الشيعة والسنة

 

تأليف الأستاذ

إحسان إلهي ظهير

 

 

فهرست الكتاب

 

المقدمة

الباب الأول

الشيعة والسنة

الشيعة وليدة اليهود

عبدالله بن سبأ

سعيه بالفتنة والفساد

الطعن في أصحاب النبي

في أبي بكر الصديق الأكبر

الفاروق الأعظم

عثمان ذي النورين

عم النبي وأولاده

خالد بن الوليد

عبدالله بن عمر وابن مسلمة

طلحة والزبير

أنس بن مالك والبراء ابن عازب

أمهات المؤمنين

تكفير الصحابة عامة

أصحاب النبي عند السنة

انتشار التشييع في ايران وبغضهم الصحابة

الولاية والوصاية

تعطيل الشريعة

مسألة البداء

عقيدة الرجعة

معتقد الشيعة في الأئمة

الغلو في الأئمة

 

الباب الثاني

 

الشيعة والقرآن

من حرف القرآن وغير؟

من عنده المصحف؟

أمثلة للتحريف

لم قالوا بالتحريف

أهمية الامامية عند الشيعة

أمثلة لذلك

أدلة عدم التحريف وايرادات الشيعة عليها

لم أنكروا التحريف

عقيدة أهل السنة في القرآن

كتب الشيعة لاثبات التحريف

 

الباب الثالث

 

الشيعة والكذب

التقية دين وشريعة

التقية ليس إلا كذبا محضا

أمثلة لذلك

رواة الشيعة

لم قالوا بالتقية ؟

أمثلة لذلك

مدح الصحابة

الاعتراف بخلافة الخلفاء الثلاثة

تزويج أم كلثوم من عمر الفاروق

ذم الشيعة واللعن عليهم

الشيعة عند الأئمة

الرد على القول بالتقية

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المقدمة

  الحمدلله وحده ، والصلاة والسلام على محمد المصطفى ، نبي الهدى والرحمة ، وعلى آله و أصحابه ، الطاهرين ، البررة.

 

وبعد فإنه أشاع في هذا الزمان كلمة " الاتحاد والوحدة " كثير من دعاة الشقاق والفرقة ، وكثر استعمالها حتى كاد ينخدع بها السذج من المسلمين الذين لا يعرفون ما وراءها من كيد ودس ودهاء.

 

  فالقاديانية عملية الاستعمار الصليبي في القارة الهندية الباكستانية ، وسمة العار على جبهة المسلمين المشرقة ، تستعمل هذه الكلمة لكي يتسع لها الطريق لنفث السموم في نفوس المسلمين .

 

  والبهائية وليدة الروس ، والانجليز ، والنزعات الشيعية ، تريد بهذه الكلمة نفسها غزو الشيعة في إيرانها وعراقها.

 

  والشيعة ربيبة اليهود في بلاد الإسلام ، يستعملون هذه الكلمة أيضا عند افتضاح أمرها ، واكتشاف حقيقتها ، وإماطة اللثام عن وجهها.

 

  فليست هذه الكلمة ، إلا كلمة حق أريد بها الباطل كما نقل عن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه لما سمع قول الخوارج " لا حكم إلا لله " قال : كلمة حق أريد بها الباطل ، نعم لا حكم إلا لله "

 

وقال : سيأتي عليكم بعدي زمان ليس فيه شيء أخفى من الحق ولا أظهر من الباطل.

 

  فهذا هو الزمان الذي أشار إليه عليّ في قوله ، فما أكثر الكذب فيه وما أفظعه .

 

  ولقد بدأ الشيعة منذ قريب ينشرون كتبا ملفقة مزورة في بلاد الإسلام ، يدعون فيها التقرب إلى أهل السنة ، ولكن الصحيح أنهم يريدون بها  تقريب أهل السنة إليهم بترك عقائدهم ، ومعتقداتهم في الله ، وفي رسوله ، وأصحابه الذين جاهدوا تحت رايته ، وأزواجه الطاهرات اللائى صاحبنه بمعرف ، وفي الكتاب الذي أنزله الله عليه من اللوح المحفوظ ، نعم يريدون أن يترك المسلمون كل هذا ، ويعتقدوا ما نسجته أيدي اليهودية الأثيمة من الخرافات ، والترهات في الله ، أنه يحصل له " البداء " وفي كتاب الله ، أنه محرف ، ومغير فيه وأن يعتقدوا في رسول الله ، أن عليا وأولاده أفضل منه ، وفي أصحابه حمله هذا الدين ، أنهم كانوا خونة ، مرتدين ، ومنهم أبو بكر ، وعمر ، وعثمان وأن يعتقدوا في أزواج النبي ، أمهات المؤمنين ، ومنهن الطيبة ، الطاهرة ، بشهادة من الله في كتابه ، أنهن خنّ الله  ورسوله ، وفي أئمة الدين ، من مالك ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وأحمد ، والبخاري ، أنهم كانوا كفرة ملعونين. ـ رضي الله عنهم ورحمهم أجمعين ـ نعم يريدون هذا ، وما الله بغافل عما يعملون.

 

  فكل من عرف هذا وقام في وجههم ، ورد عليهم ، صاحوا عليه ونادوا بالوحدة والاتحاد ، ورددوا قول الله عز وجل : ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم )  .

 

  فبعدا للوحدة التي تقام على حساب الإسلام ، وسحقا للاتحاد الذي يبنى على الطعن في محمد النبي ، وأصحابه ، وأزواجه ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ فقد علمنا الله عز وجل في كتابه الذي نعتقد فيه أن حرفا منه لم يتغير ولم يتبدل ، وما زيد عليه كلمة ، ولا نقص منه حرف ، علمنا فيه ، أن كفار مكة طلبوا أيضا من رسول الله ، الصادق الأمين ، عدم الفرقة والاختلاف حين دعاهم إلى عبادة الله وحده ، مخلصين له الدين ، ونبذ آلهتهم ، فأجابهم بأمر الله : ( يا أيها الكافرون ، لا أعبد ما تعبدون ، ولا أنتم عابدون ما أعبد ، لكم دينكم ولي دين ).

وقال : ( هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين )

وقال : ( ولنا أعمالكم ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون )
وقال : ( وما يستوي الأعمى والبصير ، ولا الظلمات ولا النور ، ولا الظل ولا الحرور ، وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من القبور )

 

 نعم يمكن الوحدة إن أرادوها ، ويمكن الاتحاد إن طلبوه ، بالرجوع إلى الكتاب  والسنة ، والتمسك بهما ، حسب قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر )

 

  نعم " إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ، فتعالوا إلى هذه الكلمة ، كلمة الوحدة ، والاتحاد ، إلى قول الله عز وجل وقول نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

  فلنرفع الخلاف ولنقض على النزاع ، فهيا بنا إلى الوحدة أيها القوم ‍‍‍‍‍‍.

 

  فاتركوا سبّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خيار خلق الله ، الذين بشرهم الله بالجنة في كتابه المجيد حيث قال ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ،ذلك الفوز العظيم )

وقال : ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ).

وقال رسوله الناطق بالوحي : ( لا تمس النار مسلما رآني أو رأى من رآني )

وقال عليه السلام : " الله الله في أصحابي ، لا تتخذوهم غرضا من بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه "

 

  ويمكن الاتحاد بالاعتراف أن كلام الله المجيد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد ، وأن من قال فيه بتحريف وتغيير كان ضالا مضلا خارجا عن الإسلام ، تعالوا فلنتفق ونتحد على هذا .

 

  وهلموا إلى الوحدة على أن التقية قد تركتموها قطعا، وعلى أن الكذب من الموبقات ، التي تدخل الناس النار ، كما قال الرسول عليه السلام : " إن الصدق بر وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن الكذب فجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار "

 

  ولن يحصل الاتفاق والوحدة دون توبتكم عن العقائد اليهودية ، والوثنية المجوسية ، وعن أن الأئمة يعلمون الغيب ، ويعرفون متى يموتون ، ويفعلون ما يشاءون ، لا يُسألون وهم يسألون ، وأنهم ليسوا من بشر .

 

  نعم يمكن الوحدة بترك الدس والكيد للمسلمين.

  فهاهي بغداد مضرجة بدمائها بجريمة ابن العلقمي ، وهاهي الكعبة جريحة بجريمة طائفة منكم ، وهاهي باكستان الشرقية ذهبت ضحية بخيانة أحد أبناء " قزلياش " ، الشيعة " يحي خان " في أيدي الهندوس.

 

  وهاهو التاريخ الإسلامي مليء بمآثمكم ، وخذلانكم المسلمين كلما حدثت لهم حادثة ، ووقعت لهم كارثة ، وحلت بهم نائبة .

  تعالوا نتعاون بيننا ، ونتفق ، ونتحد ، لتكون كلمة الله هي العليا ، وليس للعسكري ولد حتى يأتي ويخرج ويكشف عنا الهموم ، ويفرج عنا الكروب.

  فنحن الذين نستطيع إن اعتصمنا بكتاب ربنا ، وسنة نبينا ـ أن  نكشف عنا مصيبتنا ، وندفع عنا كيد أعدائنا كما وعدنا الله عز وجل : ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ، ويوم يقوم الأشهاد )

( وكان حقا علينا نصر المؤمنين )

( وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ).

 

  فلكم رأينا النصر وهو آت من السماء في زمن الصديق الأكبر أبى بكر ، والفاروق الأعظم عمر ، وذي النورين عثمان رضوان الله عليهم أجمعين ، حتى هزموا الكفر في عقر داره ، ورفعوا رايات الظفر في آفاق لم يتصورها الأولون ، فما إن غرست اليهودية غريستها ، وولدت وليدتها في عهد أمير المؤمنين علي ـ رضي الله عنه ـ حتى اضطربت الأمور ، وانعكست الأحوال ، واضطر هو أن يقول : ابتليت بقتال أهل القبلة .

 

  وقال متأسفا: أوصيكم عباد الله بتقوى الله فإنها خير ما تواصى العباد به وخير عواقب الأمور عند الله ، وقد فتح باب الحرب بينكم وبين أهل القبلة.

 

  وقال ـ رضي الله عنه ـ : ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا ، وسرا وعلنا ، وقلت لكم : اغزوهم قبل أن يغزوكم ، فوالله ما غزى  قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا ، فتواكلتم وتخاذلتم حتى شنت عليكم الغارات ، وملكت عليكم الأوطان . . . ثم انصرفوا ( الأعداء ) وافرين ، ما نال رجلا منهم كلم ، ولا أريق لهم دم ، فلو أن أمرأ مسلما مات بعد هذا أسفا ما كان به ملوما ، بل كان به عندي جديرا ، فيا عجبا ‍‍1 عجبا ـ والله ـ يميت القلب ويجلب الهم من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم، وتفرقكم عن حقكم ، فقبحا لكم وترحا حين صرتم غرضا يرمى ، يغار عليكم ولا تغيرون ، وتُغزون ولا تَغزون ، ويُعصى الله  وترضون ، فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الحر قلتم : " هذه حمارة القيظ " أمهلنا ينسلخ عنا الحر ، وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء ، قلتم " هذه صبارة القر " أمهلنا ينسلخ عنا البرد ، كل هذا فرارا من الحر والقر ، فإذا كنتم من الحر والقر تفرون ، فأنتم والله من السيف أفر ـ وقال : قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحا ، وشحنتم صدري غيظا ، وجرعتموني نغب التهام أنفاسا وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان ، حتى لقد قالت قريش إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب ، لله أبوهم وهل أحد منهم أشد لها مراسا ، وأقدم فيها مقاما مني ، لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ، وهاأنذا قد ذرفت على الستين ، ولكن لا رأى لمن لا يطاع.

  فها هو ذا على بن أبي طالب الخليفة الراشد الرابع عندنا ـ والإمام المعصوم الأول عندكم ـ يشتكي منكم منذ اليوم الذي وجدتم فيه ـ وقد أوردنا من كتابكم الذي تظنونه أصدق الكتب وأفضلها ، والذي جمعه كبيركم الشريف أبو الحسن محمد الرضى . فماذا بعد هذا أيها القوم ؟

  وما ألفنا هذا الكتاب ن وما جمعنا فيه النصوص إلا للتنبيه على أنه لا ينبغي التصور بأن أهل السنة بلغوا من الجهل إلى حد أن تلعب بهم وبعقولهم ، وعقائدهم وليدة اليهود وربيبة المجوس.

  وقد أثبتنا في مختصرنا هذا أن الشيعة ليست إلا لعبة يهودية ، ناقمة على الإسلام ، وحاقدة على المسلمين ، وعلى رأسهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حملة هذا الدين ، والتابعون لهم بإحسان ، ومن سلك مسلكهم إلى يوم الدين ، ثم قد بينا فيه عقيدتهم في القرآن ، أساس الإسلام ، وأصله ، ورسالة الله التي جاء بها محمد النبي ، الصادق ، المصدوق عليه الصلاة والسلام ، إلى الناس كافة ، ببيان واضح ، مستند ، مفصل ، لم أسبق إليه بفضل الله ومنه.

 

  كما أوضحنا أن الكذب ( باسم التقية ) هو شعار الشيعة قاطبة ، ويعدونه من أطيب الأعمال، وأعظم القربات إلى الله.

 

  وورد تحت هذه المواضيع الثلاثة مباحث ومواضيع كثيرة أخرى مثل عقيدتهم في الله ، وفي رسول الله ، وأصحاب رسول الله ، وأزواجه ، أمهات المؤمنين ، وعقيدتهم في أئمتهم ورأى الأئمة فيهم ، والأسس لهذا المذهب ، والأصول التي قام عليها ، وسبب الخلاف بينهم وبين أهل السنة من المسلمين.

 

  ونرى في ذلك المختصر كفاية لمن أراد أن يعرف حقيقتهم ، وحقيقة معتقداتهم ، وحتى للسذج من الشيعة الذين اغتروا بحي أهل البيت وولايتهم ، إن أرادوا الحق والتبصر ، لأن أكثرهم لا يعرفون حقيقة دينهم حيث أمر صناديدهم بكتمان المذهب كما هو المكذوب على جعفر الصادق أنه قال لأحد شيعته : يا سليمان إنكم على دين من كتمه أعزه الله ومن أذاعه أذله الله.

   وقد التزمنا في هذا الكتاب أن لا نذكر شيئا عن الشيعة إلا من كتبهم ، وبعباراتهم أنفسهم ، مع ذكر الكتاب ، والمجلد والصفحة ، والطبعة ، بحول الله وقوته ، وكل ما ذكرناه من كتب الشيعة في هذا الكتاب ، هي الكتب المستندة ، المشهورة والموثوقة عندهم .

  ونريد أن نتبع هذا المختصر مختصرا آخر في حجمه حتى يحتوي ويشتمل على جميع الموضوعات الهامة ، والمباحث المهمة ، فيكون هذا كالجزء الأول وما يليه كالجزء الثاني.

 

والله ولي التوفيق ، وعليه أتوكل وإليه أنيب.

إحسان إلهي ظهير ـ لاهور

22 مايو 1973م ( 18 الربيع الثاني 1393هـ ).

 

الباب الأول

 

الشيعة والسنة

 

منذ بزوغ شمس الرسالة المحمدية ، ومن أول يوم كتبت فيه صفحة التاريخ الجديد ، التاريخ الإسلامي المشرق ، احترق قلوب الكفار وأفئدة المشركين ، وبخاصة اليهود في الجزيرة العربية وفي البلاد العربية المجاورة لها ، والمجوس في إيران ، والهندوس في شبه القارة الهندية الباكستانية ، فبدءوا يكيدون للإسلام كيدا ، ويمكرون بالمسلمين مكرا ، قاصدين أن يسدوا سيل هذا النور ، ويطفئوا هذه الدعوة النيرة ، فيأبى الله إلا أن يتم نوره ، كما قال في كتابه المجيد : ( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون ).

 

  ولكنهم مع هزيماتهم وانكساراتهم لم يتفلل حقدهم وضغينتهم ، فما زالوا داسين ، كائدين .

 

  وأول من دس دسه هم أبناء اليهودية البغيضة ، المردودة ، بعد طلوع  فجر الإسلام ، دسوا في الشريعة الإسلامية باسم الإسلام ، حتى يسهل صرف أبناء المسلمين ، الجهلة عن عقائد الإسلام ، ومعتقداتهم الصحيحة ، الصافية ، وكان على رأس هؤلاء المكرة المنافقين ، المتظاهرين بالإسلام ، والمبطنين الكفر أشد الكفر ، والنفاق ، والباغين عليه ، عبدالله بن سبأ اليهودي ، الخبيث ، الذي أراد مزاحمة الإسلام ، ومخالفته ، والحيلولة دونه ، وقطع الطريق عليه بعد دخول الجزيرة العربية بأكملها في حوزة الإسلام وقت النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعد ما انتشر الإسلام في آفاق الأرض وأطرافها، واكتسح  مملكة الروم من جانب ، وسلطنة الفرس من جهة أخرى ، وبلغت فتوحاته من أقصى افريقيا إلى أقصى آسيا ، وبدأت تخفق راياته على سواحل أوروبا وأبوابها ، وتحقق قول الله عز وجل : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ) .

 

وبدأ علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه  ـ يقول : إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة ، وهو دين الله  الذي أظهره وجنده الذي أعده ، وأمده ، حتى بلغ ما بلغ ، وطلع حيث طلع ، ونحن على موعود من الله ، والله منجز وعده ، وناصر جنده .

 

  وقال معلنا الحق : فلما رأى الله صدقنا أنزل لعدونا الكبت ، وأنزل علينا النصر ، حتى استقر الإسلام ملقيا جرانه ، ومتبوءا أوطانه .

 

  فأراد ابن سبأ هذا مزاحمة هذا الدين ، بالنفاق والتظاهر بالإسلام ، لأنه عرف هو وذووه أنه لا يمكن محاربته وجها لوجه ، ولا الوقوف في سبيله جيشا لجيش ، ومعركة بعد معركة ، فان أسلافهم بنى قريظة ، وبني النضير ، وبني قينقاع جربوا هذا فما رجعوا إلا خاسرين ، ومنكوبين ، فخطط هو ويهود صنعاء خطة أرسل أثرها هو ورفقته إلى المدينة ، مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ، وعاصمة الخلافة ، في عصر كان يحكم فيه صهر رسول الله ، وصاحبه ورضيه ، ذو النورين ، عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ فبدءوا يبسطون حبائلهم ، ويمدون أشواكهم ، منتظرين الفرص المواطئة ، ومترقبين المواقع الملائمة ، وجعلوا عليا ترسا لهم يتولونه ، ويتشيعون به ويتظاهر بحبه ، وولائه ، ( وعلي منهم بريء ) ويبثون في نفوس المسلمين سموم الفتنة ، والفساد ، محرضيهم على خليفة رسول الله ، عثمان الغني ـ رضي الله عنه ـ الذي ساعد الإسلام والمسلمين بماله إلى ما لم يساعدهم أحد ، حتى قال له الرسول الناطق بالوحي عليه السلام حين تجهيزه جيش العسرة " ما ضر عثمان ، ما عمل بعد اليوم " ، وبشر بالجنة مرات ، ومرات وأخبره بالخلافة والشهادة .

 

  وطفق هذه الفئة تنتشر في المسلمين عقائد تنافي عقائد الإسلام ، من أصلها ، وأصولها ، ولا تتفق مع دين محمد صلى الله عليه وسلم في شي.

 

  ومن هناك ويومئذ كونت طائفة وفرقة في المسلمين للإضرار بالإسلام ، والدس في تعليمه ، والنقمة عليه ، والانتقام منه ، وسمت نفسها " الشيعة لعلي " ولا علاقة لها به ، وقد تبرأ منهم ، وعذبهم أشد العذاب في حياته ، وأبغضهم بنوه وأولاده من بعده ، ولعنوهم ، وأبعدوهم عنهم ، ولكن خفيت الحقيقة مع امتداد الزمن ، وغابت عن المسلمين ، وفازت اليهودية بعدما وافقتها المجوسية من ناحية ، والهندوسية من ناحية أخرى ، فازت في مقاصدها الخبيثة ، ومطامعها الرذيلة ، وهي إبعاد أمة محمد صلى الله عليه وسلم عن رسالته التي جاء بها من الله عز وجل ، ونشر العقائد اليهودية والمجوسية وأفكارهما النجسة بينهم باسم العقائد الإسلامية .

 

  وقد اعترف بهذا كبار الشيعة ومؤرخوهم ، فهذا هو الكشي كبير علماء التراجم المتقدمين ـ عندهم ـ الذي قالوا فيه : إنه ثقة ، عين ، بصير بالأخبار والرجال ، كثير العلم ، حسن الاعتقاد ، مستقيم المذهب.

 

  والذي قالوا في كتابه في التراجم : أهم الكتب في الرجال ، هي أربعة كتب ، عليها المعول ، وهي الأصول الأربعة في هذا الباب ، وأهمها ، وأقدمها ، هو " معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين المعروف برجال الكشي " .

 

  يقول ذلك الكشي في هذا الكتاب : وذكر بعض أهل العلم أن عبدالله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ، ووالى عليا عليه السلام ، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصى موسى بالغلو ، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي مثل ذلك ، وكان أول من أشهر القول بفرض إمامة علي ، وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه ، وكفرهم ، ومن هنا قال من خالف الشيعة ، إن التشيع ، والرفض ، مأخوذ من اليهودية .

 

  ونقل المامقاني ، إمام الجرح والتعديل ، مثل هذا عن الكشي في كتابه " تنقيح المقال " .

 

  ويقول النوبختي الذي يقول فيه الرجالي الشيعي الشهير النجاشي : الحسن بن موسى أبو محمد النوبختي ، المتكلم ، المبرز على نظرائه في زمانه ، قبل الثلاثمائة وبعد  .

  وقال الطوسي : أبو محمد ، متكلم ، فيلسوف ، وكان إماميا ( شيعيا ) حسن الاعتقاد ثقة . . . وهو من معالم العلماء.

  ويقول نور الله التستري : الحسن بن موسى من أكابر هذه الطائفة وعلماء هذه السلاله ، وكان متكلما ، فيلسوفا ، إمامي الاعتقاد .

 

  يقول هذا النوبختي في كتابه ( فرق شيعية ) : عبدالله بن سبا كان ممن أظهر الطعن على أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، والصحابة ، وتبرأ منهم ، وقال إن عليا عليه السلام أمره بذلك فأخذه على ، فسأله عن قوله هذا ، فأقر به ، فأمر بقتله فصاح الناس إليه ، يا أمير المؤمنين !!

 

  أتقتل رجلا يدعو إلى حبكم ، أهل البيت ، وإلى ولايتكم ، والبراءة من أعدائكم ، فسيره ( علي ) إلى المدائن ( عاصمة إيران آنذاك ) ، وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام ، إن عبدالله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ، ووالى عليا عليه السلام ، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة ، فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلىالله عليه وسلم في علي عليه السلام ، وهو أول من أشهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام ، وأظهر البراءة من أعدائه ، وكاشف مخالفيه ، فمن هناك قال من خالف الشيعة : أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية : ولما بلغ عبدالله بن سبا نعي علي بالمدائن ، قال للذي نعاه : كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة ، وأقمت على قتله سبعين عدلا ، لعلمنا انه لم يمت ، ولم يقتل ، ولا يموت حتى يملك الأرض..

 

  وذكر مثل هذا مؤرخ  شيعي في ( روضة الصفا ) " أن عبدالله بن سبأ توجه إلى مصر حينما علم أن مخالفيه ( عثمان بن عفان ) كثيرون هناك ، فتظاهر بالعلم والتقوى ، حتى افتتن الناس به ، وبعد رسوخه فيهم بدأ يروج مذهبه ومسلكه ، ومنه ، إن لكل نبي وصيا وخليفته ، فوصى رسول الله وخليفته ليس إلا عليا المتحلي بالعلم ، والفتوى ، والمتزين بالكرم ، والشجاعة ، والمتصف بالأمانة ، والتقى ، وقال : إن الأمة ظلمت عليا ، وغصبت حقه ، حق الخلافة ، والولاية ، ويلزم الآن على الجميع مناصرته ومعاضدته ، وخلع طاعة عثمان وبيعته ، فتأثر كثير من المصريين بأقواله وآرائه ، وخرجوا على الخليفة عثمان ".

 

  فهذه هي الشهادات الشيعية ، تشهد عليهم ، ويتخلص منها أشياء :

  أولا : تكوين اليهود فئة باسم الإسلام تحت قيادة عبدالله بن سبأ ، يتظاهرون بالإسلام ويبطنون الكفر ، وينشرون بين المسلمين عقائد وآراء يهودية ، كافرة .

 

  ثانيا : دس الفتنة بين المسلمين ، والتآمر على الخليفة الثالث ، الراشد ، الإمام المظلوم ، أمير المؤمنين عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ وشق عصا الطاعة له ، حتى يقع الحرج والمرج ، فينقطع فتوحات الإسلام وتقف راياته النيرة ، المشرقة ، الرفرافة على بلاد الكفر ، والمجوسية ، واليهودية ، ويتفلل سيوف المسلمين ما بينهم ، ويذهب حدها حتى لا يبرق وميضها ولمعانها على رؤوس الكفرة الملحدين .

  فهذه كانت حصيلة المؤامرة ، وقد حصلت فعلا ـ ووا أسفا ـ فوقع القتال بينالمسلمين ، وسل السيف واستل ما بينهم ، وذهب ضحيتها ، الإمام عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ وعشرات الألوف من خيرة الرجال ، ووقع الشقاق بين فئتين عظيمتين من المسلمين ، وبقى أثره إلى يومنا هذا بعد ما أنقضى عليه أكثر من ثلاثة عشر قرنا ، وانقبضت أشعة النور بعدما انبسطت على بقاع الأرض كلها.

 

  ثالثا: غرس الحقد والضغينة في قلوب الناس ضد أبي بكر ، وعمر ، وباقي الصحابة من العشرة المبشرة بالجنة ، وغيرهم من حملة هذا الدين ، وورثه النبي الكريم ، المبلغين رسالته ، والناشرين دعوته ، والرافعين رايته ، والمجاهدين في سبيل الله ، والممدوحين في كلام الله ، حتى لا يبقى للمسلمين تاريخ يمجدونه ، ورجال يفتخرون بهم ، ومثل عليا يقتدون بهم ، وقدوة يهتدون بها ، فيقعون في خيار الأمة حتى ينجروا إلى الخوض في سيد الخلق ، ورسول رب العالمين ، محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ، ويبتعدوا عن القرآن ويشكوا فيه ، القرآن الذي أنزله الله على نبيه ، وفيه مدح لهؤلاء ، والرضاء عليهم ، والمباهاة بهم .

 

  رابعا : تكفير الصحابة كلهم ـ سوى المعدودين منهم ـ حتى لا يبقى الاعتماد والعمدة على شيء حيث إن أصحاب النبي الذين سمعوا من رسول الله القرآن ، وحملوه منه ، ورأوا رسول الله يشرحه ، ويفسره ، ويبينه بقوله وعمله ، كانوا كفرة مرتدين ، فمن ينقل ويروي القرآن وتفسيره بالسنة؟.

 

  ثم وأيّ إنتاج أنتجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأي دعوة ورسالة أداها إلى الناس ، وأي فوج دخل في دين الله حيث يقول الله عز وجل : (إذا جاء نصر الله والفتح ، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ).

 

  ومن هنا يقف الموكب الزاخر ، موكب النور والرحمة إلى الكون ، موكب السلام والأمن إلى الدنيا قاطبة ، فهذا هو المقصود الذي أرادوه ، ومن هنا جاء عدم الإيمان بالقرآن الموجود بأيدي الناس ، والقول بأن القرآن المنزل على النبي هو عند المهدي المنتظر وصله بطريق الوحي ، لأن " الخونة " ( عياذا بالله ) من أصحاب النبي ، غيروه وبدلوه ، ونقصوا منه وزادوا فيه ، كما سيأتي بيانه مفصلا إن شاء الله.

 

  وإذا لم تكن الرسالة موجودة فإلى أي شيء الدعوة ، وعلى أي شيء العمل ؟

  فالتوقف والانتظار إلى أن يخرج القائد الذي لن يخرج أبد الدهر

  خامسا: ترويج العقيدة اليهودية بين المسلمين ، ألا وهي عقيدة الوصاية والولاية التي لم يأت بها القرآن ولا السنة الصحيحة ، الثابتة ، بل اختلقها اليهود من وصاية يوشع بن نون لموسى ونشروها بين المسلمين باسم وصاية علي لرسول الله كذبا وزورا ، كي يتمكنوا من زرع بذور الفساد فيهم ، وشب نيران الحروب والفتنة ما بينهم حتى ينقلب الجهاد في سبيل الله ضد الكفرة والمشركين من اليهود والمجوس إلى القتال بين أنفسهم ، فأنظر عبارة الكشي ، فيقول : وكان أول من أشهر القول بفرض إمامه علي وأظهر البراءة من أعدائه .

 

  ويقول النوبختي : إن عبدالله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة ، فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك.

 

  سادسا : نشر الأفكار اليهودية كالرجعة ، وعدم الموت ، وملك الأرض ، والقدرة على أشياء لا يقدر عليها أحد من الخلق ، والعلم بما لا يعلم أحد وإثبات " البداء" والنسيان لله عز وجل وغير ذلك من الخرافات والترهات.

 

  هذا ما اقترفته اليهودية وزرعته ، وعليّ والطيبون من أهل بيته منهم براء ، لأنه قد ثبت عن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه أنكر عليهم القول واستنكرهم ، كما ذكره النوبختي في مامر ، ويؤيد هذا ما رواه يحي بن حمزة الزيدي في كتابه "طوق الحمامة في مباحث الإمامة" عن سويد بن غفلة أنه قال : مررت بقوم ينتقضون أبا بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ فأخبرت عليا ـ كرم الله وجهه ـ وقلت : لولا أنهم يرون أنك تضمر ما اعلنوا ، ما اجترأوا على ذلك ، منهم عبدالله بن سبأ ، فقال علي ـ رضي الله عنه ـ : نعوذ بالله ، رحمنا الله ، ثم نهض وأخذ بيدي وأدخلني المسجد ، فصعد المنبر ثم قبض على لحيته وهي بيضاء ، فجعلت دموعه تتحادر عليها ، وجعل ينظر للقاع حتى اجتمع الناس ، ثم خطب فقال : ما بال أقوام يذكرون أخوي رسول الله ووزيريه ، وصاحبيه وسيدي قريش ، وأبوي المسلمين ، وأنا بريء مما يذكرون ، وعليه معاقب ، صحبا رسول الله صلى الله عليه وسل بالحب ، والوفاء ، والجد في أمر الله ، يأمران وينهيان ، ويغضبان ويعاقبان ، ولا يرى رسول الله كرأيهما رأيا ، ولا يحب كحبهما حبا ، لما يرى من عزمهما في أمر الله ، فقبض وهو منهما راض ، والمسلمون راضون ، فما تجاوزا في أمرهما وسيرتهما رأيه صلى الله عليه وسلم ، وأمره في حياته وبعد موته ، فقبضنا على ذلك رحمهما الله ، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا يحبهما إلا مؤمن فاضل ، ولا يبغضهما إلا شقى ما رق ، وحبهما قربة وبغضهما مروق ـ وفي رواية ـ لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل .

  ومثل هذا روى في الصحاح الستة عندنا ، ونهج البلاغة وغيره عندهم.

  وأما دين الإمامية ومذهب الأثنى عشرية ليس إلا مبنيا على تلك الأسس التي وضعتها اليهودية الأثيمة بوساطة عبدالله بن سبأ الصنعاني ، اليمني ، الشهير بابن السوداء ( والسوداء أمه ) مع إنكارهم انتسابهم إلى اليهودية ، وابن السوداء هذا ـ لكنه مجرد الإنكار  فحسب لا غيره لأن إنكارهم وحده لا يكفي لتبرئتهم من هذه الفصيلة ، وخروجهم عن هذه الشرذمة ، الطاغية ، الباغية إلا أن يثبتوا مخالفهم ومعارضتهم لأفكار التي دسوها ، والعقائد التي بثوها في الإسلام والمسلمين .

 

  ولكن حينما نرى بعين التفحص والتبصر لا نجد القوم إلا وهم يمضغون اللقمة التي رماها إليهم هؤلاء المنافقون ، المتظاهرون بالإسلام ، والمبطنون أشد الكفر وألعنه ، فلنضع النقاط على الحروف ، ولنأخذ أولا.

 

عبدالله بن سبأ

 

نحن قلنا إن عبدالله بن سبأ كان يهوديا متظاهرا بالإسلام منافقا وقد ذكرنا النصوص على ذلك من الكشي والنوبختي وغيرهما ، فلا يحتاج إلى إثبات ذلك أكثر مما ذكرنا ، ولكن إتماما للفائدة وزيادة في العلم نذكر بعض ما ذكره الكشي أيضا عن زين العابدين علي بن الحسين ـ الإمام الرابع المعصوم عندهم ـ أنه قال : لعن الله من كذب علينا ، إني ذكرت عبدالله بن سبأ فقامت كل شعرة في جسدي ، لقد ادعى أمرا عظيما لعنه الله ، كان عليّ عليه السلام والله عبد الله صالحا أخا رسول الله صلى الله عليه وآله الكرامة من الله إلا بطاعته .

 

  ويذكر الكشي أيضا رواية عن عبدالله بن سنان قال : قال أبو عبدالله ( جعفر) عليه السلام : إنا أهل البيت صديقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس ، كان رسول الله صلى الله عليه وآله أصدق الناس لهجة وأصدق البرية كلها ، وكان مسيلمة يكذب عليه وكان أمير المؤمنين عليه السلام أصدق من برء الله بعد رسول الله وكان الذي يكذب عليه ويعمل في تكذيب صدقه ، ويفتري على الله الكذب عبدالله بن سبأ.

 

وذكر الطبري في تاريخه " أن عبدالله بن سبأ لما ورد الشام لقى أباذر وحرضه على معاوية بقوله : إن معاوية يقول : المال مال الله ، ألا إن كل شيء لله ، ويريد به اجتماعه وادخاره دون المسلمين ثم أتى عبدالله هذا أبا الدرداء : من أنت ؟ أظنك والله يهوديا ".

 

سعيه بالفتنة والفساد

 

ثانيا : أجمع المؤرخون قاطبة شيعة كانوا أم أهل سنة أن الذي أضرم نار الفتنة والفساد ، ومشى بين المدن والقرى بالتحريض والإغراء على أمير المؤمنين ، وخليفة المسلمين عثمان بن عفان ، ذي النورين ـ رضي الله عنه ـ كان هذا اللعين وشرذمته اليهودية وهم الذين أوقدوا نار العصيان ، وأشعلوها كلما خمدت نيرانها ، وكان يتجول من بلدة إلى بلدة ، وينتقل من قرية إلى قرية ، فها هو الطبري وغيره من المؤرخين يذكرون تنقله من المدينة إلى مصر وإلى البصرة ، فنزوله على حكيم بن جبله ، ثم إخراجه عنها ووروده في الكوفة ، وإتيانه الفسطاط ينفث فيهم سمومه ، ويوقعهم في حبائل الفتنة.

 

  فهذا هو نجل اليهودي الذي يمشي ويجري بين المسلمين بالإفساد والانتشار والافتراق ، ةيمزق وحدة المسلمين ، ويفرق جمعهم وراء ستار لتشيع لعلي ـ رضي الله عنه ـ ويشتت شملهم حسب خطة خططها هو واليهود من ورائه.

 

الطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

ثالثا: ذكر النوبختي أن عبدالله بن سبأ كان أول من أظهر الطعن في أبي بكر وعمر وعثمان ، صهر رسول الله ورحمه ومن ذاك اليوم إلى يومنا هذا اعتقد الشيعة هذه العقيدة وتمسكوا بها ، والتفوا حولها ، فليس بشيعي الذي يبغض خلفاء رسول الله الثلاثة ، ووزراءه ، ومحبيه ، ولا يطعن فيهم.

 

أبي بكر

 

فهذا هو الكشي كبيرهم في الجرح والتعديل يذكر عقيدة الشيعة في الصديق الذي سماه رسول الله الصديق ، فيروى عن حمزة بن محمد الطيار أنه قال : ذكرنا محمد بن أبي بكر عند أبي عبدالله " ع " فقال أبو عبدالله عليه السلام : رحمه الله وصلى عليه ، قال ( محمد بن أبي بكر ) لأمير المؤمنين (علي) عليه السلام يوما من الأيام ، ابسط يدك أبايعك ، فقال : أوما فعلت ؟ قال : بلى ، فبسط يده فقال : أشهد أنك إمام مفترض طاعتك ، وأن أبي في النار ( معاذ الله ) فقال أبو عبدالله "ع" كان النجابة فيه من قبل أمه ، أسماء بنت عميس ـ رحمة الله عليها ـ لا من قبل أبيه .

 

  فهذا عن جعفر وأما عن أبيه الباقر ، فيروى الكشي أيضا عنه ، عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر "ع" أن محمد بن أبي بكر بايع عليا عليه السلام على البراءة من أبيه .

 

وعن شعيب عن أبي عبدالله "ع" قال : سمعت ما من أهل بيت إلا وفيهم نجيب من أنفسهم ، وأنجب النجباء من أهل بيت سوء محمد بن أبي بكر.

 

  فأنظر إلى الحقد اليهودي والضغينة اليهودية كيف تتدفق من عباراتهم المكذوبة على أولاد عليّ ، وعلى محمد بن أبي بكر ، ولكنها تعطى فكرة عما تكتمه الصدور الخبيثة ، المنطوية على الكفر .

 

الفاروق الأعظم

وإليك ما تكنه الشيعة لرجل الإسلام وعبقريته الذي قال فيه الرسول عليه السلام : لم أر عبقريا يفرى فريه ، حتى روى الناس وضربوا بطعن .

  يقولون فيه : إن سليمان الفارسي خطب إلى عمر ، فرده ثم ندم ، فعاد إليه ( سليمان ) فقال ( سليمان ) : إنما أردت أن أعلم ذهبت حمية الجاهلية عن قلبك أم هي كما هي.

 

  ويروي الكشي أيضا عن هشام بن أبي عبدالله عليه السلام " كان صهيب عبد سوء يبكي على عمر".

 

  وعن أبيه الباقر أنه قال : " بايع محمد بن أبي بكر على البراءة من الثاني".

 

  ويكذب ابن بابويه القمى الشيعي على الفاروق ويقول : قال عمر حين حضره الموت : أتوب إلى الله من ثلاث ، اغتصابي هذا الأمر أنا وأبي بكر من دون الناس ، واستخلافه عليهم ، وتفضيل المسلمين بعضهم على بعض "

 

  ويسب علي بن إبراهيم القمى الذي هو " ثقة في الحديث ثبت ، معتمد ، صحيح المذهب " ـ عندهم ـ في تفسيره . تحت قول الله عز وجل : ( يوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ).

 

  عن أبي حمزة الثمالى عن أبي جعفر "ع" قال : يبعث الله يوم القيامة قوما بين أيديهم نور كالقباطى ، ثم يقال له كن هباءاً منثورا ، ثم قال : أما والله يا أبا حمزة كانوا ليعرفون ويعلمون ولكن كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام أخذوه وإذا عرض لهم شيء من فضل أمير المؤمنين أنكروه ـ وقوله يوم يعض الظالم على يديه ، قال ، ( أبو جعفر ) الأول ( يعني به أبا بكر ) يقول : يا ليتني اتخذت مع الرسول عليا وليا ـ يا ليتني لم اتخذ فلانا خليلا ـ ( يعني الثاني عمر )ـ.

 

  وروى تحت قوله : ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا) " عن أبي عبدالله "ع" قال : ما بعث نبيا إلا وفي أمته شيطانان يؤذيانه ويضلان الناس بعده ، فأما صاحبا نوح . . . وأما صاحبا محمد فجبتر وزريق .

 

  وقد فسر " الجبتر " و " الزريق " لعينهم الهندي الملا مقبول بقوله " روى أن الزريق مصغر لأزرق ، والجبتر معناه الثعلب ، فالمراد من الأول ، الأول ( أبو بكر ) لأنه كان زرقاء العيون ، والمراد من الثاني ، الثاني ( عمر ) كناية عن دهائه ومكره "

 

  ويذكر القمي أيضا عن جعفر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله أصابه خصاصة فجاء إلى رجل من الأنصار ، فقال له : هل عندك من طعام ؟ فقال نعم يا رسول الله ، وذبح له عناقا وشواه فلما أدناه منه تمنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون معه ، وفاطمة والحسن ، والحسين عليهم السلام ، فجاء منافقان ثم جاء على بعدهما ، فأنزل الله في ذلك (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث ـ زيادة من الملعونين ـ إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ، يعني منافقين ـ فينسخ الله ما يلقي الشيطان ـ يعني لما جاء على بعدهما .

 

  ويذكر القمى هذا أيضا تحت قوله تعالى : فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم ، يعني نقض عهد أمير المؤمنين ، وجعلنا قلوبهم قاسية ، يحرفون الكلم عن مواضعه قال : من نحى أمير المؤمنين عن موضعه ، والدليل على ذلك أن الكلمة أمير المؤمنين "ع" قوله " وجعلنا كلمة باقية ـ يعني به الإمامة ".

 

  ويذكر تحت قوله : ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم : قال : يحملون آثامهم يعني الذين غصبوا أمير المؤمنين وآثام كل من اقتدى بهم ، وهو قول الصادق ( جعفر ) : والله ما أهريقت من دم ولا قرع عصا بعصا ، ولا غصب فرج حرام ، ولا أخذ من غير علم إلا ووزر ذلك في أعناقهما من غير أن ينقص من أوزار العاملين بشيء ـ وقال علي ـ فاقسم ثم أقسم ليحملنها بنو أمية من بعدي ، وليعرفنها في دار غيرهم عما قليل . . ز وعلى البادي ، الأول ( أبو بكر ) ما سهل لهم من سبيل الخطايا مثل أوزار كل من عمل بوزرهم إلى يوم القيامة.

 

  ويروي الكشي عن الورد بن زيد قال: قلت لأبي جعفر "ع" جعلني الله فداك ، قدم الكميت ، فقال : أدخله ، فسأله الكميت عن الشيخين ، فقال أبو جعفر "ع" ما أهريق دم ولا حكم بحكم ، غير موافق لحكم الله ، وحكم رسول الله صلى الله عليه وآله ، وحكم علي ، إلا وهو في أعناقهما فقال الكميت ، الله أكبر حسبي ، حسبي " !

 

  وفي رواية أخرى عن داود بن النعمان قال ( الباقر ) يا كميت بن زيد !! ما أهريق في الإسلام محجة من دم ، ولا اكتسب مال من غير حله ، ولا نكح فرج حرام ، إلا وذلك في أعناقهما إلى يوم يقوم قائمنا ، ونحن معاشر بني هاشم نأمر كبارنا وصغارنا بسبهما والبراءة منهما.

 

عثمان بن عفان

 

وأما صاحب الجود والحياء ، صهر رسول الله وزوج ابنتيه ، عثمان بن عفان ، دو النورين ـ رضي الله عنه ـ فيعتقد فيه الشيعة طبق ما أملت عليهم اليهودية اللئيمة ، فيروي الكشي عن أبي عبدالله "ع" قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى وعمار يعملون مسجدا ، فمر عثمان في بزة له يخطر ، فقال له أمير المؤمنين "ع" ارجز به فقال عمار:

 

لا يستوى من يعمر المساجدا       يظل فيها راكعا وساجدا

ومن تـراه عـاندا معـانـدا       عـن الغبار لا يزال حائدا

 

قال : فأتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: ما أسلمنا لتشتم أعراضنا وأنفسنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أفتحب أن يقال بذلك ، فنزلت آيتان ( يمنون عليك أن أسلموا ) الآية ، ثم قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي "ع" اكتب هذا في صاحبك "

 

  وأيضا عن صالح الحذاء قال : لما أمر النبي صلى الله عليه وآله ببناء المسجد ، قسم عليهم المواضع وضم إلى كل رجل رجلا ، فضم عمارا إلى علي عليه السلام ، قال : فبيناهم في علاج البناء إذ خرج عثمان من داره وارتفع الغبار فتمتع بثوبه ، وأعرض بوجهه ، قال : فقال علي عليه السلام لعمار : إذا قلت شيئا فرد علي ، فقال علي عليه السلام :

 

لا يستوي من يعمر المساجدا

يظل فيها راكعا وساجدا

كمن يرى عن الطريق حائدا

 

قال : فأجابه عمار كما قال ، فغضب عثمان من ذلك فلم يستطع أن يقول لعلي شيئا ، فقال لعمار : يا عبد ، يالكع ، فقال علي عليه السلام لعمار : أرضيت بما قال لك : ألا تأتي النبي صلى الله عليه وآله فتخبره ، قال: فأتاه فأخبره ، فقال : يا نبي الله إن عثمان قال لي يا بعد ـ يالكع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : من يعلم بذلك؟ فقال علي ، قال : فدعاه وسأله ، فقال له كما قال عمار ، فقال لعلي "ع" اذهب فقل له حيث ما كان ، يا عبد ، يالكع ، أنت القائل لعمار يا عبد ، يالكع ، فذهب علي "ع" فقال له ذلك فانصرف"

 

  ويذكر القمي تحت قوله تعالى ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ) رواية مكذوبة على النبي ، المحب لأصحابه ، وبخاصة رفقائه الثلاثة ، فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله ، يرد عليّ أمتي يوم القيامة على خمس رايات ، فراية مع عجل هذه الأمة فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي ، فيقولون أما الأكبر فحرفناه ونبذناه وراء ظهورنا ، وأما الأصغر فعاديناه وأبغضناه وظلمناه ، فأقول ردوا النار ظمآء مظمئين مسودة وجوهكم ، ثم ترد على راية فرعون هذه الأمة ، فأقول لهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون أما الأكبر فحرقناه ومزقناه وخالفناه ، وأما الأصغر فعاديناه وقاتلناه ، فأقول ردوا النار ظمآء مظمئين مسودة وجوهكم ، ثم ترد على راية مع سامري هذه الأمة فأقول لهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي ، فيقولون أما الأكبر فعصيناه وتركناه ، وأما الأصغر فخذلناه وضيعناه ، فأقول ردوا ظمأء مظمئين مسودة وجوهكم ، ثم تر عليّ راية ذي الثلمة مع أول الخوارج وآخرهم فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي ، فيقولون أما الأكبر ففرقناه وبرئنا منه وأما الأصغر فقاتلناه وقتلناه فأقول ردوا ظمأء مظمئين مسودة وجوهكم ، ثم ترد عليّ راية مع إمام المتقين وسيد المرسلين ، وقائد الغر المحجلين ، ووصيّ رسول رب العالمين ، فأقول لهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي ، فيقولون أما الأكبر فاتبعناه وأطعناه وأما الأصغر فأحببناه وواليناه ووازرناه ونصرناه حتى أهرقت فيهم دماؤنا ، فأقول ردوا الجنة رواء مرويين مبيضة وجوهكم ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ، وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون )

 

أرأيت خبث القوم وقبحهم كيف يسبون أصحاب رسول الله ، ويغيرون أسماءهم ، ويطعنون فيهم ، ويكذبون على النبي عليه السلام.

 

  ويذكر الكشي أن جعفرا أنشد شعرا :

 

فالناس يوم البعث راياتهم         خمس فمنها هالك أربع

قائدها العجل وفرعونها             وسامري الأمة المفظع

وراية قائدها حيدر                  كالشمس إذا تطلع

ومخدع عن دينه مارق             جد عبد لكع اوكع

 

  قال ( جعفر ) من قال هذا الشعر ؟ قلت ( الراوي) : السيد محمد الحميري ، فقال رحمه الله ، قلت : إني رأيته يشرب نبيذ الرستاق ، قال : تعني الخمر؟ قلت : نعم ، قال رحمه الله وما ذلك على الله أن يغفر لمحب علي".

 

  ويذكر الكليني كبير محدثيهم وإمامهم الذي يعد كتابه "الكافي" من الأصول الأربعة ـ عندهم ـ عن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه قال:

  قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله ، متعمدين لخلافة ، ناقضين لعهده ، مغيرين لسنته " .

 

  وروى الكليني أيضا عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله عز وجل ( إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم ) قال : نزلت في فلان بن فلان آمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله في أول الأمر وكفروا حيث عرضت عليهم ـ الولاية حين قال النبي صلى الله عليه وآله : من كنت مولاه فعلي مولاه ، ثم آمنوا بالبيعة لأمير المؤمنين عليه السلام ثم كفروا حيث مضى رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يقروا بالبيعة ، ثم ازدادوا كفرا بأخذهم من بايعه بالبيعة لهم فهؤلاء لم يبق فيهم من الإيمان شيء".

  وبين شارح الكافي " أن المراد من فلان بن فلان أبو بكر وعمر وعثمان".

 

بقية أصحاب النبي عليه السلام وأزواجه أمهات المؤمنين

 

ولم يكتف الشيعة بالطعن والتعريض في وزراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحمائه بل تطرق الملاعنة إلى أعراض آل النبي ورفقته الكبار ، بخاصة الذين هاجروا في سبيل الله وجاهدوا في الله حق جهاده ، ونشروا دينه الذي ارتضى لهم ، ناقمين وحاسدين جهودهم المشكورة.

 

عم النبي وأولاده

 

  فهاهم يسبون حتى عم النبي الكريم الذي جعله صنو أبيه.

  فيذكر الكشي عن محمد الباقر أنه قال : أتى رجل إلى أبي ( زين العابدين ) فقال : إن فلانا يعني عبدالله بن عباس ـ يزعم أنه يعلم كل آية نزلت في القرآن ، في أي يوم نزلت وفيم نزلت ، قال : ( زين العابدين ) فأسأله فيمن نزلت ( ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا)  وفيم نزلت( ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم ) وفيم نزلت ( يأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا) فأتاه الرجل وقال وددت الذي أمرك بهذا واجهني به فأسأله ، ولكنه سله ما العرش ومتى خلق وكيف هو ؟ فانصرف الرجل إلى أبي فقال له ما قال ، فقال ( زين العابدين ) وهل أجابك في الآيات ، قال : لا ، قال : ولكني أجيبك فيها بنور وعلم غير المدعي ، والمنتحل ، أما الأوليان فنزلتا في أبيه ( العباس عم النبي ) وأما الآخرة فنزلت في أبي وفينا ".

 

  ويذكر الكشي عن زين العابدين أيضا أنه قال لابن العباس : فأما أنت يابن عباس ففيمن نزلت هذه الآية : ( فلبئس المولى ولبئس العشير ) في أبي أوفى أبيك ؟ ثم قال : أما والله لولا ما تعلم لأعلمتك عاقبة أمرك ما هو وستعلمه . . . ولو أذن لي في القول لقلت ما لو سمع عامة هذا الخلق لجحدوه وأنكروه".

 

  ويروي الملا باقر عن الكليني عن محمد الباقر أنه قال : قال علي ـ رضي الله عنه ـ : ومن كان بقى من بني هاشم إنما كان جعفر وحمزة ، فمضيا وبقى معه رجلان ، ضعيفان ، ذليلان ، حديثا عهد بالإسلام عباس وعقيل ".

 

  هذا ما قالوا في عم النبي ، وأما ابنه عبدالله ابن عباس ، حبر الأمة ، وترجمان القرآن ، وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاتهموه بتهمة الخيانة فقالوا : استعمل على صلوات الله عليه على البصرة عبدالله بن عباس ، فحمل كل مال في بيت المال بالبصرة ولحق بمكة وترك عليا عليه السلام ، فكان مبلغه ألفي درهم ، فصعد على المنبر حين بلغه فبكى فقال : هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وإنه في علمه وقدره يفعل مثل هذا فكيف يؤمن من كان دونه ، اللهم إني قد مللتهم فأرحني منهم واقبضني إليك غير عاجل ولا ملول".

 

  وبوب الكشي هذا ، بابا مستقلا باسم دعاء عليّ على عبدالله وعبيد الله ابني  عباس ، ثم يروي عقيدته بهذه الرواية الكاذبة " عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين ( علي) عليه السلام : اللهم العن ابني فلان ـ يعني عبدالله وعبيد الله ابني عباس ـ واعم أبصارهما كما أعميت قلوبهما الأجلين في رقبتي واجعل عمى أبصارهما دليلا على قلوبهما".

 

  ومثل هذه الروايا الكاذبة الخبيثة كثيرة عندهم في الكافي " وفي تفسيرهم"  القمى " والعياشي " والصافي.

 

 

خالد بن الوليد

 

  وطعنوا في سيف الله الخالد ، خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ فارس الإسلام وقائد جيوشه الظافرة المباركة ، طعنوا فيه ، فيذكر القمي وغيره " إن خالدا ما هجم على مالك بن النويرة إلا للتزوج من زوجة مالك".

 

  وحكوا أيضا قصة باطلة مختلقة ، فيذكرها القمي : وقع الخلاف بين أبي بكر وعلي وتشاجرا ، فرجع أبي بكر إلى منزله " وبعث إلى عمر فدعاه ثم قال : أما رأيت مجلس علي منا اليوم ، والله لإن قعد مقعدا مثله ليفسدن أمرنا فما الرأي ؟ قال عمر : الرأي أن نأمر بقتله ، قال : فمن يقتله ؟ قال خالد بن الوليد فبعثا إلى خالد فأتاهما فقالا نريد أن نحملك على أمر عظيم ، قال حملاني ما شئتما ولو قتل علي بن أبي طالب ، قالا فهو ذاك ، فقال خالد متى أقتله ؟ قال أبو بكر إذا حضر المسجد فقم بجنبه في الصلاة فإذا أنا سلمت فقم إليه وأضرب عنقه ، قال : نعم ، فسمعت أسماء بنت عميس ذلك وكانت تحت أبي بكر ، فقال لجاريتها اذهبي إلى منزل عليّ وفاطمة ، فأقرئيهما السلام ، وقولي لعلي إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين ، فجاءت الجارية إليهما فقالت لعلي عليه السلام : إن أسماء بنت عميس تقرأ عليكما السلام وتقول إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين ، فقال عليّ عليه السلام : قولي لها أن الله يحيل بينهم وبين ما يريدون . ثم قام وتهيأ للصلاة وحضر المسجد ووقف خلف أبي بكر وصلى لنفسه وخالد بن الوليد إلى جنبه ومعه السيف ، فلما جلس أبو بكر في التشهد ندم على ما قال وخاف الفتنة وشدة عليّ وبأسه ، فلم يزل متفكرا لا يجسر أن يسلم حتى ظن الناس أنه قد سها ، ثم التفت إلى خالد فقال : يا خالد لا تفعل ما أمرتك به ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : يا خالد ما الذي أمرك به ؟ قال أمرني بضرب عنقك ، قال : وكنت تفعل ؟ قال إي والله لولا أنه قال لي لا تفعل لقتلتك بعد التسليم ، قال : فأخذه عليّ فضرب به الأرض واجتمع الناس عليه فقال عمر : يقتله ورب الكعبة ، فقال الناس : يا أبا الحسن الله الله بحق صاحب هذا القبر فخلى عنه ، قال : فالتفت إلى عمر وأخذ بتلابيبه وقال: يا فلان لولا عهد من رسول الله صلى الله عليه وآله وكتاب من الله سبق لعلمت أينا أضعف ناصرا وأقل عددا ثم دخل منزله".

 

عبدالله بن عمر ومحمد بن مسلمة

 

وعبدالله بن عمر ومحمد بن مسلمة ـ رضي الله عنهما ـ قالوا فيهما : محمد بن مسلمة وابن عمر مات منكوثا".

 

طلحة والزبير

 

وطلحة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم من العشرة المبشرة بالجنة الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد : أوجب طلحة ـ الجنة ".

 

  والزبير الذي هو من العشرة أيضا والذي قال فيه النبي الصادق الناطق بالوحي : إن لكل نبي حواريا وحواريي الزبير".

 

  روى القمي في هذين العظيمين " أن أبا جعفر ( الباقر ) قال : نزلت هذه الآية في طلحة والزبير ، والجمل جملهم " إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ".

 

أنس بن مالك والبراء بن عازب

 

  وأما أنس بن مالك والبراء بن عازب ـ رضي الله عنهما ـ فقالوا فيهما : إن عليا قال لهما : ما منعكما أن تقوما فتشهدا ، فقد سمعتما ما سمع القوم ثم قال : اللهم إن كانا كتمهما معاندة فابتلهما ، فعمى البراء بن عازب وبرص قدما أنس بن مالك ".

 

أزواج النبي عليه السلام

 

والخبث لم ينته بعد ، واللؤم لم يبلغ مداه ، حتى تطرقوا إلى أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ،ورووا هذه الرواية الخبيثة ، الباطلة ، متعرضين للصديقة بنت الصديق ، أم المؤمنين عائشة الطاهرة ـ رضي الله عنها ، فقال الكشي : لما هزم علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أصحاب الجمل بعث أمير المؤمنين عليه السلام عبدالله بن عباس إلى عائشة يأمرها بتعجيل الرحيل وقلة العرجة ، قال ابن عباس : فأتيتها وهي في قصر بنى خلف في جانب البصرة ، قال فطلبت الأذن عليها فلم تأذن ، فدخلت عليها من غير إذنها ، فإذا بيت فقار لم يعد لي فيه مجلس ، فإذا هي من وراء سترين ، قال فضربت ببصرى فإذا في جانب البيت رحل عليه طنفسة ، قال : فمددت الطنفسة فجلست عليها فقالت من وراء الستر : يابن عباس أخطأت السنة ـ دخلت بيتا بغير إذننا وجلست على متاعنا بغير إذننا ـ فقال لها ابن عباس : نحن أولى بالسنة منك ونحن علمناك السنة ، وإنما بيتك ، الذي خلفك فيه رسول الله صلى الله عليه وآله ، فخرجت منه ظالمة لنفسك ، غاشية لدينك ، عاتبة على ربك عاصية لرسول الله صلى الله عليه وآله ، فإذا رجعت إلى بيتك لم ندخله إلا بإذنك ولم نجلس على متاعك إلا بأمرك . . إلى أن قال . . . وما أنت إلا حشية من تسع حشايا خلفهن بعده ، لست بأبيضهن لونا ولا بأحسنهن وجها ولا بأرشحهن عرقا ولا بأنضرهن ورقا ولا بأطرأهن أصلا . . قال ( ابن عباس ) : ثم نهضت وأتيت أمير المؤمنين عليه السلام فأخبرته بمقالتها وما رددت عليها فقال ( علي ) : أنا كنت أعلم بك حيث بعثتك ".

 

  فهل رأيت الخبث أكبر من هذا ولكن القوم بلغوا في الخبث ما لم يبلغه الآخرون ، فيروي واحد من صناديدهم ـ الطبرسي في كتابه عن الباقر أنه قال : لما كان يوم الجمل وقد رشق هودج عائشة بالنبل ، قال أمير المؤمنين ( علي ) عليه السلام : والله ما أراني إلا مطلقها ، فأنشد الله رجلا سمع من رسول الله يقول : يا علي أمر نسائي بيدك من بعدي ( عياذا بالله ) ولما قام فشهد ، فقام ثلاثة عشر رجلا ، فيهم بدريان ، فشهدوا أنهم سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله يقول لعلي بن أبي طالب ، يا علي أمر نسائي بيدك من بعدي ، قال فبكت عائشة عند ذلك حتى سمعوا بكائها ".

 

تكفير الصحابة عامة

 

فهذه هي عقيدة القوم من أولهم إلى آخرهم كما رسمها اليهود لهم حتى صار دينهم الذي يدينون به ، دين الشتائم والسباب ولكنهم لم يكتفوا بالسباب والشتائم على عدد كبير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هوت بهم هاوية حتى كفروا جميع أصحاب رسول الله عليه السلام إلا النادر منهم ، فهذا هو الكشي أحد صناديدهم يروي عن أبي جعفرأنه قال : كان الناس أهل الردة بعد النبي إلا ثلاثة فقلت ومن الثلاثة ؟ فقال : المقداد بن الأسود ، وأبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي، . . .

وذلك قول الله عز وجل : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ) .

 

  ويروي عن أبي جعفر أيضا أنه قال : المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا ـ وأشار بيده ـ إلا ثلاثة ".

 

  ويروي عن موسى بن جعفر ـ الإمام المعصوم السابع عندهم ـ أنع قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين حواري محمد بن عبدالله ـ رسول الله الذي لم ينقضوا عليه ؟ فيقوم سلمان ، والمقداد ، وأبو ذر".

 

  والعجب كل العجب أين ذهب علي والحسن والحسين وبقية أهل البيت ، وعمار ، وحذيفة ، وعمرو بن الحمق وغيرهم .

 

  فأنظر ماذا تريد اليهودية من وراء ذلك .

 

  وهذا مع أن عليا ـ رضي الله عنه ـ لم يكفر حتى ومن حاربه من أهل الشام وغيرهم ، فقد قال صراحة في" كتابه إلى أهل الأمصار يقص فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين " ، الذي رواه إمام الشيعة محمد الرضى في " نهج البلاغة " .

  وكان بدء أمرنا التقينا القوم من أهل الشام ، والظاهر أن ربنا واحد ، ودعوتنا في الإسلام واحدة ، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله ، والتصديق برسوله ، ولا يستزيدوننا ، الأمر واحد إلا ما اختلفنا في دم عثمان ، ونحن منه براء ".

  وأنكر على من يسب معاوية ـ رضي الله عنه ـ وعساكره ، فقال وقد رواه الرضى أيضا : إني اكره لكم أن تكونوا سبابين ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم ، كان أصوب في القول ، وأبلغ في العذر ، وقلتم مكان سبكم إياكم ، اللهم احقن دماءنا ودماءهم ، وأصلح ذات بيننا وبينهم . . . ".

  فأين عليّ من ربيبة اليهود الشاتمين أعاظم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اللعانين ، المكفرين ، الخبثاء ، قاتلهم الله أنى يؤفكون.

 

الصحابة عند السنة

 

ذاك ما يعتقده الشيعة في كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين بلغوا رسالته صلى الله عليه وسلم إلى الكون ، وحملوها على أكتافهم وأدوها كما سمعوا ، وقد فتح الله بهم بلاد الروم والشام ، وبلاد هؤلاء الملعونين ، الخبثاء ، بلاد يمن ، وفارس ، ولولاهم لما كان للإسلام دولة وسلطنة كما كانت وصارت ، وكانوا مصداق قول الله عز وجل : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا).

 

  وقال رسول الله عليه السلام فيهم : لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ".

 

  وقال عليه السلام : النجوم أمنة للسماء ، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما يوعد ، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أنا أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي ، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون ".

 

  وبين عليه السلام فضلهم وشرفهم حيث قال : ما من أحد من أصحابي يموت بأرض إلا بعث قائدا ونورا لهم يوم القيامة ".

 

  وقال صلى الله عليه وسلم : إذا رأيتهم الذين يسبون أصحابي فقولوا لعنة الله على شركم ".

 

  وقال عليه السلام في أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ : إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ".

 

  وقال صلى الله عليه وسلم في عمر ـ رضي الله عنه ـ : إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه ".

 

  وقال فيهما : أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين ".

 

  وقال عليه السلام في عثمان ـ رضي الله عنه ـ : لكن نبي رفيق ورفيقي ( يعني في الجنة ) عثمان ".

 

  وعن عبدالمطلب بن ربيعة " إن العباس دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا وأنا عنده ، فقال ما أغضبك ؟ قال : يا رسول الله ما لنا ولقريش ، إذا تلاقوا بينهم بوجوه مبشرة ، وإذا لقونا لقونا بغير ذلك ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إحمر وجهه ثم قال : أيها الناس من آذى عمي فقد آذاني ، فإنما عم الرجل صنو أبيه ".

 

  ودعا عليه السلام له ولابنه فقال : اللهم اغفر للعباس وولده مغفرة ظاهرة وباطنة لاتغادر ذنبا ، اللهم احفظه في ولده".

 

  وعنه أنه سئل عليه السلام " من أحب الناس إليك ؟ قال : عائشة ، قلت : من الرجال؟ قال : أبوها ".

 

  وقال صلى الله عليه وسلم في خالد بنالوليد ـ رضي الله عنه : خالد سيف من سيوف الله عز وجل ، ونعم فتى العشيرة".

 

  وقال في محمد بن مسلمة ، ما أحد من الناس تدركه الفتنة إلا أنا أخافها عليه إلا محمد بن مسلمة . . . وقال : لا تضرك الفتنة ".

 

  وقال صلى الله عليه وسلم في معاوية ـ رضي الله عنه : اللهم أجعله هاديا مهديا واهد به ".

 

  وقال عليه السلام في البراء بن عازب : كم من أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره ، منهم البراء بن عازب".

 

  وقال عليه السلام في عبدالله بن عمر : أن عبدالله رجل صالح "

 

  فهولاء هم وغيرهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين مدحهم الله في كتابه ، ومدحهم وأثنى عليهم ودعا لهم بالمغفرة ، الناطق بالوحي الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، واحدا واحدا وجماعة ، ويمدحهم ويثني عليهم كل من سلك مسلكه ، واتبع سبيله من المؤمنين غير المنافقين أبناء اليهود والمجوس الذين أكلت قلوبهم البغضاء والشحناء والحسد لأعمالهم الجبارة في سبيل الله وفي سبيل نشر هذا الدين الميمون المبارك ، وكان هذا هو السبب الحقيقي لحنق الكفرة على هؤلاء المجاهدين ، العاملين بالكتاب والسنة وبخاصة على أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، الذين قادوا جيوش الظفر ، وجهزوا عساكر النصر ، وكان سبب حقد اليهود على المسلمين خاصة أنهم هدموا أساسهم ، وقطعوا جذورهم ، وأسـتأصلوهم استيصالا تحت راية النبي عليه السلام حين كان أسلافهم من بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة يقطنون المدينة ، ومن بعد النبي الكريم عليه السلام في زمن عمر الفاروق ـ رضي الله عنه ـ حيث نفذ فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجوا اليهود من جزيرة العرب ".

 

  وطهر جزيرة العرب من نجاستهم وسائسهم ولم يترك لأحد من اليهود أن يسكن في الجزيرة طبقا لأمر رسول الله عليه السلام.

 

سبب انتشار التشيع في إيران وبغضهم الصحابة

 

ولما افتتح إيران على يد الفاروق الأعظم ، ومزق جموعها ، وكسر شوكتها ، وهدم ماوكيتها نقم أهل إيران على الفاروق ، ورفقته ، وجنوده ، لما جبلوا على الملوكية واشربوا حبها ، فوجد اليهود بلاد فارس مزرعة خصبة لغرس بذور الفتنة فيها ، وكان من الاتفاقات أن ابنة يزدجر ملك إيران " شهربانو " زوجت من حسين بن علي ـ رضي الله عنهما ـ بعد ما جاءت مع الأسارى الإيرانيين ، فلما دبر اليهود لأمير المؤمنين وخليفة المسلمين عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ وتترسوا بعلي ـ رضي الله عنه ـ بدون إذن منه ومعرفة ، وادعوا الولاية والخلافة لعلي وأولاده تعاونهم أهل إيران نقمة على الفاروق ورفقته وأصحاب الرسول الذين فتحوا إيران ، وعثمان الذي وسع نطاق الفتوحات الإسلامية ، وأقام اعوجاجهم ، ونفى بغاتهم ، فأبدى أهل إيران ما رأوا أن الدم الذي يجري في عروق علي بن الحسين الملقب بزين العابدين وفي أولاده دم إيراني من قبل أمه " شهربانو" ابنة " يزدجرد " ملك إيران من سلالة الساسانيين ، المقدسين عندهم.

  فلأجل هذا دخل أكثر أهل فارس في الشيعية لما يجدون فيها من التسلية بسبّ الصحابة ، وعمر ، وعثمان ، فاتحي إيران ، ومطفئي نار المجوسية فيها ، ومن هناك اتفقوا مع اليهودية الماكرة ، ولأجل هذا اتحدوا معهم ، وسلكوا مسلكهم ، ونهجوا منهجهم ، فها هو المستشرق الانكليزي الذي سكن إيران مدة طويلة ودرس تاريخها دراسة وافية ، ضافية ، يقول صراحة : من أهم أسباب عداوة أهل إيران للخليفة الراشد ، الثاني ، عمر ، هو أنه فتح العجم ، وكسر شوكته ، غير أنهم ( أي أهل إيران ) أعطوا لعدائهم صبغة دينية ، مذهبية ، وليس هذا من الحقيقة بشيء".

 

  ووضح في مقام آخر أكثر من هذا وقال : ليس عداوة إيران وأهلها لعمر بن الخطاب بأنه (عمر) غصب حقوق علي وفاطمة بل لأنه فتح إيران وقضى على الأسرة الساسانية ـ ثم يذكر أبياتا فارسية لشاعر إيراني ما نصها في اللغة الفارسية :

 

بشكست عمر بشت هزبران اجم را

برباد فنا داد ركك وريشه جم را

اين عربده بر غصب خلافت ز علي نيست

با آل عمر كينه قديم است عجم را

 

يعني أن عمر كسر ظهور أسود العرين المفترسة ، واستأصل جذور آل جمشيد ( ملك من أعظم ملوك فارس ).

ليس الجدال على أنه غصب الخلافة من علي ، بل إن المسألة قديمة يوم فتح إيران"

 

ويقول : إن أهل إيران وجدوا في أولاد علي بن الحسين تسلية وطمأنينة بما كانوا يعرفون إن أم علي بن الحسين هي ابنة ملكهم "يزدجرد" فرأوا في أولادها حقوق الملك قد اجتمعت مع حقوق الدين ، فمن هنا نشأ بينهم علاقة سياسية ، ولأجل أنهم ( أهل إيران ) كانوا يقدسون ملوكهم لإعتقادهم أنهم ما جدوا الملك إلا من السماء و من الله ، فازدادوا في التمسك بهم".

 

الولاية والوصاية

 

خامسا : ولقد ذكرنا فيما سبق أن اليهودية دست عقائد جديدة في الإسلام بوساطة ابنها البار بها ، عبدالله بن سبأ ، لبناء مذهب جديد وإنشاء نحلة جديدة باسم الإسلام لا يكون للإسلام علاقة بها ، فمن تلك العقائد التي جعلتها أصل الأصول هي عقيدة الولاية والوصاية ، ولقد أوردنا النصوص عن الشيعة بأن أول من نادى بها هو ابن السوداء ، هذا اليهودي ، الماكر ، مع إنكار الشيعة علاقتها به وباليهودية ، فإنهم لا يبنون عقائدهم إلا على أقواله وآرائه ، فها هي الولاية ما جعلوها أساسا لدينهم إلا كما علمهم اليهود وقرروها لهم ، فيذكر محمد بن يعقوب الكليني ، محدثهم الكبير الذي عرض كتابه على الإمام ، وصدقه إمامهم المزعوم الموهوم ، يذكر الكليني هذا " عن فضيل عن أبي جعفر عليه السلام قال : بني الإسلام على خمس ، الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، والولاية ، ولم يناد بشيء ما نودي بالولاية يوم الغدير".

 

  فأنظر كيف يختلف القوم مع المسلمين حيث يقول المسلمون : بني الإسلام على خمس ، أوله شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله : ولكن هؤلاء لايعدون شهادة التوحيد والرسالة شيئا ، ويفضلون الولاية والوصاية على الصلاة والزكاة والصوم والحج كي يجلب القوم إلى دين جديد طبق الخطة المرسومة.

 

  وقد صرح الشيعة بأكثر من هذا حيث قالوا : عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : بني الإسلام على خمسة أشياء على الصلاة ، والزكاة ، والحج ، والصوم ، والولاية ، قال زرارة: فقلت : وأي شيء من ذلك أفضل ، فقال الولاية أفضل".

 

  ثم حذفوا الصوم والحج فقالوا : عن الصادق ( جعفر ) عليه السلام قال : أثافى الإسلام ثلاثة ، الصلاة ، والزكاة ، والولاية ، لا تصح واحدة منها إلا بصاحبتيها".

 

  ومن ثم تطرقوا إلى حذف الجميع وإبقاء الولاية وحدها فرووا عن أبي عبدالله أنه قال : ولايتنا ولاية الله التي لم يبعث نبيا قط إلا بها".

 

  وليس هذا فحسب بل " عن حبة العوفي أنه قال ، قال أمير المؤمنين (علي) أن الله عرض ولايتي على أهل السموات وعلى أهل الأرض ، أقربها من أقر ، وأنكر من أنكر ، أنكرها يونس ( عليه السلام ) فحبسه الله في بطن الحوت حتى أقر بها ".

 

  وعن أبي الحسن "ع" قال : ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ولن يبعث الله رسولا إلا بنبوة محمد صلى الله عليه وآله ووصية علي عليه السلام".

 

  وأيضا عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر يقول : إن الله أخذ ميثاق النبيين على ولاية علي وأخذ عن النبيين بولاية علي".

 

  ويروي القمى تحت قوله تعالى : ( وإذا أخذ الله ميثاق النبيين ) : عن أبي عبدالله قال : ما بعث الله نبيا من ولد آدم فهلم جرا إلا ويرجع إلى الدنيا وينصر أمير المؤمنين (علي) وهو قوله لتؤمنن به يعني رسول الله "ولتنصرنه" يعني أمير المؤمنين ـ علي ـ .

 

  فأنظر إلى اليهودية كيف تتسلل بين المسلمين وتتسرب إليهم لتشويه عقائدهم.

 

  وأخيرا فلنرجع إلى ما قاله النوبختي والكشي ، فيقول النوبختي : وهو (أي عبدالله بن سبأ ) أول من أشهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام ".

 

  والكشي يقول : وكان (ابن سبأ) أول من أشهر بالقول بفرض إمامة علي".

 

تعطيل الشريعة

 

فهل بعد ذلك شك لشاك وريب لمرتاب أن الشيعة ولدتهم اليهودية لأغراضها الخبيثة ، وهم ينكرون الانتساب إليها بعد ما يقرون بآرائها ومعتقداتها التي روّجوها ودسوها في الإسلام ، ويتولونها ويؤسسون عليها بناية دينهم ، وما القصد منها إلا إبعاد المسلمين عن تعاليم محمد صلى الله عليه وسلم وروحها ، روح الإسلام الحقيقي ، وأيضا تعطيل الشريعة الإسلامية فقد عطلوها فعلا حيث قالوا : إن النجاة ليس مدارها على العمل بالكتاب والسنة ، بل مدارها على التبني والتمسك ، بأقوال هؤلاء الملاحدة ، ولو خالفوا صريح الكتاب والسنة.

 

  فقد مر قبل ذلك في هذا الباب أن شارب الخمر ذكر عند جعفر بن الباقر ـ الإمام المعصوم عندهم ـ فقال : وما ذلك على الله أن يغفر لمحب علي".

 

  وذكر القمي أكثر من هذا فقال : عن أبي عبدالله قال إذا كان يوم القيامة يدعى محمد صلى الله عليه وآله فيسكس حلة وردية . . . ثم يدعى بعلي أمير المؤمنين عليه السلام . .  . ثم يدعي بالأئمة . . . ثم يدعى بالشيعة فيقومون أمامهم ثم يدعى بفاطمة ونسائها من ذريتها وشيعتها فيدخلون الجنة بغير حساب".

 

  وروى الكشي عن أبي عبدالله أنه دخل عليه جعفر بن عفان ، فقال له : بلغني أنك تقول الشعر في الحسين وتجيد ، فقال له : نعم جعلني الله فداك . فقال : قل : فانشد ، فبكى "ع" ومن حوله حتى صارت الدموع على وجهه ولحيته ، ثم قال : يا جعفر ( بن عفان ) والله لقد شهدك ملائكة الله المقربون ههنا يسمعون قولك في الحسين ولقد بكوا كما بكينا أو أكثر ، ولقد أوجب الله تعالى لك يا جعفر ساعتك الجنة بأسرها ، وغفر الله لك ، فقال ( أبو عبدالله ) : يا جعفر ألا أزيدك ؟ قال : نعم يا سيدي ، قال : ما من أحد قال في الحسين شعرا فبكى وأبكى إلا أوجب الله له الجنة وغفر له".

 

  فأنظر كيف تعطل الشريعة المحمدية ، البيضاء ، وكيف يلغى أحكامها وأوامرها ، فهذا هو المطلوب والمقصود ، ولأجل هذا كونت هذه الفئة ، وأنشئت هذه الطائفة ، وكتبهم مليئة ، بمثل هذه الدسائس ، وعليها يتكلون ، وبها يعتقدون ، ولكن الشريعة التي جاء بها محمد الأمين عليه الصلاة والسلام ما تخبرنا إلا بأن النجاة مدارها ليس إلا على العمل الصالح كما قال الله عز وجل في كتابه : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم ).

 

وقال سبحانه وتعالى ( إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله ، والله غفور رحيم ).

 

مسألة البداء

 

سادسا : وكان من الأفكار التي روجها اليهود وعبدالله بن سبأ "إن الله يحصل له البداء " أي النسيان والجهل ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

 

  فالكليني محدث الشيعة بوب بابا مستقلا في الكافي بعنوان "البداء" وروى تحت هذا الباب عدة روايات عن أئمته " المعصومين" كما يزعم ، ومنها :

 

  عن الريان بن الصلت قال سمعت الرضا ( علي بن موسى ـ الإمام الثامن عندهم ـ ) يقول : ما بعث الله نبيا قط إلا بتحريم الخمر وأن يقر لله بالبداء ".

 

  وما هو " البداء " تفسيره رواية أخرى ، يرويها أيضا " عن أبي هاشم الجعفري قال : كنت عند أبي الحسن عليه السلام بعدما مضى ابنه أبو جعفر وإني لأفكر في نفسي أريد أن أقول كأنما أعنى أبا جعفر وأبا محمد في هذا الوقت كأبي الحسن موسى وإسماعيل بن جعفر بن محمد ، وإن قصتهما كقصتهما إذ كان أبو محمد المرجأ بعد أبي جعفر ، فأقبل علي أبو الحسن عليه السلام قبل أن أنطق فقال: نعم يا أبا هاشم بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر ما لم يكن يعرف له ، كما بدا له موسى بعد مضى إسماعيل ما كشف به عن حاله ، وهو كما حدثتك نفسك وإن كره المبطلون ، وأبو محمد ابني الخلف من بعدي وعنده علم ما يحتاج إليه ، ومعه آله الإمامة".

 

  وذكر النوبختي " إن جعفر بن محمد الباقر نص على إمامة إسماعيل ابنه وأشار إليه في حياته ، ثم إن إسماعيل مات وهو حي فقال : ما بدا لله في شيء كما بداله في إسماعيل ابني".

 

  فقد تثبت هذه الروايات معنى "البداء" بانه علم ما لم يكن يعلمه الله قبل ، وهذا ما يعتقده الشيعة في الله حيث إن الله يبين عن علمه بقوله على لسان موسى عليه السلام " لا يضل ربي ولاينسى".

 

  ووصف نفسه بقوله ( هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة ).

 

وبقوله : ( قد أحاط بكل شيء علما ).

 

ولكن الشيعة بعكس ذلك لا يعتقدون في الله ذاك فحسب بل ويمجدون من يعتقد في الله معتقدهم الباطل ـ فيروي الكليني عن جعفر أنه قال : يبعث عبدالمطلب أمة وحدة ، عليه بهاء الملوك ، وسيماء الأنبياء ، وذلك أنه أول من قال بالبداء"

 

عقيدة الرجعة

 

ومنها : أي من العقائد المدسوسة عقيدة الرجعة ، فالشيعة على بكرة أبيهم يعتنقون بها ، فكل من قرأ كتبهم وعرف مذهبهم يعرف ويعلم هذا عنهم فانهم ما قالوا بإمامة أحد من علي إلى ابن الحسين العسكري الموهوم إلا واعتقدوا رجوعه بعد موته.

 

معتقدهم في أئمتهم

 

ومنها : جعلهم أئمتهم فوق البشر ، وفوق الأنبياء والرسل ، بل آلهة يعلمون أعمار الناس وآجالهم ، ولا يخفى عليهم خافية ، ويملكون الدنيا كلها ، ويغلبون على جميع الخلق ، ويرتعد الكون من هيبتهم وشدة بأسهم ، يدين لهم الملائكة كما دان لهم الأنبياء والرسل ، ولا يضاهيهم أحد ، فلنذكر بعض النصوص للقاريء كي يعرف عقيدة القوم من كتبهم هم.

 

الأئمة يعلمون الغيب

 

فيروى الكليني كبير الشيعة ومحدثهم في صحيحه "الكافي" تحت باب " إن الأئمة إذا شاءوا أن يعلموا علموا " عن جعفر أنه قال : إن الإمام إذا شاء أن يعلم علم ".

 

  وروى تحت باب " إن الأئمة يعلمون متى يموتون وإنهم لا يموتون إلا باختيار منهم " عن أبي بصير عن جعفر بن الباقر أنه قال : أيّ إمام لا يعلم ما يغيبه وإلى ما يصير فليس ذلك بحجة الله على خلقه".

 

الغلو في الأئمة

 

ورفعوا أئمتهم فوق الأنبياء والرسل ، وجعلوا كسيد المرسلين وحتى فضلوهم عليه حيث رووا هذه الرواية المكذوبة على علي ـ رضي الله عنه ـ عن المفضل بن عمر عن أبي عبدالله : كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه كثيرا ما يقول أنا قسيم الله بين الجنة والنار . . ولقد أقرت لي جميع الملائكة والروح والرسل ( عياذا بالله ) بمثل ما أقروا لمحد صلى الله عليه وآله . . ولقد حملت مثل حمولته وهي حمولة الرب ، وإن رسول الله يدعى فيكسى وأدعى فأكسى . .  ولقد أعطيت خصالا ما سبقني إليها أحد قبلي ، علمت المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب ، فلم يفتنى ما سبقني ، ولم يعزي عني ما غاب عني أبشر بإذن الله وأؤدى عنه ".

 

  ويزعمون أن هذه الخصال ليست مختصة بعلي ـ رضي الله عنه ـ وحده بل إن الأئمة الأثنى عشر كل منهم متصف بمثل هذه الأوصاف.

 

  فيروي الكليني عن عبدالله بن جندب أنه كتب إليه علي بن موسى ـ الإمام الثامن عندهم ـ أما بعد . . . فنحن أمناء الله في أرضه ، عندنا علم البلايا والمنايا أنساب العرب ومولد الإسلام ، وإنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق ، وإن شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم ، أخذ الله علينا وعليهم الميثاق ".

 

  وزيادة على هذا افتروا على محمد الباقر أنه قال : قال : علي ـ رضي الله عنه : ولقد أعطيت الست ، علم المنايا والبلايا والوصايا وفصل الخطاب ، وإني لصاحب الكرات ودولة الدول ، وإني لصاحب العصا والميسم ، والدابة التي تكلم الناس ".

  وهذا مع أن الله عز وجل قا لفي محكم كتابه : ( قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ).

 

وقال جل مجده : ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ).

 

وأمر رسوله الكريم بأن يقر ويعترف ويعلن أنه لا يعلم الغيب بقوله : ( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك ).

 

وبقوله : قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ، ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء ، إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون ).

 

وقال جل وعلا : ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ، إن الله عليم خبير).

 

وقال الرب تبارك وتعالى في المنافقين مخاطبا نبيه سلام الله وصلواته عليه : ( وممن حولكم من الأعراب منافقون ، ومن أهل المدينة مردوا على النفاق ، لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم ) .

 

وقال النبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين الذين استأذنوه في القعود عن غزوة تبوك : ( عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ) .

 

فهذا ما قال الله عز وجل وتلك ما اختلقتها اليهودية وروجتها ، فإن الله يصرح في كتابه المجيد إن أحدا من الخلق حتى الرسل وسيد المرسلين لا يعلم الغيب ، والقوم يقولون إن الأئمة لا تخفى عليهم خافية .

 

  والله ينفي عن إمام النبيين أنه يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ، وهم يجعلون عليا قسيم الجنة والنار ، ويرفعون شيعة على إلى منزلة أخذ الميثاق لهم من النبيين والمرسلين.

 

وإن الرب تبارك وتعالى جعل علم الساعة ، ونزول الغيث ، ووقت الموت ، ومحله من الأمور التي لا يعلمها إلا هو لكن الشيعة أعطوا هذه الأمور لأئمتهم ، كما أن الله نفى عن سيد الخلق أنه يعرف ويعلم المنافقين من المؤمنين ، لكنهم يقولون إن الأئمة يعرفون حقيقة الرجل من حيث غيمانه ونفاقه.

 

  فانظر إلى دين الله الذي أنزله على نبيه محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ودين القوم الذي أوحته إليهم اليهودية والمجوسية ، وانظر الفرق والتباعد بينهما.

 

والشيعة لم يكتفوا بهذا بل صرحوا بإهانة الأنبياء والمرسلين ، وتمجيد الأئمة ، ورفعوا هؤلاء على أولئك.

 

  فيروي الكليني عن يوسف التمار أنه قال : كنا مع أبي عبدالله عليه السلام جماعة من الشيعة في الحجر فقال ( أبو عبدالله ) : علينا عين ( جاسوس) فالتفتنا يمنة ويسره فلم نر أحدا فقلنا : ليس علينا عين ، فقال : ورب الكعبة ورب البنية ـ ثلاث مرات ـ لو كنت بين موسى والخضر عليهما السلام لأخبرتهما أني أعلم منهما ، ولأنبئهما بما ليس في أيديهما لأن موسى والخضر عليهما السلام أعطيا علم ما كان ، ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة ".

 

وعنه أنه قال : إني لأعلم ما في السموات وما في الارض ، وأعلم ما في الجنة وما في النار ، وأعلم ما كان وما يكون"

 

فهل رأيت كذبا وإهانة اكبر من هذا ، نعم هناك كذب وإهانات أكبر وأكبر منها كثيرا فقد وضعوا روايات كاذبة في الغلو لأئمتهم ، وفضلوهم على أنبياء الله ورسله ، كما نقل عن جعفر أنه كان يفضل نفسه على الخضر وعلى موسى عليهما السلام ، فقد ورد عنهم أيضا أنهم كانوا يفضلون أئمتهم حتى على خاتم النبيين وإمام المرسلين .

  فيروي صاحب البصائر عن أبي حكزة أنه قال : سمعت أبا عبدالله يقول : إن منا لمن ينكت في أذنه ، وان منا لمن يؤتي في منامه ، وإن منا لمن يسمع الصوت مثل صوت السلسلة يقع في الطست ، وإن منا لمن يأتيه صورة أعطم من جبرائيل وميكائيل".

 

ورووا عن أبي رافع وهو يحدث عن فتح خيبر ـ إلى أن قال : فمضى على وأنا معه ، فلما أصبح افتتح ووقف بين الناس وأطال الوقوف ، فقال الناس : إن علينا يناجي ربه ، فلما مكث ساعة أمر بانتهاب المدينة التي فتحها ، وقال أبو رافع فأتيت النبي صلى الله عليه وآله ، فقلت إن عليا وقف بين الناس كما أمرته ، قال : منهم من يقول إن الله ناجاه ، فقال : نعم يا أبا رافع ان الله ناجاه يوم الطائف ، ويوم عقبة تبوك ، ويوم حنين ".

 

وأيضا عن أبي عبدالله قال : قال رسول الله لأهل طائف : لأبعثن إليكم رجلا كنفسي يفتح الله به الخيبر ، سيفه سوطه ، فشرف الناس له ، فلما أصبح ودعاعليا فقال اذهب بالطائف ، ثم أمر الله النبي أن يرحل إليها بعد أن رحل على ، فلما صار إليها كان علي على رأس الجبل ،فقال له رسول الله اثبت فسمعنا مثل صرير الزجل ، فقيل يا رسول الله ما هذا ؟ قال : إن الله يناجي عليا " .

 

فعجبنا عجبا للقوم كيف تدرجوا في الضلالة حتى أنكروا ختم النبوة على محمد صلى الله عليه وسلم بانقطاع الوحي الإلهي عن الأرض حيث يثبتون نزول ملائكة أكبر من جبرئيل وميكائيل على أئمتهم ولأجل ذلك صرحوا بتفضيل الأئمة على الأنبياء .

 

  فها هو السيد نعمة الله الجزائري يذكر في كتابه : اعلم أنه لا خلاف بين أصحابنا ـ رضي الله عنهم ـ في أشرفية نبينا على سائر الأنبياء للأخبار المتواترة ، وإنما الخلاف بينهم في أفضلية أمير المؤمنين ( علي) والأئمة الطاهرين على الأنبياء ما عدا جدهم ، فذهب جماعة إلى أنهم أفضل من باقي الأنبياء ما خلا أولى العزم ، فهم أفضل من الأئمة ، وبعضهم إلى مساواتهم ، وأكثر المتأخرين إلى أفضلية الأئمة على أولي العزم وغيرهم ، وهو الصواب.

 

وأما القول " ما خلا جدهم " فليس إلا تكلفا محضا فهم يعدونهم أفضل منه ، كما نقلنا من كتبهم وكما ذكر الملا محمد باقر المجلسي في كتابه " بحار الأنوار " كذبا على النبي عليه السلام بأنه قال لعلي : يا علي أنت تملك ما لا أملك ، ففاطمة زوجك وليس لي زوج مثلها ، ولك منها ابنان تملك ليس لي مثلاهما ، وخديجة أم زوجك وليس لي رحيمة مثلها ، وأنا رحيمك فليس رحيم مثل رحيمك ، وجعفر أخوك من النسب وليس مثل جعفر أخي ، وفاطمة ، الهاشمية ، المهاجرة ، أمك ، وأني لي أم مثلها "

 

وروى شيخهم المفيد عن الحذيفة قال قال النبي ( ص) : أما رأيت الشخص الذي أعترض لي : قلت بلى ، يا رسول الله ، قال : ذاك ملك لم يهبط قط إلى الأرض قبل الساعة ، استأذن الله عز وجل في السلام على علي ، فأذن له فسلم عليه ".

 

فأنظر أكاذيب القوم وغلوهم في أئمتهم حتى لا يبالون بتصغير شأن النبي ، سيد الكونين ، ورفعهم أئمتهم عليه.

 

  وهناك رواية موضوعة أخرى رواها المفيد أيضا " عن أبي إسحاق عن أبيه قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في جماعة من أصحابه إذ أقبل علي بن أبي طالب (ع) نحوه ، فقال رسول الله من أراد أن ينظر إلى آدم في خلقه ، وإلى نوح في حكمته ، وإلى إبراهيم في حلمه فلينظر إلى علي بن أبي طالب "

 

وإذا كان علي وأولاده على هذه المنزلة ما أوحى إليهم الشيطان فما كان لهم إلا يجعلوهم ملاك الأرض والآخرة أيضا . وفعلا جعلوا لهم هذا كما روى الكليني في صحيحه تحت باب " إن الأرض كلها للإمام " عن عبدالله أنه قال : إن الدنيا والآخرة للإمام يضعها حيث يشاء ويدفعها إلى من يشاء".

 

  وروى أيضا عن عبدالرحمان بن كثير عن جعفر بن الباقر أنه قال : نحن ولاة أمر الله ، وعيبة وحي الله "

 

وعن الباقر أنه قال : نحن خزان علم الله ، ونحن تراجمة وحي الله ، ونحن الحجة البالغة على من دون السماء ومن فوق الأرض".

 

  ولرفعهم فوق البشرية اختلقوا فيهم روايات باطلة ، وقصصا كاذبة ، وأساطير مضحكة ، حتى لا يبقى بينهم وبين الألوهية أي فرق ، ومنها ما رواها الجزائري عن البرسي بقوله : روى البرسي في كتابه لما وصف وقعة خيبر ، وأن الفتح فيها كان على يد علي عليه السلام ، أن جبرئيل جاء إلى رسول الله ( ص) مستبشرا بعد قتل مرحب ، فسأله النبي عن استبشاره ، فقال : يا رسول الله إن عليا لما رفع السيف ليضرب به مرحبا ، أمر الله سبحانه إسرافيل وميكائيل أن يقبضا عضده في الهواء حتى لا يضرب بكل قوته ، ومع هذا قسمه نصفين وكذا ما عليه من الحديد وكذا فرسه ووصل السيف إلى طبقات الأرض ، فقال لي الله سبحانه يا جبرئيل بادر إلى تحت الأرض ، وامنع سيف علي عن الوصول إلى ثور الأرض حتى لا تنقلب الأرض ، فمضيت فأمسكته ، فكان على جناحي أثقل من مدائن قوم لوط ، وهي سبع مدائن ، قلعتها من الأرض السابعة ، ورفعتها فوق ريشة واحدة من جناحي إلى قرب السماء ، وبقيت منتظرا الأمر إلى وقت السحر حتى أمرني الله بقلبها ، فما وجدت لها ثقلا كثقل سيف علي ، . . . وفي ذلك اليوم أيضا لما فتح الحصن وأسروا نساءهم كانت فيهم صفية بنت ملك الحصن فأتت النبي (ع) وفي وجهها أثر شجة ، فسألها النبي عنها ، فقالت إن عليا لما أتى الحصن وتعسر عليه أخذه أتى إلى برج من بروجه ، فهزه فاهتز الحصن كله وكل من كان فوق مرتفع سقط منه ، وأنا كنت جالسة فوق سريري فهويت من عليه فأصابني السرير ، فقال لها النبي يا صفية إن عليا لما غضب وهز الحصن غضب الله لغضب علي فزلزل السموات كلها حتى خافت الملائكة ووقعوا على وجوههم ، وكفى به شجاعة ربانية ، وأما باب خيبر فقد كان أربعون رجلا يتعاونون على سده وقت الليل ولما دخل ( علي ) الحصن طار ترسه من يده من كثرة الضرب ، فقلع الباب وكان في يده بمنزلة الترس يقاتل وهو في يده حى فتح الله عليه ".

 

  وهل يا ترى ينقصه بعد ذلك شيء من الألوهية ، فهؤلاء هم القوم ، وهذه عقائدهم ، أعاذنا الله منها ومنهم ، وصدق الله عز وجل حيث قال : ( يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله انى يؤفكون ).

 

 

الباب الثاني

الشيعة والقرآن

 

من أهم الخلافات التي تقع بين السنة والشيعة هو اعتقاد أهل السنة بأن القرآن المجيد الذي أنزله الله على نبينا صلى الله عليه وسلم هو الكتاب الأخير المنزل من عند الله إلى الناس كافة وأنه لم يتغير ولم يتبدل وليس هذا فحسب بل إنه لن يتغير ولن يتحرف إلى أن تقوم الساعة ، وهو الموجود بين دفتي المصاحف لأن الله ضمن حفظه وصيانته من أي تغيير وتحريف وحذف وزيادة على خلاف الكتب المنزلة القديمة ، السالفة ، من صحف إبراهيم وموسى ، وزبور وإنجيل وغيرها ، فإنها لم تستلم من الزيادة والنقصان بعد وفاة الرسل ، ولكن القرآن أنزله سبحانه وتعالى وقال : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) وقال : ( إن علينا جمعه وقرآنه ، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه )  وقال : ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ).

 

وإن عدم الإيمان بحفظ القرآن وصيانته يجر إلى إنكار القرآن وتعطيل الشريعة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه حينذاك يحتمل في كل آية من آيات الكتاب الحكيم أنه وقع فيها تبديل وتحريف ، وحين تقع الاحتمالات تبطل الاعتقادات والإيمانيات ، لأن الإيمان لا يكون إلا باليقينيات وأما بالظنيات والمحتملات فلا.

 

وأما الشيعة فانهم لا يعتقدون بهذا القرآن الكريم الموجود بأيدي الناس ، والمحفوظ من قبل الله العظيم ، مخالفين أهل السنة ، ومنكرين لجميع النصوص الصحيحة الواردة في القرآن والسنة ، ومعارضين كل ما يدل عليه العقل والمشاهدة ، مكابرين للحق وتاركين للصواب .

 

فهذا هو الاختلاف الحقيقي الأساسي بين أهل السنة والشيعة ، بين المسلمين والشيعة لأنه لا يكون الإنسان مسلما إلا باعتقاده أن القرآن هو الذي بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة بأمر من الله عز وجل ، وإنكار القرآن ليس إلا تكذيبا بالرسول .

 

  وها هي النصوص التي تدل على عقيدة الشيعة بالقرآن ، فيروي المحدث الشيعي الكبير الكليني الذي هو بمنزلة الإمام البخاري عند المسلمين في " الكافي في الأصول " : عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن القرآن الذي جاء به جبرئيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وآله سبعة عشر ألف آية".

 

والمعروف أن آيات القرآن لا تتجاوز ستة آلاف آية إلا قليلا ، وقد ذكر المفسر الشيعي أبو علي الطبرسي في تفسيره تحت آية من سورة الدهر " جميع آيات القرآن ستة آلاف آية وست وثلاثون آية ".

 

  ومعنى هذا أن الشيعة فقد عندهم ثلثا القرآن ، وتنص على هذا رواية الكافي أيضا " عن أبي بصير قال : دخلت على أبي عبدالله عليه السلام فقلت : جعلت فداك إني أسألك عن مسألة ، أههنا أحد يسمع كلامي ؟ قال : فرفع أبو عبدالله سترا بينه وبين بيت آخر ، فاطلع فيه ثم قال : سل عما بدا لك ، قال : قلت إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وآله علّم عليا بابا يفتح منه ألف باب ؟ قال فقال : علّم رسول الله صلى الله عليه وآله عليا ألف باب يفتح من كل باب ألف بالب، قال قلت : هذا والله العلم ، قال : فنكث ساعة في الأرض ثم قا ل: إنه لعلم وما هو بذاك ، قال : يا أبا محمد وإن عندنا الجامعة ، وما يدريهم ما الجامعة ؟ قال قلت : جعلت فداك وما الجامعة ؟ قال : صحيفة طولها سبعون ذراعا بذراع رسول الله صلى الله عليه وآله ، وإملائه من فلق فيه ، وخط عليّ بيمينه ، فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدش ، وضرب بيده إلى فقال لي : تأذن يا أبا محمد ؟ قال قلت : جعلت فداك إنما أنا لك فأصنع ما شئت ، قال : فغمرني بيده وقال : حتى أرش هذا ، كأنه مغضب ، قال قلت : هذا والله العلم ، قال : إنه لعلم وليس بذاك ، ثم سكت ساعة ثم قال : وإن عندنا الجفر ، وما يدريهم ما الجفر ؟ قال قلت : وما الجفر؟ قا لوعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل ، قال قلت : إن هذا هو العلم ، قال إنه لعلم وليس بذاك ، ثم سكت ساعة ثم قال : وإن عندنا لمصحف فاطمة عليهما السلام وما يدريهما ما مصحف فاطمة ؟ قال قلت : وما مصحف فاطمة ؟ قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات ، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد " إلخ .

 

  فبصرف النظر عما فيها من السخافات والخرافات والأباطيل التي تبتني عليها عقائد الشيعة صرح في هذه الرواية أن ثلاثة ارباع القرآن قد حذف واسقط من المصحف الموجود ، المعتمد عليه عند المسلمين قاطبة سوى الشيعة . فماذا يقول الشيعة المتظاهرون بالإنكار على من قال بالتحريف في القرآن ـ تقية وخداعا للمسلمين ـ ماذا يقولون في هاتين الروايتين اللتين يرويهما محمد بن يعقوب الكليني ، الذي له لقاء مع سفراء صاحب الأمر " المهدي المزعوم " في كتابه " الكافي الذي عرض بوساطة السفراء على " صاحب الأمر " ونال رضاه ، ووجد زمان الغيبوبة الصغرى ؟.

 

  ماذا يقولون في هذا وماذا يقول فيه المنصفون من الناس ؟.

 

  من المجرم أيها السادة العلماء والفضلاء ! ومن صاحب الجريمة ؟؟

 

الذي يرتكب الجريمة ويكتسب العار ، أم الذي يدل على الجريمة المرتكبة ، وعلى الفضيحة المكتسبة ؟ والرواية ليست واحدة وثنتين بل هناك روايات وأحاديث عن الشيعة تدل وتخبر بأن القرآن عندهم غير محفوظ من التغيير والتبديل ، وليس هذا القرآن الموجود قرآن الشيعة ، بل هذا القرآن عندهم مختلق بعضه ومحرف بعضه ، فأنظر ما يرويه الشيعة عن أبي جعفر فيقول صاحب " بصائر الدرجات " حدثنا على بن محمد عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داؤد عن يحي بن أديم عن شريك عن جابر قا ل: قال أبو جعفر : دعا رسول الله أصحابه بمنى فقال : يا أيها الناس إني تارك فيكم حرمات الله ، كتاب الله وعترتي والكعبة ، البيت الحرام ، ثم قال أبو جعفر : أما كتاب الله فحرفوا ، وأما الكعبة فهدموا ، وأما العترة فقتلوا ، وكل ودايع الله فقد تبروا".

 

  وهل هناك أكثر من هذا ؟ نعم هناك أكثر من هذا وأصرح وهو ما يرويه الكليني في الكافي " أن أبا الحسين موسى عليه السلام كتب إلى علي بن سويد وهو في السجن : ولا تلتمس دين من ليس من شيعتك ولا تحبن دينهم فإنهم الخائنون الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم ، وهل تدري ما خانوا أماناتهم ؟ ائتمنوا على كتاب الله ، فحرفوه وبدلوه ".

 

  ومثل هذه الرواية ، رواية أبي بصير كما رواها الكليني " عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال قلت له : قول الله عز وجل " هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق " قال فقال : إن الكتاب لم ينطق ولن ينطق ولكن رسول الله هو الناطق بالكتاب قال الله جل ذكره " هذا كتابنا ينطق ( بصيغة المجهول ) عليكم بالحق ، قال : قلت جعلت فداك ، إنا لا نقرأها هكذا ، فقال : هكذا والله نزل به جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله ولكنه فيما حرف من كتاب الله ".

 

  ويروي صدوق الشيعة ابن بابويه القمى في كتابه " حدثنا محمد بن عمر الحافظ البغدادي قال حدثنا عبدالله بن بشر قال حدثنا الأجلح عن أبي الزبير عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون ، المصحف ، والمسجد ، والعترة ، يقول المصحف : يا رب حرقوني ومزقوني" إلخ .

 

  وينقل المفسر الشيعي المعروف الشيخ محسن الكاشي عن المفسر الكبير الذي هو من مشائخ المفسرين عند الشيعة " إنه ذكر في تفسيره عن أبي جعفر عليه السلام : لو لا أنه زيد في كتاب الله ونقص ما خفى حقنا على ذي حجى ـ ولو قد قام قائمنا صدقة القرآن ".

 

مَن حرّف القـرآن وغيـّره ؟

 

وأصرح من ذلك كله ما رواه الطبرسي في كتاب " الاحتجاج " المعتمد عليه عند جميع الشيعة ما يدل على إعتقاد الشيعة حول القرآن وما يكنونه من الحقد على عظماء الصحابة من المهاجرين والأنصار الذين رضي الله عنهم وأرضاهم عنه فيقول المحدث الشيعي : وفي رواية أبي ذر الغفاري أنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله ، جمع عليّ القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار ، وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم ، فوثب عمر وقال ك يا علي! ردده فلا حاجة لنا فيه ، فأخذه علي عليه السلام وانصرف ، ثم أحضر زيد بن ثابت وكان قارئا للقرآن ، فقال له عمر : إن عليا جاءنا بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار ، وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان فيه من فضيحة وهتك المهاجرين والأنصار ، فأجابه زيد إلى ذلك ، ثم قال : فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألفه أليس قد بطل كل ما عملتم ؟ ـ قال عمر : فما الحيلة ؟ قال زيد : أنتم أعلم بالحيلة ، فقال عمر : ما حيلة دون أن نقتله ونستريح منه ، فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك ـ فلما استخلف عمر ، سألوا عليا عليه السلام أن يرفع إليهم القرآن الذي كنت جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه ، فقال : هيهات ليس إلى ذلك سبيل ، إنما جءت به على أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولاتقولوا يوم القيامة " إنا كنا عن هذا غافلين " أو تقولوا ما جئتنا به ، إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي ، فقال عمر : فهل وقت لاظهاره معلوم ؟ فقال عليه السلام : نعم إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل فأين المنصفون ؟ وأين العادلون ؟ وأين القائلون بالحق والصدق ؟ فإن كان عمر هكذا كما يزعمه الشيعة ، فمن يكون أمينا ، صادقا ، محافظا على القرآن والسنة من صحابة الرسول عليه السلام.

 

  فماذا يقولون فيه المتشدقون بوحدة الأمة واتحادها ؟ أتكون الوحدة على حساب عمر وأصحاب رسول الله البررة ، الأمناء على تبليغ الرسالة ، رسالة رسول الله ، الأمين ، والناشرين لدعوته ، والرافعين لكلمته ، والمجاهدين في سبيل الله ، والعاملين لأجله ؟

  وهل من أهل السنة واحد يعتقد ويظن في علي ـ رضي الله عنه ـ وأولاده مثل ما يعتقده الشيعة في زعماء الملة ، والحنيفية ، البيضاء ، وخلفائه الراشدين الثلاثة ، أبي بكر وعمر وعثمان ـ رضي الله عنهم أجمعين ومن والاهم وتبعهم إلى يوم الدين ـ فأي معنى لهذا الشعار " أيها المسلمون ! ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ".

 

هل يقصد به أن نترك عقائدنا ونغمض أعيننا على الطعن في أسلافنا من قبل " إخواننا " الشيعة ، وأن لا نئن من جراحات أكلت قلوبنا وأقلقت مضاجعنا.

 

  أتكون دعوة التقريب بين الشيعة وأهل السنة بأن نكرمكم وتهينونا ، ونعظمكم وتذلونا ، ونسكت عنكم وتسبونا ، ونحترم أسلافكم وتحتقروا أسلافنا ، ونحتاط في أكابركم وتخوضوا في أكابرنا ، ونتجنب الكلام في علي وأولاده وتشتموا أبا بكر وعمر وعثمان وأولادهم ؟ فوربك تلك إذا قسمة ضيزى.

 

  ومثل تلك الرواية المكذوبة على الأئمة التي رواها الطبرسي في " الاحتجاج " توجد رواية أخرى في بخاريهم " الكافي " عن أحمد بن محمد بن أبي نضر قال : رفع إلى أبو الحسن عليه السلام مصحفا وقال: لا تنظر فيه ، ففتحته وقرأت فيه " لم يكن الذين كفروا" فوجدت فيها سبعين رجلا من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم ، قال : فبعث إلى ابعث إليّ بالمصحف ".

 

  وذكر كمال الدين ميثم البحراني في شرح نهج البلاغة مطاعن الشيعة على ذي النورين ، عثمان بن عفان ـ رضي الله تعالى عنه ـ وفيها " أنه جمع الناس على قراءة زيد بن ثابت خاصة وأحرق المصاحف ، وأبطل مالا شك أنه من القرآن المنزل".

 

  وقال السيد نعمة الله الحسيني في كتابه " الأنوار " : قد استفاض في الأخبار أن القرآن كما أنزل لم يؤلفه إلا أمير المؤمنين ".

 

  ويؤيد هذه الرواية ذلك الحديث الشيعي المشهور ، الذي رواه محمد بن يعقوب الكليني عن جابر الجعفي قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب ، وما جمعه وحفظه كما أنزل إلا علي بن أبي طالب والأئمة بعده".

 

من عنده المصحف؟

 

فأين ذلك المصحف الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم والذي جمعه وحفظه علي بن أبي طالب ؟ ـ يجيب على ذلك الحديث الشيعي الذي يرويه أيضا الكليني " عن سالم بن سلمة قال : قرأ رجل على أبي عبدالله عليه السلام وأنا أسمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرأه الناس ، فقال أبو عبدالله عليه السلام : كف عن هذه القراءة اقرأ كما يقرأه الناس حتى يقوم القائم ، فإذا قام القائم قرأ كتاب الله عز وجل على حده ، وأخرج المصحف الذي كتبه عليّ عليه السلام ، وقال : أخرجه عليّ عليه السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه ، فقال لهم : هذا كتاب الله عز وجل كما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وآله ، وقد جمعته من اللوحين ، فقالوا : هوذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن ، لا حاجة لنا فيه ، فقال : أما والله لا ترونه بعد يومكم هذا أبدا إنما كان عليّ أن أخبركم حين جمعته لتقرءوه ".

 

  فلأجل ذلك يعتقد الشيعة أن مهديهم المزعوم الذي دخل في السرداب ولم يزل هناك ، دخل ومعه ذلك المصحف ويخرجه عند خروجه من ذلك السرداب الموهوم كما يذكر شيخ الشيعة أبو منصور أحمد بن أبي طالب الطبرسي المتوفى سنة 588هـ في كتابه " الاحتجاج على أهل اللجاج " الذي قال عنه في مقدمته معرفا للروايات التي سرد فيه " ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناده إما لودود الإجماع عليه أو موافقته لما دلت العقول إليه ، أو لاشتهاره في السير والكتاب بين المخالف والموالف ".

 

  يذكر في هذا الكتاب " أن الغمام المهدي المزعوم حينما يظهر : يكون عنده سلاح رسول الله ، وسيفه ذو الفقار ـ ولا أدري ماذا يفعل بهذا السلاح في زمن الصواريخ والقنابل الذرية ـ بالله خبروا ؟ ـ وتكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعته إلى يوم القيامة ، ويكون عنده الجامعة وهي صحيفة طولها سبعون ذراعا ، فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم ، ويكون عنده الجفر الأكبر والأصغر ، وهو إهاب كبش فيه جميع العلوم حتى أرش الخدش وحتى الجلدة ونصف الجلدة وثلث الجلدة ، ويكون عنده مصحف فاطمة عليها السلام ".

 

  وقد مر ذكره قبل ذلك أيضا حيث قال علي فيما يزعمون " إذا قام القائم من ولدي ".

 

  وورد أيضا في الكافي ما رواه الكليني بسنده " عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن سليمان عن بعض أصحابه عن أبي الحسن عليه السلام قال قلت له : جعلت فداك إنا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم ، فهل نأثم ؟ فقال : لا ، إقرءوها كما تعلمتم فيجيئكم من يعلمكم ".

 

ومثل هذه الرواية يذكرها السيد نعمت الله الحسيني الجزائري المحدث الشيعي وهو تلميذ علامة الشيخ محسن الكاشي مؤلف التفسير الشيعي المعروف بالصافي ، يذكرها في كتابه " الأنوار النعمانية في بيان معرفة نشأة الإنسانية " الذي أكمل تسويده في شهر رمضان سنة 1089هـ والذي قال عنه في مقدمته " وقد إلتزمنا أن لا نذكر فيه إلا ما أخذنا عن أرباب العصمة الطاهرين عليهم السلام ، وما صح عندنا من كتب الناقلين ، فإن كتب التاريخ أكثرها قد نقلها الجمهور من تواريخ اليهود ولهذا كثر فيها الأكاذيب الفاسدة والحكايات الباردة " .

 

فيقول المحدث الشيعي الجزائري في هذا الكتاب " قد ورد في الأخبار أنهم ( أي الأئمة ) أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلاة وغيرها والعمل بأحكامه حتى يظهر مولانا صاحب الزمان ، فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلى السماء ، ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين ، فيقرأ ويعمل بأحكامه".

 

  فهذه هي عقيدة الشيعة كاد أن يتفق عليها أسلافهم سوى رجال معدودين لا عبرة بهم ، وهم ما أنكروا هذه العقيدة إلا لأهداف سنذكرها فيما بعد .

 

  وأيضا إنكارهم ليس بقائم على دليل ولا برهان لأنهم لم يستطيعوا أن يردوا هذه الأخبار والأحاديث المستفيضة عند الشيعة كما يذكر العلامة الشيعي حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي في كتابه المشهور " فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب " ناقلا عن السيد نعمةالله الجزائري "أن الأخبار الدالة على ذلك ( أي التحريف في الكتاب الحكيم ) تزيد على ألفي حديث ، وإدعى إستفاضتها جماعة كالمفيد ، والمحقق الدماد ، والعلامة المجلسي وغيرهم " .

 

  ونقل أيضا عن الجزائري " أن الأصحاب قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن "

 

وذكر مثل هذا المفسر الشيعي المعروف محسن الكاشي حيث قال : المستفاد من مجموع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله ، ومنه ما هو مغير ، محرف ، وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة . . . وأنه ليس أيضا على الترتيب المرضىعند الله وعند رسوله ".

 

  ويقول علي بن إبراهيم القمي أقدم المفسرين للشيعة ، وقد قال فيه النجاشي ( الرجالي المعروف ) : ثقة في الحديث ثبت ، معتمد ، صحيح المذهب " – وقد قيل في تفسيره " أنه في الحقيقة تفسير الصادقين عليهما السلام " قال هذا المفسر الشيعي في مقدمة تفسيره : فالقرآن منه ناسخ ومنسوخ ، ومنه محكم ومنه متشابه . . . ومنه على خلاف ما أنزل الله ".

 

  وقال عالم شيعي علق على تفسير القمي ذاكرا أقوال العلماء في تحريف القرآن ولكن الظاهر من كلمات غيرهم من العلماء والمحدثين ، المتقدمين منهم والمتأخرين ، القول بالنقيصة كالكليني ، والبرقي ، والعياشي ، والنعماني ، وفرات بن إبراهيم ، وأحمد بن أبي طالب الطبرسي ، والمجلسي ، والسيد الجزائري ، والحر العاملي ، والعلامة الفتوني ، والسيد البحراني ، وقد تمسكوا في إثبات مذهبهم بالآيات والروايات التي لا يمكن الإغماض عليها ".

 

  فتلك بعض الروايات والأحاديث المروية من أئمة الشيعة المنسوبة إلى المعصومين عندهم ، الصحيحة النسبة والرواية حسب قولهم ، المروية في صحاحهم ، المعتمدة عندهم ، وهذه بعض الآراء لأكابرهم في هذه المسألة ، وهناك روايات لا تعد ولا تحصى حتى زادت على ألفي حديث ، ورواية كما ذكره الميرزا نوري الطبرسي ـ وبعد هذا لا يبقى مجال للشك بأن الشيعة يعتقدون التحريف في القرآن الكريم الذي أنزله الله هدى ورحمة للمؤمنين ، وللتفكر والتدبر للناس كافة ، والذي قال فيه : ( ذلك الكتاب لا ريب فيه ) و ( ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) و ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) و ( إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه ) و ( أحكمت آياته ثم فصلت من لدنه حكيم خبير) و ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ) و ( وما هو على الغيب بضنين ) و ( وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ) و ( إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار) و ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) .

وصدق الله العظيم ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) .

 

أمثلة التحريف

 

بعدما أثبتنا من كتب الشيعة المعتمدة عندهم أنهم يعتقدون أن القرآن المبين محرف ، ومخير فيه نسرد للقاريء والباحث أمثلة من كتب الشيعية ، المعتبرة لديهم ، في الحديث ، والتفسير ، والفقه ، والعقائد ، التي تنص على أن التحريف والتغيير قد وقع في القرآن المجيد ، والروايات عن هذا أيضا مروية عن الأئمة المعصومين حسب زعمهم ، الواجب إتباعهم وإطاعتهم على كل شيعي ،والتي لاغبار عليها من حيث الجرح والتعديل ، فمنها ما رواه الشيعي على بن إبراهيم القمي عن أبيه عن الحسين بن خالد في آية الكرسي " إن أبا الحسن موسى الرضا ( أحد الأئمة الإثنى عشر ) قرأ آية الكرسي هكذا : ( الم ، الله لا إله إلا هو ، الحي القيوم ، لا تأخذه سنة ولا نوم ، له ما في السموات وما في الأرض ، وما بينهما وما بين الثرى ، عالم الغيب والشهادة ، الرحمن الرحيم ).

 

والمعلوم أن السطر الأخير لا يوجد في القرآن المجيد غير أن الشيعة يعتقدون أنه جزء من آية الكرسي .

 

  وذكر القمي آية ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ) فقال : فإنها قرئت عند أبي عبدالله صلوات الله عليه فقال لقاريها : ألستم عربا ؟ فكيف تكون المعقبات من بين يديه ؟ وإنما المعقب من خلفه ، فقال الرجل : جعلت فداك كيف هذا ؟ فقال : نزلت ( له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله ) .

 

  فها هنا شنع أبو عبدالله جعفر ـ الامام السادس لهم ـ على من يقرأ ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه ) ( ومن أمر الله ) بدل بأمر الله ، حتى قال : ألستم عربا ؟ ـ وهذا إن دل على شيء دل على أن أبا جعفر لا يعرف لغة العرب حسب رواية القمي ، ومعناه أنه نفسه ليس بعربي حيث لم يفهم أن العرب يستعملون ( المعقب ) في المعنيين " للذي يجيء عقب الآخر " ، و ( للذي يكرر المجيء ) ، ولم يستعمل المعقب ها هنا إلا في المعنى الأخير كما قال لبيد :

 

حتى تهجر في الرواحي ، وهاجه

طلب المعقب حقه المظلوم

 

أي كرر ورجع ، وكما قال سلامة بن جندل :

 

إذا لم يصب في أول الغزو عقبا

 

أي غزا غزوة أخرى .

 

وأيضا لم يعلم بأن ( من ) في ( من أمر الله ) استعمل بمعنى ( بأمر الله ) حيث أن ( من ) يستعمل في معاني ، منها معنى الباء ، وهذا كثير في لغة العرب .

 

  ونقل القمي أيضا تحت قوله تعالى : وأجعلنا للمتقين إماما : أنه قريء ، عند أبي عبدالله عليه السلام ( وأجعلنا للمتقين إماما ، فقال : قد سألوا الله عظيما أن يجعلهم للمتقين أئمة ، فقيل له : كيف هذا يا بن رسول الله ؟ قال : إنما أنزل الله ( واجعل لنا من المتقين إماما ) .

 

  وزاد الكاشي بعد ذكر هذه الرواية " وفي الجوامع ما يقرب منه" ( تفسير الصافي )  وذكر أحمد بن أبي طالب الطبرسي في كتابه " الإحتجاج " ونقل عنه الكاشي أيضا أن رجلا من الزنادقة سأل عن علي بن أبي طالب أسئلة فقال في جوابه مفسرا بعض الآيات " إنهم أثبتوا في الكتاب ما لم يقله الله ليلبسوا على الخليفة ـ وزادوا فيه ما ظهر تناكره وتنافره ، ثم قال : وأما ظهورك على تناكر قوله " فإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فإنكحوا ما طاب لكم من النساء . . . فهو مما قدمت ذكره من إسقاط المنافقين من القرآن ، وبين القول في اليتامى وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن ".

 

  وذكر الكليني في صحيحه الكافي " عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عز وجل ( ومن يطع الله ورسوله في ولاية علي والأئمة بعده فقد فاز فوزا عظيما ، هكذا نزلت )

 

  ويعرف الجميع أن ( في ولاية علي والأئمة بعده ) ليس من القرآن .

 

  وذكر الكاشي في تفسيره تحت آية (  يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين ) وفي المجمع في قراءة أهل البيت ـ يا أيها النبي جاهد الكفار بالمنافقين ".

 

 وهناك رواية أغرب من هذه الروايات كلها وهي " عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله : ولقد عهدنا إلى آدم من قبل كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمة من ذريتهم فنسي ، هكذا والله نزلت على محمد صلى الله عليه وآله ـ كذب ورب الكعبة ـ.

 

  ويذكر القمي تحت آية ( أن تكون أمة هي أربى من أمة ) قال فقال جعفر بن محمد عليهما السلام ( أن تكون أئمة هي أزكى من أئمتكم ) فقيل يا بن رسول الله : نحن نقرأها هي أربى من أمة ، قال  : ويحك ما أربى ؟ وأمأ بيده بطرحها ).

 

  وهنالك روايات كثيرة غير تلك في صحاح الشيعة وغيرها من الكتب ، سنذكر بعضها قريبا إن شاء الله في هذا المعنى تحت عنوان آخر .

 

لم قالوا بالتحريف؟

 

اعتقد الشيعة التحريف في القرآن لأغراض ، منها :

 

أهمية الإمامة عندهم

 

أولا : أن الشيعة يعتقدون أن مسألة الإمامة داخلة في المعتقدات الأساسية يكفر منكرها ويسلم معتقدها ، فتتعلق بالإيمانيات كالإيمان بالله وبالرسول كما يروي الكليني في " الكافي " عن أبي الحسن العطار قال : سمعت أبا عبدالله عليه اسلام يقول : أشرك بين الأوصياء والرسل في الطاعة ".

 

وأصرح من هذا وأشد ما رواه الكليني أيضا " عن أبي عبدالله عليه السلام سمعته يقول : نحن الذين فرض الله طاعتنا لا يسع الناس إلا معرفتنا ولا يعذر الناس بجهالتنا ، من عرفنا كان مؤمنا ، ومن أنكر كان كافرا ، ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالا حتى يرجع إلى الهدى الذي افترض الله عليه من طاعتنا الواجبة".

 

  وروى عن جابر قال : أبا جعفر عليه السلام يقول : إنما يعرف الله عز وجل ويعبده من عرف الله وعرف إمامه منا أهل البيت ، ومن لم يعرف الله عز وجل ولا يعرف الإمام منا أهل البيت ، فإنما يعرف ويعبد غير الله هكذا ، والله ضلالا".

 

  وجعلوها كالصلاة والزكاة والصوم والحج فهذا محدثهم الكليني يروي في صحيحه " الكافي" عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال : بني الإسلام على خمس ، الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، والولاية ، ولم يناد بشيء ما نودي بالولاية يوم الغدير ".

فأنظر إلى كلمة " ولم يناد بشيء ما نودي بالولاية يوم الغدير " ومعناها أن الولاية أهم من الأربع الأول ، وقد صرح في رواية أخرى عند الكليني أيضا كما ذكر " عن أبي جعفر عليه السلام قال : بني الإسلام على خمسة أشياء على الصلاة ، والزكاة ، والحج ، والصوم ، والولاية ، قال زرارة قلت وأي شيء من ذلك أفضل ؟ فقال : الولاية أفضل ".

 

فينشأ هنا سؤال في الذهن إذا كانت الولاية هكذا وبهذه المرتبة فكيف يمكن أن يكون للصلاة والزكاة ذكر في القرآن ولا يكون للولاية أي أثر فيه ، والولاية ليست فقط ركنا من أركان الإسلام وبناء من بناءاته بل هي مدار للإسلام وهي المقصودة من الميثاق الذي أخذ من النبيين كما يروي صاحب البصائر.

 

  " حدثنا الحسن بن علي بن النعمان عن يحي بن أبي زكريا بن عمرو الزيات قال : سمعت من أبي ومحمد بن سماعة عن فيض بن أبي شيبة عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر يقول : إن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق النبيين على ولاية علي وأخذ عهد النبيين بولاية علي".

 

  فيا ترى !! كيف يمكن أن لا يذكر هذا الميثاق والعهد في القرآن المجيد والفرقان الحميد ؟ وليس هذا فحسب ـ بل هناك أكاذيب أكثر من هذا ، فيقولون إن الولاية ليست فقط عهد النبيين وميثاقهم بل هي الأمانة التي عرضت على السموات والأرض ، فروى أيضا في البصائر مسندا قال أمير المؤمنين :

 

  إن الله عرض ولايتي على أهل السموات وعلى أهل الأرض ، أقر من أقر ، وأنكرها من أنكر ، ـ وفرية كبيرة ، نسأل الله الاستعاذة منها ـ أنكرها يونس فحبسه الله في بطن الحوت حتى أقر بها ".

 

  فهذه هي الأمانة وقد إهتم بها سبحانه وتعالى فما بعث الله نبيناً إلا بها كما يرويه صاحب البصائر أيضا ـ عن محمد بن عبدالرحمن عن أبي عبدالله أنه قال : ولايتنا ولاية الله التي لم يبعث نبيا قط إلا بها ".

 

  وما كان هذا الاهتمام إلا ليؤمن بها كل مؤمن حتى الملائكة في السماء ، فقد آمنوا فعلا كما يدعون ويزعمون قال صاحب البصائر : حدثنا أحمد بن محمد عن الحسن بن علي بن فضال عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكنانى عن أبي جعفر قال : قال : والله ان في السماء لسبعين صنفا من الملائكة ، لو اجتمع أهل الأرض أن يعدوا عدد صنف منهم ما عدوهم ، وإنهم ليدينون بولايتنا".

 

  فهل من المعقول أن يكون الشيء بهذه الأهمية والمنزلة ولا يذكرها الله في كتابه وخصوصا حين لا يصح شيء من العبادات والاعتقادات إلا بالإعتقاد بها ، فها هو الكليني يروي عن جعفر الصادق أنه قال : اثافي الإسلام " ثلاثة ، والصلاة والزكاة ، والولاية ، لا تصح الواحدة منهن إلا بصاحبتيها ".

 

وروى أيضا عن محمد بن الفضل عن أبي الحسن عليه السلام قال : ولاية علي عليه السلام مكتوبة في جميع الصحف ـ الأنبياء ـ فضلا عن القرآن ـ ولن يبعث الله رسولا إلا بنبوة محمد صلى الله عليه وآله ووصية علي عليه السلام ".

 

  فلما وقعت هذه المشكلة لجأوا إلى حلها فزعموا أن القرآن محرف ، مغير فيه ، حذف منه آيات كثيرة ، وأسقطت منه كلمات غير قليلة ، حذفها أجله الصحابة وأكابر الأمة الإسلامية حقدا على علي ، وعناداً لأولاده وضياعا لتراث رسول الله صلى الله عليه وآله .

 

أمثلة لذلك

 

فمثلا يروي محمد بن يعقوب الكليني عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : لم سمي علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ؟ قال : الله سماه ، وهكذا أنزل في متابه " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم وأن محمدا رسولي وأن عليا أمير المؤمنين".

 

ويعلم المسلمون جميعا " أن محمداً رسولي وأن عليا أمير المؤمنين " ليس من كلام رب العالمين ، وقد سوغ الشيعة هذه الفرية كذبا على الله إثباتا لعقيدتهم الزائفة ، والزائغة .

 

وروى أيضا عن جابر قال : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية على محمد هكذا " وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا في علي فأتوا بسورة من مثله ".

 

  وروى عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله تعالى " سأل سائل بعذاب واقع للكافرين بولاية علي ليس له دافع ، ثم قال : هكذا والله نزل بها جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله ".

 

  وروى عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية هكذا " فأبى أكثر الناس بولاية علي إلا كفورا ، قال : ونزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية هكذا " وقل الحق من ربكم في ولاية علي فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين آل محمد ناراً".

 

وعن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال هكذا نزلت هذه الآية " ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به في علي لكان خيرا لهم".

 

  وعن منخل عن أبي عبدالله عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله بهذه الآية هكذا : يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا في علي نورا مبينا".

 

  وعن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله هكذا : بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله في علي بغيا".

 

  ويذكر على بن إبراهيم القمى في مقدمة تفسيره " إنه طرأ على القرآن تغيير وتحريف ويقول : وأما ما كان خلاف ما أنزل الله فهو قوله تعالى " خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " فقال أبو عبدالله عليه السلام لقاريء هذه الآية : خير أمة تقتلون أمير المؤمنين والحسين بن علي ؟ فقيل له : فكيف نزلت يا بن رسول الله ؟ فقال: نزلت أنتم خير أئمة أخرجت للناس " . ـ قال ـ : واما هو محذوف منه فهو قوله : لكن الله يشهد بما أنزل إليك في علي" كذا نزلت ، وقوله : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي".

 

  وروى الكاشي في تفسيره الصافي عن العياشي في تفسيره " عن أبي عبدالله عليه السلام لو قريء القرآن كما أنزل الفينا فيه مسمين " .

 

  وروى الكليني عن الحسين بن مياح عمن أخبره قال قرأ رجل عند أبي عبدالله عليه السلام " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ". فقال : ليس هكذا إنما هي والمأمونون ، فنحن المأمنون ".

 

  وروى أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية هكذا " يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم في ولاية علي ، فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا بولاية علي فإن لله ما في السموات والأرض ".

 

  فهذه هي الروايات في الولاية ومثلها كثيرة وكثيرة في كتب حديثهم وتفسيرهم وغيرهما.

 

  وأما الرواية في الوصاية فهي كما يرويها الكليني " عن معلى رفعه في قول الله عز وجل فبأي آلاء ربكما تكذبان أبالنبي أم بالوصي ، نزلت في الرحمن ".

 

  وهناك روايات أخرى في هذا المعنى .

 

فالمقصود أنهم يقولون بالتحريف في القرآن لأغراض منها إثبات مسئلة الإمامة والولاية التي جعلوها أساس الدين وأصله كما نقلوا عن الرضا أنه قام خطيبا وقال : إن الإمامة أس الإسلام النامي وفرعه السامي ، بالإمام تمام الصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ".

 

  وهذا لا يستقيم إلا بإدعاء التغيير والتبديل في القرآن حتى يتمكنوا من بناء هذه العقيدة الزائفة عليه .

 

ثانيا : إن الشيعة اعتقدوا التحريف في القرآن لغرض آخر ألا وهو إنكار فضل أصحاب رسول الله الكريم حيث يشهد القرآن على مقامهم السامي وشأنهم العالي ، ومرتبتهم الراقية ، ودرجاتهم الرفيعة ، إذ ذكر الله عز وجل المهاجرين والأنصار مادحا أخلاقهم الكريمة ، وسيرتهم الطيبة ، وبشرهم بالجنة التي تجري تحتها الأنهار ، وواعدهم وبخاصة خلفاء رسول الله الراشدين أبا بكر وعمر وعثمان وعليا ـ رضي الله عنهم ـ بالتمكن في الأرض ، والخلافة الربانية ، الالهية في عباده ، ونشر الدين الإسلامي الصحيح الحنيف على أيديهم المباركة ، الميمونة ، في أقطار الأرض وأطرافها ، ورفع راية الإسلام والمسلمين ، وإعلاء كلمته ، وتشريفه بعضهم بذكره مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنزال السكينة على رسوله وعلي أبي بكر في كلامه ، الخالد ، المخلد إلى الأبد ، كما قال الله عز وجل في القرآن المجيد الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم ، وأعطاه ضمان حفظه إلى يوم الدين ، قال فيه مادحا المهاجرين والأنصار ، وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وغيرهم : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ، وأعد لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم)

 

وقال : ( لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ، أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا ، وكلا وعد الله الحسنى ، والله بما تعملون خبير ) .

 

وقال : ( فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه ، أولئك هم المفلحون ) .

 

وقال في أصحابه صلى الله عليه وسلم الذين كانوا معه في الحديبية وبايعوه على الموت : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ، يد الله فوق أيديهم ) .

 

وقال مبشرا لهم بالجنة ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ، فعلم ما في قلوبهم وأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ) .

 

وقال الله في صحابته البرر : ( محمد رسول الله ، والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ، تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا ، سيماهم في وجوههم من أثر السجود ـ إلى أن قال ـ وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما).

 

وقال : ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا ، وينصرون الله ورسوله ، أولئك هم الصادقون . والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) .

 

وقال : ( ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم ، وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان ، أولئك هم الراشدون ، فضلا من الله ونعمة ، والله عليم حكيم ) .

 

وقال في الخلفاء الراشدين : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) .

 

وقال في صاحبه : ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ، فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وعذب الذين كفروا ، وذلك جزاء الكافرين ) .

 

فهذه الآيات الكريمة هي قنابل ذرية على الشيعة ومن والاهم ، ولا يمكن لهم أمام هذه النصوص الدامغة الصريحة أن يكفروا أبا بكر وعمر وعثمان وإخوانهم أصحاب الرسول عليه السلام ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ فيخلصون من هذا المأزق بالقول بتحريف القرآن وتغييره ، أو بتأويل الباطل الذي تنفر منه القلوب ، وتشمأز منه العقول ، والمعروف أن عقيدتهم لا تبتني ولا تستقيم إلا على تكفير الصحابة عامة ، والخلفاء الراشدين الثلاثة ومن رافقهم وساعدهم وشاركهم في الحكم خاصة ، ولأجل ذلك يقولون : " كان الناس أهل الردة بعد النبي إلا ثلاثة ـ قاله أبو جعفر ـ أحد الأئمة الأثنى عشر ـ وذكره كبير مؤرخي الشيعة الكشي في رجاله " .

 

  وروى الكشي أيضا عن حمدويه قال : أيوب بن نوح عن محمد بن الفضل وصفوان عن أبي خالد القماط عن حمران قال : قلت لأبي جعفر ( ع) ما اقلنا لو اجتمعنا على شاة ما افنيناها ؟ قال : فقال : ألا أخبرك بأعجب من ذلك ؟ قال . فقلت بلى . قال : المهاجرون والأنصار ذهبوا . . . إلا ثلاثة ".

 

وغير ذلك من الأكاذيب والافتراءات والأباطيل .

 

فأين هذا من ذاك ؟ فما كان لهم جواب ذلك إلا الإنكار والتأويل ، فقالوا : إن هؤلاء الناس زادوا في كلام الله في مدحهم ما ليس منه ، كما أنهم أسقطوا ما أنزل في مذمتهم وتكفيرهم وإنذارهم بالنار ، كما يروى الكليني عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : دفع إلي أبو الحسن عليه السلام مصحفا فقال : لا تنظر فيه ففتحته وقرأت فيه " لم يكن الذين كفروا " فوجدت اسم سبعين رجلا من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم " .

 

  وقد مر سالفا عن رواية شيعية " أن عليا عرض القرآن على المهاجرين والأنصار ، ولما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح المهاجرين والأنصار فردوه إلى علي وقالوا لا حاجة لنا فيه ".

 

  ويكتب أحد اعلام الشيعة الذي يلقبونه بشيخ الإسلام وخاتمة المجتهدين الملا محمد باقر المجلسي " إن المنافقين غصبوا خلافة علي ، وفعلوا بالخليفة هكذا ، والخليفة الثاني أي كتاب الله فمزقوه" .

 ويصرح في كتاب آخر " أن عثمان حذف من هذا القرآن ثلاثة أشياء ، مناقب أمير المؤمنين علي ، وأهل البيت ، وذم قريش والخلفاء الثلاثة مثل آية " يا ليتني لم أتخذ أبا بكر خليلا " .

 

ثالثا : لما أراد الشيعة أن ينكروا مقام أصحاب الرسول عليه السلام الذين مدحهم الله تبارك وتعالى في كلامه المجيد كان عليهم أن لا يقبلوا ذلك الكلام المبين لشيء آخر وهو كونه محفوظا بمجهودات الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وبخاصة أبي بكر وعمر وعثمان حيث لم يجمع بين الدفتين ألا بأمر من الصديق وإشارة الفاروق وما كانت نهايته إلا في العهد العثماني ، الميمون ، المبارك ، فقد اكتسبوا بهذا فضلا عظيما ، وأسأل الله أن يجازيهم عليه أحسن الجزاء ، فلما رأى الشيعة أن الله حفظ القرآن الكريم بأيدي الخلفاء الراشدين الثلاثة ـ ويقول عالم شيعي ملا محمد تقي الكاشاني في كتابه الفارسي " هداية الطالبين " ما ترجمته حرفيا " أن عثمان أمر زيد بن ثابت الذي كان من أصدقائه هو وعدوا لعلي ، أن يجمع القرآن ويحذف منه مناقب آل البيت وذم أعدائهم ، والقرآن الموجود حاليا في أيدي الناس المعروف بمصحف عثمان هو نفس القرآن الذي جمعه بأمر عثمان " رضوان الله عليهم ـ وهو الأساس الحقيقي للإسلام ، والله قد خصهم بهذا الفضل نقموا عليهم وجرهم الحقد الذي أكل قلوبهم والبغض الذي أقلق مضاجعهم إلى هدم ذلك الأساس والأصل ، فقالوا بالتغيير والتحريف ، وقد ذكر الميثم البحراني في المطاعن العشرة على ذي النورين التي يطعن بها الشيعة في ذلك الخليفة الراشد : السابع من المطاعن ـ أنه جمع الناس على قراءة زيد بن ثابت خاصة وأحرق المصاحف ، وأبطل ما لا شك أنه من القرآن المنزل ".

 

  وأيضا كان المقصود من هذا تشنيعا عليهم وتعريضا " بأن مثل هؤلاء الذين اغتصبوا حق علي وأولاده في الخلافة والإمامة لما وجدوا نصوصا صريحة في القرآن تطعن حقهم أسقطوها من القرآن وحذفوها لأن الآيات الكثيرة كانت تدل على حق علي وأولاده في الخلافة ـ كما زعموا ـ لأنهم ما كانوا يريدون أن يبقى في القرآن آية تنبيء عن شنيعتهم ، ومثلوا لذلك بآيات اختلقوها من عند أنفسهم ، فروى الكليني في الكافي " عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبرئيل بهذه الآية هكذا " إن الذين كفروا وظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا " .

 

وروى أيضا " عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبرئيل بهذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله هكذا "فبدل الذين ظلموا آل محمد حقهم قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا آل محمد حقهم رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ".

 

وذكر القمي تحت قوله " ولو ترى إذ الظالمون آل محمد حقهم في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم ، أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون " فقال : عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال : نزلت هذه الآية في معاوية وبني أمية وشركائهم وأئمتهم ".

 

وقال في آخر سورة الشعراء : " ثم ذكر آل محمد عليهم السلام وشيعتهم المهتدين فقال : إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا " ثم ذكر أعداءهم ومن ظلمهم فقال : وسيعلم الذين ظلموا آل محمد حقهم أي منقلب ينقلبون " هكذا والله نزلت ".

 

ومما لا شك فيه أن ( آل محمد حقهم ) في هذه الروايات ليس إلا بهتانا عظيما وفرية من فريات الشيعة على الخالق المتعال.

 

  وأخيرا نذكر رواية طويلة ذكرها الطبرسي في " الاحتجاج " تبين هذه الوجوه كلها حسب زعم الشيعة ، فيذكر الطبرسي أن رجلا من الزنادقة سأل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أسئلة فقال في جوابه : ولم يكن عن أسماء الأنبياء تجردا وتعززا بل تعريضا لأهل الاستبصار ان الكناية فيه عن أصحاب الجرائر العظيمة من المنافقين في القرآن ليس من فعله تعالى وانها من فعل المغييرين والمبدلين الذين جعلوا القرآن عضين ، واعتاضوا الدنيا من الدين ، وقد بين الله قصص المغييرين بقوله : الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ، وبقوله : وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب ، وبقوله : إذ يبيتون ما لا يرضى من القول بعد فقد الرسول مما يقيمون به باطلهم حسب ما فعلته اليهود والنصارى بعد فقد موسى وعيسى من تغيير التوراة والإنجيل وتحريف الكلم عن مواضعه ، وبقوله : يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ، يعني أنهم أثبتوا في الكتاب ما لم يقله الله ليلبسوا على الخليفة فأعمى الله قلوبهم حتى تركوا فيه ما دل على ما أحدثوا فيه وحرفوا فيه ، وبين إفكهم وتلبيسهم وكتمان ما علموه منه ولذلك قال لهم : لم تلبسون الحق بالباطل " وضرب مثلهم بقوله : فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض " فالزبد في هذا الموضع كلام الملحدين الذين أثبتوه في القرآن فهو يضمحل ويبطل ويتلاشى عند التحصيل والذي ينفع الناس منه التنزيل الحقيقي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والقلوب تقبله ، والأرض في هذا الموضع هي محل العلم وقراره ، ولا يجوز مع عموم التقية التصريح بأسماء المبدلين ولا الزيادة في آياته على ما أثبتوه من تلقائهم في الكتاب لما في ذلك من تقوية حجج أهل التعطيل والملل المنحرفة عن قبلتنا.

 

  وأما ظهورك على تناكر قوله ( فإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ) وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء ولا كل النساء أيتاما فهو مما قدمت ذكره من إسقاط المنافقين من القرآن بين القول في اليتامى وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن ، وهذا وما أشبهه مما ظهرت حوادث المنافقين فيه لأهل النظر والتأمل ، ووجد المعطلون وأهل الملل المخالفة للإسلام مساغا إلى القدح في القرآن ، ولو شرحت لك كل ما اسقط وحرف وبدل مما يجري هذا المجرى لطال وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الأولياء ومثالب الأعداء . وأما ما ذكر له من الخطاب الدال على تهجين النبي صلى الله عليه وآله والإزراء به والتأنيب له مع ما أظهره الله تعالى من تفضيله إياه على سائر أنبيائه فان الله عز وجل جعل لكل نبي عدوا من المشركين كما قال في كتابه ، وبحسب جلالة نبينا صلى الله عليه وآله عند ربه كذلك محنته بعدوه الذي عاد منه إليه في شقاقه ونفاقه كل أذى ومشقة لدفع نبوته وتكذيبه إياه وسعيه في مكارهه وقصده لنقض كل ما أبرمه واجتهاده ومن والاه على كفره وعناده ونفاقه والحاده في إبطال دعواه وتغيير ملته ومخالفة سنته ، ولم ير شيئا أبلغ في تمام كيده من تنفيرهم عن موالاة وصية وإيحاشهم منه ، وصدهم عنه ، وإغرائهم بعداوته ، والقصد لتغيير الكتاب الذي جاء به ، وإسقاط ما فيه من فضل ذوي الفضل ، وكفر ذوي الكفر منه ، وممن وافقه على ظلمه وبغيه وشركه ، ولقد علم الله ذلك منهم فقال : إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا " وقال : يريدون أن يبدلوا كلام الله " فلما وقفوا على ما بينه الله من أسماء أهل الحق والباطل وأن ذلك يظهر نقض ما عقدوه قالوا : لا حاجة لنا فيه ، نحن مستغنون عنه بما عندنا وكذلك قال : فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ، ثم دفعهم الاضطرار لورود المسائل عليهم مما لا يعلمون تأويله إلى جمعه وتأليفه وتضمينه من تلقاءهم ما يقيمون دعائم كفرهم ، فصرخ مناديهم من كان عنده شيء من القرآن فليأتنا به ، ووكلوا تأليفه ونظمه إلى بعض من وافقهم على معاداة أولياء الله عليهم السلام ، فألفه على اختيارهم ، وما يدل على اختلال تميزهم وافترائهم أنهم تركوا منه ما قدر رأوا أنه لهم وهو عليهم ، وزادوا فيه ما ظهر تناكره وتنافره ، وعلم الله أن ذلك يظهر ويبين فقال : ذلك مبلغهم من العلم " وانكشف لأهل الاستبصار عوارهم وافترائهم ، والذي بدأ في الكتاب من الإزاء على النبي صلى الله عليه وآله من فرية الملحدين ـ ولذلك قال : يقولون منكرا من القول وزورا " .

 

رابعا: اعتقد الشيعة التحريف في القرآن للأعراض المذكورة ولغرض آخر وهو الإباحية وعدم التقيد بأحكامه وعدم العمل بحدود الله حيث إنه مادام ثبت في القرآن التحريف والتغيير فكيف يمكن العمل به ، والتقيد بأحكامه ، والتمسك بأوامره ، والإجتناب عن نواهيه ، فكل آية من آياته ، وكلمة من كلماته ، وحرف من حروفه ، يحتمل أن يكون محرفا ـ مغيرا . وبهذا يسهل الخروج من حدو ـ الشرع ، ولأجل ذلك يعتقد أكثر من الشيعة أنهم لا يعاقبون بالمعاصي والفسوق والفجور ما داموا داخلين في مذهب الشيعة ويقيمون المآتم على الحسين بن علي ـ رضي الله عنهماـ ويسبون أصحاب جده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فليس الدين عندهم إلا حب لعلي وأولاده فقد وضعوا لذلك روايات وأحاديث .

 

منها ما رواها الكليني في " الكافي " عن يزيد بن معاوية قال: قال: أبو جعفر عليه السلام : وهل الدين إلا الحب ، وقال : إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله أحب المصلين ولا أصلي ، وأحب الصوامين ولا أصوم فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله  أنت مع من أحببت ".

 

فهذه هي الأسباب التي جرتهم إلى القول بمثل هذه الأباطيل. . .

 

أدلة عدم التحريف وايرادات الشيعة عليها

 

ومما لا شك فيه أن كل هذا ليس إلا فرية افتروها وأكذوبة تفوهوا بها بهتانا اخترعوه لأن المسلمين قاطبة سوى الشيعة يعتقدون أن حرفا من حروف القرآن لم يتغير ، وأن كلمة من كلماته لم تتبدل ، وأن نقطة من نقاطه لم تحذف ، وأن حركة من حركاته لم تسقط والذي ينكر هذا ما ينكر إلا الشمس وهي طالعة ، فعليه أن يعالج عينيه وقلبه ، لأن أدلة الحفظ والصيانة للقرآن الكريم من أي تغيير وتحريف ، ومن أي حذف وزيادة ، أدلة عقلية ونقلية تضافرت وتواترت حتى لا يمكن الطعن فيها .

 

والدليل القطعي الذي لا يرد ولا ينكر هو قوله تعالى : ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) وقوله تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) هاتان الآيتان صريحتان لا غموض فيهما ولا إشكال ولا احتمال ، ولكنك تجد الشيعة يروون هذه النصوص ويؤولونها تأويلا باطلا واضح البطلان فيقول عالم شيعي :

  وأما الأدلة التي تبين عدم وقوع التحريف والنقصان فقوله تعالى : ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) فانه دلالة على ما ادعوا ـ قوله تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)

لا يدل على عدم التغيير في القرآن الذي هو بأيدينا ، والمحفوظ هو القرآن عند الأئمة مع احتمال كون " الحافظون " بمعنى " العالمون " وما قيل إن القرآن الذي هو بأيدينا أيضا محفوظ من أن يتطرق إليه نقص أو زيادة فهو ليس مصداق الآية كما لا يخفى ".

 

وبهذا الكلام نفسه تكلم عالم إيراني شيعي " علي أصغر البرجردي" في كتابه الذي ألفه في عهد محمد شاه القاجار بطلب من الشيعة ليبين مهمات عقائد الشيعة فقال فيه :

 

  والواجب أن نعتقد أن القرآن الأصلي لم يقع فيه تغيير وتبديل مع أنه وقع التحريف والحذف في القرآن الذي ألفه بعض المنافقين ، والقرآن الأصلي الحقيقي موجود عند إمام العصر ( المهدي المزعوم ) عجل الله فرجه ".

 وقال عالم شيعي هندي آخر " إن معنى حفظ القرآن في قوله ليس إلا حفظه في اللوح المحفوظ كما قال في كلامه ( بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ )

 

وهناك نصوص كثيرة في هذا المعنى.

 

ويعرف ركاكة هذه التأويلات الفاسدة والأجوبة الكاسدة كل من له أدنى إلمام بالقرآن المجيد.

 

أولا : لو أن المحفوظ هو ما عند الإمام ، فما الفائدة من حفظه وصيانته لأن عدم وجود الإمام يجعل القرآن غير محفوظ من التغيير والتحريف ، ومثل هذا لا يكون هاديا وذكرا للمؤمنين ، فلا يعتمد عليه في الاعتقادات ، والعبادات ، والمعاملات ، والأحكام الأخرى ، وأيضا هو أساس الإسلام وبناؤه فيبقى الإسلام بلا أساس يقوم عليه ، ويبقى الناس غير مسئولين عما يعملون لعدم وجود ما يهديهم إلى سبيل الرشاد ، وتبقى الشريعة معطلة مادام لا يوجد دستورها ، ولا يكون القرآن ذكرا للعاملين بعد بعثه محمد صلى الله عليه وسلم بل يكون ذكرا بعد خروج المهدي المزعوم الذي لا يعرف خروجه وظهوره أين يكون ومتى يكون ؟ .

 

ثانياً: هذا هو الجواب لمن قال إنه محفوظ في اللوح المحفوظ .

وأيضا فأي ميزة تبقى حينئذ فيه حيث إن التوراة والإنجيل وغيرهما من الصحف محفوظة عند الله وفي اللوح المحفوظ.

 

ثالثا : إن الآية تصرح بأن الحفظ لا يكون إلا بعد النزول حيث قال عز وجل : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) ولا يقع التحريف إلا في المنزل لا قبل النزول وهذا من البديهيات ، ولكن الشيعة لحقدهم على الإسلام وأئمته والمسلمين لا يبالون بالأدلة الصريحة الصحيحة ويلجئون إلى أقاويل يمجها العقل ويزدريها الفهم.

  وكما أن هنالك أدلة نقلية كثيرة من القرآن والسنة تدل على عدم وجود أي تغيير وتحريف في القرآن فهناك أدلة عقلية متوافرة متظافرة تفرض على الإنسان ذي العقل السليم والفهم المستقيم أن لا يقول بالتحريف في القرآن ، لأنه قد نقله جيل عن جيل من السطور والصدور ، ففي مثل هذا الزمان زمان الفساد والإلحاد ملايين من البشر يحملون القرآن الكريم بكامله في صدورهم ويحفظونه عن ظهر قلب ، وتشاهد في رمضان في التراويح حفظة القرآن وقراءة يصلون بالناس ويقرءون القرآن ولا يخطئون بكلمة أو بحرف أو نقطة أو شكله فإن أخطأ أحدهم وجد من يرشده ، وقال الشاطبي : وأما القرآن الكريم فقد قيض الله له حفظه بحيث لو زيد فيه حرف واحد لأخرجه آلاف من الأطفال الأصاغر فضلا عن القراء الأكابر ".

ومن الجدير بالذكر أن في مقاطعة بنجاب باكستان الويتان "كجرات" و "جهلم" لا يوجد في بعض قراها ومدنها شخص من الرجال والنساء إلا ويحفظ القرآن عن ظهر قلب ، وهذا في هذا الزمان فكيف في ذاك الزمان المشهود بالخير.

 

لم أنكروا التحريف ؟

 

أفبعد هذا يمكن لأحد أن يقول إن الشيعة  لا يعتقدون التحريف والتغيير في كلام الله المبين ، نعم هنالك بعض الأعيان من الشيعة الذين أظهروا أنهم يعتقدون أن القرآن غير محرف وغير مغير فيه ، وغير محذوف منه ، ومنهم محمد بن علي بن بابويه القمى ، الملقب بالصدوق عندهم المتوفى سنة 381هـ مؤلف كتاب "من لا يحضره الفقيه " وهو في القرون الأولى الأربعة أول من قال من الشيعة بعدم التحريف في القرآن ، ولا يوجد في الشيعة المتقدمين حتى القرن الرابع وحتى نصفه الأول رجل واحد نسب إليه أنه قال أو أشار إلى عدم التحريف وبعكس ذلك يوجد مئات من النصوص الواضحة الصريحة على أن الحذف والنقص في القرآن ، والزيادة عليه ، قد وقع .

  وهل في الدنيا نعم في الدنيا كلها واحد من علماء الشيعة وأعلامها يستطيع أن يقبل هذا التحدي ويثبت من كتبه هو أن واحداً منهم في القرون الأربعة الأولى ( غير ابن بتبويه ) قال بعدم التحريف وأظهره .لا ولن يوجد واحد يقبل هذا التحدي .

  فالمقصود أن عقيدة الشيعة لم تكن قائمة إلا على أساس تلك الفرية لأنه كما ذكر مقدما هم مضطرون لرواج عقائدهم الواهية القائمة على أن لا يعتقدون بهذا القرآن الذي يهدم أساس مذهبهم المنهار وإلا تروح معتقداتهم المدسوسة في الإسلام أدراج الرياح.

 

ونحن نفصل القول في هذا حتى يعرف الباحث والقاريء السر في تغيير منهج الشيعة بعدما مضى القرن الثالث ومنتصف الرابع ، وقد عرف مما سبق من الأحاديث والروايات الصحيحة الثابتة عندهم ، وأقوال المفسرين وأعلامهم وأئمتهم أنهم يعتقدون أن القرآن الموجود في أيدي الناس لم يسلم من الزيادة والنقصان ، والقرآن الصحيح المحفوظ ليس إلا عند " مهديم المزعوم " ـ فيولد في القرن الرابع من الهجرة محمد بن علي بن بابويه القمى ويرى أن الناس يبغضون الشيعة وينفرون منهم لقولهم بعدم صيانة القرآن ، ويشنعون عليهم لأنه لو سلم قولهم كيف يكون العمل على الإسلام ، والدعوة إليه ، وأيضا كيف يمكن التمسك بمذهب الشيعة حيث يقولون إن الرسول عليه السلام أمر بالتمسك بالثقلين ، القرآن وأهل البيت حسب زعمهم وحينما لا يثبت الثقل الأكبر وهو القرآن ، كيف يثبت الثقل الأصغر والتمسك به.

 

  ولما رأى هذا لجأ إلى القول " اعتقادنا أن القرآن الذي أنزل الله تعالى على نبيه محمد هو ما بين الدفتين ، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ـ إلى أن قال ـ : ومن نسب إلينا أنا نقول أكثر من ذلك فهو كاذب".

 

  وتبعه في ذلك السيد المرتضى ، الملقب بعلم الهدى المتوفى سنة 436هـ فقد نقل عنه مفسر شيعي أبو علي الطبرسي وقال : أما الزيادة فمجمع على بطلانه وأما النقصان فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة أن في القرآن تغييرا ونقصانا ، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه وهو الذي نصره المرتضى".

 

ثم حذا حذوهما أبو جعفر الطوسي المتوفى سنة 460 فقال في تفسيره " التبيان " : أما الكلام في زيادته ونقصانه فمما لا يليق به ـ إلى أن قال ـ: وقد ورد النبي صلى الله عليه وآله رواية لا يدفعها أحد أنه قال : إني مخلف فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي ، أهل بيتي . . . وهذا يدل على أنه موجود في كل عصر لأنه لا يجوز أن يأمرنا بالتمسك بما لا يقدر التمسك به ".

 

ورابعهم هو أبو علي الطبرسي المفسر الشيعي المتوفى سنة 548هـ وقد مر كلامه في تفسير " مجمع التبيان".

 

  فهؤلاء هم الأربعة من القرن الرابع إلى القرن السادس لا الخامس لهم الذين قالوا بعدم التحريف في القرآن .

 

 ولا يستطيع عالم من علماء الشيعة أن يثبت في القرون الثلاثة هذه خامسا لهؤلاء الأربعة بقولهم بل وفي القرون الثلاثة الأولى أيضا لا يوجد موافقهم كما ذكرنا سابقا ـ وعلى ذلك يقول العالم الشيعي الميرزا حسين تقي النوري الطبرسي المتوفى سنة 1325هـ:

الثاني عدم وقوع التغيير والنقصان فيه وأن جميع ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله هو موجود بأيدي الناس فيما بين الدفتين ، وإليه ذهب الصدوق في عقائده ، والسيد المرتضى ، وشيخ الطائفة ( الطوسي ) في التبيان ولم يعرف من القدماء موافق لهم ـ إلى أن قال ـ وإلى طبقته ـ أي أبي علي الطبرسي ـ لم يعرف الخلاف صريحا إلا من هؤلاء المشايخ الأربعة".

 

فهؤلاء الأربعة أيضا ما أنكروا التحريف في القرآن وأظهروا الإعتقاد به تحرزا من طعن الطاعنين ، وتخلصا من إيرادات المعترضين كما ذكرناه قبل ذلك ، وكان ذلك مبنيا على التقية والنفاق الذي جعلوه أساسا لدينهم أيضا ، ولولا ذاك ما كان لهم أن ينكروا ما لو أنكر لا نهدم مذهب الشيعة وذهب هباء منثورا.

 

والذي يثبت أن إنكار هؤلاء الأربعة التحريف في القرآن كان تقية ونفاقا وكذبا هو ما يلي:

أولا: أن الروايات التي تنبىء وتخبر عن التحريف روايات متواترة عند الشيعة كما يقول السيد نعمة الله الجزائري المحدث الشيعي في كتابه " الأنوار" ونقل عنه السيد تقي النوري فقال : قال السيد المحدث الجزائري في الأنوار ما معناه : إن الأصحاب قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن ".

 

  ونقل عنه أيضا : إن الأخبار الدالة على ذلك تزيد على ألفي حديث ، وادعى استفاضتها جماعة كالمفيد ، والمحقق الداماد ، والعلامة المجلسي ، وغيرهم ، بل الشيخ ( أبو جعفر الطوسي ) أيضا صرح في " التبيان " بكثرتها ، بل إدعى تواترها جماعة ـ إلى أن قال ـ واعلم أن تلك الأخبار منقولة من الكتب المعتبرة التي عليها معول أصحابنا في إثبات الأحكام الشرعية ، والآثارالنبوية ".

 

وإنكار هذه الروايات يستلزم إنكار تلك الروايات التي تثبت مسألة الإمامة والخلافة بلا فصل لعلي ـ رضي الله عنه ـ وأولاده من بعده عندهم ، لأن الروايات عنها ليست بأكثر من روايات التحريف ، وقد صرح بهذا علامة الشيعة الملا محمد باقر المجلسي حيث قال : وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى ، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأسا بل ظنى أن الأخبار في هذا الباب لا يقصر عن أخبارالإمامة فكيف يثبتونها بالخبر".

 

ثانيا : مذهب الشيعة قائم  على أقوال الأئمة وآرائهم فقد أثبتنا آرائهم وأقوالهم مقدما وهي تبين أنهم لا يرون القرآن الموجود في أيدي الناس قرآنا ، كاملا، محفوظا باستثناء هؤلاء الأربعة الذين أظهروا إنكار التحريف ولم يستندوا إلى قول من الأئمة المعصومين ( حسب قولهم ) ولم يأتوا بشاهد منهم ، وأما القائلون بالتحريف فإنهم أسسوا عقيدتهم على الأحاديث المروية عن الأئمة الاثنى عشر ، الأحاديث الصحيحة ، المثابتة ، المعتمد عليها.

 

ثالثا: لم يدرك واحد من هؤلاء الأربعة القائلين بعدم التحريف زمن الأئمة الاثنى عشر " المعصومين " ـ حسب زعمهم ـ بخلاف متقدميهم القائلين بالتحريف ومعتقديه ، فإنهم أدركوا زمن الأئمة ، وجالسوهم ، وتشرفوا برفقتهم ، واستفادوا من صحبتهم ، وصلوا خلفهم ، وسمعوا وتعلموا منهم بلا واسطة ، وتحدثوا معهم مشافهة .

 

رابعا : الكتب التي رويت فيها أخبار وأحاديث عن التحريف والتغيير كتب معتبرة ، معتمد عليها عند الشيعة ، وقد عرضت بعض هذه الكتب على الأئمة المعصومين ، ونالت رضاهم مثل الكافي للكليني ، وتفسير القمي ، وغيرهما.

 

خامسا : أن هؤلاء الأربعة الذين تظاهروا بإنكار التحريف يروون في كتبهم أنفسها ـ أحاديث وروايات عن الأئمة وغيرهم تدل وتنص على التحريف بدون تعرض لها ولإسنادها ورواتها.

   فمثلا ابن بابويه القمي القائل بأنه "  من نسب إلينا القول بالتحريف فهو كاذب : هو نفسه الذي يروي في كتابه " الخصال " حديثا مسندا متصلا " حدثنا محمد بن عمر الحافظ البغدادي المعروف بالجصاني قال : حدثنا عبدالله بن بشر قال : حدثنا الحسن بن زبرقان المرادي قال : حدثنا أبو بكر بن عياش الأجلح عن أبي الزبير عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون ، المصحف ، والمسجد ، والعترة ، يقول المصحف يا رب حرقوني ومزقوني " الحديث" .

وأبو علي الطبرسي الذي ينكر التحريف بشدة هو نفسه يروي في تفسيره وأحاديث يعتمد عليها تدل على أن التحريف قد وقع ، فمثلا يعتمد في سورة النساء على رواية تضمنت نقصان كلمة " إلى أجل مسمى " من آية النكاح فيقول: وقد روى عن جماعة من الصحابة منهم أبي بن كعب ، وعبدالله بن عباس ، وعبدالله بن مسعود أنهم قرأوا فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فأتوهن أجورهن ، وفي ذلك تصريح ومثل هذا كثير عندهم وهذا يدل دلالة واضحة أنه ما أنكر بعضهم التحريف إلا نفاقا وتقية ليخدعوا به المسلمين ، والمعروف في مذهب الشيعة أنهم يرون التقية أي التظاهر بالكذب أصلا من أصول الدين كما يذكر ابن بابوية القمى هذا في رسالته " الاعتقادات " : التقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله تعالى وعن دين الإمامية ، وخالف الله ورسوله والأئمة ، وسئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " قال : أعملكم بالتقية ".

 

فما كان ذاك إلا لهذا وإلا فكيف كان ذلك ؟

 

سادسا : لو سلم قول الأربعة لبطلت الروايات التي تنص على أن القرآن لم يجمعه إلا علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وأنه عرضه على الصحابة فردوه إليه وقالوا لا حاجة لنا به ، فقال : لا ترونه بعد هذا إلا أن يقوم القائم من ولدي " وهناك رواية في " الكافي " عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : ما يستطيع أحد أن يدعى أن عنده جميع القرآن ، ظاهره وباطنه غير الأوصياء".

وأيضا تبطل الأراجيف التي تقول إن الصحابة وبخاصة الخلفاء الثلاثة منهم رضوان الله عليهم أجمعين أدرجوا فيه ما ليس منه وأخرجوا منه ما كان داخلا فيه ، ـ ويعترف بمجهودات الصحابة وفضلهم الذين جمعوا القرآن وتسببوا في حفظه بتوفيق من الله ، وعنايته ، ورحمته ، وكرمه.

 

وفسد أيضا اعتقاد أنه لا تقبل عقيدة ولا يعتمد على شيء لم يصل إلينا من طريق الأئمة الاثنى عشر ، والثابت أن القرآن الموجود في الأيدي لم ينقل إلا من مصحف الإمام عثمان ذي النورين ـ رضي الله عنه ـ وأن جمع القرآن كان بدايته من الصديق ونهايته من ذي النورين رضي الله عنهما.

 

ولأجل ذلك لم يقبل هذا المتقدمون منهم ولم يقبله المتأخرون بل ردوا عليهم ـ فهذا مفسر شيعي معروف محسن الكاشي يقول في تفسيره الصافي بعد ذكر أدلة السيد المرتضى : أقول لقائل أن يقول كما أن الدواعي كانت متوفرة على تغييره من المنافقين ، المبدلين للوصية ، المغيرين للخلافة ، لتضمنه ما يضاد رأيهم وهواهم ـ إلى أن قال ـ : وأما كونه مجموعا في عهد النبي على ما هو عليه الآن فلم يثبت ، وكيف كان مجموعا وإنما كان ينزل نجوما وكان لا يتم إلا بتمام عمره".

 

وقال أحد أعلام الشيعة في الهند ردا على كلام السيد المرتضى : فان الحق أحق بالاتباع ، ولم يكن السيد علم الهدى ( المرتضى ) معصوما حتى يجب أن يطاع ، فل ثبت أنه يقول بعدم النقيصة مطلقا لم يلزمنا اتباعه ولا خير فيه ".

 

وقال الكاشي ردا على الطوسي بعدما نقل عبارته فقال : أقول يكفي في وجوده في كل عصر وجوده جميعا كما أنزل الله محفوظا عند أهله ، ووجود ما احتجنا إليه عندنا وان لم نقدر على الباقي كما أن الإمام كذلك ".

 

سابعا: قد ذكرنا سابقا أن عقيدة الشيعة كلهم في القرآن هو أن القرآن محرف ومغير فيه غير هؤلاء الأربعة فهم ما أنكروا التحريف إلا لأغراض .

 

منها سد باب الطعن لأنهم رأوا أن لا جوال عندهم لأعداء الإسلام حيث يعترضون على المسلمين " إلى أي شيء تدعون وليس عندكم ما تدعون إليه ؟

 

وكان أهل السنة يطعنون فيهم أين ذهب حديث الثقلين عند عدم وجود الثقل الأكبر ؟ وكيف تدعون الإسلام بعد إنكار شريعة الإسلام؟

 

  فما وجدوا منه مخلصا إلا بإظهار الرجوع عن العقيدة المتفق عليها عند الشيعة الإمامية كافة ، ونقول ظاهرا لأنهم يبطنون نفس العقيدة وإلا فما يبقى لهم مجال لليقاء على تلك المهزلة التي سميت بمذهب الشيعة ، وقد تخلصوا منه أيضا بالتحريف في المعنى حيث يؤولون القرآن بتأويل لا يقبله العقل ، ولا يؤيده النقل ، وقد اعترف بهذا السيد الجزائري حيث قال بعد ذكر اتفاق الشيعة على التحريف : نعم قد خالف فيها المرتضى ، والصدوق ، والشيخ الطبرسي ، وحكموا بأن ما بين دفتي هذا المصحف هو القرآن المنزل لا غير ، ولم يقع فيه تحريف ولا تبديل . . . والظاهر أن هذا القول إنما صدر منهم لأجل مصالح كثيرة ، منها سد باب الطعن فيه ـ ثم يبين أنه لم يكن إلا لهذه المصالح بقوله ـ : كيف وهؤلاء الأعلام رووا في مؤلفاتهم أخبار كثيرة تشتمل على وقوع تلك الأمور في القرآن وأن الآية هكذا ثم غيرت إلى هذا ".

 

وفعلا فقد أورد هؤلاء الذين أظهروا الموافقة لأهل السنة في القرآن ، وأورد هؤلاء أنفسهم روايات في كتبهم تدل صراحة على التحريف والتغيير في القرىن ، فنحن ذكرنا قبل ذلك أن ابن بابويه القمى الملقب بالصدوق أحد الأربعة أنكر التحريف في "الإعتقادات" وأثبته في كتاب آخر ، وهكذا أبو علي الطبرسي يتظاهر باعتقاد عدم التحريف ولكنه في تفسيره يعتمد على أحاديث وروايات تدل على التحريف.

 

وأما الشيخ الطوسي الملقب بشيخ الطائفة ، فقد قال الشيعة أنفسهم في تفسيره : ثم لا يخفى على المتأمل في كتاب "التبيان" أن طريقته فيه على نهاية المداراة والمماشاة مع المخالفين . . . ومما يؤكد وضع هذا الكتاب على التقية ما ذكره السيد الجليل علي بن طاوس في (كتابه) " سعد السعود".

 

ثامنا: إن الأربعة سالفي الذكر لم يكن قولهم مستندا إلى المتقدمين أو المعصومين عندهم ، وهكذا لم يقبله المتأخرون ، فهؤلاء أعلام الشيعة وزعماؤهم وأكابرهم ينكرون أشد الإنكار قول من يقول إن القرآن لم يتغير ولم يتبدل ، فيقول الملا خليل القزويني ، شارح "الصحيح الكافي" المتوفى سنة 1089هـ تحت حديث "إن للقرآن سبعة عشر الف آية ، يقول : وأحاديث الصحاح تدل على أن كثيرا من القرآن قد حذف ، قد بلغ عددها إلى حد لا يمكن إنكاره ، . .. وليس من السهل أن يدعى بأن القرآن الموجود هو القرآن المنزل بعد الأحاديث التي مر ذكرها ، والإستدلال باهتمام الصحابة والمسلمين بضبط القرآن وحفظه ليس إلا استدلال ضعيف جدا بعد الاطلاع على أعمال أبى بكر وعمر وعثمان".

 

ويقول المفسر الشيعي الكاشي في مقدمة نفسيره : المستفاد من مجموع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله ، بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله ، ومنه ما هو مغير محرف ، وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة ، منها اسم علي في كثير من المواضع ، ومنها لفظة آل محمد غير مرة ، ومنها أسماء المنافقين في مواضعهم ، ومنها غير ذلك ، وأنه ليس على الترتيب المرضي عند الله وبه قال إبراهيم".

 

ويقول : أما اعتقاد مشائخنا ـ رحمهم الله ـ في ذلك فالظاهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن لأنه روى روايات في هذا المعنى في كتابه " الكافي" ولم يتعرض لقدح فيها مع أنه ذكر في أول الكتاب أنه يثق بما رواه فيه ، وكذلك أستاذه علي بن إبراهيم القمى فإن تفسيره مملوء وله غلو فيه ، وكذلك الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي قدس سره أيضا نسج على منوالهما في كتابه " الاحتجاج".

   وقال المقدس الأردبيلي العالم الشيعي الكبير ما معناه : إن عثمان (الخليفة الراشد-رضي الله عنه-) قتل عبد الله بن مسعود بعد أن أجبره على ترك المصحف الذي كان عنده وأكرهه على قراءة ذلك المصحف الذي ألفه ورتبه زيد بن ثابت بأمره، وقال البعض إن عثمان (رضي الله عنه )أمر مروان بن الحكم ، وزياد بن سمرة، الكاتبين له أن ينقلا من مصحف عبدالله ما يرضيهم ويحذفا منه ما ليس بمرضي عندهم ويغسلا الباقي].

    وذكر خاتمة مجتهدهم الملا محمد باقر المجلسي في كتابه :إن الله أنزل في القرآن سورة النورين وهذا نصها: بسم الله الرحمن الرحيم، يا أيها الذين آمنوا بالنورين أنزلناهما عليكم آياتي ويحذرانكم عذاب يوم عظيم ، نوران بعضهما من بعض وأنا السميع العليم، الذين يوفون بعهد الله ورسوله في آيات لهم جنات النعيم، والذين كفروا من بعد ما آمنوا بنقضهم ميثاقهم وما عاهدهم الرسول عليه يقذفون في الجحيم، ظلموا أنفسهم وعصوا لوصى الرسول أولئك يسقون من حميم...- إلى أن ذكر عدة آيات ثم قال-: لما أسقط أولئك الفجرة حروف القرآن وقرءوها كما شاءوا].

   وكتب الميرزا محمد باقر الموسوي : (إن عثمان ضرب عبدالله بن مسعود ليطلب منه مصحفه حتى يغيره ويبدله مثل ما اصطنع لنفسه حتى لا يبقى قرآن محفوظ صحيح ).

    ويقول الحاج كريم خان الكرماني الملقب (بمرشد الأنام) في كتابه :إن الإمام المهدي بعد ظهوره يتلو القرآن الحقيقي الذي أنزله الله على محمد، والذي حرف وبدل).

   ويقول المجتهد الشيعي الهندي السيد دلدار على الملقب(بآية الله في العالمين) يقول : ومقتضى تلك الأخبار أن التحريف في الجملة في هذا القرآن الذي بين أيدينا بحسب زيادة الحروف ونقصانه بل بحسب بعض الألفاظ وبحسب الترتيب في بعض المواقع قد وقع بحيث مما لا شك مع تلك الأخبار).

   ويصرح عالم شيعي آخر :إن القرآن هو من ترتيب الخليفة الثالث ولذلك لا يحتج به على الشيعة).

   وقد ألف العالم  الشيعي الميرزا النوري الطبرسي في ذلك كتاباً مستقلا ًكبيراً سماه فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب وقد ذكرنا عدة عبارات قبل ذلك منهن وقال في مقام آخر:

   ونقصان السورة وهو جائز كسورة الحقد وسورة الخلع وسورة الولاية.

   وقد ذكرنا عبارات المتقدمين منهم والمتأخرين قبل ذلك فلا فائدة لتكرارها.

   والحاصل أن متقدمي الشيعة ومتأخريهم إلا القليل منهم متفقون على أن القرآن محرف، مغير فيه، محذوف منه حسب روايات (الأئمة المعصومين)-كما يزعمون- فها هو المحدث الشيعي يقول وهو يذكر القراءات المتعددة (الثالث أن تسليم تواترها عن الوحي الإلهي، وكون الكل نزل به الروح الأمين يفضى إلى طرح الأخبار المستفيضة بل الكل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ومادة وإعرابا ًمع أن أصحابنا قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها).

   أفبعد هذا يمكن لأحد أن يقول إن الشيعة يعتقدون بالقرآن ويقولون إنه لا زائد على ما بين الدفتين ولا ناقص منه؟.

ثم ما عذر من اعتذر منهم أنها روايات ضعيفة وقليلة لا غير ومثلهما توجد عند أهل السنة.

   فهل هناك مسألة بعض الروايات أم مسألة الاعتقاد والإيمان فإن كان بعض الروايات فلم التصريح من أئمة الشيعة وأكابرها بوقوع التحريف والنقصان في القرآن؟ ولم الرد على من قال بعدم وقوع التحريف والنقصان في القرآن؟ولم الرد على من قال بعدم وقوع التحريف ولو نفاقا،ًوتقية، وخداعاً للمسلمين ؟!!

   ثم ليست هي روايات قليلة أو ضعيفة عند الشيعة بل هي روايات بلغت حد التواتر عندهم وتزيد على ألفي رواية في قول، وأكثرها في صحاحهم الأربعة.

 

عقيدة أهل السنة في القرآن

 

   وأما القول بأن مثل هذه الروايات توجد عند السنة فليس إلا كذباً وافتراء، فالحق أنه لا يوجد في كتب أهل السنة المعتمد عليها رواية واحدة صحيحة تدل على أن القرآن الذي تركه رسول الله e عند وفاته نقص منه أو زيد عليه بل صرح أهل العلم من المسلمين بأن من يعتقد مثل هذا فقد خرج عن الملة الحنيفية، البيضاء، كما أنهم نصوا على أن الشيعة هم القائلون هذا القول الخبيث.

   فهذا الإمام ابن حزم الظاهري يقول في كتابه العظيم (الفصل في الملل والنحل) ما نصه : ومن قول الإمامية كلها قديماً وحديثاً أن القرآن مبدل زيد فيه ما ليس منه ونقص منه كثير وبدل منه كثير)-ثم يقول :بأن بين اللوحين تبديلاً كفر صريح وتكذيب لرسول الله e ).

  وقال أيضاً رداً على قول الشيعة إن القرآن محرف ومغير فيه

   وأعلموا أنه لورام اليوم أحد أن يزيد في شعر النابغة أو شعر زهير كلمة أو ينقص أخرى ما قدر لأنه كان يفتضح في الوقت، وتخالفه النسخ المثبتة، فكيف القرآن في المصاحف وهي من آخر الأندلس، وبلاد البربر، وبلاد السودان إلى آخر السند، وكابل،  وخراسان، والترك، والصقالبة، وبلاد الهند فما بين ذلك –فظهر حمق الرافضة- وقال قبل ذلك بأسطر-: وإن لم يكن عند المسلمين إذ مات عمر ألف مصحف من مصر إلى العراق،إلى الشام، إلى اليمن فما بين ذلك، فلم يكن أقل، ثم ولى عثمان فزادت الفتوح واتسع الأمر فلورام أحد إحصاء مصاحف أهل الإسلام ما قدر). 

   وهو الذي قال في كتابه (الأحكام).

   ولما تبين بالبراهين والمعجزات أن القرآن هو عهد الله إلينا، والذي ألزمنا الإقرار به والعمل بما فيه، وصح بنقل الكافة الذين لا مجال للشك فيهم أن هذا القرآن هو مكتوب في المصاحف، المشهور في الآفاق كلها وجب الانقياد لما فيه، فكان هو الأصل المرجوع إليه لأننا وجدنا فيه (ما فرطنا في الكتاب من شيء) .

   وقال الأصولي الشافعي المعروف(الأول في الكتاب أي القرآن وهو ما نقل إلينا بين دفتي المصاحف تواتراً).

     وقال شارحه : والمصنف اقتصر على ذكر النقل في المصاحف تواتراً لحصول الاحتراز بذلك عن جميع ماعدا القرآن، لأن سائر الكتب السماوية وغيرها من الأحاديث الإلهية والنبوية ومنسوخ التلاوة لم ينقل شيء منها بين دفتي المصاحف لأنه اسم لهذا المعهود المعلوم عند جميع الناس حتى الصبيان).

   وقال الأصولي الحنفي:

   (أما الكتاب فالقرآن المنزل على الرسول عليه السلام، المكتوب في المصاحف، المنقول عنه نقلاً متواتراً بلا شبهة).

   وقال الآمدي :(وأما حقيقة الكتاب هو ما نقل إلينا بين دفتي المصاحف نقلاً متواتراً).

   وقال السيوطي بعدما ذكر الأقوال بأن القرآن جمعه وترتيبه ليس إلا توقيفياً ، قال : قال القاضي أبو بكر فى الانتصارـ:الذي نذهب إليه أن جميع القرآن الذي أنزله الله وأمر بإثبات رسمه ،ولم ينسخه ولا رفع تلاوته بعد نزوله ، هو هذا الذي بين الدفتين ،الذي حواه مصحف عثمان ،وإنه لم ينقص منه شيء ولازيد فيه

   وقال البغوي في شرح السنة : إن الصحابة –رضي الله عنهم- جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزله الله على رسوله من غير أن زادوا أو نقصوا منه شيئاً).

   وقال الخازن في مقدمة تفسيره: وثبت بالدليل الصحيح أن الصحابة إنما جمعوا القرآن بين الدفتين كما أنزله الله عز وجل على رسول اللهe من غير أن زادوا فيه أو نقصوا منه شيئاً... فكتبوه كما سمعوه من رسول اللهe من غير أن قدموا أو أخروا شيئاً، أو وضعوا له ترتيباً لم يأخذوه من رسول اللهe ... فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على النحو الذي هو في مصاحفنا الآن).

   وقال القاضي في الشفاء : أعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف بشيء منه، أو سها، أو كذب بشيء مما صرح به فيه ممن حكم أو خبر، أو أثبت ما نفاه، أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك ، أو شك في شيء من ذلك ، فهو كافر عند أهل العلم بإجماع ، قال الله تعالى:(وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد).

   هذا وقد بوب الإمام البخاري باباً في صحيحه بعنوان (باب من قال لم يترك النبي e إلا ما بين الدفتين ) ثم ذكر تحت ذلك حديثاً: إن ابن عباس قال في جواب من سأل: أترك النبيe من شيء؟ قال : ما ترك إلا ما بين الدفتين، وهكذا قاله محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية).

   فهذا ما رواه بخارينا وذاك ما رواه بخاريهم، وهذا ما قاله أئمة أهل السنة وذلك ما قاله أئمتهم.

   وهناك نصوص أخرى في هذا المعنى، فيقول الإمام الزركشي في كتابه(البرهان) بعد ذكر قول القاضي في (الانتصار) .

   وذلك دليل على صحة نقل القرآن وحفظه وصيانته من التغيير، ونقض مطاعن الرافضة فيه من دعوى الزيادة والنقص، كيف وقد قال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون) وقوله:(إن علينا جمعه وقرآنه ) وأجمعت الأمة أن المراد بذلك حفظه على المكلفين للعمل به، وحراسته من وجود الغلط والتخليط، وذلك يوجب القطع على صحة نقل مصحف الجماعة وسلامته).

   وقد ذكر مفسر وأهل السنة تحت آية(وإناله لحافظون) أن القرآن محفوظ عن أي تغيير وتبديل وتحريف، فمثلاً يقول الخازن في تفسيره: وإنا للذكر الذي أنزلناه على محمد لحافظون، يعني من الزيادة فيه والنقص والتغيير والتبديل والتحريف ، فالقرآن العظيم محفوظ من هذه الأشياء كلها لا يقدر أحد من جميع الخلق من الجن والإنس أن يزيد فيه أو ينقص منه حرفاً واحداً، أو كلمة واحدة، وهذا مختص بالقرآن العظيم بخلاف سائر الكتب المنزلة فإنه قد دخل على بعضها التحريف، والتبديل، والزيادة، والنقصان، ولما تولى الله عز وجل حفظ هذا الكتاب بقى مصوناً على الأبد ، محروساً من الزيادة والنقصان).

   وقال النسفي في تفسيره تحت هذه الآية (إنا نحن ): فأكد أنه هو المنزل على القطع وأنه هو الذي نزله محفوظاً من الشياطين، وهو حافظه في كل وقت من الزيادة والنقصان  والتحريف والتبديل بخلاف الكتب المتقدمة، فإنه لم يتول حفظها وإنما استحفظها الربانيون والأحبار فيما بينهم بغياً فوقع التحريف ولم يكل القرآن إلى غير حفظه).

   وقال الإمام ابن كثير : ثم قرر تعالى أنه هو الذي لأنزل عليه الذكر وهو القرآن، وهو الحافظ له من التغيير والتبديل).

   وقال الفخر الرازي :وإنا نحفظ ذلك الذكر من التحريف والزيادة، والنقصان، ونظيره قوله تعالى في صفة القرآن :(لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) وقال:(ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) فإن قيل: فلم اشتغلت الصحابة بجمع القرآن في المصحف وقد وعد الله تعالى بحفظه، وما حفظه الله بلا خوف عليه، والجواب أن جمعهم القرآن كان من أسباب حفظ الله تعالى إياه-إلى أن قال-:إن أحداً لو حاول تغييره بحرف أو نقطة لقال له الصبيان : أخطأت أيها الشيخ وصوابه كذا وكذا، فهذا هو المراد من قوله : وإنا له لحافظون : واعلم أنه لم يتفق بشيء من الكتب مثل هذا الحفظ فإنه لا كتاب إلا وقد دخله التصحيف والتحريف والتغيير أما في الكثير منه أو في القليل، وبقاء هذا الكتاب مصوناً عن جميع جهات التحريف مع أن دواعي الملاحدة واليهود والنصارى متوفرة على إبطاله وإفساده من أعظم المعجزات).

   فهذه عقيدة أهل السنة وهذه هي أقوال علمائهم الكبار.   

 

كتب الشيعة لإثبات التحريف

 

   وأما الشيعة فلم يكتف علمائهم بسرد الروايات والأحاديث المروية عن أئمتهم ومعصوميهم في تغيير القرآن وتحريفه بل قد صنفوا في هذا في كل عصر من العصور كتباً مستقلة تحت عنوان (التغيير والتحريف في القرآن) لنقل هذه العقيدة الخبيثة وإثباتها بالأدلة والبراهين حسب زعمهم.

    فقد صنف ذلك شيخ الشيعة الثقة عندهم (أحمد بن محمد بن خالد البرقي (كتاب التحريف)كما ذكره الرجالي الشيعي المشهور الطوسي في كتابه (الفهرست) والنجاشي في كتبه.

    والشيخ الثقة الذي لم يعثروا له على زلة في الحديث حسب قولهم (علي بن الحسن بن فضال) قد أفرد في هذا الباب (كتاب التحريف والتبديل ) كما ذكر الطوسي في الفهرست.

   وأحمد بن محمد بن سيار له (كتاب القراءات ) وهو أستاذ لمفسر شيعي معروف ابن الماهيار- كما ذكر في(الفهرست ) (والرجال) للنجاشي .

      وحسن بن سليمان الحلي له (التنزيل والتحريف) .

      والمفسر الشيعي المعروف محمد بن علي بن مروان الماهيار المعروف بابن الحجام له (كتاب قراءة أمير المؤمنين وقراءة أهل البيت ) .

    وأبو طاهر عبد الواحد بن عمر القمى له كتاب (قراءة أمير المؤمنين ) – ذكره ابن شهر آشوب في معالم العلماء .

   وذكر علي بن طاءوس (الشيخ الجليل لهم) في كتابه (سعد السعود) كتباً أخرى في هذا الموضوع، فمنها(كتاب تفسير القرآن وتأويله وتنزيله) ومنها كتاب (قراءة الرسول وأهل البيت ) ومنها (كتاب الرد على أهل التبديل ) كما ذكره ابن شهر آشوب في مناقبه، ومنها (كتاب السياري).

    وكما صنف المتقدمون في هذا الموضوع صنف أيضاً المتأخرون منهم ، فمنها الكتاب المعروف المشهور(فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) للميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي المتوفى 1320هجرية وهو كتاب شامل مفصل بحث فيه المحدث الشيعي بحثاً وافياً في إثبات التحريف في القرآن ورد على من أنكر أو أظهر التناكر من الشيعة ثم أردفه بكتاب آخر (لرد الشبهات عن فصل الخطاب).

   وفي القارة الهندية أيضاً صنف الشيعة كتباً عديدة في إثبات وإظهار هذه العقيدة الباطلة ، فقد ألف أحد علمائها من الشيعة كتاباً سماه (تصحيف كاتبين ونقص آيات كتاب مبين) واسمه ميرزا سلطان أحمد الدهلوي.

   (وضربة حيدرية ) للسيد محمد مجتهد اللكنوي، وغير ذلك من الكتب الكثيرة التي ألفت في اللغة الفارسية ، والعربية، والأردية.

   وهناك كثيرون منهم ، بوبوا لبيان هذه العقيدة المتفق عليها عندهم أبواباً مستقلة فمنهم أستاذ الكليني علي بن إبراهيم القمي، والثاني شيخهم الأكبر في الحديث محمد بن يعقوب الكليني ، والسيد محمد الكاظمي في (شرح الوافية) وسماه(باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة) أن عندهم جميع القرآن الذي أنزل على رسول الله)، وسعد بن عبد الله في كتابه(ناسخ القرآن ومنسوخه) باب باسم (باب التحريف في الآيات)هلم جراً.

   ولا يخلو كتاب من كتبهم في الحديث والتفسير ، والعقائد، والفقه، والأصول، لا يخلو من قدح وطعن في القرآن العظيم.

   ونحن ندعو الذين ينكرون هذا الاعتقاد من الشيعة ونسألهم: ما دمتم ادعيتم أنه لم يزد على كتاب الله ولم ينقص منه فماذا عنين

   هل تكفرونه؟ لأنه ممن استحق التكفير ، وهل تفتون أنه خرج عن الملة الحنيفية البيضاء؟ كما أفتى به أئمة أهل السنة وعلمائها، فلننظر إلى أي  حد تستعملون التقية والخداع للمسلمين.

     وهذا مما لا شك فيه – كما أثبتنا في بحثنا الطويل – أن الشيعة قاطبة، وفي كل عصر من عصور الإسلام قد اعتقدوا هذا الاعتقاد ويعتقدونه الآن، وليس إنكارهم مبنياً على الصدق والحقيقة ولكنه الشرود والفرار من إيرادات المسلمين وطعن الطاعنين، أو شعورهم بكشف السر المكنون، وافتضاح الأمر المستور.

   والله ولي التوفيق والحمد لله رب العالمين.....

 

الباب الثالث

الشيعة والكذب

 

   الشيعة والكذب كأنهما لفظان مترادفان لا فرق بينهما، تلازما من أول يوم أسس فيه هذا المذهب وكون فيه هذا، فما كانت بدايته إلا من الكذب وبالكذب.

   ولما كان التشيع وليد الكذب أعطوه صبغة التقديس والتعظيم، وسموه بغير اسمه، واستعملوا له لفظة (التقية) وأرادوا بها إظهارا ًبخلاف ما يبطنون ، وإعلاناً ضد ما يكتمون، وبالغوا في التمسك بها حتى جعلوها أساساً لدينهم وأصلاً من أصولهم إلى أن نسبوا إلى بعض أئمتهم-المعصومين عندهم- أنه قال : كما يرويه بخاريهم محمد بن يعقوب الكليني : التقية من ديني ودين آبائي، ولا إيمان لمن لا تقية له قاله أبو جعفر، الإمام الخامس-حسب زعمهم).

   وروى الكليني أيضاً عن أبي عمر الأعجمي أنه قال :قال لي أبو عبدالله عليه السلام: يا أبا عمر إن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له).

   وأكثر من ذاك فقد روى الكليني هذا في صحيحه (عن أب بصير قال: قال أبو عبدالله (ع) التقية من دين الله، قلت:ومن دين الله؟ قال :إي والله من دين الله ).

   فهذا هو دينهم الذي يدينون به، وهذا هو معتقدهم الذي يعتقدونه، فما هو إلا كتمان للحق وإظهار للباطل، فقد وضعوا لهذا حديثاً فقالوا :

   عن سليمان بن خالد قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: يا سليمان إنكم على دينكم من كتمه أعزه الله ومن أذاعه أذله الله).

   وكيف هذا مع قوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته).

   وقد قال الله عز وجل : (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين).

   وقال رسول الله عليه السلام في حجة الوداع معلناً دينه ومظهراً كلمته: ألا هل بلغت؟ قالوا : نعم ، قال : اللهم أشهد ، فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع).

   وقالe :(نضر الله امرأ سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه ، فرب مبلغ له من سامع).

   وقال عليه السلام:بلغوا عني ولو آية).

   ومدح الله سبحانه وتعالى أنبياءه ورسله بقوله: ( الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله).

   كما مدح أصحاب رسول اللهe حيث قال: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً، ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم، إن الله كان غفوراً رحيماً).

   وقال :( ولا يخافون لومة لائم).

   وذم المنافقين على كذبهم فقال: (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله، والله يعلم إنك لرسوله، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون).

   وبين أوصافهم: (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم ، إنما نحن مستهزءون ).

      و ثم بين جزاءهم وقال: (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار، ولن تجد لهم نصيراً ).

     ونهى رسول الله e عن الكذب وذمه ، وأمر بالصدق ومدحه كما يرويه البخاري ومسلم: عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما زال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً).

   وعن سفيان بن عبدالله الثقفي قال: سمعت رسول الله e يقول : كبرت الخيانة أن تحدث أخاك حديثاً هو لك به مصدق وأنت به كاذب).

 

التقية دين وشريعة

 

ذاك ما يعتقده المسلمون بأمر من الله ووصية من رسوله e ، أما الشيعة فقد أدخلوا الكذب في المعتقدات حتى معتقداتهم الأساسية.

   فها هو صدوقهم وشيخ محدثيهم محمد بن علي الحسين بن بابويه القمي يقول في رسالته المعروفة (الاعتقادات):   

     التقية واجبة، من تركها كان بمنزلة من ترك الصلاة)-وقال-: التقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله تعالى، وعن دين الأمامية، وخالف الله ورسوله والأئمة ، وسئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل (إن أكرمكم عند الله أتقاكم. قال: أعملكم بالتقية).

   وكيف لا يكون من المعتقدات الأساسية عندهم وقد نسبوا إلى رسول الله كذباً وميناً أنه قال: مثل مؤمن لا تقية له كمثل جسد بلا رأس له).

   ونقلوا عن إمامهم المعصوم-الأول حسب زعمهم- علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: التقية من أفضل أعمال المؤمن يصون بها نفسه وإخوانه من الفاجرين).

   وعن الإمام الثالث-حسين بن علي أنه قال:لولا التقية ما عرف ولينا من عدونا – كان الكذب معيار لمعرفة الشيعة-).

 وعن الإمام الرابع-علي بن الحسين أنه قال : يغفر الله للمؤمن كل ذنب ويطهره منه في الدنيا والآخرة ما خلا ذنبين ترك التقية-يا للذنب- وترك حقوق الإخوان).

   وعن الإمام الخامس –محمد بن علي بن الحسين المعروف بالباقر أنه قال : وأي شيء أقر لعيني من التقية ، إن التقية جنة المؤمن).

   وقال : خالطوهم بالبرانية (أي ظاهراً) وخالفوهم بالجوانية (باطناً) إذا كانت الإمرة  صبيانية).

   وعن الإمام السادس –جعفر بن الباقر الملقب بالصادق والمكنى بأبي عبدالله أنه قال : لا والله  ما على وجه الأرض شيء أحب إلى من التقية يا حبيب!(اسم الراوي) إنه من كانت له تقية رفعه الله يا حبيب! ومن لم تكن له تقية وضعه الله).

   وعن الإمام السابع-موسى بن جعفر أنه كتب إلى أحد مريديه علي بن سويد: ولا تقل لما بلغت عنا أو نسب إلينا هذا باطل وإن كنت تعرف خلافه، فإنك لا تدري لم قلناه وعلى أي وجه وضعناه، آمن بما أخبرتك ولا تفش ما استكتمتك).

   وعن الإمام الثامن-علي بن موسى أنه قال: لا دين لمن لا روع له ولا إيمان لمن لا تقية له، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم، فقيل له يا بن رسول الله إلى متى؟ قال إلى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم خروج قائمنا، فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا).

   فهذه هي عقيدتهم في الكذب وتقديسهم له وغلوهم فيه.

   وهل بعد هذا يمكن لأحد أن يعتمد عليهم،  ويصدق قولهم، ويمشي معهم، ويتفق بهم، ولقد صدق عالم شيعي هندي السيد (إمداد إمام) حين قال: إن مذهب الإمامية ومذهب أهل السنة عينان تجريان إلى مختلف الجهات، وإلى القيامة تحريان هكذا متباعدتين لا يمكن اجتماعهما أبداً).

   وصدق الخطيب رحمه الله في عنوان رسالته(الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة الإمامية الاثنى عشرية واستحالة التقريب بينهما وبين أصول الإسلام في مذاهبه وفرقه).

   فكيف الجمع بين الصدق والكذب؟ وكيف الاجتماع بين الصادق والكاذب؟ وليس الكاذب فحسب بل الكاذب الذي يظن الكذب ضرورياً، واجباً عليه، وأكثر من هذا يعتقده من أعظم القربات إلى الله.

 

التقية ليس إلا كذباً محضاً

 

   بعض الشيعة، تظاهروا (بأنهم لا يريدون بالتقية الكذب بل يقصدون بها كتمان الأمر صيانة للنفس ووقاية للشر).

   والحقيقة أنه ليس كذلك بل كذبوا في هذا أيضاً لأنهم لا يريدون من التقية إلا الكذب والخداع، والتظاهر بغير ما يبطونه.

   فها هي الشواهد والبراهين على ذلك:

   يروي محمد بن يعقوب الكليني في صحيحه (الكافي في الفروع) عن أبي عبدالله أن رجلاً من المنافقين مات فخرج الحسين بن علي صلوات الله عليهما يمشي معه، فلقيه مولى له فقال له الحسين عليه السلام : أين تذهب يا فلان ، قال :فقال : أفر من جنازة هذا المنافق أن أصلي عليها، فقال الحسين عليه السلام :انظر أن تقوم على يميني فما تسمع أقول فقل مثله، فلما أن كبر عليه وليه. قال الحسين: الله أكبر، اللهم العن فلاناً عبدك ألف لعنة مؤتلفة غير مختلفة ، اللهم اجز عبدك في عبادك وبلادك، وأصله حر نارك، وأذقه أشد عذابك، فإنه كان يتولى أعداءك، ويعادي أوليائك، ويبغض أهل بيت نبيك).

   ونسبوا مثل هذا الكذب إلى رسول الله e وافتروا عليه حيث قالوا: عن أبي عبدالله عليه السلام قال لما مات عبدالله بن أبي بن سلول حضر النبي جنازته، فقال عمر لرسول اللهe : ألم ينهك الله أن تقوم على قبره ؟ فقال: ويلك ما يدريك ما قلت؟ إني قلت اللهم احش جوفه ناراً واملأ ناراً وأصله ناراً، قال أبو عبدالله عليه السلام فأبدا من رسول الله ما كان يكره).

   فهذه عقيدة الشيعة في التقية أن رسول اللهe كان يخدع الناس (عياذاً بالله) حيث كان يظهر أنه يستغفر للمنافق الذي منعه الله من الاستغفار له وهكذا كان يظهر مخالفة أوامر الله ونواهيه حيث كان يعمل هو نفسه غير ما يعمله أصحابه حسب ما يرونه من رسول الله عليه السلام، لأنهم ما كانوا يعلمون أن رسول الله كان يدعو له أو عليه، فالرسول كان يلعن شخصاً حينما كان أصحابه يترحمون عليه ؟ فكان سره يخالف علانيته، وظاهره يخالف باطنه ، أي شيء كان يخوف رسول اللهe  فأجبر على الصلوة على عبدالله بن أبي مع أن الإسلام كان قوياًُ آنذاك وما نافق ابن أبي إلا خوفاً من الإسلام وشوكته، وطمعاً في منافعه وفوائده، فما صاغ الشيعة هذه الفرية إلا لإثبات عقيدتهم النجسة أن رسول الله e كان يعمل بالتقية أي الكذب كما كان أئمتهم يعملون بها.

 

فهذه هي التقية عند الشيعة التي يدعون أنها ليست إلا كتمانا لأمر صيانته للنفس ووقاية للشر ، وهل يشك أحد في هذه التقية هي عين النفاق والكذب.

 

وهناك رواية أخرى تصرح بأنها نفاق محض فيروي الكليني في كتاب الروضة من الكافي " عن محمد بن مسلم قال دخلت على أبي عبدالله عليه السلام وعنده أبو حنيفة فقلت له جعلت فداك رأيت رؤيا عجيبة ، فقال لي يا بن مسلم! هاتها إن العالم بها جالس وأومأ بيده إلى أبي حنيفة ، فقلت : رأيت كأني دخلت داري وإذا أهلي قد خرجت على فكسرت جوزا كثيرا ونثرته علي ، فتعجبت من هذه الرؤيا ، فقال أبو حنيفة : أنت رجل تخاصم وتحاول لئاما في مواريث أهلك فبعد نصب شديد تنال حاجتك منها إن شاء الله ، فقال أبو عبدالله عليه السلام : أصبت والله يا أبا حنيفة !

 

قال : ثم خرج أبو حنيفة من عنده ، فقلت له : جعلت فداك إني كرهت تعبير هذا الناصب ، فقال : يا بن مسلم ! لا يسوءك الله فما يواطيء تعبيرهم تعبيرا ولا تعبيرنا تعبيرهم وليس التعبير كما عبره ، قال فقلت له : جعلت فداك . فقولك : أصبت وتحلف عليه وهو مخطئ ؟ قال : نعم حلفت عليه إنه أصاب الخطأ ".

 

  ومعروف أن أبا حنيفة رحمه الله ما كان ذا سلطة وشوكة حتى يهاب ويخاف منه ، بل كان مبغوضا عند أصحاب الحكم والجاه وناقما عليهم .

  ثم هو لم يطلب من أبي عبدالله جعفر أن يمدحه ولا أن يوجه السائل عن الرؤيا إليه بل أبو عبدالله نفسه مدحه ووجه محمد بن مسلم أن يسأله تعبير الرؤيا ، ولما أجابه ، صوبه ، وحلف له ، ولكن بعد توليه خطأه وتبرأ منه ، فماذا يقال لهذا ، أله اسم غير النفاق؟

وورد مثل هذا في آية من كتاب الله عز وجل كما يرويه الكليني في الكافي : عن موسى ابن أشيم قال كنت عند أبي عبدالله عليه السلام فسأله رجل عن آية من كتاب الله عز وجل فأخبره بها ، ثم دخل عليه داخل فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبر الأول ، فدخلني من ذلك ما شاء الله حتى كان قلبي يشرح بالسكاكين فقلت في نفسي : تركت أبا قتادة بالشام لا يخطئ هذا الخطأ كله فبينا أنا كذلك إذ دخل آخر فسأله عن تلك الآية ، فأخبره بخلاف ما أخبرني وأخبر صاحبي فسكنت وعلمت أن ذلك منه تقيه.

  ليت شعري ماذا يقول فيه المنصفون من الناس ؟ ومن أي نوع هذه التقية ؟ وأي شر دفع بهذه التناقضات والتضادات ؟ ومن أي مصيبة نجا بها ؟ وهل يعتمد على من يعتقد هذا الاعتقاد في المسائل الدينية أو الدنيوية ؟ وهل يؤمن مثل هذا على شيء من الكتاب والسنة؟

  ومن يدري متى يعمل بالتقية ومتى لا يعمل؟ أليس هذا افساد في الدين وهدم لأساس الإسلام ، ولعب بآيات من كتاب الله عز وجل.

  وأكثر من ذلك كان الأئمة حسب زعم الشيعة يحلون الحرام ويحرمون الحلال تقية فهذا هو أبان بن تغلب أحد رواة الكافي يروي قائلا: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : كان أبي (محمد الباقر) عليه السلام يفتي في زمن بني أمية أن ما قتل البازي والصقر فهو حلال وكان يتقيهم وأنا لا أتقيهم وهو حرام ما قتل ".

 

  فماذا يمكن أن يقال فيه : حرام يفتي فيه بالحلال؟ أهذا دين وشريعة يا عباد الله ؟ وهل يجوز لعامي أن يفتي بحل ما يعده حراما في معتقداته ، فأين الإمامة والعصمة على حد قولهم؟.

  فهذا هو قول الله عز وجل : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده من الطيبات والرزق).

  وقال سبحانه في ذم اليهود والنصارى :( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ).

 

  وفسره رسول الله الصادق الأمين بقوله : " كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه"

وقد بين سبحانه أن التحليل والتحريم ليس من خاصته محتى النبي الكريم ليس له الأمر في ذلك حيث قال : ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ).

  فكيف للباقر أن يجعل الحرام حلالا والحلال حراما. وهم لم يعطوا الباقر وحده أن يحلل حراما ويحرم حلالا بل كل الأئمة حسب زعمهم يملكون تحليل ما حرمه الله وتحريم ما أحله الله.

 فهذا هو محدثهم الكبير أبو عمرو محمد الكشي يذكر في كتابه عن حمدويه قال حدثنا محمد بن الحسين عن الحكم بن مسكين الثقفي قال : حدثني أبو حمزة معقل العجلي عن عبدالله بن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبدالله ( جعفر ) : والله لو فلقت رمانة بنصفين فقلت : هذا حلال وهذا حرام ، نشدت أن الذي قلت حلال حلال ، وأن قلت حرام فحرام ( فهل أنكر على ذلك أبوعبدالله ورد عليه ؟ كلا بل ) فقال : رحمك الله ، رحمك الله ".

 

فهذا هم معتقدهم الذي يمدحون عليه ، ولأجل ذلك قال جعفر : ما أحد أدى إلينا ما افترض الله فينا إلا عبدالله بن يعفور".

 

   وهكذا كانوا يأمرون الناس أن يجعلوهم آلهة يعبدون ، فيحللون ويحرمون ، وقد صرح بذلك الإمام التاسع لهم ـ محمد بن علي بن موسى حينما سئل عن اختلاف الشيعة فقال:

  إن الأئمة هم يحلون ما يشاءون ويحرمون ما يشاءون.

  فلا يستبعد ممن يعتقد مثل هذا أنه لا يكذب في الأمور الأخرى ، فمن لا يؤمن عليه في الحلال والحرام كيف يؤمن عليه في المباحات؟.

  ثم من كان يجبر الباقر أن يفتي بما أفتى ؟ ويظهر من كلام جعفر أن فتوى أبيه كانت لإرضاء السلاطين الأمويين ، لأنه يقول : كان يفتي في زمن بني أمية:

  فإن كان هذا فماذا يقول فيه الشيعة بعد ما ثبت عندهم أيضا : أن جابرا يقول وقد روى عنه الباقر نفسه وعن الباقر جعفر : إن رسول الله e قال : من أرضى سلطاناً بسخط الله خرج من دين الله ".

  ألا يعد الشيعة إحلال الحرام يسخط الله ؟

  ويقول علي بن أبي طالب في خطبه حسب زعمهم : الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك ".

  وهل يشك أحد بعد هذا أن التقية كذب محض ؟.

 

أمثلة لذلك

 

وهناك أمثلة كثيرة لهذا فمنها : عن سلمة بن محرز قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام : إن رجلا أرمانيا مات وأوصى إليّ ، فقال لي : وما الأرماني ؟ قلت : نبطي من أنباط الجبال مات وأوصى إلي بتركته وترك ابنته ، قال: فقال لي : أعطها النصف . قال : فدخلت عليه بعد ، فقلت : أصلحك الله إن أصحابنا زعموا أنك اتقيتني ، فقال : لا والله ما اتقيتك ولكني اتقيت عليك أن تضمن فهل علم بذلك أحد ؟ قلت : لا ـ قال : فأعطها ما بقى".

 

  فأنظر إنه أعطى سلمة بن محرز نصف المال ثم حرمه من النصف الثاني ، فلابد من أحد أمرين، إما أن يكون له الحق أن يأخذ النصف وإما أن لا يكون له الحق ، فإن لم يكن له الحق فكيف أعطاه أولا ، وإن كان له الحق فلم تراجع ثانيا؟ ثم وأيّ شيء كان يخاف منه الإمام حيث لم يكن صاحبه ورفيقه ومقلده زراره بن أعين يبالي به .

  وهل يجوز لأحد أن يفتي في دين الله بخلاف ما قاله الله وقاله رسول الله عليه السلام "تقية" أو كذبا على التعبير الصحيح؟.

  ومسائل الفرائض لا تتعلق بالاجتهادات بل تثبت بالنصوص ، أفمن يغير النصوص ويحرفها، ويفتي بخلافها ، يعتمد عليه في المسائل الأخرى ؟ وهناك رواية أخرى تشبه الأولى رواها الكليني أيضا في الفروع.

 

   " عن عبدالله بن محرز قال سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل أوصى إليّ وهلك وترك ابنته فقال أعط الابنة النصف ، واترك للموالى النصف ، فرجعت فقال أصحابنا : لا والله ما للمولى شيء ، فرجعت إليه من قابل فقلت : إن أصحابنا قالوا : ليس للموالي شيء وإنما اتقاك ، فقال : لا والله ما اتقيتك ولكني خفت عليك أن تؤخذ بالنصف ، فإن كنت لا تخاف فارفع النصف الآخر إلى الابنة ، فإن الله سيؤدي عنك ".

 

  ويظهر من هاتين الروايتين أن الشيعة لا يجوزون الكذب اتقاء للنفس وحفظا للذات بل كانوا متعودين الكذب بدون أي شيء ، وأن السائلين عبدالله بن محرز وسلمة لم يكونا من الأمويين ولا العباسيين بل كانا من خلص الشيعة وأصحاب "الإمام المعصوم" عندهم ـ وأيضا صرح جعفر بأنه لم يفت بالباطل تقية بل أفتى به مصلحة وكذبا.

 

  وقد صرح أئمة الشيعة حسبما يزعمون أن التقية ليست إلا كذبا محضا ، فقد روى أبو بصير عن أبي عبدالله ( جعفر ) أنه قال: التقية من دين الله ، قلت ما دين الله ؟ قال أي والله من دين الله ولقد قال يوسف : أيتها العير إنكم لسارقون ووالله ماكانوا سرقوا شيئا".

  وأصرح من ذلك ما رواه محدثهم الكشي : عن حسين بن معاذ بن مسلم النحوي عن أبي عبدالله (ع) قال : قال لي ( عبدالله ) : بلغني أنك تعتقد في الجامع فتفتي الناس ، قال : قلت نعم ، وقد أردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج إني أقعد في الجامع فيجيء الرجل فيسألني عن الشيء فإذا عرفته بالخلاف أخبرته بما يقولون . . . قال ( أي معاذ بن مسلم ) فقال لي (أبوعبدالله ) : اصنع كذا فإني أصنع كذا".

  فهذا هو الإمام كما يقولون ، يأمر الناس أن يكذبوا على الناس ويخدعوهم ، ويحثهم على ذلك ، فأين هذا من قول الله عز وجل : ( اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ).

  وقال عز شأنه : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ) .

 

  ولكن المسألة هنا أن هؤلاء القوم لا يكذبون فحسب بل يأمرون بالكذب ويعدونه من أفضل القربات إلى الله ، وأسسوا مذهبهم على ذلك ، فكتبهم في الحديث والتفسير مليئة بهذه الأكاذيب والأباطيل.

  فمثلا يذكر الكشي أن أبا الحسن موسى الكاظم كتب إلى أحد متبعيه وهو في السجن : ادع إلى صراط ربك فينا من رجوت إجابته ، ولا تحصر حصرنا ووال آل محمد ولا تقل لما بلغك عنا أو نسب إلينا " هذا باطل " وإن كنت تعرف خلافه فإنك لا تدري لم قلناه وعلى أي وجه وصفناه".

  بل حرضوهم على ذلك كما روى عن أبي عبدالله أنه قال ما منكم من أحد يصلى صلاة فريضة في وقتها ثم يصلى معهم تحية إلا كتب الله بها خمسا وعشرين درجة فارغبوا في ذلك ".

  فهل من المعقول أن يسمع الرجل كلاما يخالف نص القرآن والسنة ثم يقول عنه إنه ليس بباطل لأنه مروي عن واحد من هؤلاء الأئمة فكونه عن الإمام فقط لا يجعله صالحا للقبول إلا أن يكون موافقا للكتاب والسنة ، فالأصل في الشريعة كتاب الله وسنة رسول الله ، وهل من الممكن أيضا أن يسمع ويرى أحد العقلاء كلاما متناقضا مخالفا بعضه بعضا ثم يقول : إن الكل حق وصواب ، مع أنه من المعلوم أن الحق لا يتعدد ، ومن علامات الكذب أن تختلف أقوال الرجل وتتضارب آراؤه.

  فالشيعة لا يوجد عندهم قول في مسألة إلا ويخالفه قول آخر حتى لا يوجد راو من رواتهم الحديث إلا وفيه قولان ، قول يوثقه ، وقول يضعفه ، ولا يضعفه فحسب بل يحطه في أسفل السافلين ويجعله أقبح الملعونين.

 

رواة الشيعة

 

وخير مثال لذلك محدثهم الكبير وراويهم الشهير زرارة بن أعين صاحب " الأئمة الثلاثة " موسى ، وجعفر ، والباقر ، فيذكره المترجمون الشيعة ، يمدحونه في صفحة ويذمونه في صفحة أخرى ، ويعدونه من أخلص المخلصين تارة ، ومن ألد الأعداء تارة .

  فمثلا يذكر الكشي تحت ترجمة زرارة بسنده " قال أبو عبدالله (جعفر) "ع" : يا زرارة ! إن اسمك من أسامي أهل الجنة " . . .

  وقال أبوعبدالله : أحب الناس إلى أحياء وأمواتا أربعة يريد ين معاوية ، وزرارة ، ومحمد بن مسلم ، والأحوال ، وهم أحب الناس إلى أحياء وأمواتا".

  وقال أبو عبدالله أيضا : رحم الله زرارة بن أعين لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي".

  وقال ما أجد أحدا أحيا ذكرنا وأحاديث أبى إلا زرارة ، وأبو بصير ، ومحمد بن مسلم ، وبريد بن معاوية العجلى ، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا ، هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبى على حلال الله وحرامه ، وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة ".

  ثم هذا هو زرارة بن أعين الذي قال فيه جعفر هذا نفسه عن ابن أبى حمزة عن عبدالله "ع" قال : قلت : " والذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ".

  قال : أعاذنا الله وإياك من ذلك الظلم ، قلت ما هو قال : هو والله ما أحدث زرارة وأبو حنيفة وهذا الضرب ، قال قلت : (يعني ابن أبى حمزة ) الزنا معه قال : الزنا ، ذنب".

  وأكثر من ذلك " عن زياد بن ابي الحلال قال : قال أبو عبدالله " "ع" : لعن الله زرارة ، لعن الله زرارة ، لعن الله زرارة " .

  وعن ليث المرادي قال : سمعت أبا عبدالله "ع" يقول : " لا يموت زرارة إلا تائها".

  وعن علي القصير قال : إستأذن زرارة بن أعين وأبو الجارود على أبي عبدالله "ع" قال: يا غلام أدخلهما فإنهما عجلا المحيا وعجلا الممات".

  ويقول في الرجل نفسه الذي قال فيه : لولا زرارة لاندرست أحاديث أبى ، وقال: يا زرارة إن إسمك في أسامي أهل الجنة : يقول : هذا امامه وأما خلفه فيقول : إن ذا من مسائل آل أعين ، ليس من ديني ولا دين آبائي ".

  وزرارة نفسه هذا ، قال فيه ابن جعفر أبو الحسن موسى الإمام السابع لهم : والله كان زرارة مهاجرا إلى الله تعالى".

  وأيضا عن ابن أبى منصور الواسطي قال سمعت أبا الحسن "ع" يقول : إن زرارة شك في إمامتي فاستوهبته من الله تعالى ".

  وجدّ أبى الحسن أبو جعفر الباقر يقول عن زرارة حينما سأله عن جوائز العمال فقال ( أبو جعفر ) : لا بأس به ، ثم قال : إنما أراد زرارة أن يبلغ هشاما ( الخليفة ) أنى أحرم السلطان".

  يعني أن زرارة خائن ومن جواسيس الخلفاء الأمويين ولكن ابنه جعفر أبو عبدالله يمدحه بعد وفاة أبيه ثم يذمه ، ثم ابنه أي ابن أبي جعفر أبو الحسن موسى يمدحه مع أن أباه أبا عبدالله قال فيه ، حينما سأل أحد شيعته : متى عهدك بزرارة ؟ قلت : ما رأيته منذ أيام قال : لا تبال ، وإن مرض فلا تعده ، وإن مات فلا تشهد جنازته ، قال : ( الراوي ) قلت : زرارة ؟ متعجبا مما قال ( أبو عبدالله ) قال : ( أبو عبدالله ) : نعم زرارة شر من اليهود والنصارى وممن قال إن الله ثالث ثلاثة ".

  فهذا شأن قطب من أقطاب الشيعة الذي أدرك ثلاثة من الأئمة ، تتضارب فيه الأقوال لثلاثة من" المعصومين " الذين لا ينطقون إلا "بالوحي والإلهام " وقد صدق الله عز وجل حيث قال : ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحى إلي ولم يوح إليه شيء".

  وقال : لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا"

وقال : يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون ".

  وقال : جل مجده : وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون"

  ومثل هذا كثير ، بل هذا دأبهم مع الجميع ، مثل محمد بن مسلم ، وأبى نصير ، وحمران بن أعين وغيرهم من كبار الشيعة وأئمة رواتهم ، يبشرونهم بالجنة ويعدونهم من أخلص المخلصين مرة ، ويذمونهم ويكفرونهم وينذرونهم بالنار مرة أخرى.

 

لم قالوا بالتقية ؟

 

ولقد بين الشيعة الأسباب التي لأجلها اختاروا التقية ويختارونها ولكن اختلفوا فيها كما اختلفوا في الأمور كلها.

  فقد قالت طائفة : التقية أمر واجب حفظا للنفس والعرض والمال".

 

  وقال شيخ الطائفة الطوسي في تفسيره : التبيان : التقية واجبة عن الخوف على النفس ، وقد روى رخصة في جواز الإفصاح بالحق . . . . . ثم قال : ويظهر من قصة مسيلمة أن التقية رخصة والإفصاح بالحق فضيلة ".

  وقال الشيخ الصدوق : والتقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الإمامية وخالف الله ورسوله والأئمة ، وسئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل ( أكرمكم عند الله أتقاكم ) قال أعملكم بالتقية ".

  ونقلوا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : التقية من أفضل أعمال المؤمن يصون بها نفسه وإخوانه من الفاجرين".

  وقالت طائفة : إنها واجبة سواء كان صيانة للنفس أو لغيرها " فيروي الكليني عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : التقية في كل ضرورة وصاحبها أعلم بها حين تنزل به ".

  وقد روى الصدوق عن جابر : قال قلت يا رسول الله إن الناس يقولون إن أبا طالب مات كافرا ، قال : يا جابر ربك أعلم بالغيب إنه لما كانت الليلة التي أسرى بي إلى السماء انتهيت إلى العرش فرأيت أربعة أنوار فقيل لي : هذا عبدالمطلب ، وهذا عمك أبو طالب ، وهذا أبوك عبدالله ، وهذا ابن عمك جعفر بن أبي طالب ، فقلت : إلهي لم نالوا هذه الدرجة ، قال بكتمانهم الإيمان ولإظهارهم الكفر حتى ماتوا على ذلك ".

 

  وقالت طائفة إنها جائزة دفاعا عن النفس ، فقال الطبرسي مفسر الشيعة : وفي هذه الآية دلالة على أن التقية جائزة في الدين عن الخوف على النفس ".

  ويقول الطبرسي بعد ذكر رواية الحسن في قصة مسيلمة : فعلى هذا التقية رخصة والإفصاح بالحق فضيلة .

 

  ويقول لطف الله الصافي في كتابه " مع الخطيب " :

  نعم رأى الشيعة جواز التقية وقد عملوا بها الأجيال التي تغلب فيها على البلاد الإسلامية أمراء الجور وحكام جبابرة مثل معاوية ويزيد والوليد والمنصور . . . ".

  وقال السيد على إمام العالم الشيعي الهندي : إن الإمامية يرون جواز التقية حفظا على النفس والمال".

  ويروي الكليني عن زرارة عن أبي جعفر قال: ثلاثة لا أتقى فيهن أحدا شرب المسكر ومسح الخفين ومتعة الحج".

  وذكر ابن بابوية القمى مثل هذه الرواية في كتابه : قال الإمام عليه السلام : ثلاثة لا أتقى فيها أحدا شرب المسكر والمسح على الخفين ومتعة الحج ".

  والحق أن الشيعة يرون التقية واجبة في جميع الأمور سواء كانت للحفظ على النفس أم لغير ذلك .

  بل الصحيح أنهم تعودوا الكذب فسوغوه وسموه بغير اسمه ثم وضعوا الأحاديث في فضله .

  واحتاجوا أيضا إلى التقية والتجأوا إليها حينما عرفوا من أئمتهم أقوالا متضاربة وآراء متناقضة . فلما اعترض عليهم أن أئمتهم الذين يزعمون أنهم معصومون من الخطأ والنسيان كيف اختلفوا في شيء واحد ، فجوزوه مرة وحرموه تارة أخرى ، وقالوا بشيء في وقت ثم قالوا بنقيض ذلك في وقت آخر ؟ لم يجدوا الجواب إلا أن قالوا : إنهم أي الأئمة قالوا هذا أو ذاك تقية ، وقد اعترف بهذا المنصفون من الشيعة .

 

أمثلة لذلك

 

فيذكر أبو محمد الحسن النوبختي من أعلام الشيعة في القرن الثالث عن عمر بن رباح أنه سأل أبا جعفر عليه السلام عن مسألة ، فأجابه فيها بجواب ، ثم عاد إليه في عام آخر فسأله عن تلك المسألة بعينها فأجابه فيها بخلاف الجواب الأول ، فقال لأبى جعفر : هذا خلاف ما أجبتني في هذا المسألة العام الماضي ، فقال له : إن جوابنا ربما خرج على وجه التقية ، فشكك في أمره وإمامته ، فلقى رجلا من أصحاب أبي جعفر يقال له محمد بن قيس ، فقال له : إني سألت أبا جعفر عن مسألة فأجابني فيها بجواب ، ثم سألته عنها في عام آخر ، فأجابني فيها بخلاف جوابه الأول ، فقلت له : لم فعلت ذلك ؟ فقال : فعلته للتقية وقد علم الله أني ما سألته عنها إلا وأنا صحيح العزم على التدين بما يفتيني به ، وقبوله في العمل به ، فلا وجه لاتقائه إياى وهذه حالي . فقال له محمد بن قيس : فلعله حضرك من اتقاه ، فقال ما حضر مجلسه في واحدة من المسألتين غيري ولكن جوابيه كليهما خرجا على وجه التخبط ، ولم يحفظ ما أجابه في العام الماضي فيجيب بمثله ، فرجع ( عمر ابن رباح ) عن إمامته وقال : لا يكون إماما من يفتى بالباطل على شيء بوجه من الوجوه ولا في حال من الأحوال ، ولا يكون إماما من يفتى تقية بغير ما يجب عند الله ولا من يرخي ستره ، ويغلق بابه ، ولا يسع الإمام إلا الخروج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".

  وروىالكليني عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر ( الباقر ) قال: سألته عن مسألة فأجابني ، ثم جاءه رجل ، فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني ، ثم جاءه رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي فلما خرج الرجلان قلت : يا بن رسول الله رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت صاحبه ، فقال: يا زرارة إن هذا خير لنا ولكم ـ قال : فقلت لأبي : شيعتكم لو حملتموهم على الأسنة أو النار لمضوا وهم يخرجون من عندك مختلفين ".

 

  وروى الكشي مثل هذا عن ابنه جعفر الإمام السادس ، فيقول : حدثني أبو عبدالله . . . . . .  عن محمد بن عمر ، قال : دخلت على أبي عبدالله "ع" فقال : كيف تركت زرارة ؟ فقلت تركته لا يصلي العصر حتى تغيب الشمس ، فقال : فأنت رسولي إليه ، فقل له فليصل في مواقيت أصحابي فاني قد حرقت ، قال : فأبلغته ( يعني زرارة ) ذلك ، فقال : أنا والله أعلم أنك لم تكذب عليه ولكنه أمرني بشيء فأكره أن أدعه".

  ولأجل ذلك قال زرارة مرة حينما رأى من جعفر بن محمد الباقر التناقض والتضاد في مسألة واحدة ألا وهي تفسير الاستطاعة ، فقال : أما إنه ( أي أبا عبدالله جعفر ) قد أعطاني الاستطاعة من حيث لا يعلم ، وصاحبكم هذا ليس له بصر بكلام الرجال".

  وبمثل هذا روى عن ابن جعفر الإمام السابع عندهم موسى أبي الحسن فيروي الكشي بسنده عن شعيب بن يعقوب قال : سألت أبا الحسن "ع" عن رجل تزوج امرأة ولها زوج ولم يعلم ؟ قال : ترجم المرأة وليس على الرجل شيء إذا لم يعلم ، فذكرت ذلك لأبي بصير المرادي ، قال ( يعني أبا بصير ) : قال لي والله جعفر ترجم المرأة ويجلد الحد ، قال : فضرب بيده على صدره يحكها : أظن صاحبنا ما تكامل علمه ".

 

  وهذا أبو بصير الذي قال فيه جعفر بن باقر : بشر المخبتين بالجنة ، بريد زرارة بن معاوية ، وأبا بصير ، ومحمد بن مسلم ، وزرارة ، أربعة نجباء ، أمناء الله على حلاله وحرامه لولا هؤلاء لانقطعت آثار النبوة واندرست ".

  ولقد اشتكى الشيعة أنفسهم قبل ذلك بكثير مثل هذا التناقض والتضاد من الحسن والحسين رضي الله عنهما .

  فيذكر النوبختي ويقول : فلما قتل الحسين جاءت فرقة من أصحابه وقالت : قد اختلف علينا فعل الحسن وفعل الحسين لأنه إن كان الذي فعله الحسن حقا واجبا صوابا من موادعته معاوية وتسليمه له عن عجزه عن القيام بمحاربته مع كثرة أنصار الحسن وقوتهم فما فعله الحسين من محاربته يزيد بن معاوية مع قلة أنصار الحسين وضعفهم وكثرة أصحاب يزيد حتى قتل وقتل أصحابه جميعا باطل غير واجب ، لأن الحسين كان أعذر في القعود عن محاربة يزيد وطلب الصلح والموادعة من الحسن والقعود عن محاربة معاوية ، وإن كان ما فعله الحسين حقا واجبا صوابا من مجاهدته يزيد بن معاوية حتى قتل وقتل ولده وأصحابه ، فقعود الحسن وتركه مجاهدة معاوية وقتاله ومعه العدد الكثير باطل ، فشكوا لذلك في إمامتهما ورجعوا فدخلوا في مقالة العوام.

  وذكر عالم شيعي هندي ناقلا عن أئمته في كتابه " أساس الأصول " : الأحاديث المأثورة عن الأئمة مختلفة جدا ، لا يكاد يوجد حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه، ولا يروي خبر إلا وبإزائه ما يضاده حتى صار ذلك سببا لرجوع بعض الناقصين عن اعتقاد الحق كما صرح به شيخ الطائفة ( الطوسي ) في أوائل "التهذيب" و " الاستبصار" .

  وسبب آخر للتقية هو أن أئمة الشيعة كانوا يعللون شيعتهم بالأماني الكاذبة لتثبيتهم على التشييع ، فيروي الكليني عن على بن يقطين قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام : الشيعة تربى بالاماني منذ مأتى سنة . قال : وقال يقطين لابنه على بن يقطين : ما بالنا قيل لنا فكان ، وقيل لكم فلم يكن ؟ قال: فقال له علي : إن الذي قيل لنا ولكم كان من مخرج واحد ، غير أن أمركم حضر ، فأعطيتم محضه فكان كما ثيل لكم وإن أمرنا لم يحضر ، فعللنا بالأماني ، فلو قيل لنا : إن هذا الأمر لا يكون إلا إلى مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة لقست القلوب ولرجع عامة الناس عن الإسلام ولكن قالوا : ما أسرعه وما أقربه تألفا لقلوب الناس وتقريبا للفرج .

  ومن ذلك ما ذكره النوبختي أيضا في كتابه ناقلا عن سليمان بن جرير : أنه قال لأصحابه : إن أئمة الرافضة وضعوا لشيعتهم مقالتين لا يظهرون معهما من أئمتهم على كذب أبدا وهما ، القول " بالبداء" ، وإجازة التقية ، فأما البداء فان أئمتهم لما أحلوا أنفسهم من شيعتهم محل الأنبياء من رعيتها في العلم فيما كان ويكون والأخبار بما يكون في غد وقالوا : لشيعتهم إنه سيكون في غد وفي غابر الأيام كذا وكذا ، فإن جاء ذلك الشيء ، على ما قالوه ، قالوا لهم : ألم نعلمكم أن هذا يكون ونحن نعلم من قبل الله عز وجل ما علمه الأنبياء ، وبيننا وبين الله عز وجل مثل تلك الأسباب التي علمت به الأنبياء عن الله ما علمت ، وان لم يكن ذلك الشيء الذي قالوا انه يكون على ما قالوا قالوا : لشيعتهم بدالله في ذلك ، وأما التقية فانه لما كثرت على أئمتهم مسائل شيعتهم في الحلال والحرام وغير ذلك من صنوف أبواب الدين فأجابوا فيها وحفظ عنهم شيعتهم جواب ما سألوهم وكتبوه ودونوه ولم يحفظ أئمتهم تلك الأجوبة بتقادم العهد وتفاوت الأوقات . لأن مسائلهم لم تروفى يوم واحد ولا في شهر واحد بل سنين متباعدة وأشهر متباينة وأوقات متفرقة ، فوقع في أيديهم في المسألة الواحدة مرة أجوبة مختلفة متضادة وفي مسائل مختلفة أجوبة منفقة ، فلما وقفوا على ذلك منهم ردوا إليهم هذا الاختلاف والتخليط في جواباتهم وما سألوهم عنه وأنكروه عليهم ، فقالوا من أين هذا الاختلاف ؟

  وكيف جاز ذلك ؟

  قالت لهم أئمتهم : إنما أجبنا بهذا للتقية ولنا أن نجيب بما أجبنا وكيف شئنا لأن ذلك إلينا ونحن نعلم بما يصلحكم وما فيه بقاؤكم وكف عدوكم عنا وعنكم ، فمتى يظهر على هؤلاء كذب ومتى يعرف لهم حق باطل؟ فمال إلى هذا لهذا القول جماعة من أصحاب أبي جعفر وتركوا القول بإمامة جعفر عليه السلام ".

  وهناك ضرورة أخرى للقول بالتقية وهو أنه صدر من أئمتهم مدحا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والإعتراف بفضلهم وسبقهم إلى الخيرات حسب شهادة القرآن ، والإقرار بخلافتهم وإمامتهم .وإعلان البيعة لهم عن علي وأهل بيت النبي ، وتزويجهم إياهم بناتهم ، وإقامة العلاقات الطيبة الوثيقة معهم وتبرئهم من الشيعة وذمهم ، وبيان فسادهم ، فتحيروا وحاروا في هذا إذ لا يقوم مذهبهم إلا بالتبرئة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم والعداء الشديد لهم ولمن والاهم ، وبادعاء ولائهم لأهل البيت ، وإظهارهم الإخلاص لهم ، فلما رأوا هذا المأذق لم يجدوا المخلص منه إلا بالقول : إن الأئمة ما قالوا هذا إلا تقية وكانوا مع ذلك يبطنون خلاف ما يظهرونه ويقولونه .

 

مدح الصحابة

1-      فهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين وخليفة المسلمين الراشد الرابع ، والإمام الأول عندهم . يمدح أصحاب رسول الله e بقوله : لقد رأيت أصحاب محمد e فما أرى أحدا يشبههم منكم ، لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا ، وقد باتوا سجدا وقياما ، يراوحون بين جباهم ، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم كان بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم ، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى ابتلى جيوبهم ، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفا من العقاب ورجاء للثواب".

 

  وقال رضي الله تعالى عنه في الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما : وكان أفضلهم في الإسلام كما زعمت وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة الصديق ، والخليفة الفاروق ، ولعمرى أن مكانهما في الإسلام لعظيم وان المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد . رحمهما الله وجزاهما بأحسن ما عملا".

  وروى أيضا عن إمامهم السادس أبي عبدالله أنه كان يأمر بولاية أبي بكر وعمر ، فيروى الكليني عن أبي بصير : قال كنت جالسا عند أبي عبدالله إذ دخلت علينا أم خالد تستأذن عليه ( أبي عبدالله ) فقال : أبو عبدالله : أيسرك أن تسمع كلامهما ، قال : قلت : نعم ، فأذن لها ، قالك فأجلسني معه على الطنفسة ، قال: ثم دخلت وتكلمت فإذا امرأة بليغة ، فسألته عنهما ، ( أبي بكر وعمر) فقال لها : توليهما قالت : فأقول لربي إذا لقيته إنك أمرتني بولايتهما ، قال : نعم ".

  وقد ورد المدح للصديق الأكبر عن أبيه محمد الباقر أيضا كما رواه على بن عيسى الأردبيلي الشيعي المشهور في كتابه : كشف الغمة في معرفة الأئمة : أنه سئل الإمام أبو جعفر عن حليته السيف هل تجوز ؟ فقال نعم قد حلى أبو بكر الصديق سيفه بالفضة ، فقال ( السائل ) : اتقول هذا ؟ فوثب الإمام عن مكانه ، فقال : نعم ، الصديق ، نعم الصديق ، فمن لم يقل له الصديق ، فلا صدق الله قوله في الدنيا والآخرة ".

  ومن المعلوم أن مرتبة الصديق بعد النبوة ويشهد لها القرآن والآيات الكثيرة ، منها قوله تعالى : ( فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ).

 

 

الإعتراف بخلافة الخلفاء الراشدين الثلاثة

 

2-      واعترف علي رضي الله تعالى عنه وأولاده بخلافة هؤلاء ، أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين وأقروها لهم ، وكان علي وزيرا ومشيرا لهم ، كما ثبت عنه وعن أولاده مدح لهؤلاء الأعاظم ، فقد قال : لله بلاء فلان ( أبي بكر) فلقد قوم الأود ، وداوى العمد ، وأقام السنة ـ وخلف الفتنة ، ذهب نقى الثوب ، قليل العيب ، أصاب خبرها ، وسبق شرها ، أدى إلى الله طاعته ، واتقاه بحقه ".

 

  وقال لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حين شاوره في الخروج إلى غزو الروم : إنك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك فتلقهم فتنكب ، لا تكن للمسلمين كانفة دون أقصى بلادهم ، ليس بعدك مرجع يرجعون إليه فأبعث إليهم رجلا مجربا واحفز معه أهل البلاء والنصيحة ، فإن أظهر الله فذاك ما تحب ، وإن تكن الأخرى كنت ردا للناس ومثابة للمسلمين".

  واصرح من ذلك ما قال فيه وقد استشاره في الشخوص لقتال الفرس بنفسه فقال: إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلة ، وهو دين الله الذي أظهره ، وجنده الذي أعده ، وأمده ، حتى بلغ ما بلغ وطلع حيث طلع ، ونحن على موعود من الله ، والله منجز وعده ، وناصر جنده ، ومكان القيم بالأمر مكان النظام من الخرز يجمعه ويضمه ، فإن انقطع النظام تفرق الخرز وذهب ثم لم يجتمع لحذافيره أبدا . والعرب اليوم وإن كانوا قليلا ، فهم كثيرون بالإسلام ، عزيزون بالإجماع ، فكن قطبا ، واستدر الرحا بالعرب ، وأصلهم دونك نار الحرب ، فإنك إن شخصت من هذه الأرض انتفضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها ، حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك ـ

  إن الأعاجم إن ينظروا إليك يقولون : هذا أصل العرب ، فإذا قطعتموه استرحتم فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك . . وأما ما ذكرت من عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة وإنما كنا نقاتل بالنصر والمعونة".

  وقد قال لعثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه لما اجتمع الناس إليه وشكوا على عثمان ، فدخل عليه وقال: إن الناس ورائي وقد استنفروني بينك وبينهم ، ووالله ما أدري ما أقول لك ، ما أعرف شيئا تجهله ، ولا أدلك على أمر لا تعرفه ، إنك لتعلم ما نعلم ، ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه ، ولا خلونا بشيء فنبلغكه ، وقد رأيت كما رأينا ، وسمعت كما سمعنا ، وصحبت رسول الله e كما صحبناه ، وما ابن أبي قحافة ولا ابن الخطاب بأولى لعمل الحق منك ، وأنت أقرب إلى رسول الله e وشيجة رحم منهما ، وقد نلت من صهره ما لم ينالا".

  وقال مثنيا على خلافتهم الثلاثة : إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه ، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد ، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضى ، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما هرج منه ، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المسلمين المؤمنين وولاه الله ما تولى ".

  وقد صرح وأوضح إيضاحا لا غموض فيه مفسر الشيعة وكبيرهم على بن إبراهيم القمى حيث ذكر قول الله عز وجل : ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحفصة يوما أنا أفضى إليك سرا فقالت : نعم ما هو ؟ فقال : إن أبا بكر يلي الخلافة بعدي ثم من بعده أبوك ( عمر) فقالت : من أخبرك بهذا قال: الله أخبرني ".

  ونقل عن علي رضي الله عنه أنه قال لما أراد الناس على بيعته بعد قتل عثمان رضي الله عنه : دعوني والتمسوا غيرى . . . . . إلى أن قال : وإن تركتموني فأنا كأحدكم ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركو وأنا لكم وزيرا خير لكم منى أميرا ".

 

تزويج أم كلثوم من عمر بن الخطاب

 

3-      ومما يدل على العلاقات الوطيدة بين الخلفاء الثلاثة وبين علي رضي الله عنهم أن عليا تزوج ابنته فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها ، عمر الفاروق أمير المؤمنين وخليفة الرسول الأمين عليه السلام ، وقد اعترف بهذا الزواج محدثو الشيعة ومفسروها وأئمتهم "المعصومون" فيروي الكليني : عن معاوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال سألته عن المرأة المتوفى عنها زوجها تعتد في بيتها أو حيث شاءت قال: بل حيث شاءت ، إن عليا صلوات الله عليه لما توفى عمر أتى أم كلثوم فانطلق بها إلى بيته ".

  وروى مثل هذه الرواية أبو جعفر الطوسي في كتابه : تهذيب الأحكام في باب عدة النساء ، وأيضا في كتابه الأبصار ص 185 ج2 .

  ويروى الطوسي أيضا عن جعفر عن أبيه قال ماتت أم كلثوم بنت علي وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة ، لا يدري أيهما هلك قبل ولم يورث أحدهما الآخر وصلى عليهما جميعا".

  وبوب الكليني بابا باسم "باب في تزويج أم كلثوم" وروى تحت ذلك حديثا عن زرارة عن أبي عبدالله عليه السلام في تزويج أم كلثوم فقال : إن هذا فرج غصبناه".

  ويذكر محمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني : فولد من فاطمة عليه السلام الحسن والحسين والمحسن وزينب الكبرى وأم كلثوم الكبرى تزوجها عمر".

  ويقول الشهيد الثاني للشيعة زين الدين العاملي : وزوج النبي ابنته عثمان ، وزوج ابنته زينب بأبي العاص ، وليسا من بني هاشم ، وكذلك زوج على ابنته أم كلثوم من عمر ، وتزوج عبدالله بن عمرو بن عثمان فاطمة بنت الحسين ، وتزوج مصعب بن الزبير أختها سكينة ، وكلهم من غير بني هاشم ".

 

ذم الشيعة وبيان نقائصهم

 

4-      إن عليا وأولاده الأئمة " المعصومين " ـ عندهم ـ كانوا يبغضون الشيعة المنتبين إليهم ، المدعين حبهم وأتباعهم ، وكانوا يذمونهم على رؤوس الأشهاد ، فهذا علي رضي الله تعالى عنه ـ الإمام المعصوم الأول ـ كما يزعمون ـ يذم شيعته ورفاقه ويدعو عليهم فيقول :

  وإني والله لأظن أن هؤلاء القوم سيدالون منكم باجتماعهم على باطلهم ، وتفرقكم عن حقكم ، وبمعصيتكم إمامكم في الحق ، وطاعتهم إمامهم في الباطل ، وبأدائهم الأمانة إلى صاحبهم وخيانتكم ، وبصلاحهم في بلادهم وفسادكم ، فلو ائتمن أحدكم على قعب لخشيت أن يذهب بعلاقته ، اللهم إنى قد مللتهم وملونى ، اللهم مث قلوبهم كما يماث الملح في الماء"

 

ويقول : يا أشباه الرجال ولا رجال! حلوم الأطفال ، وعقول ربات الحجال لوددت أنى لم أركم ولم أعرفكم معرفة – والله – جرت ندماً، وأعقبت سدما . قاتلكم الله ! لقد ملأتم قلبي قيحا ، وشحنتم صدري غيظا ، وجرعتموني نغب التهمام أنفاساً ، وأفسدتم على رأيى بالعصيان والخذلان ، حتى لقد قالت قريش : إن ابن أبي طالب رجل شجاع ، ولكن لا علم له بالحرب.

  لله أبوهم ! وهل أحد منهم أشد لها مراسا ، وأقدم فيها مقاما منى ! لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ، وهأنذا قد ذرفت على الستين ! ولكن لا رأى لمن لا يطاع ".

  يا أيها الناس ، المجتمعة أبدانهم ، المختلفة أهواؤهم ، كلامكم يوهى الصم الصلاب ، وفعلكم يطمع فيكم الأعداء ! تقولون في المجالس : كيت وكيت ، فإذا جاء القتال قلتم . حيدى حياد! ما عزت دعوة من دعاكم ، ولا استراح قلب من قاساكم ، أعاليل بأضاليل ، وسألتموني التطويل ، دفاع دى الدين الممطول لا يمنع الضيم الذليل ! ولا يدرك الحق إلا بالجد ! أي دار بعد داركم تمنعون ، ومع أي إمام بعدي تقاتلون ؟ المغرور والله من غررتموه ، ومن فاز بكم فقد فاز ـ والله ـ بالسهم الأخيب ، ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل ، أصبحت والله لا أصدق قولكم ، ولا أطمع في نصركم ، ولا أوعد العدو بكم . ما بالكم ؟ ما دواؤكم ؟ ما طبكم ؟ القوم رجال أمثالكم . أقوالا بغير علم ! وغفلة من غير ورع ! وطمعا في غير حق"!.

  ويمدح رضي الله عنه أنصار معاوية ويذم شيعته " أما والذي نفسي بيده ، ليظهرن هؤلاء القوم عليكم ، ليس لأنهم أولى بالحق منكم ، ولكن لإسراعهم إلى باطل صاحبهم ، وإبطائكم عن حقي . ولقد أصبحت الأمم تخاف ظلم رعاتها ، وأصبحت أخاف ظلم رعيتي . استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا ، وأسمعتكم فلم تسمعوا ، ودعوتكم سرا وجهرا فلم تستجيبوا ، ونصحت لكم فلم تقبلوا ، شهود كغياب ، وعبيد كأرباب ! أتلو عليكم الحكم فتنفرون منها ، وأعظكم بالموعظة البالغة فتفترقون عنها ، وأحثكم على جهاد أهل البغى فما أتى على اخر قولى حتى أراكم متفرقين أي ادى سبا . ترجعون إلى مجالسكم ،وتتخادعون عن مواعظكم ، أقومكم غدوة ، وترجعون إلى عشية ، كظهر الحنية ، عجز المقوم ، وأعضل المقوم.

  أيها القوم الشاهدة أبدانهم ، الغائبة عنهم عقولهم ، المختلفة أهواؤهم ، المبتلى بهم أمراؤهم .صاحبكم يطيع الله وأنتم تعصونه وصاحب أهل الشام يعصى الله وهم يطيعونه ، لوددت والله أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم ، فأخذ منى عشرة وأعطاني رجلا منهم !.

  يا أهل الكوفة ، منيت منكم بثلاث واثنتين : صم ذوو أسماع ، وبكم ذوو كلام ، وعمى ذوو أبصار ، لا أحرار صدق عند اللقاء ، ولا إخوان ثقة عند البلاء ! تربت أيديكم ! يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها! كلما جمعت من جانب تفرقت من آخر ، والله لكأنى بكم فيما إخالكم أن لو حمس الوغى وحمى الضراب قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها".

  والله لولا رجائي العدو ـ لو قد حم لي لقاؤه ـ لقربت ركابى ثم شخصت عنكم فلا أطلبكم ما اختلف جنوب وشمال ، طعانين عيابين ، حيادين رواغين . إنه لا غناء في كثرة عددكم مع قلة اجتماع قلوبكم ".

  وقال : ما أنتم بوثيقة يعلق بها ، زوافر عز يعتصم إليها . لبئس حشاش نار الحرب أنتم أف لكم ! لقد لقيت منكم برحا يوما أناديكم ويوما أناجيكم ، فلا أحرار صدق عند النداء ، ولا إخوان ثقة عند النجاء ".

  وقال يصفهم : أحمد الله على ما قضى من أمر وقدر من فعل ، وعلى ابتلائي بكم أيتها الفرقة التي إذا أمرت لم تطع ، وإذا دعوت لم تجب . إن أمهلتهم خضتم ، وإن حوربتم خرتم . وإن اجتمع الناس على إمام طعنتم ،وإن أجئتم إلى مشاقة نكصتم . لا أبا لغيركم ! ما تنتظرون بنصركم والجهاد على حقكم ؟ الموت أو الذل لكم ؟ فوالله لئن جاء يومي ـ وليأتيني ـ ليفرقن بيني وبينكم وأنا لصحبتكم قال ، وبكم غير كثير . لله أنتم ! أما دين يجمعكم ! ولا حمية تشحذكم ! أو ليس عجبا أن معاوية يدعو الجفاة الطغام فيتبعونه على غير معونة ولا عطاء ، وأنا أدعوكم ـ وأنتم تريكة الإسلام ، وبقية الناس ـ إلى المعونة أو طائفة من العطاء ، فتفترقون عني وتختلفون علي؟ إنه لا يخرج إليكم من أمري رضى فترضونه ، ولا سخط فتجتمعون عليه ، وإن أحب ما أنا لاق إلى الموت ! قد دارستكم الكتاب ، وفاتحتكم الحجاج ، وعرفتكم ما أنكرتم ، وسوغتم ما مججتم ، لو كان الأعمى يلحظ ، أو النائم يستيقظ ! وأقرب بقوم من الجهل بالله قائدهم معاوية ! ومؤدبهم ابن النابغة.

 

الشيعة عند غيره من الأئمة

 

  فهذا ما قاله أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، وأما ما قاله الحسن والحسين وغيرهما من الأئمة "المعصومين" عند الشيعة فكما يأتي ، يروي الكليني عن أبي الحسن موسى أنه قال : لو ميزت شيعتي ما وجدتم إلا واصفة ولو امتحنتم لما وجدتهم إلا مرتدين ".

  ويذكر الملا باقر المجلسي في مجالس المؤمنين ، أنه روى عن الإمام موسى الكاظم أنه قال : ما وجدت أحدا يقبل وصيتي ويطيع أمري إلا عبدالله بن يعفور".

  وروى الكشي عن أبيه جعفر أنه قال أيضا : إني والله ما وجدت أحدا يطيعني ويأخذ بقولى إلا رجلا واحدا ـ عبدالله بن يعفور " .

  وذكر الحسن بن علي رضي الله عنهما شيعته ، فقال : أرى والله معاوية خيرا لي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلى ، وأخذوا مالي ، والله لأن آخذ من معاوية عهدا أحقن به دمي وآمن به في أهلي خير من أن يقتلوني فتضيع أهل بيتي وأهلي ، والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوا به إليه سلما ، والله لأن أسألمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير ، ويمن على فيكون سبة على بني هاشم آخر الدهر ، ومنه لمعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحي منا والميت ".

  وقال : عرفت أهل الكوفة ( أي شيعته وشيعة أبيه ) وبلوتهم ولا يصلح لي منهم من كان فاسدا إنهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولا فعل ، وإنهم لمختلفون ويقولون لنا إن قلوبهم معنا وإن سيوفهم لمشهورة علينا ".

  وقال أخوة الحسين لشيعته حينما اجتمعوا عليه بدل أن يساعدوه ويمدوه بعد ما دعوه إلى الكوفة وبايعوا مسلم ـ بن عقيل نيابة عنه فقال لهم : تبا لكم أيتها الجماعة ! وترحا وبؤسا لكم وتعسا حين استصرختمونا ولهين فأصر خناكم موجوفين ، فشحذتم علينا سيفا كان في أيدينا وحششتم علينا نارا أضر مناها على عدوكم وعدونا ، فأصبحتم ألبا على أوليائكم ويدا على أعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم ولا ذنب كان منا فيكم ، فهلا لكم الويلات إذ أكرهتمونا والسيف مشيم والجأش طامن والرأى لم تستخصف ولكنكم استسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الدبا ، وتهافتم إليها كتهافت الفراش ثم نقضتموها سفها ".

  ومثل هذا كثير ـ فهذه هي الأسباب التي جعلتم يلجأون إلى القول بالتقية ، لأنه لا يمكن الجمع بين مدح الصحابة وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان ، وبين ذمهم والطعن فيهم كما لا يمكن الجمع بين ذم الشيعة والطعن فيهم وبين مدحهم ".

  فكيف الجمع بين هذا وذاك ؟

  فقالوا : إن الأئمة ما قالوا ذلك إلا تقية فكان هذا هو المخلص الوحيد لهم من المآزق .

  ونحن نسأل إن كانت الأقوال في مدح الصحابة وأبي بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم أجمعين والبيعة لهم ، وتزويجهم إياهم بناتهم وتبرئتهم من شيعتهم ، وذمهم تقية فمن أجبرهم على ذلك ؟

  وهل كان هناك خوف على أنفسهم حتى اضطروا إلى مثل تلك الأقوال المبنية على الحقائق والوقائع .

  ولو كان عليّ يبغض عمر لأشار عليه حينما استشاره في الشخوص لقتال الأعاجم والروم أن يشخص للقتال ليقتل ويستريح هو وأهل بيت النبي منه ولكنه على خلاف ذلك أنكر عليه الشخوص ومنعه منعا باتا وعده قطب الرحى للعرب وكالنظام للخرز.

   فعدلا يا عباد الله !. . .

 

الرد على القول بالتقية

 

  ثم استدلا لهم على جواز التقية من الآيات القرآنية والأحاديث والروايات عند الخوف على النفس ليس إلا أضحوكة يضحك منها العقلاء .

  أولا ـ إن الإستدلال بالآيات مثل قوله تعالى : ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، وقوله : فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم ، وقوله : وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون ، وقوله : لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء : وإلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان : وغير ذلك من الآيات ، وكذلك الاستدلال بالروايات مثل قصة أبي جندل وغيرها وأبي ذر0%'>  وقول علي رضي الله : لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يترك الكذب هزله وجده ".

  وقال : الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك ".

وأما الآيات التي استدلوا بها فإن دلت على شيء فإنما تدل على جواز التوريه كما في قصة إبراهيم فقوله لهم : إني سقيم ، يعني به سقيم من عملكم.

  وأما قصة يوسف فليس فيها تقية ولا توريه لأن معرفته إخوته وعدم إخبارهم بمعرفته لا يدل علىالتقية .

  وليس معنى قوله : إلا من أكره : أن يعلم الناس الكفر ويفتيهم بالحرام ، ويحرضهم على خلاف الحق بل كل ما فيه أنه لو اضطر وأجبر على القول بالكفر فله أن يتقول به من غير أن يعتقد ويعمل به .

  وأما قوله : لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء : ليس فيه مسألة التقية مطلقا وهكذا في قوله : ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة : لأن معناه أن لا يبخل المسلمون بالإنفاق والجهاد فينجروا إلى الهلاك ، وبهذا فسره علماء الشيعة وأئمتهم ومفسروهم كما في" المنهج " وغيره من تفاسير الشيعة.

  وأما قصة أبي جندل وأبي ذر فليس فيها شائبة للتقية ، وقول أبي بكر للكفار حينما سألوه من هذا الرجل الذي بين يديك ؟ فقال : رجل يهديني السبيل : فلا علاقة له بالتقية ، أما كان رسول الله يهديه إلى سبيل الخير ، سبيل الجنة ؟ . .

  وقال الشاه عبدالعزيز الدهلوى في التحفة :

  إن التقية لا تكون إلا لخوف والخوف قسمان ، الأول الخوف على النفس وهو منتف في حق حضرات الأئمة بوجهين ، أحدهما أن موتهم الطبيعي باختيارهم ( حسب زعم الشيعة ) كما أثبت هذه المسألة الكليني في الكافي وعقد لها بابا وأجمع عليها سائر الإمامية وثانيه أن الأئمة يكون لهم علم بما كان ويكون فهم يعلمون آجالهم وكيفيات موتهم وأوقاته بالتخصيص ، فقبل وقته لا يخافون على أنفسهم ، ولا حاجة بهم إلى أن ينافقوا في دينهم ويغروا عوام المؤمنين.

  القسم الثاني ، خوف المشقة والإيذاء البدني والسب والشتم وهتك الحرمة ، ولا شك أن تحمل هذه الأمور والصبر عليها وظيفة العلماء ، فقد كانوا يتحملون البلاء دائما في إمتثال أوامر الله تعالى ، وربما قابلوا السلاطين الجبابرة .

  وأهل البيت النبوي أولى بتحمل الشدائد في نصرة دين جدهم r وأيضا لو كانت التقية واجبة فلم توقف إمام الأئمة ( علي ) كرم الله تعالى وجهه عن بيعة خليفة رسول الله r ستة أشهر ؟ وماذا منعه من أداء الواجب أول وهلة ؟ ـ ".

  ثم لم يكن على أولاده من ذي التقية لأننا كما ذكرنا عن أعيان الشيعة أن التقية لا تكون إلا عند الخوف علىالنفس ووقاية للشر وأئمة الشيعة حسب زعمهم كانوا يملكون من القوة ما لا يملكها الآخرون كما ذكرنا قبل ذلك في معتقدهم في الأئمة وكما ذكره الطبرسي إن عمر جادل سلمان وأراد أن يؤذيه : فوثب إليه أمير المؤمنين عليه السلام وأخذ بمجامع ثوبه ثم جلد به الأرض ".

  وذكر الرواندي : إن عليا بلغه عن عمر ذكر شيعته ، فاستقبله في بعض طرق لبساتين المدينة وفي يد على القوس فقال يا عمر بلغني عنك ذكرك شيعتي ، فقال: إربع على ظلعك ، فقال: إنك لهاهنا ، ثم رمى بالقوس على الأرض فإذا هو ثعبان كالبعير فاغرافاه وقد أقبل نحو عمر ليبتلعه فصاح عمر : الله ، الله ، يا أبا الحسن لا عدت بعدها في شيء وجعل يتضرع إليه ، فضرب بيده إلى الثعبان فعادت القوس كما كانت ، فمضى عمر إلى بيته مرهوبا".

  ونسب إلى علي أنه قال : إني والله لو لقيتهم واحدا وهم طلاع الأرض كلها ما باليت ولا استوحشت .

  وليس هذا بخاصة على رضى الله عنه بل كل الأئمة هكذا يملكون من الشجاعة والقوة والمعجزات ما لم يحصل للآخرين كما روى عن أبي الحسن علي بن موسى ـ الإمام الثامن لهم ـ أنه قال : للإمام علامات ، يكون أعلم الناس ، وأحكم الناس ، وأتقى الناس ، وأحلم الناس ، وأشجع الناس . . . . ويرى من بين يديه ولا يكون له ظل واقع إلى الأرض . . . ويكون دعاؤه مستجابا حتى لو أنه دعا إلى صخرة لانشقت نصفين ، ويكون عنده سلاح رسول الله وسيفه ذو الفقار ".

  وفي رواية الكليني : ويملك الإمام أيضا ألواح موسى وعصيه وخاتم سليمان كما يملك الاسم الذي يؤثر فيه الرماح والسهام ".

  فمن يكون هذا شأنه لم يتقى وممن يتقى ؟.

  وأخيرا إلى متى تجب هذه التقية أو بالتعبير الصحيح الكذب عند الشيعة ؟.

  فيروى الأردبيلي عن الحسين بن خالد أنه قال : قال الرضا عليه السلام : لا دين لمن لا روع له ولا إيمان لمن لا تقيه له وإن أكرمكم عند الله أتقاكم فقيل له يا بن رسول الله إلى متى قال إلى يوم الوقت المعلوم وهو يوم خروج قائمنا . فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا ".

 وروى الكليني عن علي بن الحسين أنه قال : والله لا يخرج واحد منا قبل خروج القائم إلا كان مثله مثل فرخ طار من وكره قبل أن يستوي جناحاه فأخذه الصبيان فعبثوا به".

  وكتب ابن بابوبه : والتقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله ودين الإمامية وخالف الله ورسوله والأئمة ".

  فهذا هو دين الإمامية ، دين الشيعة الأثنى عشرية ، دين الكذب ودين الخداع والمكر ، والكذب إلى الأبد لا نجاة منه .

  وقد ذكرنا الله عز وجل وإياهم في كتابه وقال: ( فمن أظلم ممن كذب علىالله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين ، والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون ، لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ، ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ، أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فماله من هاد ، ومن يهد الله فماله من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام ) وصدق الله مولانا العظيم.