

      وعن عمر بن حنظلة ، عن أبى عبدالله ، عن قول الله ] قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ[ ؟ فلما رآنى أتتبع هذا وأشباهه من الكتاب قال : حسبك ، كل شئ في الكتاب من فاتحته إلى خاتمته مثل هذا فهو في الأئمة عنى به.

      هذه بعض الأصول التي وضعها العياشى ، ونسبها للأئمة الأطهار حتى يحكم فريته . وفى ظلماتها يمكن معرفة ما عليه هذا التفسير من جعل الأئمة هم المراد من كثير من كلمات القرآن الكريم ، وحصر هذا يطول ذكره ، ويكفى أن نذكر بعض الأمثلة :

     يروى العياشى عن سلام عن أبى جعفر في قوله :] آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا [  قال : إنما عنى بذلك عليَّا والحسن والحسين وفاطمة ، وجرت بعدهم في الأئمة . قال : ثم يرجع القول من الله في الناس فقال : ] فَإِنْ آمَنُواْ [  يعنى الناس    ]بِمِثْلِ مَآ آمَنتُم بِهِ[   يعنى عليَّا وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من بعدهم ]فَقَدِ اهْتدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ[  ([304]).

       وعن أبى عبدالله في قول الله ] صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً [ قال: الصبغة معرفة أمير المؤمنين بالولاية في الميثاق ([305]).

       وعن بريد بن معوية العجلى عن أبى جعفر قال : قلت له]   وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [ قال نحن الأمَّة الوسطى ، ونحن شهداء الله على خلقه ، وحجّتْه في أرضه ([306]).

    وعن أبى عبدالله في قوله تعالى : ]  وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ [، قال : أتمهن بمحمد وعلى والأئمة من ولد على ([307]).

      وعن أبى جعفر أن الولاية هي المراد من قوله تعالى : ] وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ [ ([308])

       وعن أبى عبدالله ، وعن أبيه ، أن أصحاب القائم - أي الإمام الثاني عشر-هم الأمة المعدودة التي قال الله في كتابه : ] وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ [ ([309]).

  وعن أبى جعفر أن علياً هو المراد من كلمة النور في قوله تعالى :] فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ [([310]).

  وعن أبى عبدالله في قوله تعالى : ] وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ[،  قال : هم الأئمة ([311]).

    وعن أبى جعفر : ] إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ [ : وهو محمد ، ]وَالإِحْسَانِ [ : وهو على ، ]وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى[  : وهو قرابتنا . أمر الله العباد بمودتنا وإيتائنا ، ونهاهم عن الفحشاء والمنكر : من بغى على أهل البيت ، ودعا إلى غيرنا ([312]).

    والعياشى يرفع الأئمة لمرتبة الألوهية كالقمى :

     فعند تفسير قوله تعالى ] لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ [يروى العياشى عن أبى عبدالله أنه قال : يعنى بذلك : ولا تتخذوا إمامين إنما هو إمام واحد ([313]).

      وعند قوله عز وجل : ]حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ  [  ([314])  ، بقوله : طائعين للأئمة .

     وفى قوله سبحانه : ] فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا[ ([315]) ، يروى العياشى أن العمل الصالح : المعرفة بالأئمة ، ولا يشرك بعبادة ربه أحدا : التسليم لعلى ، ولا يشرك معه في الخلافة من ليس له ذلك ، ولا هو من أهله([316]).

     هذه نماذج كافية لبيان أن العياشى كالقمى في هذا الضلال ، وكل ما قيل عن القمي يمكن أن نراه من خلال هذه النماذج ، وأختمها بما ختمت به دراستى عن العياشى في كتاب " أثر الإمامة في الفقه الجعفرى وأصوله : ص 208 ، 209 ":

     وفى سورة هود يتحدث عن سبب نزول آيات من 12 إلى 24 فيقول : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمير المؤمنين  في آخر صلاته ، رافعاً بها صوته يسمع الناس ، يقول اللهم هب لعلى المودة في صدور المؤمنين ، والهيبة والعظمة في صدور المنافقين فأنزل الله ] إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا[ ([317]) بنى أمية . فقال رمع([318]) : والله لصاع من تمر في شن بال أحب إلى مما سأل محمد ربه ، أفلا سأله ملكاً يعضده ؟ أو كنزاً يستظهر به على فاقته ؟ فأنزل الله فيه عشر آيات من هود أولها ]فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ [ إلى] أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ[ ولاية على       ]قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ [إلى ] فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ[في ولاية على  ] فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ[ لعلى ولايته  ] مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا [ يعنى فلاناً وفلاناً ]نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا  أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ [ رسول الله صلى الله عليه وسلم ]  وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ[ أمير المؤمنين]  وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً [ قال : كان ولاية على في كتاب موسى ]    أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ [ في ولاية على ] إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ [ إلى قوله : ]  وَيَقُولُ الأَشْهَادُ [ ]هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ [ إلى قوله : ] هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ[ ([319]).

*****

الفصل الخامس

 

التبيان للطوسي وتفاسير الطبرسي

أصول التفسير عند الطوسى والطبرسى :

      وننتقل بعد هذا الحديث عن أولئك الذين يمثلون شيئا من الاعتدال عند مفسرى الجعفرية ، وأول هؤلاء شيخ الطائفة في زمانه أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسى ([320]) . وإذا كان الصدوق والشريف المرتضى من الجعفرية الذين سبقوا للتصدى لحركة التضليل والتشكيك في كتاب الله تعالى ، فإن الطوسى أول من تصدى لهذه الحركة بطريقة عملية ، حيث ألف تفسيره الكبير" التبيان " ، فبين أن القرآن الكريم هو ما بين الدفتين بغير زيادة أو نقصان كما نقلنا من قبل ، ثم وضع أسساً للتفسير ، وطبقها في تفسيره ، فصان كتاب الله تعالى من التحريف في المعنى إلى درجة كبيرة . وننقل هنا ما ذكره الطوسى فيما يتعلق بالتفسير . قال في كتابه التبيان " 1 / 4 6 " : " اعلم أن الرواية ظاهرة في أخبار أصحابنا بأن تفسير القرآن لا يجوز إلاَّ بالأثر الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن الأئمة - رضي الله عنهم، الذين قولهم حجة كقول النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن القول بالرأى فيه لا يجوز والذى نقول في ذلك : إنه لا يجوز أن يكـون في كلام الله تعـالى وكلام نبيه تناقـض وتضـاد .           

 

 

وقد قال الله تعالى]  إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ   [  ([321]) وقال ]بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ [ ([322]) وقال : ]  وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلسَانِ قَوْمِهِ  [  )[323]) وقال : ] وفيه تبيان كل شئ [([324]) ]  مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ[ ([325]) ، فكيف يجوز أن يصفه بأنه عربى مبين ، وأنه بلسان قومه ، وأنه بيان للناس ، ولا يفهم بظاهره شىء . وهل ذلك إلاَّ وصف له باللغز والمعمى الذي لا يفهم المراد به إلاَّ بعد تفسيره وبيانه . وذلك منزه عنه القرآن . وقد مدح الله أقواماً على استخراج معاني القرآن فقال : ] لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ [ ([326])، وقال في قوم يذمهم حيث لم يتدبروا القرآن ولم يتفكروا في معانيه :] أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا[ ([327]) ،وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني مخلف فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتى أهل بينى " ، فبين أن الكتاب حجة ،كما أن العترة حجة ، وكيف يكون حجة ما لايفهم به شىء ؟ وروى عنه صلى الله عليه وسلم  أنه قال :   " إذا جاءكم عنى حديث ، فاعرضوه على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فاقبلوه ، وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط " وروى مثل ذلك عن أئمتنا رضي الله عنهم ، وكيف يمكن العرض على كتاب الله، وهو لا يفهم به شىء ؟ وكل ذلك يدل على أن ظاهر هذه الأخبار متروك .

      والذى نقول به : إن معاني القرآن على أربعة أقسام :

     أحدها : ما اختص الله تعالى بالعلم به ، فلا يجوز لأحد تكلف القول فيه ولا تعاطى معرفته ، وذلك مثل قوله تعالى : ] يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ [([328]) ، ومثل قوله تعالى  : ] إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [ ([329]) إلى آخرها . فتعاطى معرفة ما اختص الله تعالى به خطأ .

     وثانيها : ما كان ظاهره مطابقاً لمعناه فكل من عرف اللغة التي خوطب بها  عرف معناها ، مثل قوله تعالى : " وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ " ([330]) ، ومثل قوله تعالى : ] قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[([331]) ، وغير ذلك .

      وثالثها  : ما هو مجمل لا ينبئ ظاهره عن المراد به مفصلاً ، مثل قوله  تعالى : وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ([332]) ، ومثل قوله تعالى ] وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [ ([333]) ، ]  وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [ ([334]) ، وقوله         ] وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعلُومٌ[ ([335]) ، وما أشبه ذلك . فإن تفصيل أعداد الصلاة وعدد ركعاتها ، وتفصيل مناسك الحج وشروطه ، ومقادير النصاب في الزكاة لا يمكن استخراجه إلاَّ ببيان النبي صلى الله عليه وسلم ، ووحى من جهة الله تعالى ، فتكلف القول في ذلك خطأ ممنوع منه ، يمكن أن تكون الأخبار متناولة له .

     ورابعها :  ما كان اللفظ مشتركاً بين معنيين فما زاد عنهما ، ويمكن أن يكون كل واحد منهما مراداً . فإنه لا ينبغى أن يقدم أحد به فيقول : إن مراد الله فيه بعض ما يحتمل لأمور ، وكل واحد يجوز أن يكون مراداً على التفصيل ، والله أعلم بما أراد .

       ومتى كان اللفظ مشتركاً بين شيئين ، أو ما زاد عليها ، ودل الدليل على أنه لايجوز أن يريد إلاَّوجهاً واحداً ، جاز أن يقال : إنه هو المراد .

     ومتى قسمنا هذه الأقسام نكون قد قبلنا هذه الأخبار ، ولم نردها على وجه يوحش نقلتها والمتمسكين بها ، ولا منعنا بذلك من الكلام في تأويل الآى جملة.

      وقال في موضع آخر : " ينبغى لمن تكلم في تأويل القرآن أن يرجع إلى التاريخ ، ويراعى أسباب نزول الآية على ما روى ، ولا يقول على الآراء والشهوات " ([336])

الفرق بينهما وبين الجمهور :

      هذا ما ذكره الشيخ الطوسى ، وهو يتفق مع جمهور المفسرين فيما عدا حديثه عن المشترك ، حيث جعل للأئمة ما للنبى صلى الله عليه وسلم ، ولكن هذا ليس بمستغرب منه ، لأنه يتفق مع عقيدته في الإمامة . ولم يجعل للصحابة الكرام دوراً في التفسير ، وهم الذين تلقوه عن الرسول صلى الله عليه وسلم .

      والقرن الذي تلاه - أي القرن السادس الهجرى - ظهر فيه إمام المفسرين عند الجعفرية أبو على الفضل بن الحسن الطبرسي ([337])الذي أخرج كتاباً في التفسير هو " مجمع البيان " ، ثم ألف كتاباً آخر أصغر منه أسماه " جوامع الجامع " ، وله كتاب ثالث ([338]).

       وقد سلك مسلك الشيخ الطوسى ، وتأثر به إلى حد كبير ، فهما يمثلان جانب الاعتدال النسبى عند مفسرى الجعفرية في القديم كما أشرنا من قبل . ومع أنهما يمثلان شيئا من الاعتدال ، إلاَّ أن تناولهما لكتاب الله تعالى لم يسلم من التأثر بعقيدتهما في الإمامة ، وأهم مظاهر التأثر نراها فيما يأتى :

   أولاً : اللجوء لتأويل بعض آيات الكتاب المجيد للاستدلال على عقيدة الإمامة :

       فالذين ذهبوا إلى القول بنحريف القرآن المجيد لم يضطروا للاستدلال على عقيدتهم عن طريق التأويل ما دام هؤلاء الغلاة قد زعموا أن القرآن الكريم نص على الإمامة التي يعتقدونها ، أما هما فقد وقفا طويلاً أمام بعض آيات الله تعالى : يؤولان ويجادلان لإثبات عقيدتهم ، مثال هذا ما نقلناه عنهما في الجزء الأول، وذلك عند الحديث عن آية الولاية والتطهير وعصمة الأئمة .

ثانياً  : ذكرهما لبعض القراءات الموضوعة والشاذة ذات الصلة بالمذهب :

      مثال هذا ما جاء في تفسير سورة آل عمران عند قوله تعالى :

] إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ[ ([339]) ، فإنهما يذكران أن قراءة أهل البيت " وآل محمد على العالمين " ([340]).

      وفى سورة الفرقان عند قوله تعالى : ] وَاجْعَلْنَا للْمُتَّقِينَ إِمَامًا [ ([341]) ، يفسرها الطوسى بقوله : " بأن يجعلهم ممن يقتدى بأفعالهم الطاعات " ، ولكنه يذكر أن قراءة أئمتهم ]  وَاجْعَلْ لنَا  من الْمُتَّقِينَ إِمَامًا [  ([342]) .

     والطبرسى يذكر للإمام الصادق أقوالاً في هذه الآية الكريمة يجعلها خاصة بأئمة الجعفرية . كقول الإمام فيها : " إيانا عنى " وقوله  : " هذه فينا " . ولا يكتفى بهذا بل يذكر ما يتفق مع الغلاة القائلين بالتحريف ، فيخطئ ما جاء بالمصحف الشريف ليصل إلى القراءة التي ذكرها الطوسى ، والرواية هي :  " عن أبى بصير قال : قلت : واجعلنا للمتقين إماماً ، فقال :- أي الإمام الصادق: " سألت ربك عظيماً ، إنما هي : واجعل لنا من المتقين إماماً " ([343]).

      وفى قوله تعالى : ]وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ [ ([344]) ، يقول الطوسى : " بالريح والملائكة " ، وقيل بعلى ، وهى قراءة ابن مسعود ، وكذلك هو في    مصحفه " ([345]) .

     وقال الطبرسي : " وكفى الله المؤمنين القتال بالريح والجند ، وعن ابن مسعود أنه كان يقرأ : وكفى الله المؤمنين القتال بعلى " ([346]).

     وفى قوله تعالى : ]فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [([347]) ، يذكران قراءة لتأييد رأى فقهى ارتبط بالمذهب الجعفرى ، وهو إباحتهم لزواج المتعة ، هذه القراءة هي زيادة " إلى أجل مسمى " بعد " فما استمعتم به منهن " ([348]) .

ثالثاً  : أسباب النزول :

       في ذكرهما لبعض أسباب النزول يبدو أثر الإمامة واضحاً ، فمثلاً عند قوله تعالى : ] وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ[([349]) ، يذكر الطوسى سبب النزول فيقول : روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوماً لعلى  : " لولا إني أخاف أن يقال فيك ما قالت النصارى في عيسى لقلت فيك قولاً لا تمر بملأ إلاَّ أخذوا التراب من تحت قدميك ، أنكر ذلك جماعة من المنافقين وقالوا : لم يرض أن يضرب له مثلاً إلاَّ بالمسيح ، فأنزل الله الآية " ([350]) .

     أما الطبرسي فيذكر سبباً آخر ، قال : " المروى عن أهل البيت أن أمير المؤمنين قال : جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فوجدته في ملأ من قريش ، فنظر إلى ثم قال : يا على ، إنما مثلك في هذه الأمة مثل عيسي ابن مريم ، أحبه قوم وأفرطوا في حبه فهلكوا ، وأبغضه قوم وأفرطوا في بغضه فهلكوا ، واقتصد فيه قوم فنجوا، فعظم ذلك عليهم وضحكوا ، فنزلت الآية " ([351])

      وفى سورة النحل " الآية 91 " : ] وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ[  قال الطبرسي بأن الإملم الصادق قال : " نزلت هذه الآية في ولاية على والبيعة له حين قال النبي صلى الله عليه وسلم سلموا على علىّ بإمرة المؤمنين ([352])

        وفى سورة القلم قال الطبرسي : " لما رأت قريش تقديم النبي صلى الله عليه وسلم عليـاً قالوا : افتتن به محمد صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى : ] ن وَالْقَلَمِ [ إلى قوله : ]  بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ[ ، وهم النفر الذين قالوا ما قالوا ، ] وَهُوَ أَعلَمُ بِالْمُهْتَدِين[ ، على بن أبى طالب " ([353])

      وسورة عبس سبب نزولها معروف مشهور ، ولكن الطوسى يرفض ما ذكره المفسرون ([354]) ،ويذهب إلى أنها " نزلت في رجل من بنى أمية كان واقفاً مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أقبل ابن مكتوم تنفر منه وجمع نفسه وعبس في وجهه ، وأعرض بوجهه عنه ، فحكى الله تعالى ذلك وأنكر معاقبة على ذلك " ([355])

      وإذا وجدنا بين أسباب النزول ما يتصل بالإمام على وبيعته ، وهو لم يصح من طريق ، ويقطع برفضه كون النزول في مكة ، وسياق الآيات الكريمة كذلك ، إلاَّ أنا نجد الأمر يختلف بالنسبة لغير أبى الحسن ، مثال هذا ما جاء في سورة الليل: فالطبرسى يورد رواية تبين أن أبا الدحداح هو المراد من قوله تعالى :     ] فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى[ ثم يقول ... " وعن ابن الزبير قال : إن الآية نزلت في أبى بكر، لأنه اشترى المماليك الذين أسلموا مثل بلال وعامر بن فهيرة وغيرهما ، وأعنقهم ، والأولى أن تكون الآيات محمولة على عمومها في كل من يعطى حق الله من ماله " ([356]) أما الطوسى فإنه لا يذكر سبباً للنزول([357]).

رابعاً : جعل الأئمة هم المراد من كلمات الله :

      ذكرنا من قبل أن أولئك الغلاة الذين عز عليهم خلو القرآن من ذكر الأئمة ووجوب ولايتهم ، ذهبوا إلى القول بالتحريف وإسقاط أسماء الأئمة وآيات الولاية . وهنا نجد الدافع نفسه يدفع الطوسى والطبرسى إلى شئ آخر هو اللجوء إلى تأويل كثير من أي القرآن الكريم حتى يكون للأئمة والولاية ذكر ، ولنضرب لذلك بعض الأمثلة التي ما أكثرها !

  في سورة النساء " الآية 83 " ] وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً[ ، يروى الطبرسي عن أئمته أن " فضل الله ورحمته النبي وعلى عليهما السلام " ([358]) .

  وفى نفس السورة " الآية 159 " ] وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بهِ قَبْلَ مَوْتِه [ ، يروى الطبرسي عن الإمامين الباقر والصادق : " حرام على روح امرئ أن تفارق جسدها حتى ترى محمداً وعلياً بحيث تقر عينها أو تسخن " ([359]) .

  وفى سورة الأعراف " الآية 44 " ] وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ[ ، فينقل الطبرسي عن تفسير القمي ، عن الإمام الرضا أنه قال : المؤذن أمير المؤمنين على . ويذكر كذلك أن الإمام عليا قال : أنا ذلك المؤذن ، وعن ابن عباس : إن لعلى في كتاب الله أسماء لا يعرفها الناس . ويقول الطبرسي أيضاً : فهو المؤذن بينهم يقول : ألا لعنة الله على الذين كذبوا بولايتى واستخفوا بحقى ([360]).

    وعند الحديث عن أصحاب الأعراف في الآيات التالية يقول الطوسى بأن علياً قسيم الجنة والنار ، ويزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يا على ، كأنى بك يوم القيامة وبيدك عصا موسى ، تسوق قوماً إلى الجنة وآخرين إلى النار " ([361]) .

    ويروى الطبرسي عن أمير المؤمنين قال : " نحن نوقف يوم القيامة بين الجنة والنار ، فمن نصرنا عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنة ، ومن أبغضنا عرفناه بسيماه فأدخلناه النار " ([362]).

   وفى سورة النمل " الآية 82 "  : ]وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ [ ، يذكر الطبرسي أن الإمام علياً هوهذه الدابة ، وينقل عن تفسير العياشى ما يفيد هذا ([363])

  وفى سورة محمد " الآية 30 " : ] وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [ يروى الطبرسي أن لحن القول بغضهم على بن أبى طالب ([364])   

  وفى سورة ق " الآية 24 " :] أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ[، يزعم الطبرسي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان يوم القيامة يقول الله لي ولعلى : " ألقيا في النار من أبغضكما ، وأدخلا في الجنة من أحبكما " . وذلك قوله عز اسمه :   ] أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ[ ([365]).   

     ونجد الطوسى والطبرسى لا يقتصران في التأويل على ذكر الإمام على ، فقد جعلا لغيره من الأئمة نصيباً ، ومن أمثلة هذا ما نقرؤه عند تأويلهما لقوله تعالى في سورة البقرة " الآية 37 " : ] فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ[، فالطوسى بعد أن ذكر الروايات المختلفة في تأويل الكلمات يقول : " في أخبارنا توسله - أي آدم- بالنبى صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ، وكل ذلك جائز " ([366]) .

   والطبرسى بعد ذكره لتلك الروايات يقول : " قيل - وهى رواية تختص بأهل البيت عليهم السلام - إن آدم رأى مكتوباً على العرش أسماء معظمة مكرمة ، فسأل عنها ، فقيل له : هذه الأسماء أجل الخلق منزلة عند الله تعالى ، والأسماء : محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين ، فتوسل آدم عليه السلام إلى ربه بهم في قبول توبته ورفع منزلته " ([367]) .

  ونجد الزعم كذلك بأن الأئمة هم حبل الله ([368])  في قوله تعالى في سورة آل عمران " الآية 103 " : ]  وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ [ .

  وهم المخاطبون في قوله تعالى : ] إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ [ ([369]) فيرويان عن أئمتهما أن هذا أمر لكل واحد من الأئمة أن يسلم الأمر إلى ولى الأمر بعده ([370]).

  وهم أولو الأمر في الآية التي تلتها ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ [ ([371])

  وفى الآية الثالثة والثمانين من نفس السورة : ]  وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ [ ([372]).

  وهـم أهل الذكــر([373])] فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [ " الأنبياء : 7 ".وهـم المصطفـون ([374]) ] ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا[  " فاطر : 32 " .

         وهـم من أذن له الرحمن ([375]) ] يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا[ " النبأ : 38 " .

      والأئمة الذين ورد ذكرهم كثيراً في هذين التفسيرين نجد لولايتهم حظاً من التأويل ، فعند قوله تعالى في سورة البقرة " الآية 208 " : ] يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [ ، يرويان عن أصحابهما أن السلم الدخول في الولاية ([376]).

     وفى الآية السابعة من سورة المائدة : ] وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [ . يرويان دخول الولاية في المراد بالميثاق ([377]) .

     وفى سورة طه " الآية 82 " : ] وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى[ ، يرويان أن الاهتداء إلى الولاية ([378]).

      وسورة محمد " الآية 26 " : ] ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ [ ، روى الطبرسي أن ما نزل الله في الولاية ([379]).

      وإمامهم الثاني عشر - الإمام المهدى - نجد له ذكراً خاصاً .

      فعند قوله تعالى في سورة البقرة " الآية الثالثة " : ] الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ[ ، نراهما يدخلان في الإيمان بالغيب ما رواه أصحابهما من زمان غيبة المهدى ووقت خروجه ([380]).

      وفى سورة الأنبياء " الآية : 105 " : ] وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ[ ، يروى الطبرسي عن الإمام الباقر ، أن هؤلاء الوارثين هم أصحاب المهدى في آخر الزمان ([381]).

 

       وفى سورة النور " الآية 55 " : ] وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا [ ، يرويان عن أئمتهم " هم والله شيعتنا أهل البيت ، يفعل ذلك بهم على يد رجل منا ، وهو مهدى هذه الأمة "([382]). وفى سورة الفتح " الآية 28 " : ] هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [ ، يذكر " أنه إذا خرج المهدى صارالإسلام في جميع البشر ، وتبطل الأديان كلها " ([383]).

         وبعد : فهذه أهم آثار الإمامة في تفسير هذين الشيخين : الطوسى والطبرسى ، وإن كان الثاني - كما يظهر - أكثر تأثراً من شيخ الطائفة ، وهما وإن لم يجنبا كتاب الله تعالى هذه الناحية الطائفية -التي  ليس لها مستند من كتاب ولا سنة كما أثبتنا - إلاَّ أنهما مع هذا من أكثر الشيعة اعتدالاً ، أو أقلهم غلواً . ويبدو البون شاسعاً عند المقارنة بينهما وبين من سبقهما من الغلاة .ولذلك جاء القول بالاعتدال النسبى أو إلى حد ما نتيجة المقارنة بغلاتهم الضالين ، وإلا فجانب الغلو والتطرف فيهم ، وفى أمثالهم ، واضح بين !

 

الفصل السادس

التفسير بعد الطوسي والطبرسي

أولاً : تفسير الصافى :

      ذكرنا من قبل أن الشيعة بعد هذا في تناولهم لكتاب الله تعالى منهم من سلك منهجا فيه شئ من الاعتدال ، أو سلك مسلك الغلو ، ومنهم من جمع بين المسلكين أو اقترب من أحدهما .

      ومن الكتب التي اطلعت عليها : تفسير الصافى ، لمحمد بن مرتضى المدعو بمحسن . انتهى مؤلفه من كتابته سنة 1075 هـ . وقد حاول أن يأتى بكل ضلالة جاءت في الكتب الثلاثة التي رزئ بها القرن الثالث الهجرى ، والتي تحدثنا عنها ، وهى تفاسير الحسن العسكرى والعياشى والقمى ، وزاد كذلك في النقل عن بعض الكتب الأخرى كروايات التحريف والتأويلات الفاسدة التي رواها الكلينى في كتابه الكافى . فهذا الكتاب إذن يمثل جانب الغلو والتطرف ، ويعد استمراراً لحركة التضليل والتشكيك ، ولذلك نقرأ فيه القول بتحريف القرآن الكريم ، ومهاجمة الصحابة الأكرمين ، والتأويلات التي تجعل من كتاب الله تعالى كتاباً من كتب فرق الغلاة ، وغير ذلك مما ذكرناه عند تناولنا للكتب الثلاثة .

      فهو يرى أن تفسير القرآن الكريم لا يصح إلاَّ عن طريق أئمة الجعفرية " فكل ما لايخرج من بيتهم فلا تعويل عليه " ([384]) والرسول صلى الله عليه وسلم  فسره لرجل واحد هو الإمام على ([385]) ، ويهاجم من يأخذ التفسير المـروى عن الصحـابة لأن " أكثـرهم كانوا يبطنون النفاق ، ويجترئون على الله ، ويفترون على رسول الله في عزة وشقاق " ([386]) .

      وهو يرى أن جل القرآن إنما نزل في أئمة الجعفرية ، وفى أوليائهم ، وأعدائهم ([387]). ويذكر روايات كثيرة في تحريف القرآن الكريم ([388]) ، بل يزعم أن في القرآن الكريم من التنافر والتناكر ما يدل على التحريف .

      مثال هذا ما نصه : " وأما ظهورك على تناكر قوله : ] وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء [ ([389]) ، وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء ، ولا كل النساء أيتاماً ، فهو مما قدمت ذكره من إسقاط المنافقين من القرآن ، وبين القول في اليتامى وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن " ([390]) .   

      وصاحب الصافى يعقب على روايات التحريف بقوله : " المستفاد من مجموع هذه الأخبار ، وغيرها من الروايات عن طريق أهل البيت ، أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله ، ومنه ما هو مغير محرف ، وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة ، منها اسم علىّ  في كثير من المواضع ، ومنها لفظْة آل محمد غير مرة . ومنها أسماء المنافقين في مواضعها ، ومنها غير ذلك . وأنه ليس أيضاً على الترتيب المرضى عند الله وعند رسوله " ([391]) .

      و لا يكتفى بذكر هذه الروايات ، والتعقيب عليها ، ولكن يذكر آراء الطبرسي والصدوق والطوسى في عدم التحريف ، ويرد عليهم بما يبين مدى غلو هذا الضال المضل ([392]).

      ومن أحاديثه عن الصحابة - رضوان الله تعالى عنهم ، أنهم كانوا أهل ردة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاَّ ثلاثة هم : المقداد وأبو ذر وسلمان الفارسى ! وأن أربعة اجتمعوا على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسم ، هم : أبو بكر وعمر وابنتاهما عائشة وحفصة ([393]) !!

     والكتاب كله يسير في ظلمات الضلال ، ولنزد ذلك بياناً ببعض الأمثلة :

     في أول سورة البقرة :] الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ[ ينقل عن العياشى عن الإمام الصادق أنه قال : " كتاب على لا ريب فيه " ، ويعقب على هذا بقوله : " ذاك تفسيره ، وهذا تأويله ، وإضافته الكتاب إلى على بيانية ، يعنى أن ذلك إشارة إلى على . والكتاب عبارة عنه ، والمعنى أن ذاك الكتاب الذي هو على لا مرية فيه " . ثم يفسر المتقين بأنهم الشيعة ، ويقول : " وإنما خص المتقين بالاهتداء به لأنهم المنتفعون به " ([394]).

      وعند قوله تعالى : ] وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ[ ([395]) يقول : " كابن أبى وأصحابه ، وكالأول والثاني وأضرابهما من المنافقين ، الذين زادوا على الكفر الموجب للختم والغشاوة والنفاق ، ولا سيما عند نصب أمير المؤمنين للخلافة والإمامة " ([396]). ثم يذكر ما نقلناه من قبل عن تفسير الحسن العسكرى لهذه الآية الكريمة ، وذكره للغدير ، وخيانة خير أمة أخرجت للناس ([397]).

      وفى تفسيره لسورة القدر نراه يتفق مع القمي وينقل عنه ما ذكرناه من قبل ، بل يزيد عنه بأن وجود القرآن متعلق بوجود الإمام !! وكلامه بالنص بعد أن ذكر رواية عن الإمام أبى عبدالله بأنه لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن : " وذلك لأن في ليلة القدر ينزل كل سنة من تبيين القرآن وتفسيره ما يتعلق بأمور تلك السنة إلى صاحب الأمر ، فلو لم يكن ليلة القدر لم ينزل من أحكام القرآن ما لا بد منه في القضايا المتجددة ، وإنما لم ينزل ذلك إذا لم يكن من ينزل عليه ، وإذا لم يكن من ينزل عليه لم يكن قرآناً ، لأنهما متصاحبان لن يفترقا حتى يردا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حوضه كما ورد في الحديث المتفق عليه "([398]) .

       إذن يمكن القول بأن تفسير الصافى لا يقل غلواً عن التفاسير الثلاثة بل زاد عنها .

ثانياً: البرهان في تفسير القرآن

      وممن عاصر صاحب الصافى السيد هاشم البحرانى " توفى سنة 1107 أو سنة 1109 " وله كتاب " البرهان في تفسير القرآن " جمع فيه كثيراً من الروايات الجعفرية في تفسير القرآن الكريم ([399]).

      والكتاب لا يختلف كثيراً عن تفسير الصافى ، فهو يسير في طريق الضلال نفسه ، يحرف كتاب الله تعالى نصاً ومعنى ، ويطعن في حفظة الكتاب الكريم ، وحملة الشريعة من الصحابة الكرام الأطهار ، ويذكر من الروايات المفتراة ما يؤيد ضلاله .

      ونستطيع أن ندرك منهج هذا التفسير الضال المضل ، وأثر الإمامة فيه ، من الأبواب التي نراها في الجزء الأول قبيل البدء في تفسير السور الكريمة ، ومن الأخبار التي أثبتها البحرانى في هذا الكتاب ، فلنضرب بعض الأمثلة.

      ذكر البحرانى " باب في أن القرآن لم يجمعه كما أنزل إلاَّ الأئمة ، وعندهم تأويله " . وتحت هذا الباب نجد ستة وعشرين خبراً ([400]).

      وفى  " باب فيما نزل عليه القرآن من الأقسام "([401]) يذكر عن أمير المؤمنين أنه قال : نزل القرآن أثلاثاً : ثلث فينا وفى عدونا ، وثلث سنن وأمثال ، وثلث فرائض وأحكام . وعن أبى عبدالله : إن القرآن نزل على أربعة أرباع .

     ويذكر " باب في أن القرآن نزل بإياك أعنى واسمعى يا جارة " ([402]) و" باب فيما عنى به الأئمة في القرآن " ، وفيه ، لو قرئ القرآن كما أنزل لألفيتنا فيه مسمين كما سمى من قبلنا ([403]). 

      ويقول البحرانى :

      وأما ما هو على خلاف ما أنزل الله فهو قوله : ] كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [... وأما ما هو محرف منه قوله : ] لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ الله إِلَيْكَ في على[ كذا نزلت([404]) .

 

      وأما ما تأويله بعد تنزيله : فالأمور التي حدثت في عصر النبيصلى الله عليه وسلم ، وبعده ، في غصب آل محمد صلى الله عليه وسلم حقهم ، وما وعدهم الله تعالى من النصرة على أعدائهم ، وما أخبر الله سبحانه به نبيه من أخبار القائم وخروجه ، وأخبار الرجعة ([405]).

       وأما ما هو مخاطبة لقوم ومعناه لقوم آخرين فقوله : ] وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ [ أنتم يا معشر أمة محمد ([406]).

 وأما الرد على من أنكر الرجعة فقوله : ] وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا [ ([407])

     ومن هذا يتضح منهج هذا البحرانى ، ونزيد لك بياناً بشئ مما جاء في تفسيره للآيات الكريمة .

    مما جاء في تفسيره للفاتحة :" غير المغضوب عليهم النصاب ، والضالين : الشكاك الذين لا يعرفون الإمام " .

      ويروى عن أبى جعفر أنه قال : " إن الله عز وجل خلق جبلاً محيطاً بالدنيا ، زبرجدة خضراء ، وإنما خضرة السماء من خضرة ذلك الجبل ، وخلق خلفه خلقاً لم يفترض عليهم شيئاً مما افترض على خلقه من صلاة وزكاة ، وكلهم يلعن رجلين من هذه الأمة سماهما " .

       ويروى عنه أيضاً أنه قال : " من وراء شمسكم هذه أربعون عين شمس ، ما بين عين شمس إلى عين شمس أربعون عاماً ، فيها خلق كثير ، ما يعلمون أن الله تعالى خلق آدم أو لم يخلقه . وإن من وراء قمركم هذا أربعون قرصاً ، وبين القرص إلى القرص أربعون عاماً ، فيها خلق كثير لا يعلمون أن الله - عز وجل- خلق آدم أو لم يخلقه ، قد ألهموا كما ألهمت النحلة لعنة الأول والثاني في كل الأوقات ، وقد وكل بهم ملائكة متى لم يلعنوا عذبوا " ([408]).

      وفى أول سورة البقرة يذكر ما رأيناه من قبل في تفسير الصافى فيقول " كتاب على لا ريب فيه " ([409]).

      وهكذا نرى من هذه الأمثلة القليلة ([410]) أن هذا التفسير كسابقه يسير في طريق الضلال ، ويعتبر امتداداً للحركة التي منى بها القرن الثالث ، ويمثل جانب الغلو والتطرف .

ثالثاً: بحار الأنوار

       وممن عاصر صاحبى الصافى والبرهان المولى محمد باقر المجلسى ، المتوفى سنة 1111 ، وهو من أشهر علماء الجعفرية ، وله مكانته عندهم . وللمجلسى موسوعته الكبرى " بحار الأنوار " ، تحدث فيها عن أشياء كثيرة ، يعنينا منها هنا ما يتصل بكتاب الله تعالى ، وأثر الإمامة فيه والمجلسى لم يؤلف بحاره للتفسير ، وإنما لخدمة المذهب الجعفرى الاثنى عشرى ، فالحديث عن القرآن الكريم جاء من هذا الباب . وقد جعل كتاباً للإمام تحته مئات الأبواب ، ضمتها مجموعة من أجزاء البحار.  ومن هذه الأبواب " أبواب الآيات النازلة فيهم " : أي في الأئمة كما يزعم ، وهى تقع في أكثر من ستمائة صفحة في جزأين ([411]). ومنها كذلك " أبواب الآيات النازلة في شأنه  الدالة على فضله وإمامته " ، أي في شأن الإمام على ، وهى تقع فيما يقرب من أربعمائة وخمسين صفحة في جزأين كذلك ([412]).

       ويكفى أن نذكر عناوين بعض هذه الأبواب ليظهر  مدى غلو هذا الضال ، فمن أبوابه :

     باب أنهم - أي الأئمة - آيات الله وبيناته وكتابه ([413]) ، وأن الأمانة في القرآن الإمامة ([414]) ، وأنهم أنوار الله تعالى وتأويل آيات النور فيهم ([415]) ، وتأويل المؤمنين والإيمان والمسلمين والإسلام بهم وبولايتهم... والكفار والمشركين والكفر والشرك والجبت والطاغون واللات والعزى والأصنام بأعدائهم ومخالفيهم  ([416]) ، وأنهم خير أمة وخير أئمة أخرجت للناس ([417])، وأنهم جنب الله ووجه الله ويد الله       وأمثالها([418])، وأنه - أي الإمام علياً - المؤمن والإيمان والدين والإسلام والبينة والسلام وخير البرية في القرآن الكريم ... وأعداؤه " الكفر والفسوق والعصيان"([419])، وأنه أنزل فيه - صلوات الله عليه - الذكر والنور والهدى والتقى في القرآن([420]) ، وأنه النبأ العظيم والآية الكبرى([421]) .

      والمجلسى ينقل عن التفاسير الثلاثة الضالة التي ظهرت في القرن الثالث الهجرى ، وعن غيرهما من كتب غلاة الشيعة ، ولكنه لا يكتفى بالنقل ، وإنما كثيراً ما يذكر رأيه سواء في هذه الأجزاء أو في غيرها من كتابه البحار .

      وإذا كان تأليف الأبواب على هذه الصورة يدل على فساد عقيدته التي تنزل به إلى درك الغلاة ، فإن ذكر الآراء يكشف عن حقيقته بوضوح يمنع المماحكة وخلق الأعذار ، وهاك بعض ما جاء في كتابه .

      نقل عن الكافى ثلاث روايات عن الإمام أبى جعفر قال : نزل جبريل بهذه الآية على محمد صلى الله عليه وسلم : ] بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ[ في على  " بَغْيا""     وقال : نزل جبرائيل  بهده الآية على محمد صلى الله عليه وسلم هكذا :] وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا[ في على  ]فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ [ وقال: نزل بهذه الآية هكذا : ] يَا أَيُّهَآ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا أنَزَّلْنَا[ في علىّ  ] نُورًا مُّبِينًا[

وبعد هذه الروايات قال المجلسى ([422]):

     بيان : قوله : " على عبدنا في على ع " لعله كان شكهم فيما يتلوه صلى الله عليه وسلم في شأن على " ع " ، فرد الله عليهم بأن القرآن معجزة ، ولا يمكن أن تكون من عند   غيره . وأما الأية الثالثة فصدرها في أوائل سورة النساء هكذا : ] يَا أَيهَآ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم [ وآخرها في آخر تلك السورة هكذا :

] يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا[ ، ولعله سقط من الخبر شئ ، وكان اسمه " ع " في الموضعين ، فسقط آخر الأولى وأول الثانية من البين ، أو كان في مصحفهم عليهم السلام إحدى الآيتين كذلك ، ولا يتوهم أن قوله] مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم [ في الأولى ينافى ذلك ، إذ يمكن أن يكون على هذا الوجه أيضاً الخطاب إلى أهل الكتاب ، فإنهم كانوا مبغضين لعلى " ع " لكثرة ما قتل منهم ، وكان اسمه " ع"  مثبتاً عندهم في كتبهم كاسم النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذا قوله   ] أُوتُواْ الْكِتَابَ [ ، وإن احتمل أن يكون المراد بالكتاب القرآن .

      وذكر المجلسى بعد هذا روايات أخرى عن الكافى أيضاً فيها آيات محرفة كذلك ، وقال عن التحريف في بعضها :

     " يحتمل التنزيل والتأويل " ، واحتمل في موضع آخر وجود الآيات المحرفة في مصحف خاص بأئمتهم كما ذكر من قبل ([423]).

     ثم أورد المجلسى ثلاث روايات من الكافى عن الإمام أبى عبدالله جعفر الصادق هي ([424]) :

     عنه في قول الله عز وجل : ] إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ [ قال : نزلت في فلان وفلان وفلان وفلان : آمنوا بالنبىصلى الله عليه وسلم في أول الأمر، وكفروا حيث عرضت عليهم الولاية حين قال النبي صلى الله عليه وسلم : من كنت مولاه فعلى مولاه ، ثم آمنوا بالبيعة لأمير المؤمنين رضي الله عنه ، ثم كفروا حيث مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقروا بالبيعة ، ثم ازدادوا كفراً بأخذهم من بايعه بالبيعة لهم ، فهؤلاء لم يبق فيهم من الإيمان شيء .

      وعنه في قول الله تعالى " 25 : محمد "  : ] إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى [ فلان وفلان وفلان ، ارتدوا عن الإيمان في ترك ولاية أمير المؤمنين رضي الله عنه ، قلت : قوله تعالى " 26 : محمد "

] ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ[ قال :           نزلت والله فيهما وفى أتباعهما ، وهو قول الله عز وجل الذي نزل                   به جبرائيل " ع " على محمد صلى الله عليه وسلم ] ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ[                   في على  ] سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ[ قال : دعوا بنى أمية إلى ميثاقهم ألا يصيروا الأمر فينا بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يعطونا من الخمس شيئاً ، وقالوا : إن أعطيناهم إياه لم يحتاجوا إلى شئ ، ولا يبالوا ألاَّ يكون الأمر فيهم ،فقالوا : سنطيعكم في بعض الأمر الذي دعوتمونا إليه ، وهو الخمس ألا نعطيهم منه شيئاً ، وقوله " كرهوا ما نزل الله " والذى نزل الله ما افترض على خلقه من ولاية أمير المؤمنين  ، وكان معهم أبو عبيدة ، وكان كاتبهم ، فأنزل الله :   ] أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم [ " 79 : 80 الزخرف " .

       والرواية الثالثة أنه قال في قوله تعالى " 25 : الحج " : ] وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ [ ، نزلت فيهم : حيث دخلوا الكعبة ، فتعاهدوا وتعاقدوا على كفرهم ، وجحودهم بما نزل في أمير المؤمنين رضي الله عنه ، فألحدوا في البيت بظلمهم الرسول ووليه ، فبعداً للقوم الظالمين .

     وبعد هذه الرواية قال المجلسى :

    بيان : قوله : ] إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ [ أقول : الآية في سورة النساء ([425])هكذا : ] إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً[ ، وفى سورة آل عمران ([426]) هكذا ] إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ[ ، ولعله  - ضم جزءاً من إحدى الآيتين إلى جزء من الأخرى لبيان اتحاد مفادها ، ويحتمل أن يكون في مصحفهم " ع " هكذا ، والظاهر أن المراد بالإيمان في الموضعين الإقرار باللسان فقط ، وبالكفر الإنكار باللسان أيضاً ، كما صرح به في تفسير على بن إبراهيم .

      قوله  : بأخذهم من بايعه بالبيعة : لعل المراد بالموصول أمير المؤمنين رضي الله عنه ، والمستتر في قوله : بايعه راجع إلى أبى بكر ، والبارز إلى الموصول ، ويحتمل أن يكون المستتر راجعاً إلى الموصول ، والبارز إليه  ، أي أخذواالذين بايعوا أمير المؤمنين  يوم الغدير بالبيعة لأبى بكر ، ولعله أظهر .

      قوله : فلان وفلان وفلان : هذه الكنايات يحتمل وجهين : الأول أن يكون المراد بها بعض بنى أمية كعثمان وأبى سفيان ومعاوية ، فالمراد بالذين كرهوا ما نزل الله أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ، إذ ظاهر السياق أن فاعل " قالوا " الضمير الراجع إلى " الذين ارتدوا " والثاني أن يكون المراد بالكنايات أبا بكر وعمر وأبا عبيدة ، وضمير " قالوا " راجعاً إلى بنى أمية بقرينة كانت عند النزول ، والمراد بالذين كرهوا الذين ارتدوا ، فيكون من قبيل وضع المظهر في موضع المضمر . نزلت والله فيهما : أي في أبى بكر وعمر ، وهو تفسير للذين كرهوا . وقوله : وهو قول الله : تفسير لما نزل الله ، وضمير " دعوا " راجع إليهما  وأتباعهما ، " وقالوا " أي هما وأتباعهما .

       قوله ، في بعض الأمر : لعلهم لم يجترئوا أن يبايعوهم في منع الولاية فبايعوهم في منع الخمس ، ثم أطاعوهم في الأمرين جميعاً ، ولا يبعد أن تكون كلمة " في " على هذا التأويل تعليلية ، أي نطيعكم بسبب الخمس لتعطونا منه شيئا . وقوله : " كرهوا ما نزل الله " إعادة للكلام السابق لبيان أن ما نزل الله في على  هو االولاية ، إذ لم يظهر ذلك مما سبق صريحاً ، ولعله زيدت الواو في قوله: " والذى " من النساخ ، وقيل : قوله مرفوع على قول الله من قبيل عطف التفسير ، فإنه لا تصريح في المعطوف عليه ، بأن النازل فيهما في أتباعهما كرهوا أم قالوا ([427]).

       وبعد أن انتهى المجلسى من بيانه السابق ذكر عشرات الروايات التي تحمل التحريف لكتاب الله تعالى ، والتكفير لمن رضي الله عنهم ورضوا عنه من الصحابة الكرام البررة ، ثم قال :

       اعلم أن إطلاق لفظ الشرك والكفر على من لم يعتقد إمامة أمير المؤمنين والأئمة من ولده " ع " وفضل عليهم غيرهم ، يدل على أنهم كفار مخلدون في  النار ([428]) . ثم أورد ما يؤيد به رأيه ، فقال : " قال الشيخ المفيد  قدس الله روحه - في كتاب المسائل : اتفقت الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة ، وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض الطاعة ، فهو كافر ضال مستحق للخلود في  النار، وقال في موضع آخر : اتفقت الإمامية على أن أصحاب البدع كلهم        كفار ، وأن على الإمام أن يستتيبهم عند التمكن بعد الدعوة لهم ، وإقامة البينات عليهم ، فإن تابوا من بدعهم ، وصاروا إلى الصواب وإلا قتلهم لردتهم عن الإيمان، وأن من مات منهم على ذلك فهو من أهل النار " .

     ومن هذا نرى أن كتاب بحار الأنوار للمجلسى يعتبر امتداداً  لحركة التضليل والتشكيك في كتاب الله العزيز ، ويمثل جانب الغلو والتطرف عند الجعفرية الاثنى عشرية ([429]).

رابعاً : تأويل الآيات الباهرة

       والمجلسى ليس أول من عنى بجمع الآيات التي أجرم الضالون من طائفته بتحريفها في اللفظ أو المعنى ، فمن قبله مثلاً شرف الدين بن على النجفى الذي ألف كتاباً أسماه " تأويل الآيات الباهرة في فضل العترة الطاهرة " ، ونقل المجلسى عنه بعض رواياته([430]) .

       والكتاب لا يجمع الآيات تحت أبواب - كما فعل المجلسى ، وإنما يسير بترتيب السور الكريمة .

       وفى ذكره لبعض آيات سورة البقرة يجمع أكثر ما جاء به من التفسير المنسوب للإمام الحسن العسكرى . والتحريف في النص يكثر نقله عن القمي ، وتلميذه الكلينى .

      ولسنا في حاجة لذكر أمثلة ، فالكتاب كله صورة واضحة لهذا الضلال والإضلال ([431]).

      وسيأتى ذكر لكثير من كتبهم مثل هذا الكتاب .

خامساً : تفسير شبر :

          ويبدو أن حركة التضليل والتشكيك كانت أقوى من الحركة المضادة ، ذلك أن الكتب الضالة التي ظهرت في القرن الثالث منها كتاب ينتسب إلى إمام ، وآخر لمفسر يوثقونه كل توثيق ، أحد تلاميذه هو الكلينى ، صاحب كتاب الحديث الأول عند الجعفرية ، وقد نقل عن شيخه القمي مئات الروايات في التحريف والتكفير وغير ذلك ، والثالث للعياشى وهو في مكانة القمي عندهم ، ولهذا ما وجدت أو قرأت من كتاب من كتب التفسير الجعفرى يصل إلى كتاب التبيان للطوسى في اعتداله النسبى أو قلة غلوه([432]) . ولكن ظهر بعض التفاسير التي لم ترتفع إلى هذا المستوى ، ولم تنزل إلى ذلك الدرك الأسفل . ومن هذه الكتب تفسير القرآن الكريم للسيد عبدالله شبر ([433]).

      ولنتبين أهم آثار الإمامة في هذا التفسير ومدى غلوه نعرض ما يأتى :

أولا ً :

        بالنسبة للقول بتحريف القرآن الكريم أو عدم تحريفه لم أجد لشبر نصاً صريحاً ، ولكن يبدو أنه يميل إلى القول بالتحريف ، ويظهر هذا الترجيح مما يكثر منه على أنه من القراءات ، ومن هذه القراءات .

       في سورة آل عمران الآيات 102 ، 104 ، 110 ، فالآية الأولى         هي : ]  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ[ ولكن شبراً يذكر أنها قرئت " تقية " و " مسلّمون " وواضح أن تحريف التقوى بالتقية لتأييد مبدأ من مبادئ الجعفرية ، وأما الكلمة الأخرى فيقول عنها شبر " وقرئ بالتشديد أي منقادون للرسول ثم للإمام من بعده " ([434]).

     

     والآية الثانية ] وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [ يبدل كلمة " أمة " بأئمة ([435])أي أئمة الجعفرية .  

       وكذلك فعل في الآية الثالثة ] كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ [ فيقول : " هم آل محمد عليهم السلام، وقرئ كنتم خير أئمة " ([436]).

 

       وفى سورة الحجر " الآية 41 " : ] قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتـقِيمٌ[ يبدل الجار والمجرور باسم الإمام على فيقول " صراط عَلِىٍّ بالإضافة ([437]).

       وفى سورة الحج " الآية 52 " : ] وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ [ يقول شبر : " وعنهم أي أئمته أو محدث بفتح الدال ، هو الإمام يسمع الصوت ولا يرى الملك ([438]). وغير هذا كثير([439]) .

     ومما يرجح كذلك انضمام شبر إلى القائلين بالتحريف ، موقفه من الآية التاسعة من سورة الحجر ] إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظــُونَ[ حيث أولها   بقوله : " وإنا له لحافظون عند أهل الذكر واحداً بعد واحد إلى القائم أو في     اللوح ... وقيل الضمير للنبى " ([440]).

 ثانياً : نجد شبراً ممن يطعن في الصحابة الأبرار ، وأمهات المؤمنين الطاهرات : فمثلاً آيات سورة النور التي تحدثت عن الإفك لتبرئة أم المؤمنين السيدة عائشة - رضي الله عنها ، نرى شبراً يجعل فيها اتهاماً لمن برأها الله تعالى فيقول : ] وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ [ تحمل معظمه ] مِنْهُمْ[ من الآفكين  ] لَهُ عذَابٌ عَظِيمٌ[ في الآخرة . أو في الدنيا بجلدهم ، نزلت في مارية القبطية وما رمتها به عائشة من أنها حملت بإبراهيم من جريج القبطى ، وقيل في عائشة"([441]).

      وفى سورة التوية " الآية 40 " : ] إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ... [ يعز على شبر أن ينزل من السماء تكريم لأبى بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه  ولا يكتفى بنفى هذا التكريم ، بل يفترى على الله تعالىمرة أخرى ، ويجعل من الآية الكريمة اتهاماً لأفضل المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولذلك يقول :]إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ [ ولا مدح فيه إذ قد يصحب المؤمن الكافر كما : ] قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ [ ([442]) ] لاَ تَحْزَنْ [ : فإنه خاف علــى نفسه ، وقبض واضطرب حتى كاد أن يدل عليهما ، فنهـاه عن ذلك ]    إِنَّ اللّهَ مَعَنَا[  عالم بنا ] فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ [طمأنينة ]عَلَيْه[ِ على الرسول ، وفى إفراده صلى الله عليه وسلم بها ههنا مع اشتراك المؤمنين معه حيث ذكرت ما لايخفى([443]).

 ثالثاً : نجد شبراً يغالى في أئمته ، ويخضع القرآن الكريم لهذا الغلو ، فيضيف إلى التحريف في النص تحريفاً في المعنى . انظر مثلاً تأويله لسورة القدر حيث يقول : ] تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا   [ : جبرائيل أو خلق أعظم من الملائكة ]بِإِذْنِ رَبِّهِم [ يأمره كل سنة إلى النبي وبعده إلى أوصيائه ، ] مِّن كُلِّ أَمْرٍ[ : بكل أمر قدر في تلك السنة أو من أجله ، ] سَلَامٌ هِيَ [ : قدم الخبر للحصر أي ما هي إلاَّ سلامة أو سلام ؛ لكثرة سلام الملائكة فيها على ولى الأمر ([444]) .

      وفى سورة المعارج ، بعد أن ذكر أنها مكية ، يقول :

] سَأَلَ سَائِلٌ [ : دعا داع ، ] بِعَذَابٍ وَاقِعٍ[ : نزلت لما قال بعض المنافقين يوم الغدير : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ، فرماه الله بحجر فقتله ([445]).

     وفى الآية الثامنة من سورة هود يقول :

]وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ[ : أوقات قليلة ، قال الصادق  : هي أصحاب المهدى عدة أصحاب أهل بدر ([446]).

      هذا بعض ما جاء في تفسير شبر ، وأظنه يكفى لبيان أثر الإمامة فيه ، وهو وإن كان في منزلة بين المنزلتين ، إلاَّ أنه إلى الغلو أقرب ، وعن الاعتدال أكثر بعداً .

سادساً : كنز العرفان

       وبعد الانتهاء من النظر في تلك الكتب ، نأتى إلى لون آخر من التفاسير ، وهى تختص بآيات الأحكام فقط ، رجعت إلى كتابين أحدهما يمثل جانب الاعتدال النسبى ، والآخر سار في طريق الغلاة .

       الكتاب الأول هو " كنز العرفان في فقه القرآن " ، لمقداد بن عبدالله السيورى الحلى ([447]) ، والكتاب ينتصر للأحكام التي استقر عليها رأى الشيعة الجعفرية ، مخالفين بها كل المذاهب أو بعضها ، فمثلاً عند قوله تعالى :

] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ [ ([448]) ، نراه يقف طويلاً عند عجز الآية، محاولاً إثبات أن الواجب مسح الرجلين لا غسلهما ([449]) .

   وعند قوله عز وجل ] وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [ ([450]) ، حاول أن يثبت وجوب رد السلام في أثناء الصلاة ([451]).

والانتصار للفقه الشيعى الجعفرى من باحث جعفرى أمر متوقع ، بل لا ينتظر غيره ، ولكنه ينتهى أحياناً إلى آراء أثر الإمامة يبدو فيها واضحاً ، ومن أمثلة هذه الأراء ما يأتى :

     عند قوله تعالى :  ]  إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا  [ ([452]) ينتهى إلى أن في الآية أحكاماً هي :

     أن المشركين أنجاس نجاسة عينية لا حكمية ، وأن آثارهم وكل ما باشروه برطوبة نجس أيضاً ، وأنه لا يجوز دخولهم المسجد الحرام ، وكذا باقى المساجد لنصوص الأئمة . ثم يقول : " لا فرق بينهم وبين الكفار عندنا في جميع ما تقدم للإجماع المركب ، فإن كل من قال بنجاستهم عيناً قال بنجاسة كل كافر ، ولأن أهل الذمة مشركون " ([453]) . وبالبحث عن باقى الكفار عندهم نجد أن الجعفرية توسعوا في مفهوم الكفر فحكموا بكفر كثير من المسلمين ، حتى أن بعضهم اعتبر غير الجعفرى كافراً مشركاً ([454]) .

       وفى قوله عز وجل : ]إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[ ([455]) : يذكر مشروعية الصلاة على الآل تبعاً للنبى صلى الله عليه وسلم، وجواز الصلاة عليهم " لا تبعاً له بل إفراداً كقولنا اللهم صلى على آل محمد ، بل  الواحد منهم لا غير " ، وأن الصلاة عليهم واجبة في الصلاة ، ومستحبة في غيرها، ثم يقول : " والذين يجب الصلاة عليهم في الصلاة ، هم الأئمة المعصومون لإطباق الأصحاب على أنهم هم الآل ، ولأن الأمر بذاك مشعر بغاية التعظيم المطلق الذي لا يستوجبه إلاَّ المعصومون ، وأما فاطمة عليها السلام فتدخل أيضاً لأنها بضعة منه صلى الله عليه وسلم " .

      ويذكر كذلك أن أئمته هم القائمون مقام الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن مقام إمامتهم اغتصب ([456]).

      وفى قوله سبحانه : ]وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ [ ([457]).

        ينتهى إلى أحكام منها قوله : " وجوب القصر ، وإن كان عاماً لظاهر الآية، لكنه عندنا مخصوص بما عدا المواضع الأربعة : مسجد مكة ، والمدينة ، وجامع الكوفة ، والحاير الشريف ، وعليه إجماع أكثر الأصحاب ، لأن الإتمام فيها        أفضل، لكونها مواضع شريفة تناسب التكثير من العبادة فيها " ([458]) .

سابعا ً:  زبدة البيان

       ذلك هو الكتاب الأول ، أما الكتاب الثاني فهو " زبدة البيان في أحكام  القرآن" ، لأحمد بن محمد الشهير بالمقدسى الأردبيلى ([459]) ولنتبين مدى غلوه ، وأثر الإمامة فيه نعرض ما يأتى :-

       في كتاب الطهارة ذكر أن الإيمان المطلق عند الجعفرية يدخل فيه التصديق والإقرار " بالولاية والإمامة والوصاية لأهل البيت ( ع ) بخصوص كل واحد   واحد " ([460]) .

      ثم قال : فلنشر إلى ما يدل على كون أمير المؤمنين " ع " إماماً ، وهو غير محصور ، ونقتصر على نبذ منه . منه قوله تعالى : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [ ([461]).

       ومما قاله في الآية الكريمة : " ظاهر أنها في أمير المؤمنين وأصحابه الذين ارتدوا بعده من الخوارج ، ومحاربيه يوم الجمل وصفين وغيره " .

       واستمر لبيان أنها فيه ، واستدل بأحاديث لا تصلح للاستدلال هنا ، وبأخرى موضوعة ، إلى أن قال : وبالجملة الأوصاف كلها موجودة فيه ، ويؤيد كونها فيه قوله تعالى متصلاً بالآية المذكورة :

] إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ[ مع إجماع المفسرين على أنها في شأنه  ([462]) .

      وفى كتاب الصلاة عاد الأردبيلى للحديث عن الآية الخامسة والخمسين من سورة المائدة ] إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ [ ليستدل بها على إمامة أمير المؤمنين ، والأئمة الأحد عشر من ولده الذين تصدقوا في حال ركوعهم كذلك ([463]).

     وفى كتاب الطهارة ذكر قوله تعالى : ] وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ[ ([464]) ، واستدل بها على وجوب عصمة الأئمة ([465]) .

       وفى كتاب النكاح : ذكر أول سورة التحريم ، وتحدث عن أسباب النزول ، ثم قال : " وفى السبب شئ عظيم لحفصة ، ولعائشة أعظم ، حيث كذبت وغدرت وفتنت ، وأمرت بهذه المناكير ، وحصل الأذى للنبى صلى الله عليه وسلم بذلك([466]).

         واستدلالاً بالآية الخامسة ] عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا[          قال : " وبالجملة هذه تدل على عدم اتصافهما بهذه الصفات ، واتصاف غيرهما بها([467]) .

        وبعد ذلك تحدث عن ضرب المثل بامرأة نوح وامرأة لوط ، ثم قال :      " ولعل فيه تسلية للنبى وغيره من المؤمنين ، بأنه لا يستبعد حصول امرأة غير صالحة للنبى وغيره ، ودخولها النار ، مع كون جسدها مباشراً لجسده ، ووجود الزوجية ، وهى صريحة في ذلك ، والمقصود واضح فافهم . وكذا رجاء من يتقرب بتزويجه وزوجيته صلى الله عليه وسلم ، ولهذا كانت أم حبيبة بنت أبى سفيان أخت معاوية أيضاً عنده صلى الله عليه وسلم ، وهى أحدى زوجاته ، وأبوها كان أكبر رءوس الكفار ، وصاحب حروبه صلى الله عليه وسلم وأخرى صفية بنت حيى بن أخطب بعد أن أعتقها ، وقد قتل أبوها على الكفر ، وأخرى سودة بنت زمعة ، وكان أبوها مشركاً ومات عليه ، وقيل : قد زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنتيه قبل البعثة بكافرين يعبدان الأصنام"([468])  .

       بعد هذا لسنا في حاجة إلى ذكر المزيد لبيان أن هذا الكتاب يمثل جانب الغلو والتطرف والضلال .  

ثامناً: الميـــزان

     بعد الحديث عن كتب للجعفرية الاثنى عشرية ظهرت في القرون السابقة أرى أن ننظر فيما كتب علماؤهم المعاصرون ، لنرى إلى أي مدى لا يزال التأثر بعقيدة الإمامة في تناولهم لكتاب الله العزيز .

      ومن أكثر الكتب انتشاراً وشهرة ، ولها مكانتها عند شيعة اليوم كتاب         " الميزان في تفسير القرآن " : للسيد محمد حسين الطباطبائى ([469]) . وأهم آثار الإمامة في هذا الكتاب  تبدو فيما يأتى :-

أولا ً:عندما ينتصر لعقيدته في الإمامة ، أو لشئ متصل بها ، يقف من التحريف موقفاً غير حميد ، ففى الحديث عن آية التطهير سبق أن أوردت قوله الذي يفيد احتمال وضع الصحابة للآيات في غير موضعها حيث قال " 16 / 330 " : " الآية لم تكن بحسب النزول جزءاً من آيات نساء النبي  ، ولا متصلة بها ، وإنما وضعت بينها : إما بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم  ، أو عند التأليف بعد الرحلة " ([470]).

     وعند الحديث عن موقف شبر من التحريف ذكرت ما نسبه لأئمته من زيادة كلمة " أو محدث " بعد قوله تعالى : ] وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ [ ، وذكرت كذلك تفسير شبر للمحدث بأنه الإمام يسمع الصوت ولا يرى الملك . وصاحب الميزان نراه يقول : " الروايات في معنى المحدث عن أئمة أهل البيت كثيرة جداً ، رواها في البصائر والكافى والكنز والاختصاص وغيرها. وتوجد في روايات أهل السنة أيضاً " ([471]) .

       وإذا كان قوله ينحصر في معنى المحدث ، إلاَّ أن روايات أئمته التي أشار إليها تتناول زيادة الكلمة في الآية الكريمة ومعناها ([472]) .

     أما روايات أهل السنة فنجدها في الصحيحن وغيرهما : ففى البخاري  " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون ، فإن يك في أمتى أحد فإنه عمر " ([473]) .

       وفى مسلم : عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : " قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون ، فإن يك في أمتى منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم . قال ابن وهب : تفسير محدثون ملهمون " ([474]) .

      وفى الترمذى أن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : " قد كان يكون الأمم محدثون ، فإن يك في أمتى أحد فعمر بن الخطاب " وزاد الترمذى : " قال سفيان بن عيينة : محدثون يعنى مفهون " ([475]) .

      فهذه الروايات إذن ليس فيها تحريف للقرآن الكريم ، أو زعم استمرار الوحى وسماع صوته .

      وعند قوله : ] فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [ ([476]) .

      روى عن أئمته بأنها إنما نزلت ]  فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ إلى أجل مسمى  فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [ ، ثم يعقب بقول عام يبين رأيه في هذه الرواية وأمثالها حيث يقول :

        " لعل المراد بأمثال هذه الروايات الدلالة على المعنى المراد من الآية دون النزول اللفظى " ([477]) .

       فهو إذن لا يجزم بالتحريف أو عدمه ، أي أنه في منزلة بين القمي والطوسى .

ثانياً : بينا لجوء الطوسى والطبرسى لتأويل بعض أي القرآن الكريم للاستدلال على عقيدة الإمامة ، وهنا نجد صاحب الميزان يزيد عنهما غلواً وافتراء ، فمثلاً آية الولاية التي تحدثنا عنها في الجزء الأول ، نرى الطباطبائى يتناولها في أكثر من عشرين صفحة محاولاً أن يثبت بها الولاية ، وضلال من لا يشاركه عقيدته ، ويذكر أن علياً حاج أبا بكر بها فاعترف بأن الولاية لعلى ([478]) .

      وعند قوله تعالى : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ [ ([479]) . نراه يقول : " على الناس أن يطيعوا الرسول فيما بينه بالوحى ، وفيما يراه من الرأى ، وأما أولو الأمر منهم - كائنين من كانوا - لا نصيب لهم من الوحى ، وإنما شأنهم الرأى الذي يستصوبونه ، فلهم افتراض الطاعة نظير ما للرسول في رأيهم وقولهم، ولذلك لما ذكر وجوب الرد والتسليم عند المشاجرة لم يذكرهم بل خص الله والرسول " . ([480]) ثم قال : " وبالجملة لما لم يكن لأولى الأمر هؤلاء خيرة في الشرائع ، ولا عندهم إلا ما لله ورسوله من الحكم - أعنى الكتاب والسنة - لم يذكرهم الله  سبحانه وتعالى ثانيا ، عند ذكر الرد .فلله تعالى إطاعة واحدة وللرسول وأولى الأمر إطاعة واحدة " ([481]) . ويبدو الاعتدال هنا في اختصاص الوحى بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ولكنه جعل رأى أولى الأمر كرأى الرسول سواء      بسواء ، وطاعتهم داخلة في طاعة الرسول ، لينتهى من هذا إلى وجوب عصمتهم والنص عليهم ، وأنهم هم أئمة الجعفرية ! وذكر روايات تؤيد ما ذهب إليه ، فأحال كتاب الله تعالى إلى كتاب من كتب الإمامة عند الجعفرية .

       ونكتفى هنا بذكر إحدى رواياته ، وتعقيبه عليها ، ليتضح مدى الغلو والافتراء ، وهاك نص الرواية :  " في تفسير البرهان عن ابن بابويه ، بإسناده عن جابر بن عبدالله الأنصارى. لما أنزل الله عز وجل على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم :  " "" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ""  " قلت : يا رسول الله عرفنا الله ورسوله ، فمن أولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك ؟ فقال : هم خلفائى ياجابر ، وأئمة المسلمين من بعدى ، أولهم على بن أبى طالب ، ثم الحسين ، ثم على بن الحسين ، ثم محمد بن على المعروف في التوراة بالباقر ، ستدركه   ياجابر ، فإذا لقيته فأقرئه منى السلام ، ثم الصادق جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم على بن موسى ، ثم محمد بن على ، ثم على بن محمد ، ثم الحسين بن على ، ثم سميى محمد وكنيى ، حجة الله في أرضه ، وبغيته في عباده ، ابن الحسن ابن على ، ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه  غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه بالإيمان .

      قال جابر : فقلت له : يارسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟  فقال صلى الله عليه وسلم : أي والذى بعثنى بالنبوة إنهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلاها سحاب ، يا جابر هذا من مكنون سر الله ومخزون علم الله فاكتمه إلا عن أهله ! "  ثم عقب الطباطبائى بقوله : " وعن النعمانى .. عن على ما في معنى الرواية السابقة ، ورواها على بن إبراهيم بإسناده عن سليم عنه ، وهناك روايات أخر من طرق الشيعة وأهل السنة ! ومنها ذكر إمامتهم بأسمائهم ، من أراد الوقوف عليها فعليه بالرجوع إلى كتاب ينابيع المودة ، وكتاب غاية المرام للبحرانى ، وغيرهما " ([482]).

ثالثاً :وهو يتحدث عن منهجه في التفسير ، واستدلاله بالروايات قال : " وضعنا في ذيل البيانات متفرقات من أبحاث روائية ، نورد فيها ما تيسر لنا إيراده من الروايات المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأئمة أهل البيت عليهم السلام ، من طرق العامة والخاصة . وأما الروايات الواردة عن مفسرى الصحابة والتابعين فإنها على ما فيها من الخلط والتناقض لا حجة فيها على مسلم " ([483]) .

       وبالاطلاع على هذه الأبحاث الروائية وجدنا أنه لا يفترق كثيراً عن القمي والعياشى وأضرابهما ، وعنهم أخذ أكثر رواياته ، ولنضرب بعض الأمثلة:

       من هذه الروايات " أن آدم لما أكرمه الله تعالى بإسجاد ملائكته له ، وبإدخاله الجنة ، قال : هل خلق الله بشراً أفضل منى ؟ فعلم الله عز وجل ما وقع في نفسه فناداه ، ارفع رأسك يا آدم ، وانظر إلى ساق العرش ، فنظر إلى ساق العرش فوجد عليه مكتوباً : لا إله إلاَّ الله ، محمد رسول الله ، على بن أبى طالب أمير      المؤمنين ، وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين ، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة . فقال آدم : يا رب من هؤلاء ؟ فقال عز وجل : يا آدم ، هؤلاء ذريتك ، وهم خير منك ومن جميع خلقى ، ولولاهم ما خلقتك ، ولا الجنة ولا النار ، ولا السماء ولا الأرض ، فإياك أن تنظر إليهم بعين الحسد ، فأخرجك عن جوارى ، فنظر إليهم بعين الحسد وتمنى منزلتهم ، فتسلط عليه الشيطان حتى أكل من الشجرة التي نهى عنها ، وتسلط على حواء فنظرت إلى فاطمة بعين الحسد حتى أكلت من الشجرة كما أكل آدم ، فأخرجهما الله تعالى من جنته ، وأهبطهما من جواره إلى الأرض " .

      ثم عقب صاحب الميزان بقوله : " وقد ورد هذا المعنى في عدة روايات ، بعضها أبسط من هذه الرواية وأطنب ، وبعضها أجمل وأوجز " ([484]).

     وروى عن الكلينى في قوله تعالى " 37 : البقرة " : ] فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ [ قال : " سأله بحق محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين " . وعقب يقوله : " وروى هذا المعنى أيضاً الصدوق والعياشى والقمى وغيرهم " ([485]).

     وروى عن الكلينى أيضاً : " إن الله أعز وأمنع من أن يظلم ، أو ينسب نفسه إلى الظلم ، ولكنه خلطنا بنفسه ، فجعل ظلمنا ظلمه ، وولايتنا ولايته ، ثم أنزل الله بذلك قرآناً على نبيه فقال : ] وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[([486])

   

     وعن الكافى كذلك : " إذا جحدوا ولاية أمير المؤمنين فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " ([487]).

      وعن العياشى أن الإمام الصادق قال : " الذين باءوا بسخط من الله هم الذين جحدوا على وحق الأئمة منا أهل البيت ، فباءوا بسخط من الله " ([488]) .

      وعنه كذلك في قوله تعالى : ] إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ[ ([489]) عن الإمام الصادق : نحن نعنى بها ، والله المستعان ، إن الواحد منا إذا صارت إليه لم يكن له أو لم يسعه إلاَّ أن يبين للناس من يكون بعده ([490]) .

      وعن العياشى أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقـول  :  " لا دين لمن لا   تقية له " ([491]).

      وعن القمي والكافى في قوله تعالى : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ [ ، رويا أنها نزلت في ولاية الإمام على([492]).

     ومن هذا كله يتضح أثر الإمامة في هذا التفسير ، وهو بلا شك أكثر غلواً من تفسير الطوسى ، بل من الطبرسي ، وأبحاثه الروائية نقلها من القمي والعياشى والكلينى وغيرهم ، فهو في هذا لا يكاد يفترق عن باقى الضالين .

تاسعاً : التفسير الكاشف

       إذا كان التبيان للطوسى - كما رأينا - هو أكثر الكتب اعتدالاً أو أقلها غلواً، فإن عصرنا شهد بعض الكتب في التفسير الشيعى لا تقل عنه اعتدالا ، ولا تزيد عنه غلوا . من هذه التفاسير كتابان : أحدهما " التفسير الكاشف " للعالم الجعفرى اللبنانى المشهور : محمد جواد مغنية ، ومظاهر الاعتدال نراها فيما يأتى :

أولاً : في بيانه لمنهجه في التفسير ، حيث يقول :

      اعتمدت - قبل كل شىء - في تفسير الآية وبيان المراد منها على حديث ثبت في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم لأنها ترجمان القرآن ، والسبيل إلى معرفة معانيه :        ] وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا [ ([493]).

       فإذا لم يكن حديث من السنة اعتمدت ظاهر الآية ، وسياقها ، لأن المتكلم الحكيم يعتمد في بيان مراده على ما يفهمه المخاطب من دلالة الظاهر ، كما أن المخاطب بدوره يأخذ بهذا الظاهر ، حتى يثبت العكس .

      وإذا أوردت آية ثانية في معنى الأولى ، وكانت أبين وأوضح ، ذكرتهما معاً، لغاية التوضيح ، لأن مصدر القرآن واحد ، ينطق بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض .

      وإذا تعارض ظاهر اللفظ مع حكم العقل وبداهته ، أولت اللفظ بما يتفق مع العقل باعتباره الدليل والحجة على وجوب العمل بالنقل .

      وإذا تعارض ظاهر اللفظ مع إجماع المسلمين في كل عصر ومصر على مسألة فقهية حملت الظاهر على الإجماع  ، كقوله تعالى   إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ    ([494]) ، حيث دلت " فاكتبوه " على الوجوب ، والإجماع قائم على استحباب كتابة الدين ، فأحمل الظاهر على الاستحباب دون الوجوب .

      أما أقوال المفسرين فلم أتخذ منها حجة قاطعة ، ودليلاً مستقلاً ، بل مؤيداً ومرجحاً لأحد الوجوه إذا احتمل اللفظ لأكثر من معنى ، فلقد بذل المفسرون جهوداً كبرى للكشف عن معاني القرآن وأسراره وإبراز خصائصه وشوارده ، وأولوا كتاب الله من العناية ما لم يظفر بمثلها كتاب في أمة من الأمم قديمها أو حديثها .

       وإن  في المفسرين أئمة كباراً في شتى علوم القرآن التي كانت الشغل الشاغل للمسلمين في تاريخهم الطويل ، فإذا لم تكن أقوال هؤلاء الأقطاب حجة ، كقول المعصوم ، فإنها تلقى ضوءاً على المعنى المراد ، وتمهد السبيل إلى        تفهمه ([495]).

ثانياً : في التزامه بهذا المنهج إلى حد كبير :

      مثال هذا ما ذكره في تفسير الفاتحة عند قوله تعالى : ] صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ [ قال : " جاء في بعض الروايات أن المغضوب عليهم هم اليهود ، والضالين هم النصارى ، ولكن لفظ الآية عام لا تخصيص فيه ، ولا استثناء ، فكل مطيع تشمله نعمة الله ورحمته ، وكل عاص ضال ومغضوب عليه " ([496]).

      وعند تفسير الآيات من " 111 إلى 113 " من سورة البقرة ، أشار إلى أن اليهود والنصارى يكفر بعضهم بعضاً ، ثم وضع عنواناً نصه : " أيضاً المسلمون يكفر بعضهم بعضاً " ، وتحت هذا العنوان قال :

    وإذا كان اليهود بحكم الطائفة الواحدة ، لأن التوراة تعترف بعيسى ، والإنجيل يعترف بموسى ، فبالأولى أن تكون السنة والشيعة طائفة واحدة ، حقيقة وواقعة : لأن كتابهم واحد ، وهو القرآن ، لا قرءانان ، ونبيهم واحد ، وهو محمد ، لا محمدان ، فكيف إذن يكفر بعض من الفريقين إخوانهم في الدين؟

    ولو نظرنا إلى هذه الآية : ] وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ [ ([497]) ، ولو نظرنا إليها بالمعنى الذي بيناه ، واتفق عليه جميع المفسرين ، ثم قسنا من يرمى بالكفر أخاه المسلم ـ لو نظرنا إلى الآية ، وقسنا هذا بمقياسها لكان أسوأ حالاً ألف مرة من اليهود والنصارى ..لقد كفر اليهود النصارى وكفر النصارى اليهود ، ]  وَهُمْ يتْلُونَ الْكِتَابَ[ أي التوراة والإنجيل ، فكيف بالمسلم يكفر أخاه المسلم ، وهو يتلو  القرآن ؟ فليتق الله الذين يلوون ألسنتهم بالكتاب ، وقلوبهم عمى عن معانيه    ومراميه ([498]) .

      وفى تفسير سورة الأنفال " الآيات 72 : 75 " تحدث عن المهاجرين والأنصار فقال : ما قرأت شيئاً أبلغ من وصف الإمام زين العابدين " ع "  للمهاجرين والأنصار وهو يناجى ربه ، ويطلب لهم الرحمة والرضوان بقوله :

     " اللهم أصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا ، وأبلوا البلاء الحسن في نصره، وكاتفوا وأسرعوا إلى وفادته ، وسابقوا إلى دعوته ، واستجابوا له ، حيث أسمعهم حجة رسالاته ، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته ، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته ، وانتصروا به ، ومن كانوا منطوين على محبته ، يرجون تجارة لن تبور في مودته ... فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك وفيك ... وكانوا مع رسولك لك إليك " .

      وبعد أن ذكر الشيخ مغنية قول الإمام قال :

  ملحوظة : هذه المناجاة جاءت في الصحيفة السجادية التي تعظمها الشيعة ، وتقدس كل حرف منها ، وهى رد مفحم لمن قال : إن الشيعة ينالون من مقام الصحابة ([499]).

     وفى تفسير سورة الرعد " الآيات 35 : 38 " قال تحت عنوان " الشيعة الإمامية والصحابة " : دأب بعض المأجورين والجاهلين على إثارة الفتن والنعرات بين المسلمين لتشتيت وحدتهم وتفريق كلمتهم ، دأبوا على ذلك عن طريق الدس والافتراء على الشيعة الإمامية ، وذلك بأن نسبوا إليهم النيل من مقام الصحابة ، وتأليه على ، والقول بتحريف القرآن الذي  يهتز له العرش ... وما إلى ذلك من الكذب والبهتان ... وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ([500])  قال الطبرسي :  " يريد الله سبحانه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين آمنوا به ، وصدقوه وأعطوا القرآن ، وفرحوا بإنزاله " ... ولو كانوا ينالون من مقام الصحابة لاتجه شيخهم الطبرسي في تفسير هذه الآية إلى غير هذا الوجه([501]).

     وفى تفسير سورة التحريم يقول عن الآية الرابعة : ] إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا [ : أي مالت إلى الحق ، ثم يقول مشيراً إلى حفصة وعائشة من أمهات المؤمنين : فإن تابتا وأصلحتا فقد مال قلباهما إلى أمر الله والإخلاص لرسوله ، وإن أصرتا على التعاون ضد الرسول فإن الله وليه وناصره ، وأيضاً يعينه ويؤازره جبريل ، وجميع الملائكة والمؤمنين الصالحين ([502]) .

 

      وبعد تفسير سورة الليل يقول : قال الشيخ محمد عبده : روى المفسرون هنا أسبابأ للنزول ، وأن الآيات نزلت في أبى بكر ، ومتى وجد شىء من ذلك في الصحيح لم يمنعا من التصديق به مانع ، ولكن معنى الآيات لا يزال عاماً ([503]).

       من هذا نرى أن الشيخ مغنية في تفسيره يمثل جانب الاعتدال النسبى عند الجعفرية في المنهج والتطبيق ، وبالطبع لا يخلو تفسيره من التأثر بعقيدته في الإمامة ، فعلى سبيل المثال :

      نراه ينسب لأمير المؤمنين على بن أبى طالب - رضي الله عنه - أنه قال:   " ذاك القرآن الصامت وأنا القرآن الناطق "([504]) ، وناقشنا هذا من قبل([505]) .

     كما نراه يتحدث عن عصمة أهل البيت ([506]) ، وعن الإمامة وفكرة العصمة ([507]). ويتحدث عن المهدى المنتظر في أكثر من  موضع ([508]) ، غير أنه كان يذكر بعض الأحاديث التي صحت عن طريق أهل السنة([509]).

      ويتحدث عن التقية ويقول : " من خص التقية بالشيعة فقط ، وشنع بها عليهم ، فهو إما جاهل ، وإما متحامل " ([510]) .

ويفصل القول في الحديث عن الخمس ، ويهاجم أبا سفيان وحفيده يزيد ، ذاكرا قول الشاعر :

فابن حرب للمصطفى وابن هند

لعلى وللحسين يزيد([511])

     وفى تفسير سورة آل عمران " الآيات 33 : 37 " يضع هذا العنوان : " فاطمة ومريم " ، ويذكر تحته حقاً وباطلاً ، ويشير إلى أن فاطمة كمريم ، وعلى كزكريا ، كان كلما دخل عليها وجد عندها رزقاً من عند الله تعالى ([512]) .

     وفى تفسير سورة النساء " الآيتين 95 ، 96 " يتحدث عن تفسير الآيتين ، وتحت عنوان : " على وأبو بكر " ، يجادل ليصل إلى أفضلية على بحهاده وعلمه ، وفى آخر جدله العقيم يقول : منزلة على من العلم لا تدانيها منزلة واحد من الصحابة على الإطلاق ، وكفى شاهداً على ذلك ما تواتر عن الرسول الأعظم " أنا مدينة العلم وعلى بابها " . وقد حفظ التراث الإسلامى من علم على ما لم يحفظه لأبى بكر ، ولا لغيره من الصحابة ([513]) .

       وفى سورة المائدة : وعند تفسير الآية الثالثة من السورة ، تحت عنوان " إكمال الدين وإتمام النعمة " ، نراه يتظاهر بأنه يعرض رأى كل من الشيعة والسنة فقط ، لينتهى من هذا إلى خلافة على ‍‍! ويشير إلى كتاب الغدير ككتاب قيم ، وأن هذا الكتاب ذكر رواة حديث الغدير ، وهم 120 صحابياً ، 840 تابعاً ، 360 إماماً وحافظاً للحديث ، وفيهم الحنفى والشافعى وغيرهما ، كل ذلك نقله عن كتب     السنة ([514]).

      وعند تفسير الآية الخامسة والخمسين من السورة ] إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ[ يذكر كغيره أنها نزلت في على بن أبى طالب ([515]).

      ثم يعود إلى الغدير عند تفسير الآية السابعة والستين من سورة المائدة أيضاً ] يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ...[ويذكر أن الشيعة استدلوا بأحاديث رواها أهل السنة ([516]).

      وعند تفسير الآية الثالثة والثلاثين من سورة الأحزاب :]إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا[ يذكر ما ذهب إليه الشيعة ، وبين  أدلتهم ، محاولاإثبات صحة ما ذهبوا إليه ([517]).

      وفى سورة الشورى ، عند تفسير الآية الثالثة والعشرين : ]  قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [ ، يقول عن البحر المحيط : هم على وفاطمة والحسن والحسين ، ويقول أيضاً : ونقل بعض المفسرين رواية ، في سندها  معاوية ، ومؤدى هذه الرواية أن معنى الآية : قل يا محمد لقريش : ناشدتكم الرحم أن لا تؤذونى . ثم أخذ يناقش ليثبت أنها في الأربعة ([518]) .

هذه بعض الأمثلة التي تبين أثر الإمامة في هذا التفسير ، ومع هذا كله فالشيخ مغنية يمثل جانب الاعتدال إلى حد ما في عصرنا الحديث ، وتفسيره يبين منهجه الذي يمثل الحق في بعض جوانبه ، غير أنه لا يخلو من الغلو والضلال.

عاشراً : البيان

       والكتاب الثاني الذي يمثل جانب الاعتدال ، والبعد عن الغلو إلى حد ما ظهر في عصرنا هذا ، هو " البيان " في تفسير القرآن " ألفه السيد أبو القاسم الموسوى الخوئى " ، المرجع السابق للجعفرية بالعراق . ومع أن الكتاب لم يظهر منه إلاَّ المجلد الأول الذي يشمل المدخل وتفسير الفاتحة ، إلاَّ أننا انتهينا إلى هذا الرأى لما يأتى :

      أولا ً: جاء في مقدمة الكتاب : " سيجد القارئ إني لا أحيد في تفسيرى هذا عن ظواهر الكتاب ومحكماته ، وما ثبت بالتواتر أو بالطرق الصحيحة من الآثار الواردة عن أهل بيت العصمة من ذرية الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما استقل به العقل الفطرى الصحيح الذي جعله الله حجة باطنة كما جعل نبيه - صلى الله عليه وعلى آله-وأهل بيته المعصومين عليهم السلام حجة ظاهرة ، وسيجد القارئ أيضاً إني كثيراً ما أستعين بالآية على فهم أختها ، وأسترشد القرآن إلى إدراك معاني القرآن ، ثم أجعل الأثر المروى مرشداً إلى هذه الاستفادة ([519]).      وفى بيانه لأصول التفسير قد فصل ما أجمله هنا ([520]).

   ثانيا :  أنه قد أسهب وأفاض في إثبات صيانة القرآن الكريم من التحريف([521]) ، وهو لا يكفر المخالفين لطائفته ، بل يرى ويروى أن الإسلام يدور مدار الإقرار بالشهادتين ([522]).

      ثالثاً :   أنه أفاض كذلك في الحديث عن حجية ظواهر القرآن ([523]).

     رابعاً :  أنه التزم بمنهجه هذا في تفسيره لفاتحة الكتاب ، والقارئ لتفسيره يلمس هذا بوضوح .

       ومع هذا فأثر الإمامة نراه في قوله بصحة إطلاق الأسماء الحسنى على الأئمة([524]) ، وبوجوب طاعتهم والخضوع لهم والتوسل بهم ([525])، وفضل السجود على التربة الحسينية ([526]) وجواز تقبيل قبورهم وتعظيمها ([527]) ، وأن عبادتهم لله تعالى لا يرقى إليها إلاَّ المعصوم ([528])، وأنهم المأذون لهم في الشفاعة فيشفعون للشيعة ، فلا يردهم ربهم عز وجل ([529]) .

      هذا ما جاء في ثنايا تفسيره تأثراً بعقيدته ، وهو لا ينزله عن مرتبة الطوسى في تبيانه . وبالطبع نتمنى أن يجعلوا ما يتصل بالإمامة في كتب أخرى غير كتب التفسير ، ولكن السيد الخوئى إذا أتم تفسيره على المنهج الذي بينه فإنه أفضل بكثير من الكتب المنتشرة في الوسط الجعفرى الآن .

      وبعد : فهذه الكتب تمثل منهجين مختلفين في التفسير عند شيعة اليوم ، يبين أحدهما أن الوسط الجعفرى لما يتطهر من أولئك الذين يخضعون كتاب الله العزيز لأهوائهم وشهواتهم تأثراً بعقيدتهم في الإمامة ، ويكشف الآخر عن وجود من ينشد الاعتدال ، ويحكم العقل لا الهوى إلى حد ما ، وإن لم يخل من الغلو والضلال .

الفصل السابع

نظرة عامة لباقي كتب التفسير

      بعد الدراسة السابقة لستة عشركتابا من كتب التفسير الشيعى ننظر في   " الذريعة إلى تصانيف الشيعة " لأقابزرك الطهرانى ، لمزيد من التوضيح .

      في كتاب الذريعة نجد الإشارة إلى عدد كبير جداً من كتب التفسير الشيعى ، ونجد عنوان بعض هذه الكتب يغنى عن النظر فيها ، فهى مثل ما ذكرته من قبل عند الحديث عن كتاب " تأويل الآيات الباهرة في فضل العترة الطاهرة ".

     وبعض هذه الكتب لا يظهر أثر الإمامة في العنوان ولكن يظهر هذا الأثر عند الإشارة إلى موضوع الكتاب , ونذكر هنا عدداً من هذه الكتب التي حاول أصحابها إخضاع كتاب الله المجيد لأهوائهم ، كما نثبت شيئاً من تعليق صاحب كتاب  الذريعة . وترتيب الكتاب ألفبائى ، فلا حاجة لذكر الأجزاء والصفحات .

(1)    آيات الأئمة :

    فارسى ، في بيان الآيات المتعلقة بالإمامة ، وفضائل الأئمة ، لمؤلفه مير محمد على الأريجانى الطهرانى المتوفى بها سنة 1323.

(2)    آيات الأئمة :

    وذكر في حرف التاء بعنوان " تفسير آيات الأئمة " فارسى . قال صاحب الذريعة : في ذكر آيات تستخرج منها بالزبر والبينات أسماء الأئمة ، وبعض أوصافهم وخصوصياتهم ، للعالم الكامل ميرزا على نقى الهمدانى ، المتوفى عام 1297.

(3) الآيات البينات :

     أو : بيان الآيات بالزبر والبينات : قال : للمولى المعاصر يوسف بن أحمد بن يوسف الجيلانى النجفى ، استخرج فيه بالزبر والبينة أسامى المعصومين الأربعة عشر ، وبعض خصوصياتهم من ستين آية من آيات القرآن .

      قلت : مراده بالمعصومين الذين أشركهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، الأئمة الاثنا عشر ، والسيدة فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها . ونلاحظ ثناءه على الضالين ، ورضاه وإعجابه بضلالهم ، ومشاركته لهم في الغلو والتضليل ، وهذا واضح بيّن ملازم لصاحب الذريعة ، وسيأتى ما يؤكد هذا .

 (4) آيات الحجة والرجعة :

      قال : في تفسير الآيات المتعلقة بهم ، مع بيان واف ، والنكات الدقيقة ، وذكر الروايات المروية عنهم في تفسيرها وتأويلها للعلامة الشيخ محمد على بن المولى حسن على الهمدانى الحاير ، المولود سنة 1293 . رأيت النسخة الأصلية عنده ، استخرج فيها 313 آية من القرآن الشريف على عدد أصحاب الحجة وأنصاره وقت ظهوره .

     قلت : يشير هنا إلى خرافة الإمام الثاني عشر التي ذكرتها في الجزء  السابق ، ومثل هذا كتاب " ما نزل من القرآن في صاحب الزمان " لأبى عبدالله الجوهرى أحمد بن محمد " انظر إيضاح المكنون 2 /421 " ، وغير هذا كتب أخرى سيأتى ذكرها .

  (5) الآيات النازلة في ذم الجائرين على أهل البيت :

         للمولى حيدر على الشروانى .

  (6) الآيات النازلة في فضائل العترة الطاهرة :

     قال : وهى 500 آية من القرآن في فضائل أمناء الرحمن ، جمعها مع تفسيرها وبيانها الشيخ تقى الدين عبدالله حاجى ... ويأتى في حرف الميم كتب كثيرة تحت عنوان ما نزل في أهل البيت ، أو في على ، أو في صاحب الزمان ، كلها في هذا الموضوع .

  (7) آيات الولاية :

     فارسى ، لميرزا أبى القاسم بن محمد الشيرازى .

     قال : فسر فيه إحدى وألف آية من كتاب الله العزيز النازلة : خمسمائة منها في حق أهل البيت وولايتهم باتفاق المفسرين - هكذا قال المفترون ! - والباقى حسب تفاسير أهل البيت الذين نزل فيهم القرآن ، وهم أعرف به ، من طرق أصحابنا الإمامية خاصة .

    قلت : إذن يقصد اتفاق المفسرين جميعاً لا مفسرى فرقته خاصة ! قدرة عجيبة على الافتراء !!

  (8) تأويل الآيات :

      لأبى إسحاق بن مجير الأصفهانى .

      وآخر : للسيد الأمير روح الأمين الحسينى الأصفهانى .

   (9) تأويلات القرآن :

      لكمال الدين أبى الغنائم عبدالرزاق الكاشانى ، المتوفى سنة 730 .

   (10) تأويل الآيات التي تعلق بها أهل الضلال :

      للمولى عبدالرشيد بن الحسينى بن محمد الإسترابادى .

      قال : وله كتاب " مناقب النبي والأئمة " .

      قلت : ماذا يريد بأهل الضلال ؟ لعله يقصد خير أمة أخرجت للناس كما سيظهر من موقفهم من قوله تعالى في سورة الليل ] وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَىالَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى[ ، حيث إنها نزلت في أبى بكر الصديق رضي الله تعالى عنه .

   (11) تأويل الآيات الباهرة في فضل العترة الطاهرة :

      فارسى ، لمحمد تقى بن محمد باقر الطهرانى الأصفهانى ، المتوفى سنة 1322 .

      قلت : سبق الحديث عن كتاب بالعربية يحمل العنوان نفسه .

  (12) تأويل الآيات الظاهرة في فضل العترة الطاهرة :

   للسيد شرف الدين على الحسينى الإسترابادى ، المتوفى سنة 940 .

   قال : جمع فيه تأويل الآيات التي تتضمن مدح أهل البيت ، ومدح أوليائهم ، وذم أعدائهم من طرقنا ، وطرق أهل السنة ـ هكذا قال ! !  وينقل فيه عن كنز الفوائد للشيخ الكراكجى المتوفى سنة 449 ، وعن كتاب ما نزل من القرآن في أهل البيت لابن الجحام ، الذي سمع منه الدلعكبرى سنة 328 ، وعن كشف الغمة للأربلى المتوفى سنة 692 ، وعن كتب العلامة الحلى .

   (13) تأويل الآيات النازلة :

     قال : في فضل أهل البيت وأوليائهم ، يقرب من عشرين ألف بيت لبعض الأصحاب ... قال الفيض في أول كتاب الصافى : إن جماعة من أصحابنا صنفوا كتباً في تأويل القرآن على هذا النحو ، جمعوا فيها ما ورد عنهم في تأويل آيه : إما بهم ، أو بشيعتهم ، أو بعدوهم ، على  ترتيب القرآن ، وقد رأيت منها كتاباً يقرب من عشرين ألف بيت .

   (14) تأويل ما نزل في النبي وآله .

   (15) تأويل ما نزل في شيعتهم .

   (16) تأويل ما نزل في أعدائهم :

     قال : هذه الثلاثة كلها لأبى عبدالله محمد بن العباس المعروف بابن الجحام ، الذي سمع منه الدلعكبرى سنة 328.

       وذكر الشيخ - أي الطوسى - في رجاله ثمانية كتب أخرى له أيضاً ، لكن النجاشى لم يذكر منها إلا كتاب " المقنع " و " والدواجن " و " ما نزل من القرآن في أهل البيت " ، وهذا الكتاب هو الذي مر أنه ينقل عنه السيد شرف الدين على في كتابه " تأويل الآيات الظاهرة " أحاديث كثيرة .

    (17) تفسير الآيات البينات النازلة في فضائل أهل بيت سيد الكائنات :

      فارسى ، للسيد مصطفى بن أبى القاسم الموسوى النجفى - ولد سنة 1320.

   (18) تفسير الأئمة لهداية الأمة :

     لمحمد رضا بن عبدالحسين النصيرى الطوسى ، عاش في القرن الحادى عشر. قال : وتفسيره هذا كبير ، يقال إنه في ثلاثين مجلداً .

    وديدن هذا المفسر أن يذكر عدة آيات ، مع ترجمتها إلى الفارسية ، ثم يشرع في تفسير الآيات على ما هو المأثور ، وترجمة الأحاديث بالفارسية ، ثم تفسيرها بالعربية . وينقل غالباً عن تفسيرى العياشى والبيضاوى ،وينقل عن كتب الاحتجاج للطبرسى ، وتمام تفسير الإمام العسكرى ، وتمام تفسير القمي ...إلخ .

    و" مختصر تفسير الأئمة " .

    لمؤلف الأصل ، وهو فارسى محض ، في ست مجلدات .

   (19) تفسير أبى الجارود :

   قال : اسمه زياد بن منذر ، المتوفى سنة 150 ، وتنسب إليه الزيدية  الجارودية، ويروى تفسيره عن الإمام الباقر أيام استقامته .

   قلت : يقصد قبل أن يصبح زيدياً ، ولعل الصواب : أيام ضلاله البعيد ،والإمام الباقر رضي الله عنه برىء مما في هذا التفسير ؛ فالقمى أخرجه في تفسيره الذي تحدثنا عنه بالتفصيل .

    (20) تفسير الحافظ محمد بن مؤمن النيسابورى :

      ذكر المؤلف أنه استخرج تفسيره من اثنى عشر تفسيراً 

      قال صاحب الذريعة : ويأتى كتاب : " نزول القرآن في شأن على  " للشيخ محمد بن مؤمن الشيرازى ، والظاهر أنه هو الحافظ المذكور .

   (21) تفسير المصابيح بما نزل من القرآن في أهل البيت :

     لأبى العباس أحمد بن الحسن الإسفرائينى .

   (22) تفسير المنشى :

       قال : لعله للأمير محمد رضا الحسينى منشى الممالك ، المعاصر للشيخ الحر ، والساكن بأصفهان حين تأليف " الأمل " سنة 1097 ، وصفه فيه بأنه كبير أكثر من ثلاثين مجلداً ، عربى وفارسى ، جمع فيه الأحاديث وترجمتها ، ويظهر من بعض هذه الخصوصيات أنه غير تفسير الأئمة السابق ذكره ، وإن شاركه في بعضها .

  (23) تفسير النعمانى :

      قال : هو أبو عبدالله محمد بن إبراهيم بن جعفر ، تلميذ ثقة الإسلام الكلينى . جعل مقدمة تفسيره روايات رواها بإسناده إلى الإمام الصادق ، وهى التي دونت مفردة مع خطبة مختصرة وتسمى بـ " المحكم والمتشابه " ، طبعت في إيران ، وقد أوردها بتمامها العلامة المجلسى في مجلد القرآن من البحار .

     قلت : الكلينى ، الذي يراه الشيعة ثقة الإسلام ، بينت مدى ضلاله وافترائه في الجزء الثالث ، وهو تلميذ القمي الذي سبق الحديث عن تفسيره ، ويأتى النعمانى ليكمل سلسلة الضلال ، وعلامتهم المجلسى تحدثنا عنه في هذه الدراسة من قبل ، ويبقى تقديرنا وإجلالنا للعالم العابد المجتهد الإمام الصادق ، المبرأ مما نسبه إليه هؤلاء الضالون .

  (24) تفسير ميرزا هادى :

      قال : ابن السيد على ، من احفاد مير كلان الهروى البجستانى الخراسانى الحائرى المعاصر، وهو تكميل لتفسير على بن إبراهيم القمي بإيراد الأحاديث المروية ، من طرق العامة - أي غير فرقته - المطابقة لروايات الأئمة المذكورة في تفسير القمي .

     قلت : وأى روايات تطابق ما جاء في تفسير هذا الضال ما لم تكن من الروايات الموضوعة ؟

   (25) تفسير آية ] وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ [ " 124 : سورة البقرة " :

      قال : للمولى محمد رفيع الكيلانى ، المتوفى بها سنة 1161 ، وتفسيره هذا جزء لطيف في الإمامة ، وإثبات عصمة الإمام .

     قلت : ذكرت أقوالهم في هذه الآية الكريمة ، وبينت بطلان ما ذهبوا إليه في الجزء السابق ،  وبينت أن العصمة التي جعلوها لأئمتهم لم يصل إليها خير البشر وهم رسل الله عليهم الصلاة والسلام .

  (26) تفسير آية ] إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ [ " 69: آل عمران " :

     لميرزا محمد التنكابنى ، قال في قصصه إنه يقرب من ألف بيت .

     قلت : قد يبدو عجيباً أن نورد هذا الكتاب في هذا الموضع ، فما علاقة الإمامة بالحديث عن بيت الله الحرام بمكة المكرمة ـ زاده الله تعظيماً وتشريفاً ؟!

     ولكنى وجدتهم يقولون هنا : " وفيه بيان تأويله بكربلاء " !

فذكرنى هذا بقول شاعر هؤلاء القوم الذي ذكره صاحب كتاب الأرض والتربية الحسينية :

ومن حديث كربلا والكعبة

      بان لكربلا علو الرتبة

ولنا أن نسأل : أفيكون التقريب وداره بالقاهرة لنؤمن بهذا الكفر الصراح ؟ أم يجب أن يكون في طهران لتنقية عقيدتهم حتى يكونوا مثلنا ؟

 

(27) تفسير آية التطهير] إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا[ " 33 : الأحزاب " :

      ذكر صاحب الذريعة أربعة كتب بهذا العنوان ، أحدها فارسى . وقولهم في هذه الآية الكريمة ناقشته بتوسع في الجزء السابق .

  (28) تفسير آية ""وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى"" :

          ذكر صاحب الذريعة كتابين بهذا العنوان .

     قلت : الذي دفعهم للكتابة هو ما روى أن الآية الكريمة وما بعدها نزلت في أبى بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ، كما روى البزار عن ابن الزبير ، والحاكم عن الزبير ، وابن أبى حاتم عن عروة . وخير البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما ثبت بالتواتر عن على نفسه رضي الله عنهما - يعتبر في نظر هؤلاء القوم مغتصباً للخلافة ، ولذلك جعلوه تحت الآيات التي تتحدث عن الكفار والمنافقين ، والجبت والطاغوت ، وأرادوا أن يبعدوا عنه هذه الآيات الكريمة من سورة الليل .

  (29) تفسير آية الكرسى :

      لعطاء الله بن محمود الحسينى .

      قلت : لا يبدو أي نوع من الربط بين آية الكرسى التي يتحدث فيها رب العزة عن نفسه ، وبين الإمامة ، غير أننى وجدت في الذريعة القول بأن في هذا التفسير دلالة على تشيع المؤلف ، وقوة فهمه ، وكثرة علمه ، وأنه لا يبعد أن يكون من علماء الدولة الصفوية . ورأينا من قبل أن بعض هؤلاء رفع الأئمة لمرتبة الألوهية ، كما أننا نعرف ما أصاب الإسلام على يد الدولة الصفوية الشيعية .

  (30) تفسير آية ] كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [ " 110 : آل عمران " :

     لحسين بن دلدار على .

     قلت : مر من قبل تحريفهم لهذه الآية الكريمة ، حيث ذكروا أنها نزلت هكذا " كنتم خير أئمة ..." ، وجعلوها لأئمتهم .

 

*****

       هذه بعض كتب التفسير التي ذكرها صاحب الذريعة في الهمزة تحت كلمة " آيات " ، وفى التاء تحت كلمتى " تأويل " و " تفسير " . ونجد غير هذه الكتب في مواضع أخرى ، فمثلاً نراه يقول في الجزء الرابع ص 318 : " تفسير نور الأنوار ومصباح الأسرار " ، و " نور التوفيق " ، و " نور الثقلين " ، كلها تأتى - أي تأتى في النون .  ويقول في الجزء نفسه " ص 268 " : " تفسير تنزيل الآيات الباهرة " ، وكذا " التنزيل " متعددا ، و " التنزيل في أمير المؤمنين " ، و " التنزيل من القرآن " ، و " التنزيل والتعبير " ، يأتى الجميع بعنوان : " التنزيل " .

      وقال في الجزء الثالث بعد الحديث عن " تأويل الآيات الباهرة في فضل العترة الطاهرة " :

     قد ذكرنا في الجزء الأول آيات الأئمة ، وآيات الفضائل ، والآيات النازلة في فضائل العترة الطاهرة ، وآيات الولاية ، وغيرها . ويأتى في حرف الميم ما يقرب من عشرين كتاباً من تأليفات قدماء المحدثين ، بعنوان ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين ، أو في أهل البيت ، أو في الحجة ، أو في الخمسة وغيرها ، وكل واحد من هذه الكتب يصح أن يعد من كتب الحديث ، لأنه دون فيه نوع خاص من الأحاديث ، أي خصوص ما روى عنهم عليهم السلام في بيان الآيات التي نزلت في فضائل أهل البيت عليهم السلام ومناقبهم ، ويصح أن يعد من كتب التفسير : لأنه يذكر فيه تفسير تلك الآيات وتأويلها ، وشرحها ، وبيان المراد منها ، ولا سيما مع ترتيب تلك الآيات في أكثر هذه الكتب على ترتيب سور القرآن من سورة فاتحة الكتاب إلى سورة الناس كما هو الترتيب في كتب التفاسير . والداعى إلى إفراد القدماء والمتأخرين هذا النوع من الأحاديث واستقلالها بالتأليف هو تخصيص النصف أو الثلث أو الربع من الآيات الشريفة التي وردت أخبار كثيرة على اختلافها في التعبير بأنها نزلت في أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم ومواليهم وأعدائهم ، وقد أورد الفيض بعضها بالمقدمة الثالثة في أول الصافى ، وذكر وجه عدم التنافى بينها ، ودون كل منهم ما وصل إليه من هذا النوع من الحديث ليعرف الناس تفاصيلها .

        قلت : سبق الحديث عن كتاب الصافى ، وبيان ما وصل إليه من ضلال وتضليل . وما يقوله صاحب الذريعة هنا يؤكد ما قلته عن صاحب تفسير الصافى وأمثاله من غلاة الشيعة الاثنى عشرية . ومن يقرأ الذريعة يلحق مؤلفها بهؤلاء الغلاة الضالين ، وقوله آنفاً خير شاهد .

       وبعد كل ما سبق أعتقد أن معالم التفسير الشيعى الاثنى عشرى قد اتضحت إلى حد كبير ، فدراستنا لستة عشر كتاباً من القرن الثالث إلى العصر الحديث بينت اتجاهات التفسير خلال هذه القرون . ونظرتنا إلى ثلاثين كتاباً مما جاء في كتاب الذريعة ، جعلت الصورة أكثر وضوحاً ، وهذه الكتب منها ما كان في النصف الأول من القرن الثاني ، وهو تفسير أبى الجارود ، ومنها ما هو في العصر الحديث . وتفسير أبى الجارود الذي نقله القمي يشير إلى أن حركة التشكيك والتضليل بدأت مع بداية عصر التدوين ، والتفاسير الحديثة الكثيرة تشير إلى استمرار هذه الحركة الضالة ، وعدم توقفها .

     وإلى جانب الثلاثين كتاباً ، ذكرت إشارة صاحب الذريعة لعشرين كتاباً في موضع واحد ، وتعليقه على ما جاء بها ، وهذا يدل على ضخامة هذه الحركة الضالة ، وربما يعطى السمة الغالبة للتفسير الشيعى ، نسأل الله تعالى الهداية والرشاد .

   

       الحمد لله الذي أعاننا ، وهدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله .

       وبعد أن تم بتوفيق الله - عز وجل - ما أردنا من بيان التفسير وأصوله عند أهل السنة ، وعند الشيعة الاثنى عشرية ، أقدم هنا موجزاً للبحث ، وأشير إلى نتائجه .

  قسمت هذا البحث قسمين :

 القســم الأول  : تحدثت فيه عن التفسير وأصوله عند أهل السنة.

 والقسـم الثاني   : جعلته لبيان التفسير وأصوله عند الشيعة.

والقسم الأول يضم ثمانية فصول :

في الفصل الأول تحدثت عن علم التفسير ، وبينت المراد من التفسير  والتأويل.

    وفى الفصل الثاني تحدثت عن تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم ، فالسنة المطهرة هي المبينة للقرآن الكريم ، وجمعت أحاديث التفسير ، الصحيح منها والحسن ، دون الضعيف والموضوع ، فبلغت خمسة وثلاثين ، وذكرت بعض الملاحظات في ضوء ما جمعت ، وأشرت إلى أن الشيعة أشركوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في العصمة من رأوهم أئمة لهم ، فجعلوا أقوالهم كأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم بلا أدنى فرق .

     وفى الفصل الثالث تحدثت عن تفسير الصحابة ، أعلم الناس بالقرآن ، وأشرت إلى ما يأخذ حكم المرفوع من تفسيرهم ، ثم جمعت بعض ما صح من تفسيرهم ، وبينت خصائصه ، ثم تحدثت عن التدوين ، وأثبت أن كتاب تنوير المقباس ليس صحيح النسبة لابن عباس ، ومن الخطأ شيوعه ، وطبعه مرات على أنه تفسير ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما ، وختمت الفصل بإشارة سريعة لموقف الشيعة من

ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما ، وختمت الفصل بإشارة سريعة لموقف الشيعة من تفسير الصحابة الكرام .

    وجعلت الفصل الرابع لتفسير التابعين ، فبينت أنهم أكثر حاجة للتفسير من الصحابة ، وأشرت إلى مدارس التفسير في عصرهم ، وإلى بدء التدوين ، ثم تحدثت عن تفسير مجاهد ، وبينت خصائص تفسير التابعين من خلال النظر في تفسيره .

        ثم رأيت أن يكون الفصل الخامس وقفه لبيان أحسن طرق التفسير عند الجمهور ، وفى هذه الوقفة بيان لقيمة التفسير المأثور عن التابعين ، وحديث عن الإسرائيليات ، والتفسير بالرأى ، وهو ما كان يلزمنا أن نبينه بعد الحديث عن تفسير التابعين ، فأغنت الوقفة عن التكرار . ورأيت أن أنسب ما أثبته في هذا الفصل هو ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية ، وهو أيضاً ما قاله الحافظ ابن كثير ، وحاول الالتزام به في تفسيره .

      وفى الفصل السادس : تحدثت عن التفسير في القرن الثاني ، وبينت منهجه ، وتناولت ثلاثة كتب ظهرت في هذا القرن ، وهى : تفسير مقاتل بن سليمان ، ولم أقف عنده ؛ حيث إن مؤلفه مجروح ، وتفسير يحيى بن سلام ، الذي يعتبر حلقة الاتصال بين القرنين الأول والثالث ، ومعانى القرآن للفراء ، الذي يعد نموذجاً للتفسير العقلى .

      والفصل السابع : جعلته للقرن الثالث ، وتفسير الطبري ، وقد وقفت طويلاً عند شيخ المفسرين الإمام الطبري ، وعند كتابه الذي يعتبر أفضل ما كتب في مجال التفسير .

     والفصل الثامن أشرت فيه إلى كتب التفسير بعد الطبري . وبينت إمكان الاستغناء عن الوقوف عندها ، لا لأنه يطول جداً فقط ، ولكن أيضاً لأن التفسير المأثور - بعد الطبري - الذي هو حجة يستمد أساساً من مصدرين رئيسين ، هما : كتب الحديث والآثار ، وكتاب تفسير الطبري . وكان هذا الفصل ختاماً للقسم الأول في التفسير وأصوله عند أهل السنة .

     وانتقلت بعد هذا إلى القسم الثاني الذي جعلته للتفسير وأصوله عند الشيعة الاثنى عشرية ، وتحت هذا القسم سبعة فصول ، تسبق بكلمة تمهيدية فيها إشارة إلى أننى بمراجعة التفسير عندهم ، أصوله وكتبه ، رأيت أن عقيدتهم في الإمامة كان لها أكبر الأثر في وضع الأصول ، وفى تناولهم لكتاب الله العزيز ، وأن بيان هذا الأثر يكفى في مجال التفسير المقارن ؛ فحيث لا يوجد أثر لعقيدتهم في الإمامة يصبح تفسيرهم كتفسير غيرهم ، وبقدر وجود هذا الأثر بقدر افتراقهم عمن سواهم.

 

    والفصل الأول جعلت عنوانه : " القرآن الصامت والقرآن الناطق " ، حيث جعلوا القرآن الكريم صامتاً لا ينطق ! والإمام هو القرآن الناطق ، فلا يؤخذ القرآن إلاَّ عن طريقه ! والإمام كالنبى في عصمته وعلمه ! وأشرت إلى مذهب الإخباريين الذين يقفون عند الأخبار دون إعمال للعقل ، والأصوليين منهم الذين خالفوا الإخباريين ، وذكرت قول بعضهم بالنسخ بعد عصر النبوة ، وأن الحكم يمكن ألاَّ يبين في وقته من باب التقية ، أو من باب التدرج في التشريع ، فيمكن - بحسب زعمهم - ألاَّ يبين الرسول صلى الله عليه وسلم بعض الأحكام ، ويتركها لأئمتهم الاثنى عشر لبيانها في وقتها المناسب !! هكذا زعموا !

    والفصل الثاني جعلته للظاهر والباطن ، فأشرت إلى الخلاف عندهم حول حجية الظواهر ، وإلى اللجوء للتأويل تأييداً للعقيدة ، وإلى حقيقة الباطن عندهم ، وقرب قولهم من الإسماعيلية الباطنية ، وبعده عن قول الجمهور ، ثم أشرت إلى قولهم بأن ثلث القرآن ، أو ربعه ، في الأئمة ، وثلثه ، أو ربعه ، في مخالفيهم !

      والفصل الثالث أو جزت فيه الحديث عن قول غلاتهم بتحريف القرآن الكريم، فبينت سبب لجوئهم لهذا القول ، حيث عز عليهم أن يخلو كتاب الله المجيد من ذكر أئمتهم وعقيدتهم ، وتحثدت عن أشهر كتاب عندهم في هذا المجال ، وهو " فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب "  ، وذكرت بعض أسماء القائلين بالتحريف ، ويدخل فيهم - بكل أسف - أكبر علمائهم الأعلام ! كالقمى ، صاحب كتاب من أهم كتب التفسير عندهم ، يرون صحة كل ما جاء به ، وتلميذه الكلينى ، صاحب الكافى ، كتاب الحديث الأول عندهم كالبخارى عندنا ،  والعياشى،  وغيرهم . وبينت أن من أنفسهم من - الشيعة تصدوا لحركة الغلاة قديماً وحديثاً ، غير أن المحدثين منهم وقعوا في تناقض عجيب أشرت إليه .

       وبدأت بعد هذا في دراسة كتب التفسير الشيعى ، فجعلت الفصل الرابع لكتب القرن الثالث ، وهى أقدم كتب وصلت إليها ، وتغنى عما سبقها : مثال هذا تفسير أبى الجارود  الذي يعدونه تفسير الإمام الباقر - وحاشاه ، والذى كان في أواخر القرن الأول وأوائل الثاني ، هذا التفسير لم أعثر عليه ، غير أن القمي في القرن الثالث نقله في تفسيره .

      وتحدثت في هذا الفصل عن ثلاثة كتب :

      الكتاب الأول : تفسير الحسن العسكرى ، وهو يمثل الغلو والضلال والخرافات ، فهو يكفر الصحابة الكرام ، وعلى الأخص أبو بكر وعمر ، ويتهمها والصحابة بالنفاق والكذب إلى جانب الكفر ، ويذكر أن منكر ولاية على كافر ، وأن موسى  دعا لهذه الولاية ، ويذكر أن علياً له معجزات كثيرة ، ويأتى بقصص خرافية لا تصلح إلاَّ للأطفال ليبين ما زعمه من معجزات ، ثم يصدر صكوك الغفران لمن آمن بخرافاته وضلاله وسار خلفه في ظلمات هذا الكفر .

      ولذلك ذكرت تنزيه الإمام العسكرى - فيما أرى - من أن يكون صاحب هذا الكتاب ، وأشرت إلى أن هذا الرأى يراه أيضاً بعض الشيعة ، ولكن شيعة الأمس واليوم منهم من يرى صحة نسبة الكتاب للإمام !

      ولو صحت النسبة لقلنا بكفره  لا بإمامته .

      والكتاب الثاني هو تفسير القمي ، وقد أطلت الوقوف عند هذا الكتاب ، فله ولصاحبه المنزلة العليا عند الشيعة ، غلاتهم ومعتدليهم ، الإخباريين والأصوليين ، في عصرنا وما قبله ، وهذا أمر نجد له ما يبرره عند الغلاة الضالين ، ولكن لم نجد له تفسيراً عند المعتدلين نسبيا ودعاة التقريب .

     فالكتاب محشو بتحريف القرآن الكريم نصاً ومعنى ، تنزيلاً وتأويلاً ، والطعن في الصحابة ، وجعل الأئمة هم المراد من كلمات الله البينات ، وما يتصل بعقيدة الإمامة كالرجعة ، ونزول الوحى على الأئمة وعلمهم للغيب .

 

      وفى أسباب النزول يزعم تحالف الصحابة مع إبليس ، ويشير إلى البيعة يوم الغدير ، ومصير  من غصبوا الولاية بزعمه ، وأن القائم سيطالب بدم الحسين ، ويجعل حادث الإفك اتهاماً لأم المؤمنين لا تبرئة إلهية لها ، ونراه يحيل كتاب الله تعالى إلى كتاب في التاريخ للشيعة الاثنى عشرية ، فترى أصحاب الجمل  والبصرة ، وتسمع عن بنى أمية وبنى السباع ؛ أي العباس ، والاتفاق على قتل علىّ ، وكفر أصحاب بيعة الرضوان ، وتجد الحديث عن الفرق الأخرى ، وعن القائم وجيش السفيانى .

      ثم تراه يسلك طرقاً مختلفة للتغرير بضعاف العقول ، وإضلال خلق الله من جهلة القوم .

      وهذا الكتاب الذي جمع كل هذه المصائب والرزايا يعتبر من أهم مصادر التفسير المأثور عند الشيعة الاثنى عشرية ، فانظر وتأمل وقارن !!

      وهو الذي وقع في أيدى المستشرقين فاتخذوه سلاحاً لضرب الإسلام ، والطعن في المعجزة الكبرى ، ومع هذا فصاحب التفسير ينتسب للإسلام !!

      والكتاب الثالث هو تفسير العياشى ، وهذا الكتاب كسابقه منزلة ومنهجاً وأهدافاً ، وقد بينت هذا .

       وبعد الفصل الرابع جعلت الفصل الخامس لتفسير التبيان للطوسى ، وتفاسير الطبرسي .

 

       والطوسى والطبرسى يمثلان جانب الاعتدال النسبى والبعد عن الغلو إلى حد ما بينت أصول التفسير عندهما ، والفرق بينهما وبين الجمهور ، ومع الاعتدال النسبى ، ظهر أثر الإمامة في اللجوء للتأويل استدلالاً للعقيدة ، وفى ذكرهما للقراءات الموضوعة والشاذة ذات الصلة بالمذهب ، وفى روايتهما لأسباب   النزول ، وفى جعلهما الأئمة هم المراد من كلمات الله تعالى عند تأويل بعض الآيات ، ورأيت أن شيخ الطائفة الطوسى أكثر اعتدالاً وأقل غلواً من الطبرسي.

 

     والفصل السادس جعلته للحديث عن كتب التفسير بعد الطوسى والطبرسى ، تحدثت فيه عن عشرة كتب تمثل الاتجاهات المختلفة للتفسير ، فبعد الطوسى والطبرسى وجدنا منهم من يسير في طريق الغلو والضلال ، ويستمد التفسير من كتب القرن الثالث الثلاثة ، وما شابهها ككتاب الكافى للكلينى ، ومنهم من سلك طريق الاعتدال النسبى والبعد عن الغلو والتطرف إلى حد ما ومنهم من اقترب من أحد الطريقين مبتعداً عن الآخر .

      والكتب العشرة تبين هذه الاتجاهات ، وثلاثة منها تبين اتجاه التفسير في العصر الحديث .

      وختمت هذا القسم بالفصل السابع الذي خصصته لنظرة عامة لباقى كتب التفسير من خلال كتاب " الذريعة إلى تصانيف الشيعة " ، وذلك حتى نستكمل ما أردنا بيانه . وجدت في الذريعة عشرات من كتب التفسير الشيعى يدل العنوان نفسه على غلو المؤلف وضلاله ، وكتباً أخرى يظهر فيها هذا الأثر عندما يتحدث عنها صاحب كتاب الذريعة . وهذا القدر الهائل من الكتب الضالة يشير إلى ضخامة حركة الغلاة ، ومدى تأثيرها في الوسط الشيعى الاثنى عشرى ، بل ربما يعطى السمة الغالبة للتفسير الشيعى ، وقد أشرت لهذا في ختام الفصل .

     بعد هذا كله أعتقد أن الصورة أصبحت واضحة تماماً ، ولسنا في حاجة إلى مزيد بيان .

    ومما أمرنا بتلاوته :

رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ

                   " 89 : الأعراف "

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



([1])  33 : الفرقان .

([2] ) انظر البرهان : 2 / 148 .

[3])   )  راجع التفسير والتأويل في لسان العرب ، والقاموس المحيط ، وكشف الظنون : علم التأويل 1 / 334 , وعلم التفسير 1 / 427 .

  ([4])   انظر حاشيته على تفسير الكشاف للزمخشرى 1 / 15 .

   ([5]) تفسير ابن كثير 1 / 345 ، وانظره إلى ص 347 .

  ([6])  انظر الكشاف 2 / 320 .

     ([7])انظر تفسيره  2 / 478 .

   (8) انظر فتح الباري 7 / 100 ـ كتاب فضائل الصحابة ـ باب ذكر ابن عباس رضي الله عنهما .

[9])    )  البخاري ـ كتاب الإيمان ـ باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال ، ومسلم ـ كتاب فضائل الصحابة ـ باب من فضائل عمر رضي الله عنه .

[10])   ) سنن ابن ماجه ـ كتاب المناسك ـ باب حجة رسول الله r ، ورواه أبو داود والنسائى .

[11])   )  البخاري ـ كتاب الأذان ـ باب التسبيح والدعاء في السجود .

[12])   )   البخاري ـ كتاب الحج ـ باب توريث دور مكة وبيعها .

[13])   ) فتح البارى 3 / 452 .

[14])   ) المسند 4 / 155 .

[15])   )  الموطأ ـ كتاب اللباس ـ باب ما جاء في الانتعال . والآية الكريمة المذكورة هي رقم 12 من سورة طه .

   ([16])   البخاري ـ كتاب تقصير الصلاة ـ باب يقصر إذا خرج من موضعه .

[17])   ) انظر فتح البارى 3 / 570 ـ 572 .

  ([18])     دقائق التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن تيمية 1 / 106 .

[19])  )  المرجع السابق ص 109 ـ 110 .

([20])   راجع لسان العرب ، مادتى " فسر " و " أول " .

[21])  )  انظر تفسير الطبري تحقيق شاكر 1 / 80 .

[22])  )  17 ـ 19 : القيامة .

[23])  ) 44 : النحل .

  ([24])  2 : يوسف .

[25])  ) 3 ـ 5 النجم .

 ([26])   انظر الرسالة للإمام الشافعى : ص 28 ـ 29 .

    والآيتان الكريمتان المذكورتان هما : رقم 188 من سورة البقرة ، ورقم 275 من السورة نفسها .

[27])   )  انظر الخبرين في تفسير الطبري 1 / 80 تحقيق شاكر .

[28])   )  مقدمة ابن خلدون 3 / 996 .ونلحظ أن الدقة تنقصه في قوله " فكانوا كلهم يفهمونه ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه " ، وسنرى ـ على سبيل المثال ـ أن بعض الصحابة فهموا بعض الآيات فهما خاطئا ، وأن أشياء غابت عن االصحابه كلهم أو بعضهم .

   ([29])   أخرج في كتاب التفسير سبعة وخمسين حديثاً ، واتفق مع البخاري منها في أربعة عشر حديثاً .

  ([30])  انظر : تدريب الراوى 1 / 192 ـ 194 ، والإتقان 1 / 31 .

   ([31]) نقلنا الأخبار بأرقامها التي وضعها المرحوم محمد فؤاد عبد الباقى كما جاءت في فتح البارى طبع المطبعة السلفية . وكتاب التفسير يقع في الجزء الثامن .

  ([32])  راجع ترجمة ابن عباس في طبقات المفسرين للداودى ، ومعجم المؤلفين 6 / 66 .

  ([33])  انظر الصفحة الثانية من التفسير المذكور .

  ([34])  انظر الصفحة الثالثة .

  ([35])  انظر الإتقان 2 / 189 .

  ([36])  انظر تفسير ابن كثير 1 / 17 .

  ([37])  انظر المرجع السابق 1 / 39 .

  ([38])  انظر الدر المنثور 1 / 8 .

  ([39])  انظر ترجمة عطية في تهذيب التهذيب ، وميزان الاعتدال . وراجع ما كتبته عن عطية في الفصل الثالث من الباب السابق عند مناقشة روايات التمسك بالكتاب والعترة.

  ([40])  انظر الكتاب المذكور 1 / 121 ـ 122 .

  ([41])  انظر ترجمته في تهذيب 9 / 436 ، ترجمة رقم 719 والسدى نسبة إلى سدة مسجد الكوفة ، ومن الرواة السدى الكبير ، وهو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبى كريمة : أحسن حالاً من الصغير ، متكلم فيه ؛ وثقه بعضهم وضعفه وآخرون .

  ([42])  انظر ترجمة الكلبى في تهذيب التهذيب ، وميزان الاعتدال ووفيات الأعيان             4 / 309 ـ 311 ، وطبقات المفسرين للداودى ـ ترجمة رقم 491 .

     ومما جاء في ترجمته أنه كان من أتباع عبد الله بن سبأ الذين يقولون إن علياً لم يمت ، وإنه راجع إلى الدنيا يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً ، وإن رأوا سحابة قالوا : أمير المؤمنين فيها ! *

  * وفيها أنه اعترف بأنه سبئى ، وقال : كان جبرائيل يملى الوحي على النبي r ، فلما دخل النبي r الخلاء جعل يملى على على !!

  ([43])  تحدث السيوطي عن جيد الطرق عن ابن عباس ، ثم قال : " وأوهى طرقه طريق الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس ، فإن انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدى الصغير فهى سلسلة الكذب " " الإتقان 2 / 189 " .

  ([44])  راجع كتابه " التفسير والمفسرون " 1 / 82 .

  ([45])  راجع ترجمة هؤلاء وغيرهم في الكتاب المذكور ، وبإذن الله جلت عظمته سنتحدث بالتفصيل عن الجرح والتعديل عند الجعفرية في الباب التالى عن السنة المطهرة .

  ([46])  عن ابن أبى مليكة قال : رأيت مجاهداً سأل ابن عباس عن تفسير القرآن ومعه ألواحه ، فيقول له ابن عباس : " اكتب " ، حتى سأله عن التفسير كله . انظر دقائق التفسير 1 / 81 .

  ([47])  انظر الإتقان 2 / 189 .

  ([48])  دقائق التفسير 1 / 57 . ورجح المرحوم الشيخ الذهبى قيام مدرسة المدينة على أبى بن كعب ـ راجع ما كتبه بإسهاب عن المدارس الثلاث ، وعن أشهر المفسرين من التابعين الذين أخذوا التفسير عن أساتذة هذه المدارس من الصحابة ، في كتابة " التفسير والمفسرون "             1 / 100 ـ 127 .

  ([49])  ويذكر أن لغيرهما كذلك تفاسير ، منهم : رفيع بن مهران أبو العالية الرياحى ، والضحاك ابن مزاحم ، والحسن البصرى ، وعطاء بن أبى رباح ، وأبو جعفر الباقر ، وغيرهم من التابعين كما نرى في تراجمهم .

" راجع ترجمة من سبق وغيرهم في طبقات المفسرين للداودى " .

  ([50])  حقق هذه المخطوطة الأستاذ عبد الرحمن الطاهر بن محمد السورتى " مجمع البحوث الإسلامية بباكستان " .

      وحققها كذلك الأخ الصديق الأستاذ الدكتور محمد عبد السلام .

      واعتمد كل من المحققين على نسخة واحدة لم يعثرا على غيرها ، وذكرت لزميلى الدكتور محمد بأن دار الكتب المصرية فيها نسختان ولعل كلا من الأخوين يرجع إلى النسخة الثانية ليستفاد منها في طبعات تالية إن شاء الله تعالى .

  ([51])  قال الدكتور محمد عبد السلام في وصف المخطوطة :

      ليست كلها عن مجاهد وإنما بها قدر غير يسير عن غيره ، بل هناك سور بتمامها لم يذكر شئ عن مجاهد في تفسيرها ، وهى : المعارج ، نوح ، المدثر ، القيامة ، الدهر ، التكاثر ، القارعة . ولم يأت بالمخطوطة تفسير للفاتحة ، ولا لسورة " الكافرون " .

  ([52])  عبد الرحمن السورتى محقق تفسير مجاهد كثيراً ما نراه يشير إلى تفسير سفيان الثورى في الحاشية .

  ([53])  انظر ترجمة مقاتل بن سليمان في تهذيب التهذيب 10 / 279 : 285 وطبقات المفسرين للداودى 2 / 330 ـ 331 .

  ([54])  غاية النهاية في طبقات القراء لشمس الدين أبى الخير محمد بن محمد ابن الجزرى         2 / 373 ترجمة رقم 3848 . وانظر طبقات المفسرين للداودى 2 / 371 ترجمة رقم 685.

  ([55])  انظر ترجمته أيضاً في ميزان الاعتدال للذهبى .

  ([56])  راجع التفسير في ج 1 ص 3 ـ 8 .

  ([57])  راجع ص 243 ، 244 .

  ([58])  ج 2 ص 287 ـ 288 .

  ([59])  ج 2 ص 359 .

  ([60])  سير أعلام النبلاء 14 / 267 .

  ([61])  المرجع السابق 14 / 270 .

  ([62])  انظر المرجع السابق 14 / 269 ، والبداية والنهاية 11 / 145 ، ولسان الميزان       5 / 100 .

  ([63])  انظر البداية والنهاية 11 / 145 .

  ([64])  انظر طبقات المفسرين للسيوطي : ص 95 ، 96 .

  ([65])  انظر ترجمته في المراجع السابقه ، وأخص سير أعلام النبلاء ، وفى غيرها من المراجع مثل : تاريخ بغداد 2 / 162 ، وطبقات المفسرين للداودى 2 / 106 .

  ([66])  طبع بتحقيق الدكتور ناصر الرشيد وآخر ، ثم حققه شيخنا العلامة محمود محمد شاكر ، محقق تفسير الطبري ، جزاه الله خيراً .

  ([67])  انظر تهذيب الآثار 1 / 89 ـ 90 ـ والحديث الأول رواه الترمذى في الباب الخامس من مناقب على بن أبى طالب ، وقال : " هذا حديث غريب منكر " والثاني قال عنه البخاري : " منكر " وقال بوضعه ابن معين وابن الجوزى والذهبى وغيرهم ، وصححه الحاكم !! وافتى بحسنه ابن حجر ـ انظر فيض القدير 3 / 46 ـ 47 ، والمقاصد الحسنة 97 ، وكشف الخفاء 1 / 235 .

  ([68])  تهذيب الآثار 1 / 140 .

  ([69])  انظر سير أعلام النبلاء 14 / 275 ، ولسان الميزان 5 / 101 ، وفيه زياده العبارة الأخيرة : " من قال إن " .

  ([70]) لسان الميزان 5 / 100 .

  ([71]) ضعبف الإسناد .

  ([72]) أبوجعفر هو الرازى التميمى : ثقة ، تكلم فيه بعضهم .

  ([73])  هذا الخبر منقطع بين ابن جريج وابن عباس .

  ([74])  عبد الرحمن بن زيد : متأخر من أتباع التابعين ، وهو ضعيف جداً .

  ([75])  إسناده صحيح .

  ([76])  إسناده صحيح .

  ([77])  صحيح الإسناد .

  ([78])  هذا الإسناد مرسل ، وسيأتى مرسلاً أيضاً 197 ، 199 ، ولكنه سيأتى موصولاً 198 .

  ([79])  إسناد صحيح ، وسيأتى تفسير " الضالين" بهذه الأسانيد 210 ، 211 ، 212 ، 213. 

  ([80])  لم يخرجوه .

  ([81])  هذه الأحاديث والأخبار والآثار 207 ـ 220 ، في تفسير " الضالين " ، سبقت أوائلها في تفسير " المغضوب عليهم " ، مع تخريجها ، في الأرقام 193 ـ 206 ، مع شئ من التقديم والتأخير .

  ([82])  الحديث 211 ـ سبق هذا الإسناد 197 .

  ([83])  صحيح الإسناد .

  ([84]) و  (3) صحيح الإسناد ، وهذا الحديث ـ بإسناديه الموقوفين ـ مرفوع حكماً .

 

  ([86])  صحيح الإسناد .

  ([87])  انظر تفسير الطبري للآية الثالثة من سورة المائدة في كتابه بتحقيق شاكر 9/517ـ531، وراجع ما كتبته عن الغدير في الفصل الثاني من الباب الأول ، وعبارة الطبري تجدها في ص 104 .

  ([88])  الآية 88 من سورة ص ، وراجع تفسيرها في كتابه 23 / 188 ـ 189 وانظر أيضاً تفسير قوله تعالى :  ] وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ [  " 51 : سبأ " فقد ذكر الأخبار المختلفة ، ثم رجح الصحيح منها ـ انظر 22 / 106 ـ 109 .

  ([89])  37 : الأحزاب .

  ([90])  تفسير ابن كثير 3 / 491 .

  ([91])  تفسير الطبري بتحقيق شاكر 1 / 516 ، وانظره إلى ص 521 .

  ([92])  18 : سورة البقرة .

  ([93])  تفسير الطبري بتحقيق شاكر 1 / 330 .

  ([94])  انظر الخبر رقم 607 ج 1 ص 458 ، 460 ، وقول الطبري بعده .

  ([95])  1 / 462 بالحاشية .

  ([96])  تفسير الطبري ـ الحاشية 1 / 462 .

  ([97])  69 : الأحزاب .

  ([98])  انظر تفسيره 22 / 50 وما بعدها .

  ([99])  72 : الأحزاب .

  ([100])  انظر تفسيره 22 / 54 وما بعدها .

  ([101])  34 : سورة " ص " ، وانظر تأويلها في تفسير الطبري 23 / 156 وما بعدها . ورفض الحافظ ابن كثير هذه الإسرائيليات ـ انظر تفسيره 4 / 34 ـ 36 .

  ([102])  مجموع فتاوى ابن تيمية 13 / 385 ـ 388 .

  ([103])  تفسير ابن عطية 1 / 31 ، وابن عطية توفى سنة 541 هـ .

  ([104]) ، (3) زاد المسير في علم التفسير لأبى فرج عبد الرحمن بن الجوزى المتوفى        سنة 596 ـ انظر مقدمة المحقق ص 4 ، 5 .

 

  ([106])  انظر التفاسير الثلاثة : النكت والعيون للماوردى المتوفى سنة 450 هـ نشرة وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت ، والمحرر الوجيز لابن عطية طبع في دولة قطر على نفقة أميرها ، وتفسير ابن الجوزى نشره المكتب الإسلامى .

  ([107])  السمرقندى توفى سنة 373 هـ ، والثعلبى سنة 427 ، أما البغوى فتوفى سنة 510 . انظر ما كتبه المرحوم الدكتور الذهبى عن هذه التفاسير في كتابه القيم التفسير والمفسرون          ج 1 ص 224 ، 227 ، 234 .

 ([108])  انظر الشيعة والتشيع ص 45 ، ويزعمون أن الإمام علياً قال : " ذلك القرآن فاستنطقوه فلن ينطق لكم ، أخبركم عنه . إن فيه علم ما مضى وعلم ما يأتى إلى يوم القيامة ، وحكم ما بينكم ، وبيان ما أصبحتم فيه مختلفين . فلو سألتمونى عنه لأخبرتكم عنه لأنى أعلمكم " .        ( ص 3 من مقدمة تفسير القمي ، وانظر الكافى 1 / 61 ، 8 / 50 ) . ويزعمون كذلك أن الإمام الصادق قال : " إن الكتاب لم ينطق ولن ينطق " وأن أباه الباقر قال : " القرآن ضرب فيه الأمثال للناس ، وخاطب الله نبيه به ونحن ، فليس يعلمه غيرنا " . ( تفسير القمي 2 / 295 ، 425 ) . 

  ([109])  ينقسم الجعفرية إلى أصوليين وإخباريين : الأصوليون يعتمدون على الاستنباط والاجتهاد وإعمال العقل ، فهم يبحثون ويفكرون بذهنية أصولية ، وهم أصحاب علم أصول الفقه عند الجعفرية . والإخباريون لا يعتمدون إلا على متون الأخبار التي تروى عن أئمتهم . ويرى الأصوليون أن الحركة الإخبارية ظهرت في أوائل القرن الحادى عشر على يد الميرزا محمد أمين الاسترابادى ، واستفحل أمرها بعده وبخاصة في أواخر القرن الحادى عشر وخلال القرن الثاني عشر ، على حين يرى الإخباريون أن الاتجاه الإخبارى كان هو الاتجاه السائد بين الفقهاء الإمامية إلى نهاية عصر الأئمة ولم يتزعزع هذا الاتجاه إلا في أواخر القرن الرابع وبعده ـ*

[110]*حين بدأ جماعة من علماء الإمامية ينحرفون عن الخط الإخبارى ، ويعتمدون على العقل في استنباطهم ، ويربطون البحث الفقهى بعلم الأصول تأثراً بالطريقة السنية في الاستنباط ، ثم أخذ هذا الانحراف ـ كما يقولون ـ في التوسع والانتشار . والإخباريون الآن قلة قليلة بالنسبة للأصوليين ، والقسم الكثير منهم في البحرين ، وهم أيضاً عدد قليل ( انظر المعالم الجديدة للأصول ص 76 ـ 82 ، وفقه الشيعة الإمامية 1 / 48 ـ 50 وانظر كذلك موقف الإخباريين من علم الأصول في الحاشية للقمى 2 / 211 ) .

  ([111])  فوائد الأصول 3 / 48 ، وانظر كذلك الأصول العامة للفقه المقارن ص 102 ـ 105 وأصول الفقه للمظفر 3 / 130 : 134 ، 138 ، 141 .

  ([112])  تحدث أحد علمائهم عن الأصول اللفظية وحددها بخمسة هي : أصالة الحقيقة ـ أي الأصل أن تحمل الكلام على معناه الحقيقى ، وأصالة العموم ، واصالة الإطلاق ، وأصالة عدم التقدير ، والأصل الخامس هو أصالة الظهور ، وقال عن هذه الأصالة : " موردها ما إذا كان اللفظ ظاهراً في معنى خاص لا على وجه النص فيه الذي يحتمل معه الخلاف ، بل كان يحتمل إرادة خلاف الظاهر ، فإن الأصل حينئذ أن يحمل الكلام على الظاهر فيه . وفى الحقيقة أن جميع الأصول المتقدمة راجعة إلى هذا الأصل ، لأن اللفظ مع احتمال المجاز ـ مثلاً ـ ظاهر في الحقيقة ، ومع احتمال التخصيص ظاهر في العموم ، ومع احتمال التقييد ظاهر في الإطلاق ، ومع احتمال التقدير ظاهر في عدمه ، فمؤدى أصالة الحقيقة نفس مؤدى أصالة الظهور في مورد احتمال التخصيص ، وهكذا في باقى الأصول المذكورة ، فلو عبرنا بدلاً عن كل من هذه الأصول بأصالة الظهور كان التعبير صحيحاً مؤدياً للغرض ، بل كلها يرجع اعتبارها إلى اعتبار أصالة الظهور ، فليس عندنا في الحقيقة إلا أصل واحد هو أصالة الظهور " . ( أصول الفقه للمظفر ، 1 / 31 ـ 32 ) .

  ([113])  هو الشيخ محمد رضا المظفر ، من كبار علمائهم . انظر كتابه أصول الفقه 1 / 136 . وهو الذي نقلنا عنه الأصول اللفظية آنفاً .

  ([114])  انظر أصول الفقه للمظفر 1 / 141 : 142 .

  ([115])  المرجع السابق 1 / 143 : 144 وعند أهل السنة إذا قصر العام  على بعض أفراده يعتبر تخصيصاً عند جمهور الأصوليين ، لأن المراد بالتخصيص عندهم بيان أن المراد بالعام* *بعض أفراده ، لا فرق بين أن يكون البيان متصلا بالمبين أو منفصلاً عنه ما دام لم يتأخر عن وقت الحاجة إليه ، فإذا تأخر كان نسخاً ، ولا يكون حينئذ إلاَّكلاماً مستقلاً . أما الحنفية فإنهم يفرقون بين المتصل والمنفصل من الكلام المستقل ، فيجعلون الأول مخصصاً ومبيناً ، والثاني ناسخاً ، لأن الشارع إذا أراد بالعام ـ من أول الأمر بعض أفراده  قرنه بما يدل على مراده من المخصصات حتى لا يقع التجهيل الذي يتنزه الشارع الحكيم عنه ، فإذا أورد العام من غير مخصص  ومبين دل هذا على أن الشارع يريد جميع أفراده ابتداء . فإذا جاء بعد ذلك نص يخرج من العام بعض ما كان داخلاً فيه كان ناسخاً لا مخصصاً ، فالخارج من العام بالتخصيص لم يدخل فيه ابتداء ، والخارج منه بالنسخ دخل فيه ابتداء ثم أخرج . " انظر أصول التشريع      ص 244 "

    وهذا التخصيص أو النسخ عند الحنفية لا يكون إلا إذا وصل الحديث عن رسول الله r إلى حد التواتر أو الشهرة : أما إن كان خبر واحد فلا يخصصه ولا ينسخه إلا إذا كان عام الكتاب قد خص قبل بقطعى حتى صار بذلك التخصيص ظنياً ، ويرى الجمهور أن خبر الواحد يخص عام الكتاب " انظر أصول الفقه للخضرى 184 " .

  ([116])  فوائد الأصول 4 / 274 .

  ([117])  أجود التقريرات ص 512 .

  ([118])  فوائد الأصول 4 / 274 .

  ([119])  المرجع السابق 4 / 274 .

  ([120])  أصول الفقه المظفر 1 / 144 .

  ([121])  المرجع السابق 1 / 144 .

  ([122])  انظر الآراء المختلفة والترجيحات في الحاشية على الكفاية 2 / 198 : 199 ، وفوائد الأصول 4 / 273 ، وأجود التقريرات ص 506 : 512 والبيان ص 424 : 428 .

  ([123])  143 : سورة البقرة .

  ([124])  أصل الشيعة وأصولها ص 145 ـ 146 .

  ([125])  راجع  التصنيف في علم الأصول ص 54 وما بعدها من كتاب المعالم الجديدة للأصول .

  ([126])  يقصد المؤلف بالرقم الأول رقم السورة وهى سورة محمد ، وباقى السور التي أشار إلى أرقامها هي على الترتيب : الزمر ، الشعراء ، آل عمران ، الدخان ، القمر ، النساء .

  ([127])  البيان  للخوئىص 281 : 282 ، وراجعه إلى ص 291 .

  ([128])  هو العالم محمد تقى الحكيم ، أستاذ الأصول والفقه المقارن في كلية الفقه بالنجف  بالعراق . انظر كتابه الأصول العامة ص 102 : 107 .

  ([129])  المرجع السابق ص 102 : 103 وانظر كذلك للجعفرية في حجية الظواهر : فوائد الأصول 3 / 47 : 48 ، وأصول الفقه للمظفر 1 / 24 ، 30 : 32 ، جـ 3 / 129 : 130 ، 134 ، 141 ، والمعالم الجديدة للأصول ص 139 : 145 .

  ([130])  انظر الميزان 1 / 5 ، وانظر الكافى 1 / 374 .

  ([131])  أصول التشريع الإسلامى ص 25 ـ 26 .

  ([132])  راجع هذه الأقسام بالتفصيل ، والحديث عن الظاهر والباطن في إحياء علوم الدين :      1 / 171 ـ 180 ، والصوفية لهم حظ معلوم من التأويل ! وانظر ما كتبه أستاذنا العلامة المرحوم أبو زهرة عن ظاهر القرآن وباطنه عند الجعفرية ، والموازنة بين كلامهم وكلام الغزالى " الإمام الصادق ص 305 ـ 315 " . وراجع الفرق بين قولهم وما ذهب إليه جمهور المفسرين في " التفسير والمفسرون 2 / 28 ـ 32 " . وانظر كذلك أعلام الموقعين " 4 / 310 ـ 320 " ففيه بحث قيم عن التأويل ، وراجع فيه رأى ابن رشد ، ومهاجمته للغزالى ولغيره من المتأولة .

  ([133])  مما رواه الإسماعيلية عن النبي r أنه قال " ما نزلت على من القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن " ومما رووه عن الإمام الصادق ـ وهو آخر إمام يجمعهم بالجعفرية ـ أنه قال " إنا نتكلم في الكلمة الواحدة سبعة أوجه ، فقال الرجل متفكراً : سبعة يا بن رسول الله ؟ فقال : نعم .. وسبعين ولو استزادنا لزدناه " . " انظر أساس التأويل ص 30 ، 37 " وقالوا : " من معجزات وغرائب تأليفه ـ أي القرآن الكريم ـ أنه يأتى بالشىء الواحد وله معنى في ظاهره ومعنى في باطنه ، فجعل عزوجل ظاهره معجزة رسوله ، وباطنه معجزة الأئمة من أهل بيته ، لا يوجد إلا عندهم ، ولا يستطيع أحد أن يأتى بباطنه غير الأئمة من ذريته ، وهو علم متوافر بينهم مستودع فيهم ، يخاطبون كل قوم منه بمقدار ما يفهمون ، ويعطون كل أهل حد منه ما يستحقون ، ويمنعون منه ما يجب منعه ، ويدفعون عنه من استحق دفعه " . " ص 31 ـ 32 أساس    التأويل " .

      وإذا كان هذا المنهاج مختصاً بالإسماعيلية الباطنية ، فإنا سنرى من دراستنا لكتب الجعفرية أن منها ما لا يرتفع عن هذا الدرك الأسفل ، وكل يخضع كتاب الله تعالى لهواه ، هذا يجعله إسماعيلياً ، وذاك يحرف مثله ولكن ليجعله جعفرياً اثنى عشرياً . 

  ([134])  64 : يونس .

  ([135])  9 : الحجر .

  ([136])  ولد سنة 1254 هـ بإحدى كور طبرستان ، وتوفى بالكوفة سنة 1320 هـ ، وهو صاحب كتاب مستدرك وسائل الشيعة الذي طبع بالقاهرة مع الوسائل للحر العاملى .

  ([137])  ص 9 ـ 10 ، ويقصد الضالون بصنمى قريش الصديق والفاروق وفرعون هذه الأمة ونمرودها الفاروق ]  كَبُرَتْ كَلِمَةً تخرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ  [   " 5 : الكهف " ويراد بصاحب الأمر إمامهم الثاني عشر ، وفى روايات أخرى يطلق هؤلاء الضالون على الراشدين الثلاثة : عجل هذه الأمة وفرعونها وسامريها انظر ص 155 ، 156 ، 218 من الكتاب المذكور .

  ([138])  ص 14 .

  ([139])  انظر ص 156 ، 157 من فصل الخطاب .

  ([140])  انظر دراستنا لكتاب الحجة من الجزء الأول لأصول الكافى ، وكذلك دراستنا لروضة الكافى ، في كتاب أثر الإمامة في الفقه الجعفرى وأصوله ص 296 : 355 ، وفى الجزء الثالث من هذه الموسوعة.

  ([141])  فصل الخطاب ص 25 ـ 26 .

  ([142])  وممن ذكرهم محمد بن مسعود العياشى صاحب أحد تفاسيرهم المشهورة ،  انظر ص 26.

  ([143])  المرجع السابق ص 30 .

  ([144])  المرجع السابق ص 31 ـ 32 .

  ([145])  انظر ص 82 .

  ([146])  الكتاب نفسة ص 211 ، ومعلوم أن القرآن الكريم آياته لا تصل إلى ستة آلاف وثلاثمائة، ومعنى رواية الكلينى أن أكثر من عشرة آلاف آية حذفت . " جاء في البرهان للزركشى " 1 / 251 " : عدد آياته في قول على رضي الله عنه ـ ستة آلاف ومائتان وثمان عشرة . وعطاء : ستة آلاف ومائة وسبع وسبعون . وحميد : ستة آلاف ومائتان واثنتا عشرة . وراشد : ستة آلاف ومائتان وأربع " .

  ([147])  ص : 227 .

  ([148])  ص : 228 .

  ([149])  هو محمد بن مرتضى المدعو بمحسن ، انظر كتابه الصافى ج 1 الورقة 19 .

  ([150])  انظر المقدمة المذكورة ص 22 .

  ([151])  تفسير القمي ـ المقدمة نفسها ص 23 ـ 24 .

  ([152])  وفاة هؤلاء على الترتيب : 381 ، 436 ، 460 ، 548 هـ .

  ([153])  مقدمة مجمع البيان ص 15 .

  ([154])  المقدمة السابقة ص 15 وانظر رأى الطبرسي في الصفحة ذاتها .

  ([155])  التبيان 1 / 3 .

  ([156])  رسالته في الاعتقادات : ص 93 .

  ([157])  أصل الشيعة وأصولها ص 133 .

  ([158])  انظر كتابه البيان ص 215 ـ 278 وبعد بحثه قال تحت عنوان " النتيجة "  ص 278 : " ومما ذكرناه : قد تبين للقارئ أن حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال ، لا يقول به إلا من ضعف عقله ، أو من لم يتأمل في أطرافه حق التأمل ، أو من ألجأه إليه بحب القول به ، والحب يعمى ويصم ، وأما العاقل المنصف المتدبر فلا يشك في بطلانه وخرافته " .

  ([159])  انظر مقدمته لتفسير شبر ص 16 : 19 .

  ([160])  راجع كتابه الأصول العامة للفقه المقارن ص 107 : 117 .

  ([161])  تعليق على مقال ص 13 .

  ([162]) بعد قليل يأتى الحديث عن تفسيرى القمي والعياشى الضالين ، وانظر ما كتبته عن الكافى للكلينى في كتاب أثر الإمامة في الفقه الجعفرى وأصوله .

  ([163])  الراويان من الثقات عند الجعفرية ـ انظر ترجمتيهما في تنقيح المقال للمامقانى .

  ([164])  انظر الصفحة الثانية وما بعدها .

  ([165]) في الأصل " كك " .

  ([166])  ص 32 : 33 .

  ([167])  ص 34 .

  ([168])  انظر ص 34 : 36 .

  ([169])  انظر ص 36 : 41 .

  ([170])  ص : 41 ـ 42 .

  ([171])  ص : 42 .

  ([172])  ص 44 .

  ([173])  ص 100 .

  ([174])  ص 42 : 43 .

  ([175])  انظر ص 43 : 44 .

  ([176])  انظر ص 60 .

  ([177])  انظر ص 61 .

  ([178])  انظر ص 64 .

  ([179])  ص : 48 ـ 49 .

  ([180])  انظر ما كتبه الجزائرى عنه في مقدمته لهذا التفسير ص 8 .

  ([181])  انظر كلمته : ج 1 ص 5 ـ 6 من تفسير القمي ، وراجع ما ذكره عن تفسير القمي في الذريعة 4 / 302  : 309 .

  ([182])  راجع ص 15 .

  ([183])  انظر ص 20 .

  ([184])  انظر ص 23 ـ 24 من المقدمة المذكورة .

  ([185])  راجع مقدمة تفسيره ص 10 ـ 11 .

  ([186])  انظر مثلاً : ج 1 ص 110 ، 118 ، 122 ، 125 ، 126 ، 272 . إلخ  .

  ([187])  راجع ص 153 من هذا الفصل .

  ([188])  1 / 142 ، والآيتان من سورة النساء " 64 ـ 65 " ، والخطاب فيهما للرسول الكريم ، فجعله القمي للإمام على فزاد " يا على " مرتين ، أي أن هذه الزيادة حذفت من القرآن الكريم ، وهذا يذكرنا بالفرقة الغرابية ـ من غلاة الشيعة ـ التي قالت بأن الرسالة كانت لعلى فأخطأ جبريل ونزل على محمد !!

  ([189])  الآيات 57 ـ 59 .

  ([190])  2 / 286 .

  ([191])  انظر 2 / 301 ـ 302 .

  ([192])  المائدة : الآية : 13 والآية السابقة لها هي ، ] وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ [   فجعلها القمي لولاية الإمام على ، وجعل اللعن للصحابة الأبرار بأنهم نقضوا عهد أمير المؤمنين .

  ([193])  1 / 163 .

  ([194])  من أول السورة إلى الآية السادسة .

  ([195])  2 / 133 ، ومعلوم أن ضمير الجمع كضمائر الجمع السابقة تعود على قوم موسى لا عليه هو .

  ([196])  الآية 73 .

  ([197])  2 / 254 ، والمراد بفلان وفلان الشيخان الصديق والفاروق حيث اعتبر خلافتهما غصباً، وهذا الافتراء طعن للإمام نفسه ، فقد زوج ابنته سيدنا عمر .

   ([198])  2 / 286 ، وما ذكره هنا فيه جمع بين الطعن في الشيخين والصحابة وذكر للتحريف ، ونص الآيات الكريمة هو :  ] حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [  " 38 : 43 " .

  ([199])  2 / 300 .

  ([200])  2 / 302 .

  ([201])  انظر 2 / 344 ، 346 ، وهو هنا يستخدم أكثر من رمز من الرموز التي يبدو أنها كانت متداولة بين حزبه السرى في هذا الوقت ، فالدولة العباسية التي حكمت عصر القمي ما كانت لتسمح للعلويين بالظهور والمجاهرة بآرائهم . ولعل ظلم الأمويين للشيعة وما لاقوه على أيدى أبناء عمومتهم العباسيين ، ساعد على هذا التطرف والضلال ،  ولكنه لا يبرره .

  ([202])  2 / 253 ، وهذا القول قريب من أولئك الذين قالوا بألوهية على في حياته فأحرقهم بالنار، فعلى شيعته ومحبيه ـ إن كانوا صادقين أن يحرقوا الكتاب ، ويبينوا ضلال صاحبه ، لا أن يرفعوه مقاماً عليا .

  ([203])  2 / 86 .

  ([204])  2 / 333 .

  ([205])  11 : الفرقان .

  ([206])  سورة البقرة ـ الآية 26 .

  ([207])  ص 19 .

  ([208])  انظر التفسير 1 / 34 .

  ([209])  ص 21 من المقدمة المذكورة .

  ([210])  انظر مقدمته للتفسير ص 24 ، 25 .

  ([211])  الموضع السابق ص 24 .

      والآية هي رقم 83 : النمل ومعناها أنهم يحشرون فوجاً ، أي زمراً ، فلا يبقى أحد ، ونحن مأمورون بالإيمان بيوم القيامة ، لا بيومين : يوم لأئمة الجعفرية ويوم للقيامة .

    (انظر مناقشة هذه العقيدة وبيان بطلانها بالأدلة العقلية والنقلية في مختصر التحفة الاثنى عشرية ص 200 : 203 ) .

  ([212])  85 : القصص .

  ([213])  2 / 147 .

  ([214])  2 / 327 .

  ([215])  1 / 383 .

  ([216])  1 / 385 .

  ([217])  انظر 2 / 431 . والآية الكريمة التي استدل بها هي الرابعة من سورة الدخان . ونصها ] فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [   وليس فيها " إلى سنة " كما ذكرها .

  ([218]) 2 / 432 .

  ([219])  26 / 27 : الجن .

  ([220])  2 / 390 .

   ([221])  2 / 17 .

   ([222])  انظر 2 / 14 ـ 15 .

   ([223])  انظر 2 / 58 ـ 59 .

   ([224]) 2 / 268 ، وفى سورة " ق " قال " ق : جبل محيط بالدنيا من وراء يأجوج ومأجوج "  ( 2 / 323 ) .

   ومما يضحك ـ ومن شر البلية ما يضحك ـ أن نجد في عصرنا من يؤمن بهذه الخرافات والأكاذيب ، بل يتخذ منها دليلاً على علم الأئمة وعصمتهم !! " انظر مثلاً ج 2 حاشية            ص 15 ـ 16 ، 58 ـ 59 " والروايات لو ثبتت لأثبتت لأهل البيت وحاشاهم ـ الجهل والافتراء ! ولكن ما أكثر المتظاهرين بحب آل البيت وآل البيت منهم براء ! 

  ([225])  72 : الإسراء .

  ([226])  34 : هود .

  ([227])  انظر 2 / 23 .

    وأظن أن هنا كذلك سبباً دفيناً ، فالتاريخ يذكر لنا تنازعاً حدث بين العباس وابن أخيه على ـ رضي الله تعالى عنهما ، ويذكر لنا أيضاً أن ابن عباس تولى إمارة البصرة في خلافة ابن عمه الإمام على ، ثم ترك البصرة مغاضباً ، وتبادل مع ابن عمه رسائل اتهامات : فلعل القمي سمع بهذا فرأى أن يأتى بهذه الفرية ليهاجم من تجرأ على المعصوم أبى الأئمة !

      ] انظر متنازع العباس وابن أخيه في صحيح مسلم ـ كتاب الجهاد والسير باب حكم الفئ . وانظر الكتب المتبادلة بين الإمام على وابن عمه في أنساب الأشراف للبلاذرى                     1 / 192 ـ 194، وفى " على وبنوه " لطه حسين ص 125 ـ 128 ، وانظر أحد كتب الإمام هذه في نهج البلاغة ص 323 ـ 324 [ .

  ([228])  2 / 53 .

  ([229])  2 / 326 .

   ([230])  1 / 136 ، ونص الآية الكريمة ]   فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً    [ .

  ([231])  " في على " زيادة من تحريفهم ، وقد ضمت الرواية إلى التحريف اتفاق الصحابة الكرام مع إبليس على نقض البيعة .

  ([232])  2 / 201 .

  ([233])  الآية 31 من سورة القيامة ، وهى وسبأ مكيتان ، وموقف الغدير بلا خلاف حتى بين الشيعة أنفسهم كان بعد حجة الوداع .

  ([234])  سورة القيامة الآية 16 وهى تتحدث عن القرآن الكريم ، فالآيات التالية لها هي  ] إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ   [ .

  ([235])  2 / 397 .

  ([236])  18 : المجادلة .

  ([237])  74 : التوبة .

  ([238])  2 / 358 .

  ([239])  2 / 84 ـ 85 .

  ([240])  سورة النور آية : 11 .

  ([241])  2 / 99 .

  ([242])  انظر 2 / 318 ـ 319 والآية هي " 6 " .

  ([243])  2 / 377 .

  ([244]) 10 : التحريم .

  ([245])  منقول بالنص وفيه النقط .

  ([246])  انظر تفسير شبر ص 338 .

  ([247])  بل يعتبره بعضهم تصريحاً لكفرهما ، قال المجلسى : " لا يخفى على الناقد البصير والفطن الخبير ما في تلك الآيات من التعريض بل التصريح بنفاق عائشة وحفصة وكفرهما ! " .   " بحار الأنوار 22 / 33 " .

  ([248])  1 / 230 .

  ([249])  انظر 1 / 283 ، وتكملة الآية الكريمة ]   وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ [     .

  ([250])  انظر 2 / 340 ـ 341 .

  ([251])  انظر 2 / 384 .

  ([252])  الأنفال : الآية  55  .

  ([253])  1 / 279 .

  ([254])  انظر مثلاً : ج 1 ص 156 ، 196 ، 211 ، 371 ، و ج 2 ص 68 ، 80 ، 123 ، 242 ، 243 ، 255 ، 384 .

  ([255])  انظر 2 / 242 .

  ([256])  سورة الروم الآية 38 .

  ([257])  انظر 2 / 155 : 159 .

  ([258])  2 / 311 ـ 312 . وفى الأصل : فقال نعم !

  ([259])  انظر 2 / 312 .

  ([260])  انظر 2 / 315 ، والآية الكريمة ـ هي السادسة من سورة الفتح .

  ([261])  انظر 2 / 315 .

  ([262]) 60 : الزمر .

  ([263])  2 / 251 .

  ([264])  8 : هود .

  ([265])  سبأ : 51 / 52 .

  ([266])  2 / 205 .

  ([267])  113 : طه .

  ([268])  2 / 65 .

  ([269])  المقدمة ص 3 .

  ([270])  انظر 2 / 95 ، ونص الآية الكريمة ] هَذَا كـتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ     [  " الجاثية : 29 " فحرف الآية الكريمة لأنها تعارضت مع ما ذهب إليه .

  ([271])  2 / 425 .

  ([272])  انظر 2 / 260 .

  ([273])  مقدمة تفسيرة ص 14 .

  ([274])  مقدمة تفسيرة ص 14 .

  ([275])  نفس المقدمة ص 16 ، والآية هي الرابعة من سورة الإسراء ، والتحريف واضح .

  ([276])  40 : الحج .

  ([277])  1 / 83 .

  ([278])  انظر 2 / 64 : 65 .

  ([279])  2 / 94 .

  ([280])  2 / 254 .

  ([281])  انظر 2 / 324 ـ 326 .

  ([282])  2 / 345 .

  ([283])  46 : الأعراف .

  ([284])  2 / 384 .

      ذكرنا من قبل عند الحديث عن التحريف قول السيد أبى القاسم الخوئى ـ المرجع الأعلى للجعفرية بالعراق : إن الروايات التي ذكرها القمي في تفسيره صحيحه ، فهى ثابتة وصادرة من الأئمة المعصومين ، وانتهت إليه بوساطة المشايخ والثقات من الشيعة ! ولا ندرى كيف يمكن الجمع بين هذه الروايات الصحيحة في نظر السيد الخوئى وبين ما ذهب إليه هو من القول بعدم تحريف القرآن الكريم ، وغير ذلك مما يتعارض مع هذه الروايات ؟ !

 ([285]) هو أبو النضر محمد بن مسعود بن عياش السلمى السمرقندى ، المعروف بالعياشى انظر ترجمته في تنقيح المقال ، وهدية العارفين 2/32 ، ومعجم المؤلفين 12/20 .

   وفى كتاب " بهجة الآمال في شرح زبدة المقال " ذكره المؤلف ضمن علماء الجعفرية الذين يرجع إلى أقوالهم في الجرح والتعديل ، وقال عنه : " جليل القدر ، واسع الأخبار ، بصير بالرواية ، مطلع بها ، ثقة صدوق ، من عيون هذه الطائفة وكبارها إلخ " انظر ص 43.

 ([286]) صاحب كتاب الميزان في تفسير القرآن سيأتى الحديث عن كتابه .

  ([287]) انظر فصل الخطاب ص 26 .

   ([288]) المرجع السابق ص 14 .

  ([289]) المرجع نفسه ص 232 ، والآية الكريمة هي رقم 90 من سورة البقرة ، وحرفها بزيادة   " في علي " .

   ([290])  الآية الكريمة هي رقم 106 من سورة البقرة ، وحرفها ليصل إلى تأويله الذي يعد تحريفاً آخر .

   ([291]) الآية 33 من سورة فصلت ، وحرفها بزيادة " وهو صبى " .

  ([292]) 173 : آل عمران ، وتبدأ بقول ] الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ [بدون : ] ألم تر إلى [ ، وقول العياشى       " وإنما نزلت " فيه تحريف يذكرنا بكلام مسيلمة الكذاب. 

   ([293])  2/257 ، والآية الكريمة رقم 24 من سورة النحل ، وحرفها بزيادة " في على " .

  ([294]) 2/267 ، والآية الكريمة هي التسعون في سورة النحل ، وحرفها بزيادة " حقه " ، ثم جاء التأويل الذي ذهب إليه ليكون تحريفاً آخر ، وطعناً في الصديق والفاروق ، والصحابة الكرام لأنهم بايعوا كلاً منهما ، وهو قول هذا الضال : " ولاية فلان وفلان " .

  ([295]) انظر تفسير الصافى ج 1 ورقة 148.

  ([296]) يقصد الخلفاء الراشدين الثلاثة ، ومن بايعهم .

  ([297]) تفسير العياشى 1/72 ، والآيات الكريمة في سورة البقرة من 165/167 ، ومن الواضح أنها تتحدث عن المشركين عبده الأوثان " ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً." ، فجعلها العياشى : من دون الإمام .

   ([298]) 1/73 .

  ([299]) ، (2)  ا /255 ، والآيات الكريمة من سورة النساء : من 63 إلى 65 ، وقبل هذه الآيات جاء قوله تعالى : } وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا { ، فجعل العياشى النفاق لخير الناس بعد الرسول r ،وهما أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما .

 

   ([301]) 2/256 : 257 ، والآيات الكريمة في سورة النحل : من 20إلى 23 ، وحرفها بزيادة " عن ولاية على " ويقصد بالأول والثاني والثالث : الخلفاء الراشدين المهديين ، وبدلاً من أن يستحل دم هذا العياشى أجمعت طائفته على توثيقه وعلو منزلته !! وما وجدنا أحداً من دعاة التقريب يطعن فيه ! فماذا يراد بالتقريب إذن ؟! 

   ([302]) تفسير العياشى 1 / 9 .

   ([303]) 1/13 .

  ([304]) 1 / 62 ، والآيتان الكريمتان في سورة البقرة : 136، 137 ، وقبلهما  ] وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[ .

  ([305]) 1/62 ، والآية الكريمة هي رقم 138 من سورة البقرة ، أي بعد الآيات السابقة .

  ([306]) 1/62 ، والآية الكريمة هي رقم 143 من السورة نفسها .

  ([307]) 1/57 ، الآية الكريمة هي رقم 124 من السورة نفسها أيضاً.

  ([308]) 1 /330 ، والآية الكريمة هي رقم 66 من سورة المائدة . 

  ([309]) 2/140 ، 141 ، والآية الكريمة الثامنة من سورة هود .

  ([310]) 2 / 31 ، والآية الكريمة هي رقم 157 من سورة الأعراف .

  ([311]) 2 / 256 ، والآية الكريمة هي رقم 16 من سورة النحل .

  ([312]) 2 / 267 ، وسبق من قبل ذكر رواية أخرى عن أبى عبدالله في التحريف لهذه الأية.

  ([313]) 2 / 261 ، والآية الكريمة هي رقم 51 من سورة النحل .

  ([314]) 238 : البقرة .

   ([315]) 110 : سورة الكهف  .

  ([316]) انظر ما سبق في كتابى : أثر الإمامة في الفقه الحعفرى وأصوله ص 205 .

  ([317]) 96، 97 : سورة مريم  .

  ([318]) قال المجلسى : " رمع كناية عن عمر لأنه مقلوبه " بحار الأنوار 36/101 "  .

 ([319]) بحار الأنوار 36 / 100-101 ، والآيات ثلاث عشرة لا عشر آيات.

  ([320])  ولد الطوسى سنة 385 هـ ، وهاجر إلى العراق فهبط بغداد ، ثم انتقل إلى الكوفة والنجف، كان ينتمى أولاً إلى مذهب الشافعى ، ثم أخذ الكلام والأصول عن الشيخ المفيد رأس الإمامية . له كثير من الكتب . توفى سنة 460.

    راجع ترجمته في هدية العارفين 2 / 72 " جعل له تفسيري الطبرسي ! " ومعجم المؤلفين 9/202 .

  ([321]) الزخرف : 3 .

  ([322]) الشعراء : 195 .

  ([323]) إبراهيم : 4 .

  ([324]) نص الآية  ] وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ[ " النحل : 89 " .

   ([325]) الأنعام : 38 .

   ([326]) النساء : 83 .

  ([327]) محمد : 24 .

  ([328])  الأعراف : 187 .

  ([329])   لقمان    : 34 .

  ([330])  النعام    : 151 .

  ([331])  أول سورة الإخلاص .

  ([332])  البقرة    : 43 .

  ([333])  آل عمران : 97 .

  ([334])  الأنعام     : 141 .

   ([335])  المعارج   : 24 .

   ([336])  التبيان 9 / 325 - 326 .

   ([337])  توفى سنة 548 هـ .

  ([338])  قال صاحب الذريعة " 4 / 310 " : تفسير الكاف الشاف من كتاب الكشاف ، أو الوجيز، هو ثالث تفاسير الطبرسي . والكتاب المذكور وجدته في مكتبة لندن . 

   ([339])  الآية 33 .

   ([340])  انظر التبيان 2 / 441 ، ومجمع البيان 2 / 433 .

  ([341])  الآية 74 .

   ([342])  انظر التبيان 7 /512 .

   ([343])  انظر جوامع الجامع ص 326 .

   ([344])  سورة الأحزاب الآية 25 .

   ([345])  التبيان 8 / 331 .

   ([346])  جوامع الجامع ص 370.

   ([347])  النساء : الآية 24 .

   ([348])  انظر التبيان 6 / 166 ، وجوامع الجامع ص 83 84 وراجع تحريف القمي لها الذي ذكرناه في ص 188.

    وقد روى الشيعة وغيرهم أن حمزة أحد القراء السبعة ، قرأ على الإمام جعفر الصادق  " انظر مجمع البيان 1 /12 " . وفى غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزرى ذكر أن جعفر ابن محمد لم يخالف حمزة في شىء من قراءته إلاَّ في عشرة أحرف . وبمراجعة هذه الأحرف لا نجد قراءة مما ذكره معتدلو الشيعة فضلاً عن غلاتهم ، ولا نجد فيها أي أثر للإمامة . ونجد بعد الأحرف قول الإمام جعفر : " هكذا قراءة على بن أبى طالب ". " انظر الكتاب المذكور         1 / 196 " .

  ([349])  57 : الزخرف ، والسورة الكريمة مكية ، فكيف غاب هذا عن الطوسى وهو يذكر هذه الرواية ، ويتحدث عن المنافقين ! أوجدت جماعات المنافقين في العهد المكى !!

  ([350])  التبيان 9 / 209 210 .

  ([351])  جوامع الجامع ص 436 ، وانظر مجمع البيان 9 / 53 .

  ([352])  جوامع الجامع ص 249 ، وسورة النحل نزلت في العهد المكى كذلك ، والبيعة المزعومة قالوا إنها كانت بعد حجة الوداع ! 

  ([353])  المرجع السابق ص 504 ، وسورة القلم ليست مكية فحسب ، بل من أوائل ما نزل ، فهى بعد العلق : أول سور القرآن الكريم نزولاً ، وقت أن كان على بن أبى طالب رضي الله تعالى عنه صبياً !

  ([354])  انظر التبيان 10 /268 .

  ([355])  المرجع السابق 10 / 269 .

  ([356])  انظر مجمع البيان 10 / 501 - 502 .

  ([357])  انظر التبيان 10 / 363 وما بعدها ، وحمل الآيات على عمومها لا ينفى سبب النزول ، فكما هو معلوم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وشتان بين موقفهما هنا وموقفهما من الآيات التي وضع المفترون أسباباً لنزولها تتصل بأئمتهم . 

   ([358])  جوامع الجامع ص 92 ، ولكن الطوسى لم يشر لعلى . انظر التبيان 3 / 274 .

   ([359])   نفس المرجع ص 101 ، وأنكر الطوسى هذا قائلاً " لم يجر لمحمد r ذكر فيما تقدم ، ولا ها هنا ضرورة موجبة لرد الكناية عليه ، وما هذه صورته لا تجوز الكناية عنه " التبيان    3  /387 .  

   ([360])   انظر مجمع البيان ط مكتبة الحياة 8 / 63 ، والآية الكريمة التالية التي تحدثت عن أولئك الظالمين هي " الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً وهم بالأخرة كافرون " . ولا ندرى أين على وولايته هنا ؟ على أن الطوسى لم يذكر علياً هنا . انظر التبيان 4 / 406.

  ([361])  التبيان 4 / 411 ، ومن المعلوم كما نص القرآن الكريم في أكثر من موضع أن مثل هذا الأمر يكلف به الملائكة .

  ([362]) جوامع الجامع ص 146 .

  ([363]) انظر مجمع البيان ط مكتبة الحياة 20 / 251 ، والطوسى أشار إلى أنها من الإنس ولكنه لم يذكر علياً و لا غيره . انظر التبيان 8 / 119 -120 .

  ([364])  انظر مجمع البيان 9 / 106 ولكن الطوسى لم يشر لهذا ، انظر التبيان 9 / 305 .

  ([365]) مجمع البيان 9 / 147 ولكن الطوسى أيضاً لم يذكر هذا انظر التبيان 9 / 366 367 .  

  ([366])  التبيان 1 / 169 .

  ([367])  مجمع البيان 1 / 89 .

  ([368])  ذكر الطبرسي في المراد بحبل الله ثلاثة أقوال : أحدها بأنه القرآن ، وثانيها أنه دين الإسلام ، وثالثها أنه أئمة الجعفرية ، ثم قال : والأولى حمله على الجميع ، وأيد قوله بإحدى روايات الغدير التي أثبتنا عدم صحتها في أكثر من كتاب انظر مجمع البيان 2 / 482 . أما الطوسى فلم يذكر القول الثالث : انظر التبيان 2 / 545 546 .

  ([369]) 58   : النساء .

  ([370])  انظر التبيان 3 / 234 ، جوامع الجامع ص 89 .

  ([371]) راجع التبيان 3 / 236-237 ، وجوامع الجامع ص 89 .

  ([372]) راجع التبيان 3 / 273 ، وجوامع الجامع ص 89  .

  ([373]) انظر التبيان 7 / 232 ، وجوامع الجامع ص 289 .

  ([374]) انظر التبيان 8 / 243 ، وجوامع الجامع ص 389.

  ([375]) انظر مجمع البيان 9 / 427 ، والطوسى لم يشر لهذا انظر التبيان 10 / 249.

  ([376])  راجع التبيان 2 / 185 ، ومجمع البيان 2 / 302 .

  ([377])  راجع التبيان 3 / 459 460 ، وجوامع الجامع ص 106.

  ([378])  انظر التبيان 7 / 196 ، وجوامع الجامع ص 284.  

  ([379])  انظر مجمع البيان 1 / 105 ، والطوسى لم يشر للولاية " انظر التبيان  9 / 304 305 ".

  ([380])  انظر التبيان 9 / 255 ، ومجمع البيان 1 / 38.

  ([381])  جوامع الجامع ص 296 ، وروى الطوسى عن الإمام نفسه قال : " إن ذلك وعد للمؤمنين بأنهم يرثون جميع الأرض " " التبيان 7 / 284 " .

  ([382])  جوامع الجامع ص 318 ، وانظر التبيان 7 / 457 .

  ([383])  التبيان 9 / 336 ، وانظر مجمع البيان 9 / 127 .

   ([384])  تفسير الصافى ج 1 ورقة 2  .

   ([385])  انظر التفسير المذكور ج 4 ورقة 11 ، وانظر ج 1 ورقات 6 ، 7 ، 8  " نبذ مما جاء في أن علم القرآن كله إنما هو عند أهل البيت " .

    ([386]) تفسير الصافى ج 1 ورقة 2 .

   ([387]) انظر ج 1 الورقة الثامنة وما بعدها  .

  ([388]) انظر ج 1 الورقة إلى 18 ، والتفسير كله مملوء بذكر آيات كثيرة محرفة .

  ([389]) 3 : النساء .

  ([390]) ج 1 الورقتان 17 ، 18 .

    قال ابن كثير في تفسير الآية الكريمة " إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة وخاف ألا يعطيها مهر مثلها فليعدل إلى ما سواها من النساء ، فإنهن كثير ، ولم يضيق الله عليه " . وذكر سبب النزول كما رواه الإمام البخاري ، عن عائشة رضي الله عنها : " أن رجلاً كانت له يتيمة فنكحها، وكان لها عذق ، وكان يمسكها عليه ، ولم يكن لها من نفسه شئ ، فنزلت فيه  ] وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى [ أحسبه قال : كانت شريكته في ذلك العذق وفى ماله .

    ثم ذكر عن الإمام البخاري أن عروة بن الزبير سأل عن الآية الكريمة فقالت : " يابن أختى ، هذه اليتيمة تكون في حجر وليها ، تشركه في ماله ، ويعجبه مالها وجمالها ، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهوا أن ينكحوهن إلاَّ أن يقسطوا إليهن ، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق ، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن " (انظر تفسيره 1 / 449 ـ 450)  .

   ([391])  ج 1 الورقة 18 .

   ([392])  انظر ج 1 الورقتين 19 ، 20 ، ومن رده يظهر اعتقاده بأن عندهم قرآناً غير القرآن الكريم الذي بأيدى المسلمين ، وأن ما بين الدفتين هو المحرف ، وأما قرآنهم فليس بمحرف!!  والعجيب أن هذا المتظاهر بالإسلام وحب آل البيت بدلاً من أن يستباح دمه وتحرق كتبه نراه احتل مكاناً عالياً عند كثير من الشيعة الاثنى عشرية ! . وتفسيره مطبوع ومنتشر في الوسط الشيعى ! 

   ([393])   انظر هذه المفتريات العجيبة في ج 1 ورقة 148 ، ج 4 ورقة 133 .

   ([394])  ج 1 ورقة 30 .

    ([395])  ج 1 ورقة 31 ويريد بالأول والثاني الخليفتين رضي الله تعالى عنهما . أفضل المسلمين بعد رسول الله r ، كما ثبت في النص المتواتر عن الإمام على كرم الله وجهه .

   ([396])  راجع ص 168 .

   ([397])  انظر ج 4 ورقة 177.

   ([398])  ج 1 ورقة 23 والحديث الذي أشار إليه هو الذي أثبتنا عدم صحته من أي طريق .

   ([399])  راجع اتجاه التأليف في تلك الفترة ص 82  -  83 من كتاب المعالم الجديدة للأصول.

   ([400])   انظر ص 15-17 .

   ([401])  انظر ص 21 .

   ([402])  انظر ص22 .

   ([403]) انظر ص 22 ، 23 .

   ([404]) ص 34 ، والآية الكريمة التي حرفها هذا المفترى الضال نصها هو " لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه " (166: سورة النساء ) "  .

   ([405]) ص 35 .

   ([406]) ص 36 ، والآية الكريمة المذكورة هي الرابعة من سورة الإسراء. 

   ([407])  ص 37 ، والآية الكريمة في سورة النمل 83 } وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُون{ .

   ([408])  انظر ص 47 ، ولاحظ بها أخباراً أخرى متشابهة . ويقصد هذا الضال بالأول والثاني خير الناس بعد الرسول r ، الخليفتين الراشدين أبا بكر وعمر .

   ([409])   انظر ص 53 .

   ([410])   راجع أيضاً الخبر ، الذي نقلناه من تفسير الميزان نقلاً عن هذا التفسير ص 260 .

   ([411])  الجزءان هما : ج 23 من ص 167 إلى أخر الجزء ص 393 ، وج 24 كله وعدد صفحاته 402 .

   ([412])  ج 35 من ص183 إلى آخر الجزء ص 436 ، و ج 36 من أوله إلى ص 192.

   ([413])  باب 11 ج 23 ص 206 - 211 .

   ([414])  باب 16 ج 23 ص 273 283 .

   ([415])  باب 18 ج 3 ص 204 - 205 .

   ([416])  باب 21 ج 23 ص 354 - 390 .

   ([417])  باب 46 ج 24 ص 153-158.

   ([418])  باب 53 ج 24 ص 191- 203 .

   ([419])  باب 13 ج 35 ص 336 - 352 .

   ([420])  باب 20 ج 35 ص 394 - 407 .

   ([421])  باب 25 ج 36 ص 1-4 .

    ([422])  انظر الروايات وبيانه في ج 23 ص 372 373 ، ويظهر من السند المذكور أن الكلينى صاحب الكافى نقل  هذه الروايات الثلاث عن شيخه على بن إبراهيم القمي .

    والتحريف الأول في الأية 90 من سورة البقرة ، والثاني في الأية 23 من السورة ذاتها .

    أما الرواية الثالثة فإنها أخذت صدر الأية 47 من سورة النساء  مع وضع كلمة " أنزلنا " بدلاً من " نزلنا " ثم وضع التحريف ، ثم كان الختام هو عجز الآية 174 من نفس السورة ! ومع هذا فالقمى والكلينى والمجلسى من علماء الشيعة الاثنى عشرية الأعلام !! المعتدلون منهم والمتطرفون على السواء ، يثنون على الثلاثة كل الثناء ! حتى دعاة التقريب ! ما وجدنا أحداً منهم يقول في الثلاثة إلاَّ ما قاله شيعتهم ! فكيف يكون التقريب ؟ أنؤمن بهذا الكفر ونتبع هؤلاء الضالين ؟!  

   ([423])  انظر 23 / 374  .

   ([424])  راجعها في 23 / 375 376  .

   ([425])   الآية 137 .

   ([426])   الآية التسعين .

   ([427])  23 / 376 - 378 .

   ([428])  23 / 390 ، وفى موضع آخر عقد المجلسى باباً كاملاً أسماه " باب كفر الثلاثة ونفاقهم وفضائح أعمالهم " ويعنى بالثلاثة الخلفاء الراشدين !! ( انظر كتابة 8 / 208 إلى 252 طبع حجر " .

   ([429])   الشيخ محمد جواد عالم شيعى معاصر ، له مؤلفاته في فقه المذاهب الخمسة ، حيث اعتبر المذهب الجعفرى مذهباً خامساً ، ونرى شيئاً من الاعتدال في كثير من مؤلفاته . أشارهذا العالم إلى بعض " المؤلفات الشيعية التي بحثت التراث الإسلامي والديني والسياسي على أساس العلم ، ونطقت بالصدق وكلمة " الحق " هكذا قال بالنص ، ومن تلك المؤلفات بحار الأنوار للمجلسى !! ترى : أيدرى ما في البحار أم لا يدرى ؟!

   " انظر فضائل الإمام على ص 247 ".

   ([430])   انظر مثلاً بحار الأنوار 23 / 168 .

   ([431])   الكتاب مخطوط بدار الكتب المصرية تحت رقم 38 مواعظ شيعة ، ومصور بمكتبة جامعة الدول العربية تحت رقم 97 تاريخ .

   ([432])  ربما ظهر شئ في السنوات الأخيرة لا علم لي به ، وسيأتى الحديث عن التفسير الكاشف لمغنيه ، وتفسير البيان لمرجعهم الحالى بالعراق  .

   ([433])  توفى سنة 1242 هـ . 

   ([434])  تفسير شبر ص 96 .

   ([435])  انظر تفسيره ص 96 .

   ([436])  ص 97 .

  ([437])  تفسيره ص 264 .

  ([438])  ص 328 ، ومعنى هذا التحريف أن الإمام مرسل يوحى إليه !

  ([439])  راجع مثلاً ص 146 ، 212 ، 353 ، 425.

   ([440])  قال الأستاذ محمد حسين الذهبى رحمه الله : " نجد شبراً يعتقد بأن القرآن بدل وحرف ، ولما اصطدم بقوله تعالى في الآية التاسعة من سورة الحجر ] إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[ نجده يتفادى هذا الاصطدام بالتأويل " ثم نقل تأويله للآية الكريمة . " انظر التفسير والمفسرون        2 / 191 " .

   ([441]) ص 238 ، وراجع ما ذكرناه عن الإفك الذي جاء به القمي ص 190  .

  ([442]) 37 : الكهف  .

  ([443]) ص 204 ومن الواضح البين أن صحبة الكافر غير صحبة الصاحب المختار ، فالاتهام هنا اتهام لمن اختاره صاحباً . ومن الواضح البين كذلك أن أي مؤمن يقل إيمانه عن الصديق بدرجات ودرجات يدرك أن موته يعنى موت رجل ، وأن موت الرسول الكريم يعنى موت  رسالة ، وما أكثر الذين ضحوا في سبيل الرسالة والرسول ! فكيف يخاف الصديق على نفسه و لا يخاف على من أرسل رحمة للعالمين ! وخوف أبى بكر رضي الله عنه _ على الرسول* *الأكرم كان ظاهراً عندما سبقه إلى الغار ليستبرئه ، وعندما كان يتقدمه ويتأخر عنه ... إلخ أما ذكر إنزال السكينة عليه وليس عليهما فيكفى أن نذكر ما قاله أحد علمائهم عند قوله تعالى    ] فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ [ " 37 : البقرة

    قال الطبرسي : إنما قال " فتاب عليه " ولم يقل عليهما لأنه اختصر وحذف للإيجاز والتغليب ، كقوله سبحانه وتعالى : " 62 التوبة : ] وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضوهُ  [ ، ومعناه أن يرضوهما ، وقوله " آخر الجمعة " : ] وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَ    { وكقول الشاعر :

رمانى بأمر كنت منه ووالدى بريا ومن حول الطوى رمانى

   وقول الآخر :

نحن بما عندنا وأنت بما                                 عندك راض والرأى مختلف

    فكذلك معنى الآية : فتاب عليهما . " مجمع البيان 1 / 89 ، وراجع نقض ابن تيمية لما ذهب إليه أمثال شبر في ص 557 من المنتقى " .

   ([444]) ص 562 .

  ([445]) ص 531 .

  ([446]) ص 228 .

  ([447])   عاش إلى أوائل القرن التاسع الهجرى .

  ([448])  سورة المائدة : 6 .

  ([449])  انظر ص 9 ، 10 .

  ([450])  سورة النساء : 86  .

  ([451])  انظر ص 70 - 71 .

   ([452]) التوبة : 28  .

  ([453]) انظر ص : 21 - 22 .

  ([454]) انظر حكم سؤر الآدمى في الجزء الرابع من هذه الموسوعة ، وراجع كذلك آراء من سبق الحديث عنهم من غلاة مفسريهم ، وانظر ما كتبناه عن أصول الكافى وروضته في الجزء التالي.

  ([455]) سورة الأحزاب : الآية 56 .

  ([456]) انظر كتابه ص 58 61 . 

  ([457]) النساء : الآية 101.

  ([458]) ص 88 ، وجامع الكوفة فيه محراب أمير المؤمنين على رضي الله عنه ، وفيه ضربه بالسيف الشقى اللعين عبدالرحمن  بن ملجم . " راجع ما كتب عن المسجد ونظرة الشيعة في الجزء الرابع " . والمسجد الرابع هو الحاير الحسينى بكربلاء .

  ([459])  توفى سنة 993 هـ .

  ([460])  ص 10 .

  ([461])  سورة المائدة : الآية 54 .

  ([462])  انظر الكتاب ص 10 14 ، وراجع ما كتبته عن آية الولاية في الجزء الأول .

  ([463])  انظر ص 107 - 110 .

  ([464])  سورة البقرة : الآية 124.

  ([465])  انظر 47 - 48 .

  ([466])  ص 565 .

  ([467])   ص : 571 .

  ([468])  ص 575 ، وجاء في الحاشية : " قيل هما رقية وزينب كانتا بنتى هالة أخت خديجة ، ولما مات أبوهما ربيتا في حجر رسول الله r ، فنسبتا إليه كما كانت عادة العرب في نسبة المربى إلى المربى . وهما اللتان تزوجهما عثمان بعد موت زوجيهما " .  

      وفى كتاب منهاج الشريعة ، الذي ألفه محمد مهدى للرد على منهاج السنة النبوية         لابن تيمية ، جاء الحديث عن أختى الزهراء رضي الله عنهن في أكثر من موضع ، ومما قاله : " ما زعمه أي ابن تيمية من أن تزويج بنتيه لعثمان فضيلة له من عجائبه من حيث ثبوت المنازعة في أنهما بنتاه " " 2 / 289 " .

وقال : " لم يرد شئ من الفضل في حق من زعموهن شقيقاتها بحيث يميزن به ولو عن بعض النسوة " " 2 / 290 " .

     وقال : " قد عرفت عدم ثبوت أنهما بنتا خير الرسل r ، وعدم وجود فضل لهما تستحقان به الشرف والتقدم على غيرهما " ( 2 / 291 ).

     ولا أدرى كيف يستطيع من يهاجم بنات النبي r أن يزعم أنه محب لآل البيت ؟ وكيف يقبل إخواننا الشيعة وجود أمثال هؤلاء بينهم ؟

   ([469])  سبق ثناؤه على تفسير العياشى – الضال المضل – بدلاً من أن يكفره ، مما يبين اتجاه صاحب تفسير الميزان هذا : فلم ينكر تحريفه للقرآن الكريم ، ولا تكفيره للصحابة الكرام ، ولا غير ذلك من ضلاله الذي بيناه . 

   ([470])  راجع ما كتب عن آية التطهير في الجزء الأول. 

   ([471]) الميزان 3 / 240.

   ([472])  انظر الكافى 1 / 176 177 " باب الفرق بين الرسول والنبى والمحدث " .

   ([473])  انظر كتاب المناقب باب مناقب عمر بن الخطاب  .

   ([474])  انظر كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل عمر . 

   ([475])  راجع أبواب المناقب باب مناقب عمر .

   ([476])  سورة النساء : الآية 24 .

   ([477]) 4 / 308.

   ([478]) راجع تفسيره 6 / 2 : 24 .

   ([479]) سورة النساء : الآية 59 .

   ([480])  4 / 413 .

   ([481])  4 / 414 ، وانظره إلى ص 439.

   ([482]) 4 / 435 436 ، وانظر تفسيره إلى ص 439 تجد روايات أخرى موضوعة كذلك لتأييد ما ذهب إليه من عقيدة أثبتنا بطلانها في أكثر من كتاب .

   ([483]) 1 / 11 -12 .

   ([484])  1 / 144- 145 .

   ([485])  1 / 149 .

   ([486])  1 / 193 ، والآية هي رقم 57 من سورة البقرة ، 160 : الأعراف. 

   ([487])  1/ 219 .

   ([488])  4 /73  .

   ([489])  البقرة : الآية 159 .

   ([490])  الميزان : 1 / 397 .

   ([491])  3 / 174  .

   ([492])  انظر 9 / 59 60 ، والآية الكريمة في سورة الأنفال : الآية 24 .

   ([493]) سورة الحشر : الآية 7  .

   ([494])  282  : سورة البقرة ، والآية كتبت في التفسير الكاشف خطأ حيث سقط منها " إلى أجل مسمى " .

   ([495])  1 / 16 .

  ([496])  1 / 35 .

  ([497])  سورة البقرة : الآية 113 .

  ([498])  1 / 180 .

  ([499]) 3 / 515  .

  ([500]) سورة الرعد : الآية 36 .

  ([501])  4 / 412 .

    نلاحظ على إخواننا الشيعة الذين يتجهون نحو الاعتدال والابتعاد عن الغلو ، أنهم يتجاهلون الواقع ويقعون في التناقض ، والصحابة الكرام ، رضي الله عنهم ورضوا عنه ، لهم مقام معلوم عند الله تعالى ، وعند جمهور المسلمين . وما نقله الشيخ مغنية مدحاً في الصحابة هو عين الحق بلا أدنى ريب ، ولكننا نلاحظ أن ما ذكره في تفسير سورتى الأنفال والرعد كأنما جاء للدفاع عن الشيعة لا الصحابة ! فالشيخ مغنية نفسه أثنى على كتاب بحار الأنوار للمجلسى أيما ثناء ، ورأينا من قبل في دراستنا لهذا الكتاب أن صاحبه يرى تحريف القرآن الكريم ، ويكفر الصحابة وعلى الأخص الخلفاء الراشدون الثلاثة . وأشرت من قبل بعد دراسة     تفسير القمي الضال المضل إلى التناقض الذي وقع فيه السيد أبو القاسم الخوئى مرجع الشيعة السابق بالعراق حيث ذهب إلى صحة جميع روايات هذا التفسير ، والخوئى يقطع بعدم تحريف القرآن الكريم ، والقمى يجزم بتحريفه ، ويكفر الصحابة ويلعنهم ، والكلينى صاحب كتاب الكافى أعظم كتاب عندهم ذهب مذهب شيخه القمي في التكفير والتحريف .

     فكان على الشيخ مغنية وأمثاله ممن ينشدون الاعتدال ألا يتجاهلوا الواقع ، وألا يقعوا في التناقض ، كان عليهم إذن أن يهاجموا القمي والكلينى والعياشى والمجلسى   وأمثالهم ، ويبينوا أن هؤلاء ليسوا من شيعة الإمام زين العابدين ، وغيره من الأئمة الأطهار ، فضلاً عن أن يكونوا من أعلام الشيعة الثقات ، كان عليهم هذا بدلاً من أن يهاجموا من يذكر الواقع والحقيقة !!  

   ([502])  7 / 364 .

   ([503])  7 / 576 .

   ([504])  1 / 10 ، 1 /39 .

   ([505])  راجع ص 135 وما بعدها .

   ([506])  انظر 1 /88 .

   ([507])  1 / 196 - 199 .

   ([508])  انظر 1 / 206 ، 5 / 57 ، 5/ 302 .

   ([509])  ومن هذه الأحاديث ما رواه أبو داود في سننه ، واعترف الشيخ مغنية بصحته ، وهو :   " قال رسول الله r : لو لم يبق من الدنيا إلاَّ يوم واحد ، لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من أهل بيتى ، يواطئ اسمه اسمى ، واسم أبيه اسم أبى ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً " " 5/302 " ، والشيخ مغنية هنا وقع في التناقض الذي أشرنا إليه من قبل ، لأن هذا الحديث الشريف يخالف عقيدته في المهدى ، حيث يعتقد أنه محمد بن الحسن العسكرى ، وليس محمد بن عبدالله الذي سيبعث قبيل الساعة . 

  ([510])  وانظر بحث التقية والأسباب التي جعلتها مبدأ خاصاً بالشيعة في الفصل الخامس من الجزء السابق.

  ([511]) انظر 3 / 482-484  .

  ([512]) انظر 2 / 50-51 .

  ([513]) انظر 2 / 414 416.

      والحديث الذي ذكر أنه متواتر ، قال عنه الدار قطنى في العلل : هذا حديث مضطرب غير ثابت ، وقال الترمذى : منكر ، وقال البخاري : ليس له وجه صحيح ، وقال يحيى بن معين : كذب لاأصل له ، وذكره ابن الجوزى في الموضوعات " انظر كشف الخلفاء 1 /203 205 وراجع فيه الآراء المختلفة حول هذا الحديث ، وانظر أيضاً : فيض القدير 3/47046 ، والمقاصد الحسنة 97 ، وذكرت تخرج الحديث من قبل .*

      *وروى الإمام البخاري بسنده عن محمد بن الحنفية قال : " قلت لأبى : أي الناس خير بعد رسول الله r ؟ قال : أبو بكر . قلت : ثم من ؟ قال " ثم عمر " قال ابن تيمية : قد روى هذا عن على من نحو ثمانين طريقا ، وهو متواتر عنه . " انظر جامع الرسائل1 / 261 " واذكر هذا هنا من باب التذكير ، فليس هنا مجال لمناقشة مثل هذه الآراء .  

   ([514])  انظر 3 /13-15 ، وراجع ما كتبته فيما سبق عن الغدير في الفصل الثالث من الجزء الأول ، وفيه إشارة لكتاب الغدير المذكور ، وبعض أكاذيبه وافتراءاته ، وإثبات أن حديث الغدير في التمسك بالكتاب والعترة كوفى المنشأ ‍‍! ‍‍! ليس له طريق إلاَّ عن المجروحين من شيعة الكوفة!

   ([515]) انظر 3 / 81 83 وانظر مناقشة ما ذهبوا إليه في الجزء السابق .

   ([516]) انظر 3 / 96 99  .

   ([517]) انظر 6 / 216 218 .

   ([518]) انظر 6 /522 523 .

وما ذكره عن البحر المحيط  لا يمثل رأى أبى حيان ، ولا يبين أنه يرى صحة هذا الخبر ، فأبو حيان جمع أخباراً صحيحة أو غير صحيحة وأثبتها في تفسيره ، ومنها هذا الخبر الذي لا يقبل ، فالسورة مكية ، أي أنها نزلت قبل أن يولد الحسن والحسين بسنوات ، أما إذا أردنا أن نبحث عن الصحيح فإنا نرى الإمام البخاري يروى في صحيحه بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قوله } إلا المودة في القربى { فقال سعيد بن جبير : قربى آل محمد r ، فقال ابن عباس : عجلت ، إن النبي rلم يكن بطن من قريش إلاَّ كان له فيهم قرابة ، فقال:   إلاَّ أن تصلوا ما بينى وبينكم من القرابة ، " كتاب التفسير سورة حم عسق باب } إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي  الْقُرْبَى {.

     وقال ابن حجر في فتح البارى في شرحه لهذا الخبر : قال ابن عباس : عجلت : أي أسرعت في التفسير ، وهذا الذي جزم به سعيد بن جبير قد جاء عنه من روايته عن ابن عباس مرفوعاً، فأخرج الطبري وابن أبى حاتم ، من طريق قيس بن الربيع ، عن الأعمش عن سعيد بن جبير ،* *  عن ابن عباس قال : لما نزلت قالوا : يا رسول الله ، من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ الحديث ، وإسناده ضعيف ، وهو ساقط لمخالفته هذا الحديث الصحيح .

    أما ذكر الشيخ مغنية لمعاوية ، يريد أن يلمزه ، ففيه بعد عن الحق ، فعلى الرغم مما حدث بينه وبين سيدنا على لم يرد عن طريقه حديث واحد فيه طعن للإمام على ، وكل الأحاديث التي صحت عن طريق معاوية ليس فيها أي مطعن ، وقد جمع ابن الوزير- وهو من علماء الشيعة الزيدية - ما روى عن طريق معاوية في الصحاح الستة ، وأثبت صحته من طرق ليس فيها معاوية . رضي الله عنه ." انظر الروض الباسم في الذب عن سنة أبى القاسم 2/114 - 119" .

  ([519])  ص 22 .

  ([520])  انظر ص 421 : 427 .

  ([521])  راجع ص 215 : 278 .

  ([522])  راجع ص 509 ، 563 ، 564 .

  ([523])  انظر ص281 -291 .

  ([524])  انظر ص 461 .

  ([525])  راجع ص 499 ، 501 ، 502 .

  ([526])  راجع ص 505 .

  ([527])  انظر 508 .

  ([528])  انظر ص 510 .

  ([529])  انظر ص 515 .